المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الخميس ٠٩ أيّار ٢٠٢٤ - 1 ذو القعدة 1445
القاضي مكارم يمثل سماحة شيخ العقل في المجلس العاشورائي في حارة حريك

2023-07-25

كلف سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ابي المنى القاضي الشيخ غاندي مكارم وعضو ‏المجلس المذهبي الشيخ سامي عبد الخالق تمثيله في المجلس العاشورائي في قاعة الزهراء(ع) في مجمع الحسنين(ع) في ‏حارة حريك والذي يقام برعاية العلامة السيد علي فضل الله وحضور شخصيات دينية واجتماعية وثقافية وشعبية. والقى ‏القاضي مكارم كلمة شيخ العقل جاء فيها:‏

بسم الله الرحمن الرحيم الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِين، والصّلاةُ والسّلام على سيِّدِ المرسَلين، وَخاتَمِ النبيِّين جَدِّ الحسن والحسين سِبطَيْه ورَيْحانَتَيْه. وعلى ‏آله وصحبِه أجمعين، إلى يوم الدِّين.‏
لا يسعني اولا الا ان انقل إليكم تحيات صاحب السماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز سماحة الشيخ الدكتور سامي ‏ابي المنى لكم عموما ولسماحة السيد علي فضل الله خصوصا الذي كلفني فشرفني ان أقف على منبركم لكي نحي هذه الليلة ‏من ليالي عاشوراء .‏
الحديثُ الصَّادقُ في الحُسين ‏u‏ مُحالٌ دون الدّخولِ في حَرَمِ المعنَى الَّذي كان لا بُدَّ من وجودِ الرِّسالاتِ السَّماويَّة لحِفظِه ‏وصَونِه وإيداعِه ليكُونَ أمانةًفي قلُوب المؤمنين ﴿الَّذين آمنُوا بالله ورسُولِه ثمَّ لم يرْتابُوا وجاهدُوا بأموالِهِم وأنفُسِهِم فِي سبيلِ ‏الله أولئكَ همُ الصَّادقُون﴾ (الحُجُرات 15). والمعنَى بمَاهيَّتِه وأنوَارِ دلالاتِه ولطائف إشاراتِه مرايا لِما هو الحقّ، ولِما هو ‏العدْلُ، ولِما هوَ قَصْدُ الرَّحيمِ الحكيمِ من وجودِ عِبادِه.‏
حين بدَا وجهُ الوقتِ ظالماً، وانكشفتْ دُنياهُ عن جحْد حقّ الأمانةِ مِمَّن اتَّخذ الدّنيا وجاهَها قبلةً له، « وتدلَّهت قلوبُهُم في ‏طَلب سَقَط مَتاعِها انغماساً في علائقِها ومُوبِقاتها ... وصارَ الدِّينُ عندهُم "لَعْقاً على ألسنتِهم" كما قال "سيِّدُ شباب أهل ‏الجنَّة"، لا يعرفون حدّاً لِحَدّ، ولا يأتمرون بمعروف، ولا ينتهُون عن مُنكَر. وكان قدَرُ الحسين عليه السَّلام أن يشهدَ للحقّ ‏حين تيقَّن أنَّ الحقَّ لا يُعمَل به، والباطل لا يُتناهى عنه، ولا بدَّ من المسير صوب ما من شأنِه إصلاح الأمَّة ولو كان دونه ‏الموت، بل دونه الانصهار في نور الحياة حجَّةً على كافَّة الخَلْق إلى يوم الدِّين ».‏
