المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الأحد ٢٦ تشرين الأول ٢٠٢٥ - 5 جمادي الأول 1447
سماحة شيخ العقل رحّب بزيارة البابا لاوُن وأعلن إطلاق شراكة ‏اقتصادية وتنموية: لرؤية مشتركة للمسؤولين بمواجهة المخاطر ‏وتضامن داخلي مع المبادرات الروحية والوطنية ‏

2025-10-25

اعتبر سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ابي المنى ان ‏الوطن يحتاج اليوم الى جميع طاقاته على كافة المستويات للنهوض وعودة الامل اليه ‏والثقة به، معتبرا ان شعار الشراكة الروحية الوطنية الذي أطلقناه، واي مبادرة مثيلة ‏تعكس الايمان الفعلي بالبلد، وتعزيز التضامن الداخلي المطلوب، ودعم الدولة هي عناصر ‏قوة لبنان، في ظلّ التحديات والضغوط السياسية والمخاطر الأمنية التي تواجهه راهناً، ‏داعيا اركان السلطة الى رؤية موّحدة وعمل مشترك مع المجتمع الدولي لتجنيب الوطن ‏حرباً جديدة، معتبراً ان زيارة البابا لاوُن الرابع عشر ستكون يمثابة دعم للبنان. ‏
كلام سماحة شيخ العقل جاء في حديث اذاعي ضمن برنامج "صالون السبت" على اذاعة ‏الشرق مع الزميلة "وردة"، آملا، ردا على سؤال، "بصباح جديد ومشرق للوطن وبأن تبقى ‏إرادة الحياة اقوى، وهذا ما نعمل عليه مع الأخوة في القيادات الروحية ومع القيادات ‏السياسية، رغم كل ما يحيط بنا من تحديات وإنذارات وتهديد". مشددا على اهمية الشعار ‏الذي طرحه "الشراكة الروحية والوطنية" الذي نغلّب من خلاله ايضا مبدأ الجمع على ‏موضوع الفرقة والتباعد، اذ لا بد من مبادرات في هذا السياق لاجل بناء المستقبل، وسط ‏الاجواء المقلقة والتحديات، وعلى كل إنسان ان يبادر من موقعه، كما المسؤولون ‏والرؤساء والقيادات السياسية، كلٌّ بحسب دوره، لإيجاد قواسم مشتركة للحلول والمعالجات ‏لنتطلع من خلالها نحو مستقبل مشرق. اننا من موقعنا الروحي نبادر لذلك، وعندما أطلقنا ‏عنوان "الشراكة الروحية الوطنية مظلة الإصلاح والإنقاذ"، حاولنا اعطاءه البعد الثقافي ‏والاجتماعي والاقتصادي ايضا". ‏
وردا على سؤال اكد سماحة شيخ العقل "العمل مع الرهبانية اللبنانية المارونية لتوقيع ‏اتفاقية تعاون مشترك للتنمية الاقتصادية في الجبل، وقد خطونا بذلك خطوات سيُعلن عنها ‏في الخامس من تشرين الثاني المقبل في لقاء جامع في دار الطائفة، بحضور العديد من ‏النخب والشخصيات الوطنية. نطلق المشروع الأول في الجبل على أرض تابعة لأوقاف ‏الرهبانية اللبنانية المارونية، كمقدمة لمشاريع أخرى على أراضٍ وقفية درزية ومارونية ‏وغيرها، بما يفتح المجال أمام العائلات الروحية الباقية لتكرار هذا النموذج. الهدف هو ‏التنمية الاقتصادية، وتثبيت الناس في أرضهم، وإعادة المهاجرين والمهجرين كي يشكلوا ‏قوة مشتركة في بناء هذا الوطن وفي التنمية المطلوبة، لبنان يُبنى بالشراكة وبالأمل ‏وبالعمل المشترك، لا باليأس والانقسام، والإصلاح ايضا يبدأ بالمبادرات، كل من موقعه ‏ومن كل طائفة ومع كل إنسان مؤمن بوطنه". ‏
