سماحة شيخ العقل في توقيع اتفاق التنمية الاقتصادية مع الرهبانية المارونية: تكرس الرؤية الموحدة والشراكة الفعلية كجزء من المسؤولية الوطنية... متري: تثبيت لمصالحة الجبل التاريخية ومحفوظ: ترسي قواعد العيش المشترك وتحمل هّماً إنمائياً واحداً
2025-11-06
برعاية مشيخة العقل لطائفة الموحدين الدروز، وفي إطار برنامج الشراكة الروحية والوطنية التي تتبناها، شهد دار الطائفة الدرزية مساء امس الاربعاء حفل التوقيع على اتفاقية تعاون مشترك مع الرهبانية اللبنانية المارونية في مجال التنمية الاقتصادية، بحضور سماحة شيخ العقل للطائفة الشيخ الدكتور سامي ابي المنى ورئيس الرهبانية الاب العام هادي محفوظ، ونائب رئيس الحكومة الدكتور طارق متري.
وشارك في الحفل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط على رأس وفد نيابي وحزبي ضم النواب: مروان حمادة، راجي السعد، هادي أبو الحسن، وائل أبو فاعور، فيصل الصايغ، وامين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر، نائب رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية النائب جورج عدوان ممثلا رئيس حزب القوات د. سمير جعجع، النائب غسان عطالله ممثلا رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، الوزير السابق زياد المكاري ممثلا رئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية، ممثل رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل ريتا بولس، النائب فريد البستاني، ممثلة وزير الداخلية والبلديات احمد الحجار مديرة عام الإدارات والمجالس المحلية السيدة فاتن أبو حسن، والوزراء السابقون، الشيخ وديع الخازن، عباس الحلبي ويوسف سلامة.
كما حضر السفير البابوي في لبنان باولو بورجيا، وممثلو البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي المطران بولس عبد الساتر، مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان القاضي الشيخ محمد هاني الجوزو، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب الشيخ الدكتور محمد شقير، المتروبوليت الياس عودة المتقدم في الكهنة نيكاريوس خير الله، رئيس طائفة الاقباط في لبنان وسوريا الاب اندراوس الانطوني، وممثل قائد الجيش العماد رودولف هيكل رئيس الأركان اللواء الركن حسان عودة، وممثل مدير عام امن الدولة اللواء الركن أدوار لاوند العميد ايمن محمود، قائد الشرطة القضائية العميد زياد قائدبيه، الى جانب ممثلين عن سفراء، فرنسا رئيس البروتوكول زاهر ابي راشد، الأردن نائب السفير محمد المحادين، العراق رئيسة البعثة ندى كريم مجول، وعن رئيس جمعية فرسان مالطا المنسق العام خالد قصقص.
وشارك أيضا، المطران شارل مراد، ممثل المطران سلوان موسى الاب سليمان حداد، والاب انطواع شماع ممثلا الرئيس العام للرهبانية الباسيلية الحلبية للروم الكاثوليك المطران شارل مراد، رئيس محكمة الاستئناف الدرزية العليا القاضي فيصل ناصر الدين وأعضاء مجلس الإدارة في المجلس المذهبي وشخصيات اجتماعية وإعلامية واهلية.
بدأت المناسبة بتوقيع الاتفاقية بين منسقَي المشروع الاب سمير غاوي والسيد نظام حاطوم، برعاية سماحة الشيخ ابي المنى والأب محفوظ، ثم أقيم الحفل الذي استهل بالنشيد الوطني اللبناني، والقى خلاله امين سر المجلس المذهبي المحامي رائد النجار كلمة افتتاحية، قائلا: "إنطلاقاً من ايمانه التوحيدي العميق ورؤيته الشاملة للصراعات التاريخية التي عصفت بهذا الوطن، أطلق سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى مساراً للتلاقي ودرباً ما زلنا في أوله، تحت عنوان " الشراكة الروحية الوطنية مظلة الإصلاح والإنقاذ "، داعياً مختلف مكونات المجتمع اللبناني وعلى رأسها الهيئات الروحية للتكاتف والتعاضد والعمل معاً لمواجهة الانقسامات السياسية والطائفية والاجتماعية، والدفع باتجاه تحصين الدولة على مختلف الصعد. يشرّفنا اليوم ان نستضيف في دار طائفة الموحدين الدروز جمعاً كريماً من اركان الدولة اللبنانية ورؤساء الطوائف الروحية ودبلوماسيين وقيادات سياسية وشخصيات اقتصادية واجتماعية من كل أطياف المجتمع اللبناني، لنعلن من بيروت، عاصمة الوحدة والتلاقي، عن توقيع " اتفاقية تعاون مشترك في مجال التنمية الاقتصادية مع الرهبانية اللبنانية المارونية".
