المجلس المذهبي | مجلة الضحي
السبت ٠٧ حزيران ٢٠٢٥ - 11 ذو الحجة 1446
"أصالة الدروز صدّت مشروع إسرائيل"... شيخ العقل لموقع mtv: وسام شرف وليتكلّم مَن يتكلّم

2025-06-07

تمنّى شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الدكتور سامي أبي المنى أن يبقى الأمل مزروعاً عند اللبنانيين، معتبراً أن "هناك نيّة للخروج من الواقع السابق، وهذا ما تؤكده المعطيات المحلية كما الدولية والاقليمية.
وقال أبي المنى، في حديث لموقع mtv: "أكد رئيس الجمهورية في موضوع حصر السلاح بيد الدولة أن القرار اتخذ والتطبيق يحتاج الى حوار، وأعتقد يجب أن يضاف إليه أن القرار اتخذ والتطبيق يحتاج الى حوار، مع الإصرار، بمعنى أن الملف يجب أن ينتهي". وأشار إلى ان "حركة حزب الله في الأيام الأخيرة إيجابية، وتوحي بأن هناك نية لفتح صفحة جديدة، وهذا ما يبشّر بالخير".

وإليكم نص الحوار:

-بعد دخول لبنان في مرحلة جديدة، هل أنتم متفائلون فعلاً بمستقبل أفضل؟

لا شك لدي بأن هناك نية للخروج من الواقع السابق، وهذا ما تؤكده المعطيات المحلية كما الدولية والاقليمية، وربما لا يزال موضوع السلاح قيد البحث. قال رئيس الجمهورية في موضوع حصر السلاح بيد الدولة أن "القرار اتخذ والتطبيق يحتاج الى حوار"، واعتقد انه يجب ان يضاف اليه "القرار اتخذ والتطبيق يحتاج الى حوار، مع الإصرار"، بمعنى ان الملف يجب ان ينتهي. فاللبنانيون يخشون من تمييع القضايا وان تعود الدوّامة السابقة، ولكن حركة حزب الله في الأيام الأخيرة إيجابية، وتوحي بأن هناك نية لفتح صفحة جديدة، وهذا ما يبشّر بالخير، وأتمنى أن يبقى الأمل مزروعاً عند اللبنانيين، ولكن نخاف من البطء في العملية الذي يمكن ان يعيق الأمر ويضعف الأمل، ويجب ان يكون هناك مبادرات سريعة. فوضع سوريا يتقدّم، "ويمكن يسبقونا" في ظل الاستثمارات الخارجية التي تصل اليها، فيما نحن لا نزال نتلهّى بأمور داخلية.

-لا تزال الاعتداءات الاسرائيلية مستمرة على لبنان، في ظل وجود أراضٍ محتلة أيضاً، وبالتزامن مع ضغط دولي كبير لحصر السلاح، هل تخشون من حرب جديدة على لبنان؟
مَن منّا يطمئنّ لاسرائيل؟ لا يمكن لأحد أن يطمئن لاسرائيل ومخططاتها، فهي تقضم المنطقة على دفعات، ولها مخططاتها التوسعية، وربما يمكن ان تُلجَم إذا كان هناك وحدة داخلية وخطة مدروسة واحتضان دولي وعربي. الاحتضان العربي يعود والاحتضان الدولي عسى أن يكون أيضاً موجوداً. فهذا يلجم إسرائيل، ولا يمكننا ان نبقى تحت رحمة القصف والقتل وهذا أمر غير مقبول إطلاقاً وعلى المجتمع الدولي أن يساعد، كما الدول الحاضنة للبنان أن تضغط على اسرائيل. وبالتزامن لا بد من معالجة موضوع سلاح الفلسطينيين وسلاح حزب الله، وقد بدأت خطوات عسى أن تكون مدروسة بدقة وان لا تكون عمليات اعلامية فقط. وأعتقد أنه اذا كنا واقعيين في مقاربتنا، ستتحسّن الأمور على مراحل، ولكن ليس بكبسة زر، ولبنان ذاهب ان شاء الله الى الاستقرار.