ونوّه ردا على سؤال "بالصناعة الوطنية وبالإنجازات اللبنانية، فالأمل بالشباب المتخصص ‏والمثقف والمتعمق في التكنولوجيا والاختصاصات لتطوير بلدهم، الذي يحتاج إلى طمأنة ‏ورعاية الدولة. لبنان ليس ضعيفا بأدمغته وطاقاته وقدرات ابنائه الفائقة. لذا، من ‏الضروري الاستمرار والمتابعة وعدم التراجع وتضافر الطاقات جميعها. عندما أطلقنا ‏مشروع الشراكة الروحية الوطنية بالتشاور مع كبار المسؤولين، لم يكن هدفنا خاصا وانما ‏وطنيا عاما، وكانت هناك ندوتان في عاليه وحاصبيا لتعزيز هذا المفهوم والتأكيد على ‏ضرورة التعاون لتثيبت اسس الدولة وتفعيل مؤسساتها، والان نطرح المشروع الاقتصادي ‏الاول في الجبل ايضا لكي يستقطب رجال أعمال واصحاب رؤوس أموال، علّنا نساهم في ‏البناء المطلوب، وهذا تحدٍ ونحن نرفع التحدّي ثقافيا وعملياً على الأرض".‏
واذ نبّه سماحة شيخ العقل من التوترات المتصاعدة التي يعيشها لبنان والمنطقة، شدد على ‏‏"اهمية المبادرات الوطنية الجامعة المنطلقة من اسس الحوار والإيمان الوطني كسبيل ‏لإنقاذ لبنان، مع التشديد على أهمية التضامن الداخلي والشراكة والوحدة، في مواجهة تلك ‏الضغوطات والتهويلات الخارجية، لا سيما بين القيادات الروحية والسياسية عموما". ‏
‏ واثنى على "الخطوات الآيلة الى تجسيد رسالة لبنان الحضارية"، مشيرا في هذا الاطار ‏إلى "أهمية زيارة قداسة البابا لاوُن الرابع عشر المقررة إلى لبنان، بما يمثل من رمز ‏عالمي وروحي، تأكيدا على مميزات لبنان الحضارية وعلى التلاقي والحوار". ورأى ان ‏إسرائيل تمارس شتى انواع التهويل الإعلامي والسياسي والعسكري بهدف الضغط على ‏لبنان، ومنع إعادة الإعمار فيه والقبول بالشروط المفروضة عليه، وكل ذلك يتطلب في ‏المرحلة الراهنة تماسكاً داخلياً، ورؤية موحدة بين القوى اللبنانية، وتفعيل دور الدولة، ‏بدلا من انتظار الظروف الخارجية".‏
وحول سلاح حزب الله ودور الدولة بهذا الخصوص، تساءل سماحة شيخ العقل: "كيف ‏ستصبح الدولة قوية إذا بقي فريق ما مسلحا خارج سلطتها؟ فحصرية السلاح ضرورية ‏لإعادة الاعتبار للدولة، ولكن الأمور في لبنان تحتاج الى حكمة في التعاطي، وعلى الكل ‏أن يقدّموا التنازلات وأن يتقدّموا إلى الأمام، أما مقولة: عندما تصبح الدولة قوية نسلِّم ‏سلاحنا، وعند الاتفاق على استراتيجية دفاعية، وما شابه، فهذه الشروط يمكن أن تنسحب ‏على عناوين أخرى، ولو كانت أقل أهمية، في التربية، في الاقتصاد، في الأمن الداخلي ‏وفي العلاقات الخارجية، اذ لا يمكن التقدم والتطور إن لم نساهم ونساعد الدولة على بسط ‏سلطتها في جميع المجالات، واذا بقينا ننتظر ظروفا معينة، مع ادراكنا لحجم التحديات ‏الامنية والمخاطرالحربية المتأتّية من اسرائيل، فالتصعيد الإسرائيلي هدفه الضغط على ‏لبنان ومنع إعادة الإعمار قبل إخضاع لبنان لشروط اسرائيل، وبالتالي منع حزب الله من ‏إعادة تكوين قوته، كذلك الامر بالنسبة للتصريحات والرسائل الخارجية، التي اعتاد لبنان ‏عليها. ‏
في المقابل فان الحلول المطلوبة لا تكون من خلال التبعية والولاء للخارج، بل في الوحدة ‏الداخلية، وتكوين الرؤية المشتركة بين اركان السلطة والمسؤولين. اذا، علينا بالواقعية في ‏التعامل، والضغط الدولي على إسرائيل لكبح أطماعها التوسعية، وبالعمل التعاوني ‏المشترك بين الدولة والدول صاحبة القرار، وبالاعتماد على الوساطة الاميركية لتحقيق ‏التوازن المطلوب. من هذا المنطلق يمكن أن نقابل تلك الضغوط برؤية مشتركة وإرادة ‏مشتركة لبناء الوطن، بوجه إسرائيل، التي تمثل الخطر الحقيقي للبنان والمنطقة، كما ان ‏وحدتنا الوطنية تبقى السلاح الامضى لمواجهة أي مشروع خارجي".‏