‏« والحُسينُ، عليه السَّلام، سار حقيقةً، بقلبِه وما وعاهُ فيه من مكنونِ عِلمِ الكتاب. كان قياسُهُ قياسَ سرائر نيِّرة تحفظُ أمانةَ ‏الدِّين، وقياسَ ضمائر وفيَّة تُخلِصُ الطَّاعةَ لله. كان وصيَّةَ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان آنذاك كلَّ عِترتِه بثِقْل ما ‏انطوَت عليهِ تلكَ الوصيَّةُ من ذِمَّةِ الرُّوح التي هي مقاصد الكتابِ، وكِلاهُما، الكتابُ والعِترة، كما قال الرَّسُولُ ‏r‏ "لن يفترقا ‏حتَّى يرِدا عليَّ الحوْض" ». ‏
خرجَ الحُسيْنُ عليه السَّلام خروجَ صوتِ الحقِّ في الليل المُظلم، ويقينُهُ أنَّ دماءَ الأبرار الأحرار هو الضَّوءُ برسمِ ذِمَّةِ ‏التَّاريخ وضميرِه ووجدانِه كي تَتردَّدَ أصداؤه في صدورِ المؤمنين ما بقيَ إمكانُ الحياة اللائقةِ بالصَّادِقين قائماً، وهو بالطَّبعِ ‏قائمٌ إلى يوم الدِّين في خواطرِهم وسرائرِهِم ونجَاواهُم.‏
ثمَّة قصيدة عَصْماء لشاعر مَكِين من بني معروف هو الأمير أمين آل ناصر الدّين (المُتَوفَّى عام 1922) نظَمَها في الإمام ‏عليّ عليه السَّلام بعنوان "العُقاب"، يسمعُ المرءُ منها أصداءَ بعضِ أبياتها تردِّد مآثرَ الحسين عليه السَّلام، ولا غَرْوَ في ذلك ‏وسِرُّ الأمانةِ فيهِما واحدٌ بعينه:‏
‏ قضَيتَ عُمرَكَ تُحيي الليلَ مُنتحِباً مِن خشيةِ الله واللاهُونَ قد نعِمُوا
تقولُ إنَّكِ يا دُنيا لزَائلةٌ غُرِّي سِوايَ فلا ينتَابَني ندَمُ
نظرْتُ فيكِ فلَمْ أسكُنْ إلى أمَلٍومَضَّني عندما جَرَّبتُكِ الألمُ
‏ أمانةٌ شِرعةُ الإسلامِ في عنُقيفإنْ أخُنْ فجزآءِي النارُ تضطرمُ
وكان قد قال فيها:‏
سالَت نفوسٌ زكتْ إذ سالَ منكَ دمُوالكعبةُ انصدَعتْ واسترجَعَ الحَرَمُ
وبالحنيفِيَّة البيضآءِ قد نزَلَت دَهمآءُ تنزِلُ بالرَّاسي فينهدمُ
والمِنبَرُ انحطَمَت أعوادُه فهوَىو أوشكَت عُروةُ الإسلامِ تنفصِمُ
‏ ‏
عَبرَ الحُسينُ عليه السلام في كربلاء من ضِيقِ المكانِ إلى فسحةِ الإنسانيَّةِ التي ليس لها حدُود إلّا وجه الحقّ حيثُ لا حدّ ‏سوى التحقُّق الإنسانيّ بماهيَّة الفضائل الإنسانيَّة التي بها يستشعرُ المرءُ الصَّادقُ المُخلصُ عبادتَه حياةً خالدة. إنَّ المثالَ ‏الذي افتداهُ بنفسِه باتَ قضيَّةً عابرة للأمكنة والهويَّات في سائر أرجاء الأرض إلى الموقف الإنسانيّ اللائق بالكرامة ‏الإنسانيَّةِ في أرقى وأسمى وأكثر معانيها نُبلًا وقرباً إلى رياضِ الحقِّ والمعنى، ﴿وَ مَنْ أرادَ الآخِرةَ وَسعَى لها سَعْيَها وَهُوَ ‏مُؤمنٌ فأُولئكَ كانَ سعْيُهُم مشكُورا﴾(الإسراء 19).‏