-الانتهاكات الاسرائيلية لا تقف عند حدود لبنان، إنما المشروع الاسرائيلي يتوسّع ويتخذ أشكالاً عدة، ولم يسلم الدروز منه في الأشهر الماضية. هل ما زلتم قلقين من سلخ دروز سوريا لصالح هذه المخططات؟

حاولت إسرائيل، لكنها تصطدم بالأصالة الدرزية والموقف الدرزي الموحّد. حاولت إغراء دروز سوريا بالحماية، فأين أصبحت هذه الحماية؟ فإسرائيل تفتّش عن مصالحها لا اكثر ولا أقل، ونحن يجب ان نطمئن إلى جذورنا ودولتنا والأوطان التي نعيش فيها وليس الى حمايات خارجية، وخاصة من دولة عدوة كإسرائيل التي لها مخططات ومصالحها وبرنامج عملها، ولا شك أن المنطقة قادمة على تغيير وقسم منه حصل، من ضمن ما يسمّى الشرق الاوسط الجديد، وسيكون هناك واقع مختلف، وكما قال وليد جنبلاط منذ فترة بأننا دخلنا في "العصر الإسرائيلي" والأميركي. وعليه يجب ان نكون واقعيين حول كيف نتعامل مع هذا الواقع وكيف نعيش متغيرات هذا العصر، نتمسّك بجذرونا وربما يكون هناك بعض الانفتاح فنحن لسنا منغلقين، ولكن أهم نقطة هي ان نتمسك بأوطاننا وأرضنا ودولتنا وبعيشنا الواحد مع جميع المكونات.

-ولكن هناك هواجس لدى دروز سوريا، لا سيما بعد الأحداث الأخيرة في جرمانا وأشرفية صحنايا، ما المطلوب منهم كما من القيادة السورية من أجل إعادة تعبيد الطريق بين جبل العرب ودمشق؟

التغيير الذي حصل في سوريا تاريخي أطاح بنظام استبدادي تسلّطي ظالم، وما حصل وبهذه السرعة كان كالخيال، هذا يعني ان الدولة تحتاج الى وقت لكي تنظم أمورها وتضبط الساحة، وهناك تنوّع ديني وإثني ومناطقي في سوريا فكيف ستستطيع هذه الإدارة ان تضبط كل الامور في كل المناطق؟ فهي تحتاج الى وقت. هناك خشية من التطرف، وهذا ما زال قائماً لدى بعض الفصائل والعناصر، وما زال مصدر قلق، وكما قلت للرئيس السوري أحمد الشرع خلال زيارتنا الأولى مع الأستاذ جنبلاط، بأن قلق الاقلية يحتاج الى عدالة الأكثرية، وكأنني أقول له هل أنت قادر على إرساء نظام ديمقراطي وطني عادل يعطي حقوق الناس، أم أننا سنعود الى التسلّط والهيمنة بوجه آخر؟ هذا تحدٍّ أمام الرئيس الشرع، وما يظهر اليوم أن هناك محاولة واستقطاب واحتضان دولي وعربي خاصة من المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر والولايات المتحدة وفرنسا، فهذه الحركة التي يقوم بهاالرئيس الشرع تطمئن، ونحن رسالتنا لأهلنا في سوريا ان يمدّوا يد التعاون والشراكة، وعلى مشايخ العقل والشخصيات الدرزية مسؤولية أن يتعاطوا بايجابية وإبداء حسن الظن بهذه الدولة وأن يكونوا شركاء في قيام دولة سورية حديثة وعصرية، ولكن على الدولة مسؤولية بأن تطمئن هؤلاء الناس بضمانات واضحة، لأن هناك فصائل عسكرية موجودة ولها تضحياتها ومطالب شعبية، فلتطمئن الناس بالمساعدات والمشاريع وبنوع من اللامركزية اذا صحّ التعبير، ولكن ان يبقى الجميع مرتبط بالدولة، كما بالموضوع الأمني من خلال استيعاب الفصائل التي كانت تدافع عن مناطقها لا أن تحصل مواجهة. وهذا ما حصل في جرمانا، حيث جرى نوع من اتفاق، وهذا نموذج يمكن أن يُطوَّر وأن يُعمَّم، وهو ما يمكن ان يحصل في السويداء. أما ما حصل في أشرفية صحنايا فهو ليس بالنموذج الصالح، فقد حصل صدام بين أهالٍ يريدون الدفاع عن أرضهم، فصُنفوا وكأنهم خارجون عن القانون، وجماعات متطرفة تلطّت تحت عباءة الأمن، فحصل هذا الصدام وسقط عدد من الشهداء.