اضاف: "شراكة أردناها وطنية لخدمة المجتمع اللبناني دون تمييز، ولتكن قدوة تحتذى، ودعوة لكي ينضمَّ اليها أو يتم تكرارها بين مختلف الهيئات الروحية والتكتلات الاقتصادية. ان الأهداف المباشرة لهذه الشراكة هي التعاون لتحقيق مشاريع اقتصادية تخلق فرص عمل لتثبيت الناس في مناطقهم وتأمين سبل العيش الكريم لهم، إلا ان اهدافها غير المباشرة أبعد بكثير، وهي تحصين العيش المشترك المرتبط بوحدة الأرض والهوية، وبخصوصية الجغرافيا بعيداً عن صراعات التاريخ، هذه الشراكة هي تعبير عن انعقاد النية الصادقة وإنصراف الإرادة الجادة لالتقاء المصالح دون مطامع في خدمة وحدة الوطن وأبنائه، ولتحصين المصالحة التاريخية التي ارساها الزعيم وليد جنبلاط والمغفور له غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير في الثالث من آب عام 2001، والتي كانت عنواناً للتحدي لاستعادة اللحمة الوطنية وقرار الدولة بوجه النفوذ الخارجي، ويستمر لبنان حتى اليوم يسدد أثماناً باهضة بسبب اصراره على تحقيقهما".
غاوي
ثم تحدث أحد منسقي المشروع الاب سمير غاوي، مشددا على أهمية الشراكة التي حصلت بالنسبة لمنطقة الجبل، وشاكرا سماحة شيخ العقل ورئيس الرهبانية المارونية على ثقتهما، ومتمنيا تحقيق الأهداف والمقاصد من وراء المشروع.
حاطوم
بدوره المنسق ومدير عام شركة B5 للدراسات والاستشارات وإدارة الاستثمارات نظام حاطوم شرح أهمية الاتفاقية والبنود التي تتناولها، قائلا: "يوم شرفنا سماحة الشيخ بتكليفنا إعداد دراسة اقتصادية استراتيجية استثمارية تؤمن فرص العمل والعيش الكريم للعائلات في المجتمعات الريفية عبر استثمار ما يصلح من الاملاك الوقفية وتفسح بالمجال امام رجال الاعمال والطامحين للاستثمار في مشاريع ذات عوائد ربحية. تم تأسيس شركة B5 للدراسات والاستشارات وإدارة الاستثمارات وقمنا بإنجاز اتفاقات مع مجموعة شركات تملك حقوق الملكية والفكرية لابتكارات علمية وهندسية وبالشراكة مع كلية الزراعة في الجامعة اللبنانية حيث انضم إلى برنامجها عشرات العلماء والباحثين والأساتذة من الجامعات الخاصة اللبنانية، كلٌّ حسب اختصاصه، فتشكلت منظومة إنمائية علمية وطنية. وضعت الشركة خارطة ممنهجة لتحقيق المشاريع الزراعية والصناعية والخدماتية مستندة إلى عشرات التقارير الرسمية والدراسات المنجزة سابقاً من المؤسسات المحلية والدولية فتم تجميع الخبرات الميدانية في مجال الامن الغذائي والانماء الاقتصادي الوطني. وقد اعدت الشركة مجموعة مشاريع وبدأ العمل على إنجازها تمهيداً لطرحها على الجهات الاستثمارية".
أضاف: "أول الغيث: مشروع صناعي بيئي لإنتاج الفحم الطبيعي الطبي الخالي من السموم والمواد الكيمائية، والمقرر إنشاؤه على أملاك الرهبانية اللبنانية المارونية في منطقة كفرمتى العقارية، لما يحمل هذا الموقع من دلالات وجدانية. يمتاز هذا المصنع بإنتاج الفحم الطبيعي غير الصناعي وبجودة عالية غير مسبوقة، يرتكز على براءة ابتكارات وطنية تطبق أعلى المعايير والمواصفات البيئية الدولية حيث يعتمد على المواد الأولية الناتجة عن المخلفات الزراعية. لقد انهت الشركة الدراسة التقنية والمالية وأصبحت جاهزة لتسليمها لمن يرغب المشاركة بالمشروع وسيعلن عن بدء الاكتتاب في القريب العاجل".