والآن، في وقتنا الرّاهن، نَعِي أنَّ الحُسينَ عليه السَّلام لا يَستدرُّ دموعَنا من رَهافةِ مشاعرنا عند استحضار مَشْهدِ كربلاء ‏الأليم القاسي إلَّا ليحرِّرَنا من التباسات التّفكير. ثورةُ الحُسيْن عليه السَّلام هي في عيْن حركةِ النَّفس التي لا يُمكنُ أن ‏تستكينَ في مَهْمَهِ الباطل لأنَّ الفِكرَ المُتوثِّبَ في امتثال الحقّ، ومُوجباتِ الأمانةِ المودوعة في الإنسانِ المخلُوق، ومقتضياتِ ‏الواجب والالتزام الخلُقيّ التي بها يسمو المرءُ بإنسانيَّتِه إلى الكرامة التي أرادها اللهُ سبحانه وتعالى لهُ ﴿وَ لقَد كرَّمْنا بَني آدَمَ ‏وحَملْناهُمْ في البرِّ والبحرِورزَقناهُم منَ الطَّيِّباتِ وفضَّلناهُم علَى كثيرٍ مِمَّن خلقْنًا تفضِيلا﴾ (الإسراء 70).‏
‏ ‏
ولا بُدَّ، من فوقِ هذا المنبر من منابر مؤسَّسةٍ واسعةِ الأرجاء، نشأت ونمَت وانتشرت خيراتُها برعايةِ عالِمٍ ومرجعٍ حُسيْنيّ ‏كبير هو العلَّامة السَّيِّد محمد حسين فضل الله طيَّب الله ذكرَه، من الوقوف على بعض ثمرات منهجيَّة فكرِه المستفادَة من ‏المدرسة الحُسينيَّة البهيَّة السَّناء ماضياً وحاضراً.‏
سأكتفي، في هذا السياق، ببعض الخطُوط العريضَة من ثوابت فكره ونهجه انسجاماً مع المناسبة.‏
‏- "التقوقُعُ داخل إطارٍ مغلَق هو إبعادٌ للإسلام عن حركةِ الحياة".‏
‏- "تحرير الوعي من الخضوعِ لعقليَّةِ الأنظمةِ المرتبطةِ بمركزيَّةٍ استعماريَّة".‏
‏- "الدخولُ في مشروع تكوين عقليَّة موضوعيَّة هادئة للمناقشة بهدوء واتّزان". و "تغليبُ الصِّفةِ العامَّةِ على الصِّفة ‏الخاصَّة، أو تأكيد الصّفة الخاصّة بمقدار انسجامها مع أجواء الصّفة العامَّة." وهذه معادلة لو يُدرِكُ كنهَها المسؤولون في ‏الشأن العام لكانوا حتماً وفَّروا على البلد الكثير من سنوات بل عقود من الممارسات العقيمة والمؤذية التي آلت إلى خراب ‏الدّولة ومؤسّساتها.‏
‏ ‏
‏- "العبور من أجواء الحماس والانفعال إلى أشكال البحثِ والتّحليل وفق المنهج القرآنيّ الّذي ركَّز على الموضوعيَّة ‏والحكمةِ والطّريقةِ التي هي أحسن."‏
‏ هذا غيْضٌ من فيْضِ فكرٍ كَنَهَ ما هو الإسلام، وما هي الرِّسالة في أبعادها الأرحب، وما هو الحُسيْنُ وما هوَ المدى ‏الإنسانيّ الأرحب. والحمد لله بما بُورِكَ به من استمرار النَّهج ومن حضُورِ من يحمل أمانةَ الإرث بإخلاصٍ ودأبٍ محمود ‏واستكانةٍ راسخة في الأعمال الخيِّرة في ظلِّ الآية الكريمة ﴿فأمَّا الزَّبدُ فَيذهَبُ جُفَاءً وَأمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرضِ ‏كّذَلِكَ يَضْربُ اللهُ الأمْثالَ﴾ صدقَ الله العظيم.‏