موضوع الحلال والحرام، هو قوام الإسلام، ودليل الإيمان، وميزان الصدق عند الواحد الديان، فلا إيمان بلا عمل، ولا عمل إلا على مقتضى الأمر والنهي.
التحليل والتحريم جعلهما الله سبحانه وتعالى رحمة منه بعباده لأسباب معقولة راجعةٍ لمصلحة البشر أنفسهم، فلم يحل سبحانه إلا طيباً، ولم يحرم إلا خبيثاً، بل يُريد بهم اليُسرَ والخير والهداية والرحمة. قال أحد العلماء: "حرم الله على عباده، الربا، وعوضهم التجارة الرابحة، حرم عليهم الحرير، وأعاضهم عنه الملابس الفاخرة، حرم عليهم الزنى، وأعاضهم عنه الزواج الحلال، حرم عليهم شرب المسكرات، وأعاضهم عنها بالأشربة اللذيذة، حرم عليهم الخبائث من المطعومات، وأعاضهم عنها بالمطاعم الطيبات، وقال تعالى:
}وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ{ [الأعراف:157]
إن طائفة الموحدين الدروز تستمد حلالها وحرامها من كتاب الله المبين الذي يفصل بين الحق والباطل ألا وهو القرآن الكريم، ويقول الموحدون أن ثمة قيدين في العبادة التوحيدية قيد الحلال وقيد الاعتدال.
لقد تضمن قانون الأحوال الشخصية لطائفة الموحدين الدروز العديد من القضايا كالخطبة والزواج والطلاق والحجر والوصاية والوصية والإرث وغيرها، وقد اعتمدت تشريعات الزواج على ما ورد في القرآن الكريم من آيات كريمة وأحاديث شريفة تحث على الزواج وضوابطه، ولكن مع اعتماد الزوجة الواحدة استناداً لقوله تعالى: " }فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً{ [النساء 3] إلى أن يقول سبحانه وتعالى:" } وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ { ] النساء 129 [ بالإضافة إلى عدم جواز إعادة المطلقة اجتهاداً إلى إمكانية الوصول للطلاق البائن والنهائي بعد مراعاة كامل التدرج في معالجة الخلاف الزوجي وفقاً للآيات التفصيلية الواردة في سورة النساء: }الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا{ ]النساء34 [
}وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا { ]النساء 35 [
واعتمدت طائفة الموحدين الدروز بالنسبة للمحرمات من النساء على ما جاء في الآيات الكريمة.
}حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا{ [سورة النساء 23].
كذلك تحرم المرأة المتزوجة ما دامت في عصمة زوجها، وتحرم المرأة التي لم تستوف عدتها إما بطلاق من زوجها أو موت، وكذلك زوجة الأب فإنها تُحرم على ابن زوجها لقول الله تعالى: }وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا{ [النساء 22].
أما فيما يتعلق بالأولاد، فإن نسبهم يعود إلى والدهم ويُنسب الولد إلى والديه المتزوجين زواجاً شرعياً. كما وأن فكرة التبني رُفضت لدى طائفة الموحدين الدروز لما في ذلك من مشاكل أسرية قد تنتج.
في المأكل والمشرب:
أما بالنسبة للمأكل والمشرب، فإن الموحدين الدروز يُشددون كل التشدُّد على ضرورة السعي لكسب الطعام والرزق الحلال حيث قال سُبحانه وتعالى:
} كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا{ [المؤمنون151] وقال أيضا:
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ{ [البقرة 172]. ويحرم الموحدين الدروز الأمور التالية عملاً بقوله تعالى:
}إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ { [البقرة 173] .
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [المائدة 90].
وكذلك فقد حرّم الإسلام أكل كل ذي مخلب من الطير، وكل ذي ناب من السّباع لصلابة عضلاتها، وتلوّن لحمها، وقبح رائحتها، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "حُرِّم عليكم كل ذي مخلب من الطير، وكل ذي ناب من السّباع".