وتابع: "من مميزات هذا المشروع: يمنع قطع الأشجار ويحمي الاحراش والغابات من الحرائق، يؤمن مئات فرص العمل على كافة الأراضي اللبنانية، يكرس مفهوم الشراكة الوطنية، يعزز الصناعة الوطنية بمساهمة محلية واغترابيه. اما المشروع الثاني: مشروع الزراعة المستدامة، ويعتبر هذ المشروع الأول من نوعه في المنطقة حيث بني على قاعدة إعادة تأهيل وتطوير البنية الزراعية بالشراكة مع كلية الزراعة في الجامعة اللبنانية عبر إقامة مركز للأبحاث ومختبرات للتجارب العلمية وحقول زراعية على مساحة الوطن تبدأ من ارتفاع صفر إلى اعلى قمم الجبال، يتضمن ادخال عشرات الاصناف من الأشجار المثمرة الجديدة والاعشاب الطبية والعطرية التي تخفف من استهلاك الثروة المائية. ويسهم البرنامج في مكافحة التصحر وتخصيب التربة غير زراعية وزيادة المساحات الخضراء، يتولى معالجة تلوث التربة المتدهورة الناتجة عن الفوسفور والمواد الكيماوية السامة. الزراعة المائية والترابية في الخيم المحمية الذكية. يعزز الثروة الحيوانية وتربية الطيور والنحل. ينتج الأسمدة العضوية من المخلفات الحيوانية والزراعية. أود ان انوه بالتعاون المتميز القائم مع الجامعة اللبنانية والأساتذة والباحثين والأكاديميين المبدعين". وقال حاطوم: "إن الدراسات المالية والتنفيذية لهذا المشروع سيعلن عنها تباعاً. فيما المشروع الثالث: استراتيجية معالجة تلوث المياه والنفايات العضوية. يرتكز المشروع على المعالجة البيولوجية والفيزيولوجية المتكاملة حيث تتم معالجة النفايات العضوية والمطامر والمكبات العشوائية كما تتم السيطرة التامة على الروائح الكريهة والانبعاثات السامة ويساهم في تحويل النفايات الى اسمدة عضوية واحد وعشرون يوماً فقط. وفي معالجة مياه الصرف الصحي وتحويلها الى مياه صالحة للري. وسبق ان تمت التجارب العلمية مع المؤسسات والوزرات المعنية. بالإضافة إلى عشرات الرسائل الاكاديمية والاف الصفحات الموثقة في الجامعة اللبنانية والمراجع الدولية. نبقى على استعداد لأي مناقشات علمية اقتصادية استثمارية تنفيذية تتعلق بمشاريعنا مع أي جهة كانت محلية او دولية، بهدف مشاركة النتائج الإيجابية مع الأخوة في الدول العربية. إن جل ما نطلبه من أصحاب القرار ان يمنحونا جزءاً من وقتهم الثمين للوقوف عن كثب على البينات والثوابت العلمية. لنؤكد بأن العلم لا يقبل التأويل. قالوا لنا لن تستطيعوا اللحاق بركب العلم والتطور الحاصل، قلنا لهم سنفعل بعونه تعالى. قالوا ستواجهكم العوائق والفيتوات، فإذا بالجميع متعاونون وداعمون. قالوا لن تحصلوا على تمويل لأطلاق مشاريعكم، فإذا بنا نزداد ثقة بالمستثمرين من الداخل والخارج الذين سيكونون إلى جانبنا ساعة الانطلاق. قالوا يجب ان تقدموا اغراءات للمستثمرين، قلنا إن المستثمر لا يحتاج سوى إلى دراسات حقيقية وآلية عمل احترافية وصدق وشفافية، وإلى حفظ حقوقه المادية والمعنوية تحت سقف القوانين والإجراءات المرعية، وهذا ما نعتمده ونوفِّره. ربما قيل وسيقال الكثير، لكننا نقول إن العبرة فيما يقوله الواقع وتقوله النتائج. همُّنا تعزيز أمن المجتمع الغذائي، ولدينا ابتكارات علمية يجب ان لا تضيع سدى، بل سنستثمرها في هذا الوطن الذي نحب ونعشق من خلال ابنائنا وطاقتنا الشبابية، دون أن نكلف الدولة اية أعباء مالية. ونحن مصممون ألا نطرح مشروعاً لا يخدم الطبقات الفقيرة ويدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ولن نسعى إلى غاية سوى خلق مساحة وطنية جامعة مع كافة اطياف المجتمع التي تشبهنا. نعمل بتوجيهات سماحة شيخ العقل وتوصياته، وستكون مكاتب الشركة مفتوحة وفريق عملنا حاضرًا لأي استفسارات حول البرامج المعتمدة".
محفوظ
وتلا ذلك كلمة رئيس الرهبانية اللبنانية المارونية الاب محفوظ، قائلا: "في أفياء التاريخ واستشرافًا للمستقبل، يُنسج كلُّ حاضرٍ، خصوصًا عند الجماعات والمجتمعات. لذا، تشكّل كلّ حقبة صلةَ وصلٍ بين الماضي والمستقبل، مع كلّ المسؤوليّة الجسيمة التي تقع على كلّ حقبة، بتأمين أجمل صلة بين ما سبق وما يلحق من التاريخ. واجتماعنا اليوم في هذا الصرح العريق والمميّز هو حبكة حاضرة تتفيأ بتاريخ جليل وتعدّ العدّة لغد مشرق". أضاف: "التاريخ الذي فيه نتفيّأ يعود إلى عدّة قرون خلت، أقلّه إلى القرن السادس عشر، عندما تفعّل منطق الشراكة والتعاون، بين الدروز والموارنة. لقد عاشوا معًا، خصوصًا في الجبل، وقبل كلّ منهما الآخر، وأنموا مناطقهما المشتركة، معًا. في تلك القرون الغابرة، كان قداسة البابوات في روما يكتبون إلى أمراء الدروز رسائل لا زالت شاهدة للروابط الأصيلة والجميلة بين الدروز والموارنة في تلك الأيّام. وإنّنا نرى في الرسالة الخطيّة التي تلقاها سماحة شيخ العقل من امانة سر دولة الفاتيكان الشهر الفائت، ملامح ذاك التاريخ المجيد في البدايات. في تلك الرسالة الخطيّة، وكما تردّد في الإعلام بفرح، ثمّن قداسة البابا لاون الرابع عشر "الموقف المسؤول للشيخ ابي المنى، باعتبار الاديان مدعوة إلى خدمة الانسان وحماية حياته وحقوقه، وتعزيز ثقافة الأخوّة والرحمة، وبذل الجهود لتحقيق السلام في المنطقة، كون السلام هو الطريق الوحيد الذي يضمن للشعوب كرامتها وأمنها".
