سماحة شيخ العقل مشاركا في تشييع طليع حمدان: "شقّ بشعره طريقَ الكرامةِ والوحدة الوطنية"
2025-10-26
شارك سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى في تشييع الشاعر الكبير طليع حمدان في بلدته عين عنوب (قضاء عاليه)، على رأس وفد ضم رئيس محكمة الاستئناف الدرزية العليا القاضي فيصل ناصر الدين ومشايخ وأعضاء من الادارة والمجلس المذهبي ومن مديريتي المجلس ومشيخة العقل والمستشارين، وتقبّل التعازي إلى جانب عائلة الراحل، إلى جانب ممثلين عن الاستاذ وليد جنبلاط والأمير طلال ارسلان اللذين نعيا الراحل، وعموم عائلات بلدته، النائب أكرم شهيب على رأس وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي والوزير السابق صالح الغريب على رأس وفد من الحزب الديمقراطي اللبناني، الى حضور وزراء ونواب حاليين وسابقين وعدد كبير من المشايخ والفعاليات الروحية والسياسية والحزبية والاجتماعية والثقافية والشعراء ونقابة شعراء الزجل في لبنان وهيئات وروابط ومجالس بلدية واختيارية، وحشد غفير من المواطنين من أبناء الجبل وباقي المناطق.
سبق الصلاة على جثمان الشاعر الراحل كلمة القاها سماحة شيخ العقل أبي المنى، قائلاً:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيِّد المرسَلين وعلى آله وصَحبه الطيِّبين وعل أنبياء الله الطاهرين.
"يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي".
المشايخُ الأجلّاء، أصحابَ المعالي والسعادة والفضيلة والسيادة، الشعراءُ الثكالى، العائلة الكريمة، أهلَنا في عين عنوب والجبل…
حضورُنا معكم اليوم في وداع الشاعر الأمير طليع حمدان له مغزى ومعنى، فمَن نودِّع اليوم بأسى ورضى وتسليم ليس حالةً عاديةً عابرة، بل هو كنزٌ نادرٌ من كنوز هذا الجبل الأشمّ، حملَ معه عنفوانَ الجبل وجمالَه إلى كلِّ منطقةٍ في لبنان، وعبّر بلسانه الشعريِّ عمّا يختزنه الوطنُ من جمالٍ ومحبةٍ وسلام، فكان الرسّامَ المبدِعَ والفنّانَ الرائعَ والشاعرَ المُجلّيَ والبطلَ المُدافعَ بشعرِه حين احتاجت الأرضُ والعرضُ والكرامةُ للدفاع".
اضاف: "استحقّ طليع حمدان أن يكون شاعرَ الجبل والوطن ودنيا الاغتراب، شاعرَ الفخر والمجد وشاعرَ الرقّة والعاطفة بشعره المُتدفِّقِ كالشلّالِ الرقيقِ كما النسيم، والحاملِ في أبياتِه فلسفةَ حياةٍ وتوقاً دائماً للسفر والإبداع، بصُوَرٍ قلّ أن تتهيَّأَ لشاعرٍ آخرَ، أكانت فخراً أو تصويراً ووصفاً، أو مدحاً لطيفاً وتغزُّلاً أو تحدّياً عنيفاً أو رثاءً من القلب والوجدان.
ولأنّ قيمةَ الشاعر عندنا تكمنُ في ما يعكسُه من قِيَم مجتمعِه العريقة، قيَمِ التوحيد المُشبَعة بروح الإسلام والمسيحية، روح الرحمة والمحبة، روح الأخوّة والحكمة، ولأنّ شاعرَنا الطليعيَّ كان حريصاً على هذه الأصالة، معبِّراً عن كنهِ مجتمعِه المعروفيّ، وعن عمق تعلُّقِه بلبنانَ الرسالة، فقد صاغَ مشاعرَه وقناعاتِه الوطنية أناشيدَ وقصائدَ تردّدت أصداؤُها من تلّةٍ إلى تلّة، ومن وادٍ إلى وادٍ، وحيّا العقلاءَ وتغنّى ببطولات الشباب والأبطال، فهزّت قصائدُهَ الركاب، قبل أن تَهُزَّ مشاعرَ الألباب، وكان دفقُ عطائِه الشعريِّ المُتألّقِ مصدرَ عزّةِ الناس ومهنةَ صونِ المجدِ وحفظِ التراث، قبل أن يكونَ مهنةَ كسب المال والرزقِ. شقّ به طريقَ الكرامةِ، كما شقّها أخوانُه، أبناءُ الجبلِ، بدمائهم وعَرَقِهم، لتكونَ أبداً طريقَ السلامِ والعروبةِ الحقيقيّةِ، وطريقَ الوحدةِ الوطنية، وعبّد به دربَ المصالحة في الجبل، وزيّن به قرى الصمود في الجنوبِ بأروعِ القصائدِ وألمع الأبيات".