ورأى ان المواقف التي اطلقها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بخصوص التفاوض ‏والسلام باعتبار الامر ليس تطبيعا وانما وسيلة لاسترجاع الحقوق، فهذا كلام متقدم يعتمد ‏الدبلوماسية الهادئة ويسعى لتجنيب لبنان التصعيد، طالما هناك ضمانات أمريكية ‏ووساطات عربية، للحفاظ على الاستقرار في لبنان". ومشيرا الى تقديره الكبير للرئيس ‏نبيه بري الذي يقف عادة في موقع الوسط والاعتدال، وان كان تصريحه الأخير عن عزل ‏الطائفة الشيعية في موضوع انتخابي يثير الاستغراب، ولكن ربما له مبرراته".‏
وقال سماحة الشيخ ابي المنى، " لبنان لا يمكن أن يُدار بالفرض أو بالقوة، بل بالحوار ‏بين جميع الأطراف، والحوار هو السبيل الوحيد لحل الخلافات السياسية وغيرها، ‏والرئيس عون كان محقًّا عندما دعا إلى الحوار، الذي يجب ان يكون جديا وواضحا، لا ‏مجرد كلام بل يفضي الى نتائج. وهذا الامر يستند ايضا الى اتفاق الطائف ومن ‏الضروري المحافظة عليه لأنه يحمي لبنان من الانقسام والفوضى، لكن المشكلة أنه لم ‏يطبق بالكامل. علينا بتطبيق كافة بنود الطائف ومواده، وخاصة فيما يتعلق ببندي انشاء ‏مجلس الشيوخ وإلغاء الطائفية السياسية. كي لا يبقى النظام عندنا هشاً ومعطلاً أحياناً‎.‎‏ ‏آخذين بالاعتبار تعقيدات الوضع اللبناني والمطالب والهواجس المتنوعة، من هنا يجب ‏تقديم تنازلات متبادلة من كافة الأطراف، للوصول إلى الحلول المرتجاة. بعيدا من ‏التصلّب بالمواقف، وبالحكمة والمرونة، لتجاوز الأزمات على طريق بناء الدولة ‏المنشودة، وبعيدا ايضا من الوعود الكلامية لدى السياسيين خصوصا، وانما بالعمل ‏الفعلي، لأن الوعود دون تنفيذ تُفقد ثقة الناس بالدولة".‏
اضاف ردا على سؤال، "الطوائف نعمة وليست نقمة، متى التزمت بمرجعية الوطن، وهي ‏عامل استقرار ايضا، وبناء للوطن، أما إذا كانت تنفّذ أجندات خارجية فانها تهدم الوطن، ‏وعلى الدولة حماية حقوق الطوائف. ومن غير الجائز ابدا ان تستهدف اي طائفة لبنانية ‏طائفة أخرى، فهذا يزيد من الانقسام ويشوّه الواقع الذي بُني على اساسه الوطن من التنوع ‏والتعددية، وهذا غير وارد وغير موجود، فلا يرضي اللبنانيين اطلاقا بأن يستهدفوا ‏بعضهم، ولا يجوز أن تكون الطائفة الشيعية مستهدفة من الداخل أبداً، وإن استُهدفت ربما ‏من الخارج".‏
وحول سؤال عن واقع السويداء الانساني، أشار سماحة شيخ العقل الى الخطوات التي ‏‏"جرت من قبلنا، كما الدور الإنساني لوليد بك جنبلاط الذي قام ويقوم بواجبه الإنساني ‏تجاه السويداء ايضا، تعاونا مع الهلال الأحمر السوري، وهذا التضامن الدرزي – الدرزي ‏العابر للحدود هو فعل ايماني، خاصة بعد الذي حصل في المدينة. والمسألة ليست سياسية ‏فقط، بل قضية إنسانية ووجدانية بين أبناء الطائفة."