تابع: "بين الدروز والموارنة علاقة متينة واستراتيجية، وضعت أسسًا ثابتةً ومتينةً لقيام لبنان الحديث. ورهبانيّتنا، الرهبانيّة اللبنانية المارونيّة، أدخلت في وجدانها تلك العلاقة وتابعتها، خصوصًا من خلال أديارها في الجبل، ومن خلال شركائها، ومن خلال علاقتها مع النبلاء الدروز وزعمائهم. وانطلق التاريخ من تلك الأيّام. وفي حقبات التعاون والعيش المشترك المفرح لكلّ من الموارنة والدروز، كان الجبل بخير وكان لبنان كلّه بخير. وفي الأيّام التي لم تنجح إرادة العيش معًا في الانتصار على واقع ومخطّطات، ضعف الجميع وضعف لبنان. من التاريخ نريد أن نقطف ما هو جميل وبهيّ لنستقي منه جمالاً وبهاءً لحاضرنا ولمستقبلنا. ومن الصفحات السوداء في التاريخ، نستقي الأمثولات لجعل العيش أجمل. في كلّ بلدان العالم، جميعها بدون استثناء، تمايز جماعات، الواحدة عن الأخرى. وتختلف عناصر التمايز، فقد تكون دينيّة، أو مذهبيّة، أو لغويّة، أو إتنيّة، أو عرقيّة، أو أيّ أمر آخر. ولكنّ جميع الناس مدعوّون من الله الذي هو أب الجميع، إلى العيش كإخوة. في الوطن الواحد، بقدر ما تتعزز روح المواطنة والعدالة، وبقدر ما تتعزز الدولة، وحدها، بقدر ما يعيش الجميع كإخوة، وبقدر ما يجعلوا من تمايزهم غنًى انسانيًّا. من هنا، أرى في اجتماعنا اليوم وفي الاتفاقية التي وقّعت بين مشيخة العقل لطائفة الموحدين الدروز وبين الرهبانية اللبنانية المارونية، عودة إلى تاريخ مجيد وتأكيدًا في الحاضر على ثوابته الجلّة وإعدادًا لمستقبل مجيد للأجيال الطالعة ولوطننا الحبيب لبنان. وإنّني لبادئٌ بشكر صاحب الدار سماحة شيخ العقل الدكتور سامي أبي المنى ليس فقط على استضافته الكريمة هذا الاحتفالَ، بل أيضًا وخصوصًا على حضور مميّز في المجتمع اللبنانيّ، حضورٍ مجسّدٍ لإحكام لغة العقل والقلب والشهامة وخير الإنسان والمجتمع في آنٍ معًا، وهو حضورٌ منادٍ بهذه القيم الجميلة. شكرًا لكم سماحة الشيخ على من أنتم وعلى ما تعملون من أجل الخير. وإنّ لقاءنا اليوم هو ثمرة مبادرة منكم عن ضرورة التعاون وضرورة إظهاره لمجتمعنا، فكان أن التقينا حول هذه المفاهيم وجسّدنا لقاءنا بإنتاج التعاون. في كتاباتكم وأقوالكم، دعوة واضحة إلى الانفتاح على المستقبل والتحرّك بثوابت العيش المشترك، ونبذ التعصّب والتطرّف، والانخراط في مسيرة بناء الدولة، وعيش المواطنة، واحترام الدين، وعدم مواجهته ومحاولة إقصائه وتهديم أسسه، بل التمسُّك بالقيَم المشتركة بين الأديان لبناء الدولة وتربية المواطن الصالح".
واستطرد: "الهدف من هذه الاتفاقية كان واحدًا: التعاون علامة لهمّ إنمائيّ وعلائقيّ مشترك، يهدي الى كلّ المجتمع أملاً بغد مشرق فيه عيش كريم ونبيل ومشترك يسوده السلام ومحبّة الآخر بدلاً من أيّ خوفٍ من هذا الآخر. في سبيل هذا الهدف، درست الجهتان عدّة سبل للتعاون، إلى أن قرّ الرأي على مشروع واحد هو موضوع الاتفاقية التي وقّعت، في مساحة على قسم من عقار للرهبانيّة في كفرمتى. وتعدّدت الصيغ المقترحة، فدُرست، ووصلنا إلى الصيغة الحاليّة، مع الأمل أن تكون هذه الإتفاقيّة حول هذا المشروع، في صيغته، باكورة لاتفاقيّات أخرى تُعتمد فيها صيغٌ أخرى. أعود فأقول: أردنا أن نقول أنّ أيادينا تسعى، معًا، إلى الخير كلّ الخير. إنّنا، بذلك، نحيي فضائل جميلة عمرها قرون، فضائل الشراكة والتعاون المباشر، ونؤكّد على إرادتنا في مستقبل زاهر وواعد. هنا أريد من القلب أن أشكر شخصين بنيا جسر التلاقي وهندسا الأمور وتابعاها وذلّلا الصعوبات، وعملا حتى اللحظات الأخيرة من أجل أن تتصافح الأيادي إيذانًا بالتعاون الحثيث. أشكر من القلب حضرة الأب سمير غاوي ابن رهبانيّتنا وهو أبدع في علاقاته في الجبل، يوم كان رئيس دير مار مارون المعوش وبعدها رئيس دير مار جرجس الناعمة، وهو المعروف في رهبانيّتنا بحسن العلاقة مع الآخرين وبحسن الإدارة. كما أشكر السيد نظام