وتابع: "في أوائل السبعينيات لمعَ طليع بصوتِه وحضوره وشعره، ونشأنا فتياناً على صدى معلّقاته المعلَّقة في قلعة بيت مري، ولا أنسى ما قلتُه له وفيه:
نشأتُ على طلوعك يـا طليـعُ
وكنتُ فتىً فأغراني الطُّلوعُ
كأنّـك يا طليعُ ربيبُ قومٍ
كما لبنانُ، فارسُهم وديعُ
ولكنْ إنْ يُدغدغْه التحدي
فطعمُ حُسامِه مُرٌّ مُريعُ
طليع حمدان تفاخرتَ بجبلِك فتفاخر الجبلُ بك، وتفاخرنا يوماً فقلنا:
يا بو شادي يا صورة عن جبالك
يا صوت المرجلة بشمخة تلالك
جبلنا شاف حالو فيك لمّا
بجبلنا عالمنابر شفت حالك…
واستطرد سماحة شيخ العقل: "لأننا نكرِّمُ الفكرَ والشعرَ والثقافة، ولأنّ الشاعرَ الملتزمَ رسالةَ قومه ووطنه يستحقُّ التكريم، وهو مَن كان يزرعُ الأملَ في زمن اليأسِ، ويبلسمُ الجراحَ أيَّامَ المحن، لذا نحن هنا نسمعُ وندمعُ مع العائلة والقادة والشعراء والمحبِّين الحاضرين والغائبين على غياب طليع حمدان وفَقده، مُصلِّين على روحِه وراجين لنفسِه الراحةَ والغفران ولأهلِه وعارفيه وللشعراءِ من بعدِه السلامةَ والصبر والسلوان، راضين مسلِّمين لمشيئته تعالى، ومردّدين قوله تعالى: " وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون".
وختم: "برحيل طليع حمدان تنطوي صفحةٌ وتُفتَحُ صفحةٌ، وبعائلته وورَثةِ شعرِه ورسالتِه وبكم تستمرُّ الحياةُ ولا تتوقَّفُ... عظّم الله أجورَكم...لروحه الرحمة ولكم طيبَ البقاء".
وكانت القيت كلمات لكل من النائب شهيب باسم جنبلاط، والوزير السابق الغريب باسم أرسلان، والأستاذ خالد أبو شقرا باسم أبناء بلدة عين عنوب، والأستاذ رمزي حمدان باسم عائلة الفقيد. إضافة إلى كلمات وقصائد رثاء لعدة شعراء وأصدقاء الراحل، ألقيت منذ الصباح وركزت على مسيرة الراحل المنبرية والشعرية والزجلية، ومحطات حياته في هذا المجال، والاثر البالغ والصفحات المشرقة الذي تركها للأجيال الجديدة.
شهيب
ومما قال النائب شهيب: من هنا، من عين عنوب الى العالمية رسم طليع حمدان ملامح الخلود . هو الشاعر الملتزم، الوطني الرقيق والحساس والبليغ . وبرحيله يتمَّ الزجل. وفقدت الكَلمةِ احد أنبل أصواتها . كان شاعر الحب والغزل والثورة . كان المقاوم، وصوت الجبل الحر الذي واكب المسيرة الوطنيه بقياده وليد جنبلاط. بكلماته شدَّ أزر المناضلين وأشعل الحماسة في القلوب، فكانت قصيدته رفيقة البندقية/ وصدى الإرادة في زمن التحدي. غنّى للوطن، كل الوطن، غنّى للجنوب، وصّورَ بصدقٍ معاناة الناس، مؤمناً بأن الكلمة المخلصة لا تقلُ اثراً عن الفعلِ الشجاع . نفتقد بغياب طليع، صديقاً مخلصاً ووطنياً، صادقاً وشاعراً لا يُجارى ، كان بالكلمات يرسم لوحاتٍ من إحساس عميق. رحم الله.. روحك الطيبة ستبقى حيةً في الذاكره والوجدان . للأهل لعين عنوب والجبل والوطن والشعراء، خالص العزاء والرحمه لروحه. ولكم طيب البقاء.
