قال الله تعالى: ) إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا [[النساء 103] معناه أنّ الصّلاة كانت على المؤمنين واجبة مفروضة (عن بن عباس ومجاهد والباقر والصّادق) وقيل: فرضاً موقوتاً (عن بن مسعود وقتادة).والقولان متقاربان.
وقد شهد تعالى بِالفَلاَح لِلْمُصَلِّين في قوله: ) قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2)[[المؤمنون 1-2]. فالصَلاة صلة بين العبد والمعبود، وما كان صلةً بينه وبين الله فحق العبد أن يكون خاشعاً لصولة الرُّبوبيَّة على العبوديَّة. والمفلحون هم الخاشعون في صلاتهم، وبانتفاء الخشوع ينتفي الفلاح. ولمَّا رأى رسول الله (صَ) رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة قال: لو خشع قلب هذا لخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ.
وقال رسول الله(صَ): تعوَّذوا بالله مِن الخشوع النِّفاق،قيل وما الخشوع النِّفاق؟
قال: "خشوع البدن ونفاق القلب". ولمَّا سئل النَّبي (صَ) عن الخشوع؟ قال: التواضع في الصلاة وان يُقْبلَ العبد بقلبه كُلِّه على ربَّه. وقال تعالى: ) إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ[[العنكبوت 45]. والفحشاء كل مستقبح من قولٍ أَو فعل، والمنكر يجمع الفواحش من قول أو فعل. واشتقاق الصَّلاة من الصَّلى وهو النار. والخشبة المعوَجَّة إذ أرادوا تقويمها تُعرض على النَّار ثم تُقوَّم، وفي العبد إعوجاج بوجود النَّفس الأمَّارة بالسُّوء، فالمُصلي كالمُصطلي بالنَّار، ومن اصطلى بنار الصَّلاة وزال بها إعوجاجه حرِّمت عليه نار جهنَّم.
والصّلاة مأخوذة من اللُّزوم، ومنه صَلىَ بالنّار إذا لزمها، وكأن المعنى في هذا ملازمة العبادة على الحدّ الذي أمر الله تعالى به.
وقال الله تعالى: )وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي[[طه 14] ،فإذا كانت الصَّلاة للذكر فكيف يقع فيها النّسيان؟! وقال تعالى: ) فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (1)الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ(2)[[الماعون4- 5]. وروي عن الصحابي الجليل عمَّار بن ياسر عن رسول الله (صَ) انه قال: منكم من يُصليِّ الصَّلاة كاملة، ومنكم من يُصلِّي النّصِف، ومنكم من يُصلي الثُلث والرِّبع والخُمس حتَّى يَبْلُغَ العُشر، وفي لفظٍ آخر قال عمّار عن الرَّسول(صَ): لا يُكتب للعبد من صلاته إلاَّ ما يعقل.
وقال تعالى: )لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ [[النساء 43] ، فمن قال ولا يعلم ما يقول كيف يُصلِّي وقد نهاه الله عن ذلك؟ فالسَّكران يقول الشيء بلا حضور العقل، والغافل يُصلي بلا حضور العقل فهو كالسَّكران.
ويبيَّن لنا الرسول(صَ) ان الصَّلاة تمحو الخطايا فقال: أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه خمس مرَّات في اليوم هل يبقى من درنه شيءٌ؟ قالوا لا يا رسولَ الله، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو بهنَّ الخطايا.
وإذا كانت الصَّلاة لا تجب إلاَّ على المسلم العاقل البالغ لقوله صلى الله عليه وسلم: رُفِع القلم عن ثلاث: عن النائم حتّى يستيقظ، وعن الصَّبي حتى يحتلم، وعن المجنون حَتَّى يعقل، فقد جاءَ في الحديث الشريف: أمروا أولادكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً، وفرِّقوا بينهم في المضاجع. وما جاءَ هذا الأمر بإقامة الصِّبيان للصلاة كفريضة على غير البالغ، وإنما ليعتادوا عليها.
وسُئِلَ أبو سعيد الخّراز كيف الدُّخول في الصلاة؟ فقال: هوان تُقبل على الله تعالى إقبالك عليه يوم القيامة، ووقوفك بين يدي الله ليس بينك وبينه ترجمان، وهو مقبلٌ عليك وأنت تُناجيه وتعلم بين يدي من أَنت واقف، فإنه الملكُ العظيم.
وقيل أوصى الله تعالى إلى بعض الأنبياء فقال: إذا دخلت الصَّلاة فَهَبْ لي من قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع، ومن عينك الدُّموع فإني قريبٌ.
وقال بن عَبَّاس: ركعتان في تفكُّر خير من قيام ليلة. وهذا القول يدل على أهمية النفقة في الدِّين، وان الجهاد الحقيقي في العبادة ليس جهادَ الجسد، بل بالتفكر يقهر المؤمن عدوَّ الله الأكبر وهو الشيطان، وبالتفكر ترتقي النفس الطائعة في معراج النجاة لتقترب من الحق تعالى.
ونختم بقول النبي (صَ): نجُّوا أنفسكم واعملوا وخير أعمالكم الصَّلاة.
وقال(ص): أوصيكم بالصَّلاة التي هي عمودُ الدّين وقوام الإسلام.
حرر في: 7 ربيع الأول 1430 هـ. الموافق 3/3/2009 م.
معارف توحيدية
صدر عن مكتب مشيخة عقل
طائفة الموحدين الدروز