-هل أنتم مع تسليم سلاح الفصائل الدرزية الآن أم انتظار قيام الدولة السورية؟

هذا ما قصدته بالاتفاق، بأن يكون هناك اتفاق يلحظ موضوع السلاح. عندما تنخرط القوى العسكرية في الجبل في الدولة ضمن نظام معين يكون السلاح معهم، وبذلك يكون السلاح بقي في الجبل ولكنه تحت أمرة الدولة. هذا ما يجب أن يحصل، وربما يحتاج الحوار مع جبل العرب الى رعاية، وهذا ما بحثناه مع السفراء العرب وسفراء تركيا وفرنسا والأمم المتحدة والجامعة العربية، عند معالجة احداث أشرفية صحنايا وعدم توسيعها، وبالفعل نجح هذا الأمر مع مساعي وليد جنبلاط لضبط الأمور، ولم يكن الجميع يريد ان تنفلت الأمور من عقالها. وطرحنا حينها انه لا بد من وجود اتفاق وضمانات، فنحن نرفص المطالبة بحماية دولية ولكن لا بد أن يكون هناك نوع من الاحتضان للاتفاقات التي يمكن أن تحصل للتأكيد على الضمانات المطلوبة والشراكة مع الدولة.

-هل يمكن تكريس شراكة روحية ما في سوريا، كإجراء لقاء مثلاً مع مفتي سوريا الشيخ أسامة الرافعي؟
خلال زيارتنا للرئيس الشرع طرحت عقد قمة روحية لبنانية سورية، لكنها تحتاج طبعاً الى بحث مع الرؤساء الروحيين في لبنان، وأنا على اتصال دائم مع المفتي الرفاعي، وعندما حصلت أحداث صحنايا تمنيت على سماحته أن يصدر بياناً وهذا ما حصل من أجل إخماد الفتنة. وهناك فكرة لا تزال قيد الدرس وسأطرحها على مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان بأن نقوم بزيارة مشتركة الى مفتي سوريا، للتأكيد على أننا في توجه مشترك ولتغليب منطق الاعتدال.

-هل أنتم على تواصل دائم مع مشايخ العقل في سوريا؟

أنا على اتصال دائم مع مشايخ العقل في سوريا طبعاً، وقد تكلمت أخيراً مع الشيخ حكمت الهجري ومع الشيخ الحناوي ومع الشيخ جربوع، وكذلك مع الشيخ موفق طريف للمعايدة. فنحن مسؤولون عن طائفة موجودة في هذا المثلث من بلاد الشام، وهناك أمور يجب ان تكون واضحة. فنحن لا نتخلّى عن ثوابتنا وعن هويتنا العربية الاسلامية، ويجب أن يفهم القاصي والداني هذا الأمر. ربما لديهم واقعهم المختلف في اسرائيل فلنعذرهم وهم أدرى بواقعهم، ولا نريد لتكيّفهم هناك مع دولتهم ان يؤثر على ثوابتنا المتمثلة بالجذور والأصول العربية الاسلامية، ولا نغيّر قوميتنا بقوميات أخرى، ولا نغيّر ديننا بدين مستقل، "إن الدين عند الله الإسلام"، فنحن أصحاب مسلك ومذهب في هذا الدين ولنا عمق توحيدي في كل الأديان، واما قوميتنا فعربية لا قومية مستقلة، لا يهودية ولا درزية، كما صدر في بعض الكتابات مؤخراً باللغة الانكليزية بأن الدروز ليسوا عرباً وليسوا بمسلمين، وهذه الكتابات حكماً موجهة من جهات معينة ولا تخدم الموحدين الدروز لا بل تقودهم الى نوع من الانتحار أو إهدار الدم. لذلك يجب ان نتفاهم، كشيوخ العقل، على هذه الثوابت، ولذلك انا على تواصل مع الجميع.

-هناك أشبه بحملة على مواقع التواصل الإجتماعي، وبعض الأصوات تتعرّض لموقع مشيخة العقل، كيف تردّون؟
الحقد يعمي أهله عن الحقيقة ونحن نعيش بواقع لسنا قادرين على صنع المعجزات، لكننا نعمل بجهد ونيّة طيبة ورؤية واضحة وإرادة صلبة، وسنستمر مهما قال هذا أو ذاك. وأحياناً تُظهر الإهانات الشخصية وقلب الحقائق وكأن العلاقة مع وليد جنبلاط وصمة عار، بل على العكس العلاقة مع هذه القيادة التي حافظت على الجبل والدروز والوطن في أصعب المراحل واستطاعت أن تنتقل من حالة الحرب إلى المصالحة بهذه العبقرية السياسية عند وليد جنبلاط، هي وسام شرف... وليتكلم مَن يتكلم.