حاطوم الذي كان لي شرف التعرّف عليه عن كثب، عبر لقاءات شرح من خلالها تطلعاته، فكان إصراره على التعاون ملفتًا ومحبّبًا ونبيلاً. لا شكّ عندي في أنّ هذه الاتفاقيّة تذكّر بالتعاون والشراكة وبالأيّام المجيدة في العلاقة بين الدروز والموارنة، لذا هي ترسي قواعد العيش المشترك وترسي مصالحة الجبل في 2001، التي رعاها البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير رحمه الله، ومعالي الوزير والنائب وليد بك جنبلاط أطال الله عمره. إنّ اتفاقية كهذه تأتي في سياق همّ صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكليّ الطوبى، رأس كنيستنا المارونيّة، همّه أن يظلّ لبنان بلد العيش معًا، بحريّة وبعدالة. وأسأل سيادة المطران بولس عبد الساتر راعي ابرشية بيروت السامي الاحترام الذي أحيّيه، والذي يمثّله بيننا، أن ينقل إليه أحرّ التحيّات البنويّة. كما أودّ هنا أن أوجّه تحيّة خاصّة، مملوءة بالشكر وعرفان الجميل، لسعادة السفير البابوي في لبنان، سيادة المطران باولو بورجيا السامي الاحترام، على كلّ عمله في لبنان، وعلى معرفته الحثيثة للأمور، وعلى مواكبته لكلّ أمر فيه الخير. نؤكّد لكم سعادة السفير أننا ننتظر بشوق كبير وصول قداسة البابا لاون الرابع عشر في زيارته إلى لبنان، ونشكركم على تعبكم في ورشة التحضير لهذه الزيارة التاريخية. لا شكّ عندي أنّ الهمّ المشترك بين مشيخة العقل وبين الرهبانيّة في إرساء مبدأ المواطنة التي تعلو فوق كلّ تمايز، يتلاقى مع توق الكثير الكثير من اللبنانيّين الّذين يريدون أن يعود بلدهم مزدهرًا، فيه الدولة وحدها سيّد الموقف، وفيه الجميع متساوون لأنّهم مواطنون. من هذا المنطلق، أتوجّه إلى فخامة رئيس الجمهوريّة العماد جوزف عون، ومن خلاله إلى كلّ المسؤولين في الدولة، بالقول إنّنا نساندكم كلّ المساندة، في كلّ ما يعزّز سيادة الدولة فقط، وسيادة المواطنة، وما يعزّز الإدارة وما يعزّز الإزدهار. أعود فأعبّر عن شكري يا صاحب السماحة، شكرٍ ممزوجٍ بالفرح، لأنّ ما ننسجه اليوم بالذات يتفيأ بالتاريخ وينظر الى المستقبل المشرق".
متري
ثم تحدث الوزير طارق متري مهنئا على المشروع، وعلى هذا التعاون، قائلا: "نهنئكم على الاتفاق تحت علامة الشراكة الروحية والوطنية، لم ينفك سماحته العمل المتواصل، وقد تشرفت بالتفكر حولها لاطلاق برنامج تعاوني للتنمية، وهو احد ثمار المصالحة التاريخية في الجبل وتجديدا وتثبيتا لها، بفضل النوايا الطيبة واعلاء الشأن العام في الجبل فوق المصالح الضيقة والعصبيات، وفوق جراح الماضي".
اضاف: "كلنا يدرك ان المصالحة لم تكن سياسية او ظرفية بل نراها في الحقيقة وقد شقت طريقا انتم تسلكونها، واضعين ايديكم معا على المحراث وواثقين ان الله معكم في هذا المسعى الكريم. المصالحة في بلد اتخمته الجراح والخيبات هي باب الشراكة ومحرابها وفي المقام الأول، ووعي مشترك لما يترتب علينا وما يحلو لنا ان نتذكره، والمصالحة سنو العطاء في الخدمة وهو ما يتوخاه مشروعكم الطموح. واذا كانت المسؤولية السياسية المنطلق للمصالحة فانها تذهب الى الابعد، الى تغيير النظرة للذات والأخر من خلال العمل المشترك المتحرر من اسر الظروف. والعمل المشترك يفرج عن تسييس الدين وتسخيره لاضفاء شرعية دينية على المواقف السياسية وليس التعاون للفصل بين الديني والسياسي، لانكم تشهدون معا ان حقائق الايمان تنير الناس وترشدهم، لكن فضلا عن تأثير حقائق الايمان في تشكيل الشخصية الجماعية وإعادة النظر المستمدة في السلوكيات التي ينسبها البعض اليها، العيش المشترك او الواحد ومعا. ليست المسألة دينية في الأساس، لكنها تصبح شأنا دينيا أيضا، لان الشراكة في القيم الروحية هي التي تعطي للعيش معا معناه وتصونه، وكلما تراجعت المشاركة في القيم بفعل العصبيات وتضخيم الفروقات وتشويه الصور المتبادلة يتحول العيش معا الى تساكن تحكمه الواقعية الطوائفية".