ومن الواجب أيضاً عند الموحدين الدروز ذكر اسم الله سبحانه وتعالى عند بداية الأكل، وعند ذبح الأنعام والمواشي وذلك لقوله تعالى:
} وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ{ [الإنعام 119]. فإنّ ذكره تعالى عند ابتداء تناول الطعام هو تذَّكُر وشكر لنِعم الله سبحانه وتعالى العديدة والتي لا تحصى، وكذلك عند الذبح لأن الذبائح لا تحلّ إلا باسم الله وحده، حيث قال تعالى: } فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤمِنينَ{ [الإنعام 118]. وعن علي بن أبي طالب (ع) أن الذبحَ لا يصلح إلا بالحديدة.
ومن الواجب ان نتوقف عند موضوعين المخدرات والتدخين:
الحق أن الإسلام جاء يدعو إلى صيانة خمسة أشياء وحفظها وهي: حفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض، وحفظ الدين، وحفظ المال لأنها قوام الحياة، وسعادة البشر، وعمارة الدنيا، وضمان استمرارها واستدامة بقائها وعافيتها لم يكن في ذلك بدعاً. فلقد كانت هذه الخمسة جميعاً نقطة الارتكاز، والمحور الذي قامت عليه الأديان على امتدادها، وتسلسل حلقاتها، وتوالي رسالاتها.
المخدرات:
المخدرات شيء محرم لما لها من أضرار صحية وعقلية وروحية وأدبية واقتصادية واجتماعية، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لا ضَرر ولا ضِرار"، ولذلك تحرّم المخدّرات بمشتقاتها، بقاعدة دفع الشرّ وصدّ ذرائع الفساد.
التدخيـن:
التدخين نتعرّض له من زاويتين، ونبيّن خطره من ناحيتين: ناحية إتلافه للجسم وإسقامه، وناحية إذهابه للمال وإهداره.
وبما أنه قد ثبت علمياً وطبياً بما لا يدع مجالاً للشك: ضرر التدخين بالنفس والمال، وقد جعلهما الله وديعتين عند كل إنسان، فإن المسؤولية بين يدي الله تعالى عنهما يوم لقائه مسؤولية كبيرة.
كذلك بالنسبة للنرجيلة التي تعتبر ضرباً من ضروب التدخين.
اجتماعياً:
أما فيما يتعلق بالأمور الاجتماعية، فإن تاريخ وتراث هذه الطائفة الشريفة هو خير شاهد على مدى تأصل أبناء طائفة الموحدين الدروز بالعادات والتقاليد والتراث العريق والقيم الإنسانية النبيلة رغم أننا نرى البعض اليوم يحاولون الارتماء في أحضان الحضارة المزيفة.
وقد شددت التشريعات داخل هذه الطائفة على ضرورة بل وجوب القدوة في التعاطي مع الآخرين، والاجتناب لكل ما هو بعيد عن القيم والآداب الإنسانية كالقتل، والانتحار، والسرقة، وشهادة الزور، والغيبة والنميمة، والخيانة، والرشوة، والغش، والرياء والنواح على الميت كلها أمور محرمة عند الموحدين الدروز عملاً بالشرع الإسلامي.
في الإيصاء والإرث:
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: } كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ {[البقرة 180].
إن الموحدين الدروز انطلاقاً من هذه الآية يرون أن الوصية واجبة على كل موحد.
وعند عدم وجود وصية، يُعتمد في توزيع الإرث على المذهب الحنفي وقد نصت المادة171 من قانون تنظيم شؤون طائفة الموحدين الدروز الصادر بتاريخ 24 شباط 1948 : "أنه في جميع المسائل الداخلة في اختصاص قاضي المذهب والتي لم يرد عليها نص خاص في هذا القانون يُطبق القاضي المُشار إليه أحكام الشرع الإسلامي، المذهب الحنفي، وجميع النصوص القانونية التي لا تتعارض مع الشرع الإسلامي."
الصلاة على الجنـازة:
يعتمد الموحدون الدروز في الصلاة على جنازة الميت التكبيرات الأربع التي هي عماد الصلاة وقوامها وذلك بعد غسل وتجهيز الميت.
معارف توحيدية
مكتب مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز- بيروت