-هل أنتم مطمئنون إلى البيت الدرزي الداخلي في لبنان؟ وهل من لقاءات شبيهة بلقاء بعذران في المستقبل؟

هذا مطلب وليد بك جنبلاط ومطلب الأمير طلال أرسلان ونحن نسعى إليه. والخطوط مفتوحة فيما بيننا مع جنبلاط وأرسلان ومع المشايخ. هناك حالة معينة لدى البعض ونحن نراعيها ولا نريد فتح جبهات. وما يسبّب لي الإزعاج هو انتشار بعض الشوائب على مواقع التواصل الاجتماعي، فلنكن أكبر من هذا الأمر، فالبعض يسيء لنا عن قصد والبعض بأسماء وهمية، ولكن هناك طبعاً جهات معروفة تقف وراءها، وهناك أشخاص من الداخل يغذون هذه المواقع. لكني أميل إلى السكوت، وقلتها مرة: الصمت هو أبلغ تعبير.
موقع مشيخة العقل حصل على إحترام وتقدير كل المكونات الوطنية، وأثبت حضوره على الساحة الوطنية والروحية، وقمة بكركي تشهد على الدور الذي قمنا به، في حين أن هناك البعض من الداخل يسيئون إلى هذا الموقع وكأنه مجرّد وظيفة. هذا كلام معيب بحقّ مَن يطلقه أولاً لأن موقع مشيخة العقل هو تاج على رؤس الجميع، ومن هنا تكمن المسؤولية التي أحملها وتدفعني لأكون دائماً معتدلاً وواقعياً وعقلانياً.

-عاد موضوع مجلس الشيوخ إلى الواجهة من جديد، ويٌناقش جدياً في مجلس النواب. هل تعتقدون أن الوقت قد حان فعلاً لإنشائه؟
هذا العهد سيحصل فيه تغيير ونتمنى أن يشهد على استكمال تطبيق اتفاق الطائف، لا سيما إنشاء مجلس الشيوخ وإلغاء الطائفية السياسية. لكن الأمر يحتاج إلى ثقافة وطمأنينة لدى الجميع وانتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي بالتزامن مع إنشاء مجلس الشيوخ. وفي السياق، نؤكد على الدور الأساسي لطائفة الموحدين الدروز التي لم تكن يوماً خارج الدولة ولم تطالب يوماً بمطلب إنفصالي، بل لطالما طالبت بأن تكون الدولة حاضنة الجميع.

-في السنوات السابقة صدرت مطالبات عدة برئاسة مجلس الشيوخ، ما موقفكم وهل ما زلتم متمسكين بأن تكون رئاسته لطائفة الموحدين الدروز؟

خلال زيارتي الرئيس بري، قال لي في سياق الحديث إن هذا الأمر طبيعي، وكان موضوع نقاش في اتفاق الطائف. والجميع يعي أن هذا مطلب حق للطائفة الدرزية باعتبارها قوة أساسية وطائفة مؤسسة، ولكن سنبحث في الأمر عندما يحين الوقت، وربما البعض استغل هذا المطلب لأغراض إنتخابية في السابق، ولن نثير أي خلاف بشأن هذا الموضوع كما أن لدينا ثقة كاملة برئيس الجمهورية.

-منذ أيام كان لكم جولة على الرؤساء جوزاف عون ونبيه بري ونواف سلام، ما كان هدف هذه الزيارات؟ وهل تحضّرون لخطوة وطنية ما تحت عنوان الشعار الذي أطلقتموه "الشراكة الروحية الوطنية"؟

المبادرة التي أقوم بها تتمحور حول "الشراكة الروحية الوطنية، مظلّة الإصلاح والإنقاذ"، فلا بد من مواكبة العهد، الذي أسميناه عهد الإصلاح والإنقاذ وحكومة الإصلاح والإنقاذ، الذي يحتاج الى احتضان ومظلّة عبر شراكة روحية وطنية. فلبنان بلد التنوّع الروحي والسياسي والحزبي، فإذاً يحتاج الى شراكة كي لا يكون هناك أي إقصاء لأحد.
نحن معنيون كرؤساء روحيين بهذه الشراكة التي تؤكد على صيغة لبنان، صيغة العيش الواحد بين الطوائف والتأكيد ان لبنان هو بلد المدنية المؤمنة لا الخارجة عن الإيمان، تماماً كما كان كمال جنبلاط يتحدث عن الإشتراكية الأكثر انسانية وعن العلمانية الروحانية، فالدين جاء لخدمة الإنسان وغايته تحقيق المجتمع الإنساني الفاضل. لذلك نحن نقول بأنه يجب على العائلات الروحية والوطنية أن تتشارك لتشكّل مظلّ لهذا الإصلاح والإنقاذ، لأننا بحاجة لهكذا شراكة، أما اذا كان هناك من فرقاء معزولين أو مقصيين فهذا لا يساهم في مسيرة الإصلاح والإنقاذ. هذه هي الفكرة التي انطلقت منها لمواكبة العهد بهذا العنوان، من خلال حضور ونشاط ثقافي نحن أَولى بأن ندعو إليه لأن هذه هي توجهاتنا الأساسية.

-هل ستُترجَم هذه المبادرة بشكل عملي؟

ناقشت الفكرة في البداية مع الرؤساء الروحيين، والقمة الروحية التي عُقدت في بكركي كانت حافزاً لي، لأنها كانت حلمي منذ تولّيت مهامي في مشيخة العقل، ولكن الأوضاع الصعبة والتشنج الذي كان قائماً في البلد والحرب أخّرت الامر، إلا ان القمة الروحية عُقدت وكانت ثمرة جهد كبير قمنا به جميعاً، وأنتجت مواقف قرّبت القلوب بعضها من بعض، في ظل التباعد الذي كان حاصلاً بين البعض. هذا الواقع دفعني للتفكير بضرورة ان نكون حاضرين دائماً، ولذلك طرحت في البداية عقد سلسلة ندوات، وحبّذا لو نستطيع تشكيل هيئة وطنية لهذه الشراكة الروحية الوطنية لمتابعتها باستمرار. واقترحت عقد خمس لقاءات، الأول حصل برعاية وزير الثقافة غسان سلامة في شانيه، الثاني سيكون برعاية نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري، الثالث برعاية رئيس الحكومة نواف سلام، الرابع برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري والخامس يكون مؤتمراً وطنياً برعاية رئيس الجمهورية جوزاف عون، وهذا ما ناقشته مع الرئيس عون وهناك تواصل قائم، وأتمنى ان يُعقَد هذا المؤتمر في القصر الجمهوري أو في أي مكان رسمي عام، ويضم الرؤساء الروحيين والسياسيين والقوى الوطنية، لنؤكد جميعنا على هذه الشراكة وعلى هذه المسيرة. فلبنان رسالة، ويجب ان نحمل هذه الرسالة كلّ على قدر طاقته، فالرسالة لا يجب ان تكون حبراً على ورق أو مجرّد شعار إنما في القلوب والأفكار والتربية والثقافة والعمل السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي.
وانا انطلقت بفكرة الشراكة الروحية الوطنية من فكرة الشراكة الدرزية المسيحية التي بدأنا بها منذ فترة، بين الوقفين الدرزي والماروني، وسنوقّع قريباً الاتفاق الميثاق مع الرهبانية اللبنانية المارونية. هذه الشراكة التي أردتها درزية مسيحية وبدأتها مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وشاركنا معاً في لقاءي بعقلين وحمانا، وأكدنا على هذه الشراكة. لكن لا أريدها ان تبقى شراكة ثنائية مسيحية درزية فقط، فهذه خصوصية للجبل من خلال المشاركة بمشاريع اقتصادية تعيد المهجّر والمهاجر الى هذه الارض، وعبر بناء مشاريع تضمن مستقبلهم.

-هل من أفكار مشاريع جاهزة على هذا المستوى بانتظار التنفيذ بينكم وبين الرهبانية المارونية؟
أُسسناشركة دراسات اسثمارية، مقرّها في عاليه، تضم مجموعة من الأشخاص الذين يقومون مع الرهبانية المارونية بدراسة أفكار مشاريع، قد تكون صناعية، وهناك أفكار لمشاريع زراعية، كالزراعة العضوية، وتم توقيع عقد مع الجامعة اللبنانية - كلية الزراعة، الأمر الذي سيحصل مع جامعات أخرى كذلك. فهناك افكار كثيرة لكنها لا تزال في إطار دراسات يجب أن تُنفَّذ. تأخّرنا بسبب ظروف عدة، وبانتظار توقيع الاتفاق مع الرهبانية المارونية الذي أصبح في مرحلة اللمسات الأخيرة.
كما سنوقّع اتفاق تعاون وشراكة بين لجنة الصحة والبيئة في المجلس المذهبي وجمعية "كاريتاس"، وستبدأ مسيرة الشراكة من خلال إقامة أيام طبية مجانية في المناطق، أولها في ٢١ حزيران في عاليه. وقد تنضم المنظمة الدولية MTC for lebanonوهي منظمة حربية ولكن إنسانية مدعومة من إيطاليا ودول أوروبية وهدفها التعاون مع الجهات الروحية.
بالخلاصة، نحاول تجسيد هذه الشراكة بشكل عملي على الأرض.

