المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الخميس ٢١ تشرين الثاني ٢٠٢٤ - 19 جمادي الأول 1446
  معارف توحيدية  
  ان مذهب التوحيد قد ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات مع الحفاظ على القاعدة التي تعتبر الرجال قوامين على النساء، ولكنه أحاط المرأة بكثير من المحاذير والتي تبدو متشددة بحقها والواقع أن مذهب التوحيد جاء متوافقاً مع الشريعة الإسلامية من جهة ومع التقاليد العربية الأصيلة من جهة أخرى، فهو يغار على المرأة دينياً ولا يريد لها أن تزلّ قدمها في المعاصي والمغريات مع ما يقود ذلك إلى ارتكاب الفواحش واختلاط الأنساب. وكذلك يجاري التقاليد العربية التي تعتبر المرأة عنوان كرامة الأسرة وبالتالي القبيلة، وإن للمرأة وجهان متعاكسان فإن كانت صالحة في سلوكها وتربيتها كان المجتمع صالحاً، وان كانت سيئة السلوك فإن هذا السوء يتعداها إلى المجتمع الذي يصبح فاسداً. فمن هذا المنطلق جعل مذهب التوحيد للمرأة قيمة كبرى واعتبرها عنصراً مهماً في المجتمع لا تقل أهميتها عن أهمية الرجل فساوى بينهما وأمر بإنصافها.

الخطبة هي أن يطلب الرجل الموحد من فتاة موحدة أو بواسطة وليّها الموافقة على الارتباط بزواجٍ شرعيٍ بينهما، وهي بالتالي من حيث المبدأ وعد بالموافقة، ينم عن معانٍ عديدة أهمها الرضى والقبول بالشريك الآخر ويعتبر مقدمة وفترة تمهيدية لعقد الزواج الذي هو من أخطر العقود قاطبة كونه يتناول الإنسان حياةً وقدراً.

ونصت المادة 26 من قانون الأحوال الشخصية للطائفة الدرزية على: لكل من الخاطب والمخطوبة أن يرجع عن الخطبة من غير أن يلزمه شيء أما فيما يتعلق بهدايا الخطبة فإذا كان الرجوع من جهة الخاطب فلا يجوز له أن يسترد شيئاً مما قدمه للمخطوبة سواء أكان باقياً وقت رجوعه أم لم يكن. وان كان الرجوع من جهة المخطوبة وجب عليها أن ترد كل شيء قدمه الخاطب لها، فإن كان قائماً ردته بنفسه وان كان قد هلك في وقت رجوعها ردت مثله أو قيمته ما لم يكن بينهما شرط فيعمل به.

ولا يحل لرجل أن يتقدم ليخطب فتاة مخطوبة لقول رسول الله (صلعم): )المؤمن أخ المؤمن، فلا يحلُ لمؤمنٍ أن يبتاع على أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر[.

نعلم أن الخطوبة في هذه الأيام تحصل نتيجة تعارف بين فتاة وشاب قد التقيا في الجامعة أو النادي، أو في أية مناسبة اجتماعية، أو زيارات أهلية. وتحصل الخطوبة بعد مصاحبة بعضهما البعض وبعد طول مسامرة أو مجالسة يتجاذبان فيها أطراف الأحاديث، ويتبادلان الأفكار ويقرران بعد ان يقتنع كل منهما بالآخر الخطوبة، ويبدآن بالرحلات سوية وبالسهرات والمناسبات الاجتماعية، وما نراه اليوم من أعمال لا يُقِرُها العقل والدين التي يقوم بها كثير من العائلات وقد أساءوا فهم الخطبة.

وكم من خطبة فسخت بعد انعقادها وتدابر على أثرها الفريقان ولكن الخسارة الكبرى تقع على الفتاة لأن فسخ الخطوبة يشكل لها انتكاسة يطول معها الانتظار ليأتي البديل عن الخطيب الأول، الاختلاط ومرافقة الأخير ينعكس سلباً على وضع الفتاة بحيث يحجم الشباب عن خطوبتها بسبب خطبتها الأولى، سيما وان الشاب يرغب الفتاة التي لم تخرج مع أحد، ولم تعاشر سواه، فيقودها حظها العاثر إلى اليأس والانطواء أحياناً، وأحياناً إلى التمرد وسلوك الطرق الملتوية تعويضاً عما فاتها من آمال عريضة أو انتقاما من المجتمع الذي لا يرحم.

والقيّمون على مذهب التوحيد أرادوا أن يدرأوا النتائج السيئة بالمقدمات الصحيحة حفاظاً على كرامة المرأة المؤمنة الموحدة، وصيانة للرجل الموحد، فقادهم ذلك الأمر بإتباع طريقة في التعارف بين الجنسين تظهر غريبة قياساً على ما نحن عليه في هذه الأيام.

وانطلاقاً من أن عقد الزواج من أهم العقود المسماة وأجلّها وإن الإنسان الحي الناطق أجلّ المخلوقات وأرفعها وهو غاية الله تعالى من الوجود، اعتبر الموحدون أن الواجب اللازم قبل الزواج أن يعرِّفَ الثُُقات الموحدون الخطيب حال الخطيبة لجهة دينها وعقلها ودنياها وبدنها وأصلها وأخلاقها...الخ وكذلك يعرفون الخطيبة حال الخاطب في جميع أحواله الدينية والدنيوية وعن أخلاقه وفقره وغناه وحسبه ونسبه...الخ.

كما يقتضي على المكلفين نقل صورة الفريقين بكل دقة وأمانة وإخلاص دون شطط في إطراء أو انتقاد.

ونلاحظ بأن الخطبة إذا حصلت بين الفريقين في الطريقة المنوه عنها آنفاً دون اختلاط ورحلات وسهرات. وبعد ذلك فسخت الخطبة لسبب ما، فإن ذلك لا يؤثر على سمعة الخطيبة، ولا على وضعها الاجتماعي.

وقد يبدو ما ذكرناه غريباً عن المألوف لدينا في أيامنا الحاضرة غير ان الموحدين الأتقياء لا يزالون سائرين على هذا النهج، ومحافظين على تلك التقاليد التي تبعدهم عن الشكوك ومواطن التهم. غير ان البعض الآخر الذي لا يطيق صرامة الشروط فيطبق ما يراه مناسباً في جميع الأمور المتعلقة بالزواج، ويخرج عن الحدود التي رسمها المذهب.

كما درجت العادة في هذه الأيام على التوجُّه لإجراء عقد زواج شرعي بين الخاطب والمخطوبة قبل ان يقرر موعد الزفاف بزمنٍ طويل، وهذا يتناقض مع العادات والأعراف المتبعة، لأنه لا تحل المخطوبة للخاطب إلا بإجراء العقد الشرعي المستوفي الشروط القانونية، وبالتالي الانتقال إلى البيت الزوجي.

فكيف نوفق اليوم بين الحفاظ على الأصول والمناقب والعادات التوحيدية وبين تطور المدنية ومشاكلها؟

أقولُ لأبنائي الموحِّدين ما ورد في الحديث الشريف: "الرجلُ راعٍ على أهلِ بيته وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولده وهي مسؤولةٌ عنهُم... ألا فكُلُّكُم راعٍ وكلُّكُم مسؤولٌ عن رعيّته."

حرر في: 6 محرم 1430 هـ. الموافق 3/1/2009 م.

صدر عن مكتب مشيخة عقل

طائفة الموحدين الدروز