ويسألونكَ عن المسالكِ الفاسدةِ التي يتخبَّطُ في مياهِها الآسِنَةِ شبابُنا، ويَضَيعُونَ في متاهات سرابِ صحاريها.
فقُل لهم: إن بداية الفسادِ نتيجةٌ لعدم وجودِ رؤيةٍ يقينيةٍ في ذهن الشباب لحياتهم المستقبلية، يُرافقها عدمُ وجودِ خريطةَ طريقٍ إيمانيةٍ صحيحةٍ توصلهم إلى تجسيد رؤيتهم العقلانية واقعاً عملانياً على أرض المجتمع. انها التربيةُ الناقصةُ الماديةُ التي علّمت شبابنا النظرَ إلى السلبياتِ وتحويل الوجه عن الإيجابياتِ.
فهم لا يرومون في مجتمعهم إلا البطالة والفراغ والتلوث والهجرة، وتعمى عيونهم عن رؤية الأهل الذين يكدحون النهار والليل ويحرمون أنفسهم من أبسط حقوقهم في الراحة والرفاهية من أجل تعليم أولادهم والإرتقاء بهم إلى مراتب أعلى من مراتبهم. إنهم لا يَرَوْنَ الأب المهاجر الذي يقتحم المجهول، والذي زاده مروءته وسلاحه، إصراراً وتصميماً على التضحية من أجل غدٍ أفضل لجميع أفراد أسرته. إنهم لا يرون الأم التي تنحر أنوثتها على مذبح أمومتها، مضحية حتى بأحلامها من أجل بناء أسرة فاضلة مثقفة حضارية، تتطور مع علوم العصر ومعارفه ومجالات عمله. وما يُخشى اليوم هو ان الأهل قد أغفلوا أولادهم، وأنستهم المدنية المتسارعة واجباتهم.
إنها مفهوم التربية المعاصرة الفاسدة في المدرسة والجامعة التي علّمت شبابنا احتقار لغتهم العربية والمبادئ. وهي التي لطالما أهملت تراثنا الحضاري وعاداتنا الحميدة وتقاليدنا الأصيلة ونتائج عقول عباقرتنا الأفاضل، ونضال عمّالنا وفلاحينا، فسلخت الشباب وطمست عقولهم عن الحق وأَغْشَت أبصارهم عن قيم مجتمعهم، فأضلّتهم السبيل. سقط الحياء، واُفقِد الجسد الإنساني حرمتَه، وأصبح عَرْضُ مفاتنه رُقِيّاً وانتساباً إلى عصر العولمة. وإذا كان منطق العقل يقول بأن الإنسان يجب أن يكشف لأعين الناظرين خير ما عنده، فأين الخير الذي شبابنا وشاباتنا اليوم يظهروه ويكشفوه لأعين الناظرين ويتناظروا به؟!
في ألواح تراثنا، المرءُ يفتخرَ بكرمِه وشجاعته ومروءته، يفتخرُ بإغاثةِ المنكوبينَ وبمساندة المستضعفين، وبمدِّ يدُ المعونة لليتامى والأرامل وأبناء السبيل. لقد أصبح شبابُنا اليوم يتفاخرون برذائلهم، فمنهم من باع أرضَ آبائهِ وحقولَ أجدادِه، ليتباهى بالزينة والسيارات وما شاكلِها. فرِبا الأموال أغشى بصرَه وأعمى بصيَرتَه عن الحقيقة.
قال أفلاطون: العقلَ دينَ الخاصة والدينَ عقلَ العامة، ونحن غدونا بلا عقلٍ ولا دينٍ بل سعي مُجهِد إلى طلب المال بأي وسيلة كانت، والتكالب على الملذات ولو على حساب المروءة والشهامة وعزة النفس. قال الفارابي: "فضيلة الفقير عفتَه وعزَة نفسِه، وفضيلةُ الغني عطاءُه وجبرُه عثرات الكرام، ومن عظة أحد الحكماء: "إن الفضيلةَ هي الوجهُ الآخر للمعرفة، وان الجهل هو الوجه الآخر للرذيلة". فشبابنا اليوم كلما ازدادوا علماً ازدادوا جهلاً لأن العلمَ عندهم أصبحَ وسيلةً لا غايةً، ومطيةً للوصولِ إلى جني المال لإشباع الرغبات وإرضاء الشهوات، لا معراجاً يرتَقيِه المرءُ للوصول إلى تحقيق كماله الإنساني وامتلاكِ الحقائقَ البرهانية والفضائل العقلانية التي هي غايةُ الغايات وسعادةُ السعادات.
ساهم في إعداد النص، كمال سري الدين.
حرر في: 2 ذو القعدة 1431هـ. الموافق 8/11/2010 م.