-في السنوات الماضية ربما لم تسمح الظروف الاقتصادية والأمنية في البلد بأي خطوات إنمائية، ولكن مع انطلاق مرحلة جديدة من تاريخ البلد، كيف يمكن لموقعكم الروحي مع المجلس المذهبي المساهمة في الإنماء ودعم الشباب والحد من الهجرة واستقطاب المغتربين للاستثمار في لبنان؟

هذا هو التحدّي الكبير، كيف نستقطب المستثمرين وإبقاء شبابنا في البلد. نحن نحتاج الى حوافز اكثر للمغترب وللشباب. لدينا أوقاف لكنها لا تكفي، وهي نوعان، اوقاف عامة تتبع مباشرة للمجلس المذهبي الذي يستثمرها، وأوقاف خاصة تتبع للقرى والعائلات ولا سلطة لنا عليها إلا سلطة وصاية وريعها يعود للقرى والعائلات، ودورنا إشرافي فقط.

-هل بالإمكان تغيير هذا الواقع وتحويل كل الأوقاف إلى أوقاف عامة للاستفادة منها؟

كان طموحي أن يتغيّر واقع الأوقاف منذ اليوم الأول الذي توليت فيه مشيخة العقل، وطرحت الفكرة لكن دونها عقبات. لكني أطمح لاستقدام مشاريع على هذه الأوقاف، وطلبت من لجنة الأوقاف في المجلس المذهبي أن تدعو الى ورشة عمل حول الأوقاف الخاصة، من أجل التواصل والتفاعل والخروج بتوجيهات معينة. وأتمنى أن أتمكن من ربطها بطريقة ما بالمجلس المذهبي للاستفادة المشتركة والمتبادلة، وربما خلق صندوق مشترك لدعم الأوقاف.
فالاوقاف كما المشاعات والاراضي الخاصة بحاجة الى رعاية، وعلينا ان نشجع ونحن فتحنا الباب لمن يرغب بالاستثمار بالأوقاف كنوع من التشجيع للشباب.
-ماذا تقولون في زمن الأضحى؟ وأي كلمة للدروز في لبنان؟

رسالتي إلى دروز لبنان أن يكونوا منخرطين في عملية بناء الدولة. وهم لهم حقوق ووظائف ومواقع، ونحن قمنا بإنشاء هيئة تختص بالوظائف والاختصاصات، وناقشت الأمر مع وليد بك جنبلاط والمعنيين كي تتكامل الجهود مع القوى الدرزية. ففي البلد توزيع طائفي وهذا أمر واقع، ونحن نريد حق الطائفة مع احترام مبدأ الكفاءة وليس تجاوزها، وهذا أمر أساسي، إلى حين الوصول لإلغاء الطائفية في الوظائف وتصبح الكفاءة هي المعيار الوحيد.
هناك عدد من المواقع الرسمية التي كانت للدروز وخسروها، وبوجود بعض المحاصصات اليوم، لا يجب ان تكون الطائفة الدرزية مغبونة.
كما يجب أن نتسمك بأقانيم ثلاثة، هي العقيدة التوحيدية، القيم الأخلاقية والاجتماعية التي نتميّز بها كبني معروف، إضافة إلى الوطنية والتعلّق بالأرض. فهذا البلد هو بلدنا ولن نتخلّى عنه فنحن شركاء فيه ودماء جدودنا وعرقهم وأنفاسهم الطيبة موجودة في هذا الوطن، وليس لدينا أي بلد بديل. والدرزي لا يُهجَّر من وطنه لأنه يموت وهو في أرضه. وأقول للدروز في لبنان حافظوا على هذه الميزة وكونوا منفتحين على التواصل والعالمية.
وأما الأضحى فهو رمز التضحية، وعلينا جميعنا ان نضحّي من أجل الوصول إلى وطن يحضن الجميع وفيه فرح واستقرار ورغبة بالمشاركة. ولعلّ عيد الأضحى اليوم يمنحنا هذه الروحية؛ بالتضحية للوصول إلى خواتيم مشتركة.