المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الثلثاء ١٩ آذار ٢٠٢٤ - 10 رمضان 1445
  معارف توحيدية  
كان لُقمان الحَكيم كثير الملازَمَة لداود النبي وُولِد قبلَهُ بثلاثِين سَنة* وَجَرَى بينَهُمَا حَكايا ظِرَاف* تليق بتلك الألطَاف* مِنْهَا مَا رُوِي انُه أوَّل مَا سَمِع دَاود مِن حكمة لُقْمَان انهُ رَأى الناس يخوضون في الكَلاَم وهو سَاكِت* فَقَالَ لَهُ ألا تقُوْل النَّاس يا لُقْمَان* فَقَال لا خَيْر في الكلام إلاَّ بذكر الله عزَ وَجلّ* ولا خَيْرَ في السُّكوت إِلاَّ بالفكرَة في المعَاد* ألا وأن صَاحب الدِّين فَكر فعلَتُهُ السكينَة* وشَكَرَ فَتَواضَع* وَقَنِع فاستَغنَى* وَرَضي فَلَم يهتَم* وَخَلع الدنيا فَنَجى مِنَ الشُرور* وَرَفَض الشَهَوَات فَصَار حَراً* وانفَرَد فَكُفِي الآحزَان* وطرَح الحسَد فظهَرت لَهُ المحَبَّة* وَسَخَت نفسَهُ بكل فانٍ فاستكْمَلَ الَعقْلَ* وأَبْصَرَ العَاقِبَة وامِن النَدَامَة* فالنَاس منهُ في راحَة* وَهُوَ مِن نفسِهِ في تَعَِب* فَقَال دَاوُد صَدَقْتَ يا لُقْمان وَشَاع ذكرُهُ بِالحكمة*

ومِنْهَا مَا روي انَّ جبِريْل لمَا نَزَل بالنبوَة والرسَالة عَلى دَاود اجتمع أولاً بلُقْمَان عليهما السَّلام* فَقَال أيُمَا أحب إليكَ الحكمة أم الرِسَالة* فَقَال ان كان ربيِّ عَزَّ وجَلَّ هُو الذي يختار لي فلا اعتراض لي عليه وان خَيَّرَني فاختار الحكمة* فأعطَاه الحكمة* وقلَّد داود أعبَاء النبوُّة* فكان داود عليْهِ السَّلام لِمَا يُقَاسيَّ عنَاء سياسَة الخَلْق ومشقَّةِ هَدَايَتِهِم* يقُول هنِيئًا لَكَ يَا لُقْمَان أُوتيْت الحكمَة وَوقِيت الفِتْنَة* وَخُصّ داوُد بالبَليَّة فَسَمَّى النبوَّة بليَّة وفتنَةِ* لِمَا فيهَا مِنَ الابتلاء بفرايض الحَق* وهدَايَة الخَلْق فَكَيْفَ بالمغرُور الذِي يَتَعرَّض للولايَات بغَيْر وَحي ولاَ نبوَة* بل بغيْر معرِفَة بواجبَاتَها* وَلاَ استحقَاق لهَا وَمِنْهَا مَا رُوِي أنَّ لُقْمَان قَالَ لداود عليْمُهَا السَّلاَم* يَا دَاود احفظ منّي خمس كلِمَات يدخُل قيهنَّ علم الأوَّليْن والآخرِيْن* الأَّوَلَة ان يكوُن عَمَلَك للدُّنْيَا قَدَر مكثَك فيهَا* الثانِيَة ان يكُوْن عَمَلك للآخِرَة بِقَدَر مَقَامِكَ فيهَا* الثَّالِثَة ان تَكوْن طَاعَتِكَ لموْلاَك بقدر احتيَاجِكَ إليْهِ* الرابِعَة أنْ تَكُوْن جرأتُكَ عَلَى المَعَاصِي بِقَدَر صَبْرِكَ عَلَى النَّار* الخامِسَة إِذَا أرَدْتَ أن تعْصي مَوْلاَكَ فاقصِد مَوْضِعًا لاَ يراك*