سماحة شيخ العقل شارك في ورشة عمل محاكم الأسرة في العالم العربي داعيا لرفع الظلم عن جميع عناصر الأسرة
2025-11-04
حذّر سماحة شيخ العقل لطائفة الموحّدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى من مغبة التحديات التي تواجه الاسرة وتغيِيب دورها، نتيجة غياب الوعي والحوار والتفاهم، واذ دعا لرفع الظلم عن جميع عناصر الأُسرة، نبّه إلى مخاطر التحرُّر المطلَق الحاصلة.
كلام سماحة شيخ العقل جاء في الجلسة الافتتاحية لورشة العمل الاقليمية حول "محاكم الأسرة في العالم العربي-ابرز الاوضاع والتحديات اليوم وسبل التطوير"، اقيمت بدعوة من المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، (LFPCP) والمركز النرويجي لحقوق الانسان في جامعة اوسلو ومعهد الحوكمة في المعهد العالي للادارة (ESA)، وذلك في مركز المعهد العالي في كليمنصو – بيروت. بمشاركة بطريرك كيليكيا للارمن الكاثوليك روفائيل بيدروس ميناسيان، وممثلين عن البطريرك يوحنا العاشر اليازجي ونائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ علي الخظيب، وشخصيات دينية ووزارية ونيابية وقضائية واكاديمية وخبراء قانونيين من لبنان والاردن وفلسطين.
شيخ العقل
ومما جاء في كلمة سماحة شيخ العقل في افتتاح ورشة العمل: بسم الله الرحمن الرحيم أصحاب السماحة والغبطة والفضيلة والسيادة، السادة والسيدات المنظِّمين والمشاركين، نُحيّيكم تحية الترحيب والتقدير، ونباركُ لكم هذا المنتدى الجامع، مقدِّرين أهميةَ ما تقومون به للإضاءة على مكامن القوة والضَّعف في محاكم الأسرة في عالَمنا العربيّ، من خلال عيِّنةٍ مهمّة من أهل المعرفة والاختصاص من لبنان والأردن وفلسطين، سعياً لتطوير ما يُمكن تطويرُه، ولتثبيت ما يجبُ تثبيتُه، إذ ليس كلُّ قديمٍ بالياً وليس كلُّ جديدٍ غالياً، راجين أن تُسفرَ مداخلاتُ المحاضرين ونقاشاتُ المشاركين عن توصياتٍ واقعيةٍ نافعةٍ، علَّنا منها نستفيد وعليها نعتمد في أيِّ جديد".
اضاف: "محاكمُنا الشرعية والمذهبية ترتكزُ على مقاصد الدين، وتحقيقُ مقاصدِ الدين هو الهدفُ الأسمى: حفظُ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل وحفظ المال، وكلٌّ من تلك المقاصد يحتاج إلى ضوابطَ وأحكام، ومَن أَولى من المؤسسات الدينية ومن المحاكم الشرعية بذلك، إذ إنّ غايةَ التشريع يجب أن تكونَ في ما يخدمُ هذه المقاصد، على قاعدة العدل والإنصاف والمرونة، لا على قاعدة الجور والظلم والتحجُّر. هذا ما نأملُه من محاكمنا الشرعية والمذهبية بأن تكون صمّامَ أمانٍ وضمانةً لحقوق الناس وحفظ كراماتهم وحقوقهم، إذ إنَّها تمثِّل السلطة الدينية التي ينبغي أن تكونَ المرجعَ والموئلَ والملاذَ لأبنائها، بالتعاون مع السلطات المحلية ومع الدولة، في ما يُعزِّز الأمنَ الروحيَّ والاجتماعي والإنساني في المجتمع، وفي ذلك مسؤولية مشترَكة؛ من قبل المؤسسة الدينية تجاه الدولة والمجتمع، ومن قبل الدولة والمجتمع تجاه هذه المؤسسة، فالاحترامُ المتبادَلُ والتعاون والتنسيق يقود إلى تحقيق الغاية الفضلى، أمَّا التضاربُ والتناقض وتنازع الأدوار فينعكسُ سلباً على سلام المجتمع وسلامة العائلة".
وتابع: "لن أسترسلَ، بل سأترك لأصحاب الشأن والخبرة أن يُضيئوا على جوانب الموضوع بما لديهم من كفاءةٍ وأمانة، لكنّني أَلفت النظرَ إلى بعض العناوين، علَّها تكون موضوعَ بحثٍ ونقاشٍ في ما بينكم أو تُوضعُ جانباً لإفساح المجال لسواها من الأفكار القيّمة إذا رأيتم ذلك أجدى:
أولاً: نشير إلى الموضوع المُثار هنا وهناك، حول حقوق المرأة في العمل والسياسة ومختلف الميادين، والمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، متسائلين عن حدود تلك الحقوق، وعن الواجبات في المقابل، أكان في مجال التربية والرعاية الأسرية أو سواها، ألا تتضارب تلك الواجبات مع بعض الأعمال المرهقة التي تحتاج إلى المزيد من الوقت والابتعاد عن الأسرة؟ ألا يستوجب المنطق والواجبُ الأُسَري التنبُّه إلى مخاطر التحرُّر المطلَق؟ ويستدعي إقامةَ التوازن بين مهمة الأمومة ومهنة العمل؟ بين ما هو حقٌّ للمرأة والأمّ وبين ما هو واجبٌ تجاه العائلة؟ وبين القدرة على العمل والنموّ الشخصي والانطلاق وبين مصلحة الأسرة؟ إلى أين يذهبُ القانون في مثل هذا الأمر، وهو القيِّمُ على مصلحة الطفل الفُضلى، بل على مصلحة الأسرة والمجتمع عموماً؟
ثانياً: في الغالب تتمُّ الاضاءةُ على العنف الأسري فقط من جهة التعنيف الجسدي أو المعنوي، والذي ربَّما يكون في بعض الأحيان عنفاً إيجابياً لقوله تعالى: "وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" سورة البقرة، الآية 179، إذ يتمثلُ في الردع عن الخطأ وتصويب المسار، أما العنفُ السلبي الذي يتمثل بعدم القيام بواجبات أساسية تجاه الأسرة فقد يكون أشدَّ ضرراً، كامتناع الأب عن الإنفاق على أسرته رغم قدرته على ذلك، أو امتناع الوالدين عن تربية الأطفال تربيةً صحيحة، إذ إن أطفالَ اليومَ هم شبابُ الغد، والامتناعَ عن تربيتهم تفوق بسلبيتها أيَّ عنفٍ من نوعٍ آخر، وتخالفُ الفِطرة. قال تعالى في سورة الإسراء، الآية 24: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا"، فرحمةُ الله متعلِّقة بالتربية الصالحة، وقال الرسول الأكرم (ص): "إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفَعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له." وهنا يُمكن القول إن تربيةَ طفل تربيةً صحيحة قد تكون أعظمَ الحسنات الجارية التي يُقدِّمُها الإنسان، وقد تصلُ هذه الحسنةُ إلى العديد من الأجيال القادمة. أمَّا الامتناعُ أو التواني عن تربية الطفل تربيةً صحيحة فإنها تؤدّي إلى تفكُّكِ الأُسر في المستقبل، وبالتالي تَفكُّكِ المجتمع بأسره، بما في ذلك من احتمال حصول العديد من المشاكل الكارثية".