وختم: "العمل المشترك دأبكم لانجاح هذا الاتفاق، الذي يأخذنا الى نقض فكرة جوهرية الطائفية التي تفترض ان لكل جماعة فقراء واغنياء وشخصية متجانسة وطبائع ثابتة تكونت في كنف الدين وباتت قائمة بذاتها وكأنها عصية على التغيير، النقض هذا يحرر القيم الروحية من سطوة الثقافة الطائفية فيرد الدين الى دوره الأصلي والمشترك والمجتمعي المستعاد، وتلك الرمزية المنبثقة عن الدين في سياسات تعترض الطريق لبناء علاقات المواطنة الحقّة، والتي لا تنحصر بالعلاقة بين الافراد والدولة وبواجب الدولة الدائم لجهة تحقيق المساواة والاختلاط بين الناس والتلاقي والسعي وراء الخير المشترك كما انتم فاعلون. بوركت جهودكم في سبيل التلاقي والخير المشترك".
شيخ العقل
وختاما تحدث سماحة شيخ العقل، قائلا:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ خاتَم النبيِّين وعلى أنبياءِ الله الطاهرين أجمعين... صاحب الدولة الدكتور طارق متري، تيمور بك جنبلاط وما تمثله والزعيم وليد بك جنبلاط من ارث تاريخي مجيد، أصحابَ السماحة والسيادة، أصحابَ المعالي والسعادة، حضرةَ الشيوخِ والآباء المحترمين، الضيوفُ الكرام...يسرُّنا حضورُكم الكريم وتُسعدُنا مشاركتُكم معنا حفلَ توقيع اتفاق التعاون مع الرهبانية اللبنانية المارونية، كمقدّمةٍ لعقودٍ مماثلة نأملُ توقيعَها معَ أكثرَ من مؤسسةٍ دينيةٍ وجهاتٍ استثمارية، فنفتحُ الأبوابَ للتغيير والتطوُّر عبر إقامة مشاريعَ منتجة على أراضي الأوقاف المُهمَلة وعلى غيرها من الأراضي المتوفِّرة. قال تعالى في محكَم تنزيله: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ"، من هذا القول نستمدُّ الإرادةَ ونوجِّهُ الاهتمامَ إلى مهمة الشراكة الروحية الوطنية التي قلنا إنها مِظلّةُ الإصلاح والإنقاذ، والتي تعني في أحد جوانبها خياراً تنموياً اقتصادياً، وقد عقدنا النيَّةَ والعزمَ على التشارك والتلاقي، وعلى التعاون والمثابرة، ورسمنا الرؤيةَ التي تقودُنا إلى تحقيق الهدف المنشود، ليبدأَ العملُ الجادُّ الدؤوبُ في الغد القريب إن شاءَ الله".
أضاف: "ما نَشهدُه اليومَ ليس حفلَ إعلانٍ عن مشروعٍ تنمويٍّ وحسب، بل هو تأكيدٌ على شراكةٍ تتعدَّى موضوعَ الاستثمار المادي إلى استثمارٍ روحيٍّ وطنيّ يُعزِّزُ مفهومَ المصالحةِ والعيشِ الواحد في الجبل وعلى امتداد الوطن. إنّه صورةٌ معبِّرة عن مشهد وطنيٍّ جامع، وإنْ جاء تحت عنوانِ التعاون والشراكة بين الموحدين الدروز وإخوانِهم الموارنة، من خلال علاقةٍ وثيقةٍ قائمة مع البطريركية المارونية، ومعَ أكبرِ الرهبانيات المسيحية في لبنان، لكنه فصلٌ من فصول الشراكة الروحية الوطنية الشاملة التي نادينا بها، والتي تعكس جليَّاً حقيقةَ لبنانَ الرسالة؛ لبنانَ الذي لا حياةَ له إلّا بهذه الشراكة القائمة على أسسٍ دينيةٍ روحية وعلى أسسٍ اجتماعيةٍ وطنية، والتي تنطلق من قولٍ منزَلٍ ومقدَّس؛ جاء في القرآن الكريم: "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ"، وفي الإنجيل المقدَّس: "لا يَنظرُ كلُّ واحدٍ منكم إلى ما هو لنفسِه فقط، بل إلى ما هو للآخرينَ أيضاً"، وفي القولَين المقدَّسَين يكمُنُ معنى السعي والتعاون، وكلاهما شرطٌ للنجاح. أمَّا مصالحةُ الجبل بالنسبة لنا فكانت حالةَ انتقالٍ من ضَفّةٍ إلى ضَفَّة، أرادها الزعيمُ الوطنيُّ وليد بك جنبلاط وباركها المغفور له البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، وانخرطنا فيها بقناعةٍ واندفاعٍ؛ مؤسساتٍ دينيةً واجتماعيةً وثقافيةً وأهلية، ومجتمَعاً بأكمله، ولكن ربّما ببعض خجلٍ اقتصاديٍّ وتنمويّ، في ظلِّ ظروف البلد غيرِ المؤاتية وهجرة الطاقات والشباب، وغيابِ الحوافز والفرص المُتاحة، ولعلَّ هذا هو الدافعُ الأكبرُ لنا ولإخوانِنا في المجلس المذهبي وفي البطريركية المارونية للتفكير بمصالحةٍ اقتصادية، إذا صحَّ التعبير، نتشاركُ فيها ونتعاونُ لإقامة مشاريعَ إنتاجيةٍ تنموية في هذه المنطقة أو تلك، وحيث تسمحُ طبيعةُ هذا المشروع أو ذاك، وكلُّنا أملٌ أن يكونَ في ذلك تحصينٌ للوجود، وصيانةٌ للعيش الواحد المشترَك، ودفعٌ بالجبل ليكونَ النموذجَ الأكثرَ أمناً للاستثمار، والأكثرَ جذباً للمستثمرينَ من أبنائه المواطنينَ ومن مُحبّيه العرب".