الغريب
ومما قال الوزير السابق الغريب: أبدأ الكلام بنقل تعازي الأمير طلال أرسلان الحارة إلى اللبنانيين عموماً وإلى مشايخنا الأفاضل وأبناء الجبل وأهل عين عنوب وإلى عائلة فقيدنا الكبير الشاعر أبو شادي طليع حمدان رحمه الله. في هذا النهار الحزين تخشع الكلمات وتلين الأصوات ويصعب على الحروف أن تؤدّي ما تعجز عنه القلوب. نقف في عين عنوب في حضن هذا الجبل العربي الأصيل حيث ترعرع طليع وأنشد قرى وساحات وتراب وأبطال وأرض ووديان وتلال هذا الجبل الذي أحب. أنشدهم أشعارا وقصدانا وأناشيدا تفيض عزّة وكرامة وأصالة وأصبحت جزءا من ذاكرتنا ومن هويتنا اللبنانيّة العربيّة. اليوم لا نودّع شاعراً زجليّاً عاديّاً، بل نودّع مرحلةً مشرقةً مشعّةً عزيزةً من تاريخنا، كيف لا وكان طليع جزءا من هذا التاريخ ومن مأساتنا وصبرنا وأحزاننا وأفراحنا وانتصاراتنا، عاش معنا في أصعب الظروف وأحلك الأيام فكان يشعلنا بقصائده ويوقد معنوياتنا بعنفوانه ورافقنا في انتصاراتنا فكان خير من أنصف وتغنّى بهذه التضحيات وهذه الأرض وبطولاتها. فأصبح في ذاكرتنا نردّد أشعاره في سهراتنا وأفراحنا وأحزاننا وكأنه أنزل علينا كتابه المقدّس، وكنا جميعاً من حافظيه مردّديه. اليوم لا نودّع شاعراً عاديّاً بل نودّع صوت جبل ما انحنى يوماً فكان صوت الجبل وصدى الأرض ووجدان الناس. طليع حمدان لم يكن شاعراً يلقي القصيدة بل كان القصيدة نفسها تمشي على الأرض تهتف للعز وتنتصر للكلمة الحرّة وتخلّد القيم التي لا تموت. الزجل مع طليع لم يكن لهوًا ولا فخرًا أجوف، بل كان صلاةً بلحن لبناني أصيل يخرج من القلب ليعود إلى القلوب، كما كان حارسًا لذاكرة الناس، مرآةً لوجعهم وفرحهم، ورفيقًا لهم، وللأرض، وللعنفوان. هذا الجمع اليوم يعبّر عن حزنٍ واحد، يجمعنا على رحيل من كانت كلماته تشبهنا جميعاً. اليوم يوحّدنا الفقد، كما كانت كلماته توحّدنا وتوحّد كل لبنان لأنه كتبنا بصدق، كتب أفراحنا وأحزاننا واختلافاتنا واتفاقنا. طليع حمدان ابن الطائفة الموحِّدة، وابن لبنان كله، كان صوت الوحدة لا الفرقة، وصوت كل الوطن لا العزلة. سلام عليك يا طليع، يا طليعة الكلمة والموقف، وسلام على منبرك الذي سيبقى عامراً بأصوات من أحببتهم وأحبوك من شعّار بلادي. ونيابة عن الأمير طلال أرسلان وعن كل من يرى في الكلمة شرفاً وفي الوطنية قضيّة وفي العروبة انتماءً، نجدّد العهد أن نبقى أوفياء لهذه الأرض ولهذا التراث وللرجال الرجال الذين يشبهون الجبال في صدقهم وثباتهم وشموخهم. الرحمة لطليع السلام لكم ولعائلاتكم، والبقاء لله!
ثم أمّ سماحة الشيخ ابي المنى الصلاة على الجثمان والى جانبه المصلّي الشيخ ابو طاهر نديم المهتار، ليوارى الجثمان الثرى في بلدته عين عنوب.