، متمنيا "لو كانت سوريا موحدة لجميع ‏أبنائها، وديمقراطية ومتطورة، وطائفتنا لم تكن اصلا الا عربية اسلامية، ما نريده هو ‏الإسلام المعتدل الذي يحفظ حقوق الجميع، ‏‎ ‎واحترام التنوع الديني الذي هو غنى فيها. ‏‎ ‎فما جرى في السويداء جرائم موصوفة لا يمكن تبريرها، وليست مجرد أخطاء كما وصفها ‏البعض في الدولة السورية. وتبين لاحقا أن ما حصل قد يكون جزءا من مخطط تفتيتي، ‏لاستدراج السوريين إلى صدام داخلي، واننا ننتظر نتائج التحقيق والعدالة والمحاسبة. ‏سوريا تمر بمرحلة جديدة من الاحتضان العربي والدولي، مما قد يفتح باباً لإعادة ‏التواصل الرسمي والشعبي وإلى الحوار بين الدولة السورية وابناء الوطن بخصوص ‏الضمانات المطلوبة لإدارة شؤونهم‎ ‎‏ وتأكيد انتمائهم للوطن، مع تقديم الضمانات لأبناء ‏جبل العرب. وكما رفضنا سابقا نحن ووليد بك جنبلاط فكرة "تحالف الأقليات"، التي رُوّج ‏لها سابقا كحماية للمسيحيين أو الدروز أو الشيعة فاننا نرفض هذا الامر اليوم، والحل هو ‏في الانتماء للدولة الجامعة، لا إلى التكتلات الطائفية، نحن مع منطق الدولة التي نكون ‏جميعنا فيها أكثرية، الدولة ثم الدولة، التي تبقى المظلّة الوحيدة لشعبها". ‏
‎ ‎وحول سؤال عن تأرجح لبنان بين الحرب والسلام، ابدى سماحة شيخ العقل خشية من ‏امتداد الحرب من غزة إلى لبنان، بسبب تمادي إسرائيل وعدوانيتها، وعلى السلطة ‏الخروج بموقف لبناني موحّد فيما يتعلق بردع أي عدوان محتمل. واننا نتطلع بأمل نحو ‏سلام منشود رغم الغيوم السوداء، وعلينا‎ ‎بالوحدة الداخلية التي هي الضمانة الوحيدة، ومن ‏الطبيعي ان نعوّل على الضغط الدولي وعلى دور قداسة البابا والفاتيكان كرموز داعية ‏للسلام، من اجل تفادي حرب جديدة على لبنان".‏‎ ‎
واذ شدد سماحة الشيخ ابي المنى على "اهمية حوار الأديان والحضارات، كسبيل لترسيخ ‏السلام العالمي، خاصة في عالم تسوده التكنولوجيا، بما في الامر من تحديات غير مسبوقة ‏ومكمن التحدي الأكبر اليوم، بعدما اصبحت التكنولوجيا تتحدى جوهر الإنسان، وتطرح ‏سؤالًا وجوديًا: أين موقع الإنسان في عالم الآلات والذكاء الاصطناعي، بل بين الروح ‏الإنسانية والتطور المادي المفرط‎.‎‏ علينا اذا بالعودة الى الاصول وبان نستقي من معين ‏الاديان ونسمع صوت الحق لإقامة القسط والعدل في هذا العالم".‏
 
وحول شعار الشراكة الروحية والوطنية، رأى انه "مسار طويل ورافعة روحية ووطنية ‏اضافة الى اقتصادية وتنموية على طريق بناء الوطن، وتلك تجربة مهمة، سنوقع الاتفاق ‏في الخامس من الشهر المقبل بحيث تكون المدماك الاول لمشاريع أخرى وربما لشراكة ‏مع طوائف اخرى وليس فقط بين مشيخة العقل والرهبانية المارونية، وسيعمل بذلك ‏اصحاب الاختصاص ومن كافة الطوائف، تعزيزاً لمصالحة الجبل. نحاول جهدنا ونريد ‏الحياة للوطن، ودعواتنا ترتفع دائما لتعزيز الوحدة وبث الروح الوطنية".‏
وحول مشروع الرئيس عون، قال: "ان خطاب القسم لفخامة الرئيس طرح عناوين تحمل ‏الامل للبنان، نأمل ان يتحقق لخير هذا البلد".‏
وختم سماحة شيخ العقل بخصوص زيارة قداسة البابا للبنان، "ننتظر الزيارة بأمل ورغبة ‏آملين أن تكون زيارة جامعة ومباركة على طريق سلامة لبنان وقيامنه، وبما يؤكد على ‏رسالة الوطن ووحدته، والزيارة ليست فقط كنسية، بل لدعم الوطن وتعزيز الشراكة ‏الروحية الوطنية فيه". ‏