تابع: "لقد اعتدنا لعقودٍ وسنواتٍ طويلة بأن نُلقيَ المسؤوليةَ على عاتق الدولة والقيادة السياسية للنهوض بالمجتمع والوطن وخلقِ فرص العمل والاستثمار للشباب اللبناني، ولكن آن الأوانُ لنتشاركَ في القيام بالواجب، وقد نادى وليد بك مراراً بضرورة مساهمة المؤسسة الدينية المسيحية بذلك، بما تملكُه من أراضٍ شاسعة، وكذلك مساهمةِ الأوقاف الدرزية، وإن كانت ليست بالحجم ذاته وبالاتساع الذي يُحكى عنه، ولكننا مقتنعون بهذه المهمّةِ المهمّة، وواعونَ لأهميةِ التخطيط والدراسة العلمية لمجالات التنمية الممكنة، ولهذا صمّمنا على خوض التجربة، فرَعينا منذ سنتين تأسيسَ شركةٍ متخصِّصة تحت اسم شركة B5 للدراسات والاستثمار، واعتمدناها كإحدى أذرع مشيخة العقل الاقتصادية المساعِدة، إضافةً إلى ما لدينا من طاقاتٍ في المجلس المذهبي ولجانه وإدارته، وانطلقنا بعد ذلك برحلة التفاهم مع الرهبانية اللبنانية المارونية، متعاونين معَ رئيسِها المحترم الأب العام هادي محفوظ، للوصول إلى اتفاقٍ يكرِّسُ الرؤيةَ الموحَّدة والشراكةَ الفعليةَ في ما بيننا، ومؤكّدين بأنّنا جزءٌ من المسؤولية الوطنية، وبأننا قادرون إذا ما اتّحدنا على جذب الاستثمارات للمشاريع التنموية الحيوية، أملاً في تجاوز الجمود وبعثِ الروح في الأرض، وفي المجتمع وتحقيقِ الأمن الغذائي والاجتماعي والصحي والبيئي، مدركين يأن التنمية ليست أرقامًا في جداولَ، ولا نسبَ نموٍّ في تقارير، بل هي إنسانٌ متعلّمٌ، ومجتمعٌ متماسكٌ، وبيئةٌ نظيفةٌ، وحياةٌ كريمة". ومضى سماحته يقول: "لقد قلنا منذ سنتين، في لقاء الشوف الجامع تحت عنوان "ثمار المصالحة وآفاق المستقبل"، برفقة غبطة البطريرك الراعي: "إنّ التطلُّعاتِ كثيرة والانتظاراتِ كبيرة والتحدياتِ خطيرة، فلماذا لا نتَّحدُ لمواجهتِها ولجَني ثمار المصالحة وتعزيز الأمل بالمستقبل؟ الدولةُ في أزمة، وأبناؤُنا يعيشون حالةَ البطالة واليأس أو يهاجرون بحثاً عن غدٍ أفضل، في ما الأرضُ تكادُ تتصحَّرُ والأوقافُ مُهمَلة، وأغنياؤُنا يستثمرون بعيداً، ألا يستوجبُ الأمرُ مصالحةً من نوعٍ آخر؟ مصالحةً على شكل مبادراتٍ عمليّة لبناء المؤسسات وإقامةِ المشاريع المُنتِجة؟ ألا يجدُرُ بنا أن نضعَ خطةً استراتيجيةً للنهوض بأوقافِنا، وبالاعتماد على أنفسِنا أوَّلاً؟ ومن خلال تشكيل مجموعةٍ استثماريةٍ قادرةٍ على تنفيذ ما يُتَّفَقُ عليه من مشاريعَ تنمويةٍ في مختلَف المجالات الزراعية والصناعية والبئية والسياحية وغيرِها؟". وقلنا كذلك في افتتاح "المؤتمر الاغترابي الأول للتنمية المحلية" في حمانا، برفقة صاحب الغبطة، منذ أكثرَ من سنة: "إننا، إذ ننظرُ إلى التاريخ نظرةَ اعتزازٍ وأمل، فإننا نؤكِّدُ اهتمامَنا بتمتين البُنيان الاقتصادي للجبل وإعادةِ التماسك الاجتماعي المشترك، وذلك باعتماد "بِرّ المشارَكة" في ترسيخ دعائم التطوير الاجتماعي، وتحقيق الثبات في الأرض، والالتصاق المعنوي والثقافي بالكَيان الروحي، وصون التراثِ الوطنيِّ العريق، والحَدّ من الهجرة، داخلياً وخارجياً، آملينَ أن تحظى الأفكارُ والمشاريعُ المطروحةُ بثقةِ المجتمع والقيادة السياسية، وبمؤازرة الدولة، وبمساهمةِ أصحابِ القدُرات والكفاءات من اللبنانيين المقيمين والمنتشرين". وأضفنا في ندواتنا الثقافية المتتالية حول موضوع الشراكة الروحية الوطنية، في شانيه وفي حاصبيا: "إنَّ اتفاقَ التعاون المشترك سيكونُ مدماكاً صلباً في بناءٍ أوسعَ مع الرهبانية اللبنانية المارونية ومعَ غيرها من المؤسسات الدينية، تجسيداً للشراكة الروحية الوطنية التي أطلقناها والتي نعمل على تدعيمِها بمبادراتٍ عملية، وكلُّنا أمل أن تُثمرَ جميعُها عملاً تنموياً وطنياً داعماً لعهد الإصلاح والإنقاذ الذي نواكبُه باندفاعٍ ونُعوِّلُ عالياً عليه".