واستطرد: "في هذا المجال يُمكن القولُ إن المحافظة على السمات الأخلاقية والعادات والتقاليدِ الاجتماعيةِ والأصول الدينية، مثل الكرم والعطاء، المحافظة على صلة الرحم، القيامِ بالواجبات الاجتماعية، كظمِ الغيظ، الحدّ من الغضب، طردِ الاكتئاب، الثقة بالله، الصبر والتحمُّلِ والتفاؤل، السعيِ الدائم لاصلاح ذات البين، وقبولِ الانتقاد والنصيحة ووضعِهما في ميزان السعي لتحسين الأسرة وليس في ميزان الكيدية؛ كلُّ تلك الخصال والعادات تصبُّ في مصلحة الأسرة والمجتمع، وليس علينا إلا التشجيعَ عليها ورعايةَ الأسرة وحثَّها على ممارستها، وبالتالي الامتناعَ عمّا يناقضُها، وإجراءَ الأحكام على أساس القيام بها أو عدمِه. كم من مُعضلةٍ تواجهُ المجتمعَ اليومَ، والقضاءَ بشكلٍ خاص، فتلتقي عليها شرائعُنا ومحاكمُنا، لأن منطقَ الحياة الطبيعي واحدٌ، ونظامَ الخليقة واحدٌ، والعولمة الجارفة تجتاحُ مجتمعاتِنا دون استثناءٍ وتمييز، أليست حالة الهجرة والسفر والعمل بعيداً حالةً جديدة تفرضُ نفسَها على أحكامِنا في واقع الأسرة ووقائع الترابط الأُسري والطلاق والحضانة على سبيل المثال؟ ألا يحتاجُ الأمر إلى اجتهاداتٍ ملائمة محكومةٍ بالعقل والمنطق، وقد خلق اللهُ الإنسانَ وشرَّفه على غيره من المخلوقات بما أعطاه من عقلٍ مميِّزٍ وقادرٍ على الاكتساب والتطوير. بالعقل يُمكنُنا التمييزَ بين ما هو حقٌّ وما هو واجبٌ، فلا نَفقدُ بوصلةَ الاتّجاه الصحيح، والعقلُ هو هبةُ الله الأغلى. قال الإمامُ عليّ (ع): "ربّي، مَن أعطيتَه العقل فماذا حرمتَه، ومَن حرمتَه العقلَ فماذا وهبتَه؟" نحن مدعوُّون كمسؤولين وقيِّمين على صحة العائلة وسلامة المجتمع إلى إعمال العقل، لا إلى إهماله، وإلى تحدّي الواقعِ ورفع الظلم عن جميع عناصر الأُسرة؛ الأُنثى المعرَّضةِ للتنمُّر الذكوريِّ وظلم التقاليد المُجحفة والحرمان من الإرث والاحترام، والمرأةِ المعنَّفة والمهمَلة والمحكومة باستعلاء الزوج وعائلتِه، والزوجة الرافضة للانتساب العاطفي والاجتماعي إلى عائلتها الجديدة، والأبِ الفاقد للاهتمام والمساندة من شريكة حياتِه وأولاده، والولدِ المحتاج في جميع مراحل حياته إلى العطف والاحتضان والرعاية والدعم المعنوي والتربية الصالحة.
وختم: "ما يهدِّد الأسرة ويُغيِّبُ دورَها هو غيابُ الوعي والحوار والتفاهم، وهو بالتالي تغلُبُ شعارِ المساواة على شعار الواجب الطبيعي، ومنطقِ التقليد الأعمى على منطق التطوُّر الإيجابي، وهو في المُحصِّلة اختلاطُ الأدوار وتبعثُرُها، فهل أنّ هذا الملتقى الرفيع المستوى قادرٌ على تصويب المسار؟ هذا ما نأملُه، وهذا ما نحثُّ ونشجِّعُ عليه. وفَّقكم الله لما فيه خيرُ الأسرة وخيرُ المجتمع، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه".
كذلك كانت كلمات لكل من البطريرك ميناسيان وممثلي البطريرك اليازجي والشيخ الخطيب، ورئيس لجنة حقوق الانسان النيابية النائب ميشال موسى، وسفيرة النروج في لبنان السيدة هيلدي هارالدستاد، والسيدة ريتا ساندبروغ باسم جامعة اوسلو، والاستاذ هادي الاسعد باسم المعهد العالي لادارة الاعمال، والدكتور انطوان مسرّة باسم المؤسسة اللبنانية للسلم الاهلي الدائم، والاستاذ ربيع قيس.
اجتماع
من جهة ثانية ترأس سماحة شيخ العقل الاجتماع الدوري لمجلس ادارة المجلس المذهبي، لمناقشة مشروع موازنة 2026 وقضايا مجلسية اخرى.