وقال: "أيُّها الأخوةُ والأحبّة...في مثل هذا الزمن الصعب، تحاولُ الدولة بناءَ مؤسساتها وبسطَ سلطتها واستعادةَ ثقة العالَم بها، فتحملُ همَّ إعادة الإعمار كأولويةٍ لا بُدَّ منها، وتتحمّلُ عبءَ الضغط الدوليّ وواقعِ الحال الأمني والاقتصادي والاجتماعي بالانحياز نحو خَيار التفاوض لإنقاذ لبنانَ من العدوان الذي ما انفكّ يستبيحُ أرضَه وسماءَه ويكادُ يُجهِزُ عليه إذا لم نتمسَّكْ أكثرَ وأكثرَ بصيغتِه الجامعة وبأرضِه المعطاء. كلُّ ذلك يدفعُنا لمشاركة الدولة في تحمُّل الهموم والأعباء، فنطلقُ مبادرةَ الشراكة الاقتصادية هذه، علّها تساعدُ في مواجهة التحدي وفي تأكيد إرادة الصمود، وعلى الأقلّ في إشاعة أجواء التفاؤل بغدٍ أفضل يبشّرُ بالاستقرار والازدهار، وهذا ما نأملُه وما نرجوه. إننا نحاولُ من خلال هذه الرعاية زرعَ الأمل وإزالةَ القلق واليأس من النفوس، مستمدّين العزمَ من تاريخ المودَّة في ما بين أبناء الجبل، لا من تاريخ المآسي والنزاعات المفتعَلَة بينهم، ومن إرادةِ العيش الواحد والحبِّ المشترَك للوطن، ومتفائلين بزيارة قداسة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان لتثبيت هذه الإرادة وهذه الرؤية، وهو ما عبّرنا عنه في رسالتنا إلى قداسته منذ شهرين، وما تلقّيناه من ردٍّ يؤكّدُ على أهمية ما نقوم به في لبنانَ "الوطنِ الرسالة"، الذي نتحمَّل جميعُنا مسؤوليةَ الحفاظ عليه وتحصينِه من مخاطر الانهيار والضَّياع. إنّني إذ أشكرُ كلَّ مَن فكّر وسعى وعمل لتحقيق ما نحن بصدده اليوم؛ شركةَ B5 للدراسات والاستثمار وأعضاءَها الكرام الذين حملوا معنا الأملَ والتصميمَ والمسؤولية، أخصُّ بالذكر مديرَها العام السيد نظام حاطوم الذي يتحمَّلُ قبل غيره أعباءَ التخطيط والمتابعة بما وهبه الله من طاقة وخبرة وإصرار، وهو ما تلاقى عليه والأبُ المحترم سمير الغاوي المثالُ الطيِّبُ لرجل الدين المنفتحِ والعاملِ بهدوء وصمت، ليُشكَّلا معاً ثنائيَّاً عمليّاً ورافعةً فعليّة لهذه الشراكة التي نأمل أن تنسحبَ إلى شراكاتٍ أخرى مع جهاتٍ مذهبية ووطنية متنوِّعة، بالإضافة إلى منظّمة هيرو (Hero) العابرة للطوائف والمناطق، والتي رعينا تأسيسَها منذ أشهرٍ كذلك، لتكونَ ذراعاً أخرى داعمة لمشاريع التنمية البشرية والبيئية وإعادة التأهيل، بما يوسّعُ مساحاتِ التعاونِ والتكاملِ لتحقيق الأهداف المرتجاة، واللذَين يتحملان معاً باتّحادِهما مسؤوليةَ التخطيط والمتابعة بشفافيةِ وكفاءة والتزامٍ وأمانة، متمنين لهما التوفيق والعناية، ليكونا عند حسنِ ظننا وظنّ المسؤولين والمجتمع. بُوركت المساعي الخيِّرة، وبورك التوقيعُ والاتفاق". وختم: "شكراً لكم على المشاركة والمبارَكة، على رجاء أن يتحقّقَ الحُلُمُ خطوةً خطوة، ومشروعاً إثرَ مشروع، إذ لا نبتغي سوى الإصلاحِ ما استطعنا، واضعين نَصبَ أعيننا قولَه تعالى: "إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"، والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاتُه.