المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الخميس ٠٢ أيّار ٢٠٢٤ - 23 شوال 1445
كلمة سماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن لمناسبة عيد الأم 2016

2016-03-21

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسَّلام على نبيه المصطفى الأمين، وآله وصحبه أجمعين    
 
  نرحِّبُ بكُنَّ في هذه الدَّار المعروفيَّة الجامعة، آمِلًا أن تبقى شعلةُ القيَم المعروفيَّة في النُبل والتَّعاضُد والإخلاص والشهامة والمروءة والشجاعة والنَّزاهة وما إليها، مُشعَّة في قلوبنا لنستلهمَ منها ومن مُثُلِها المُحقَّقة في تراثنا العريق ما يُمكِّننا من إعطاء الجيل الصَّاعد، خصوصًا، المناعة الكافية التي تحصِّنهُ من كافَّة أخطار الأزمات الاجتماعيَّة التي تعرفن. والابتعاد عن كلِّ ما من شأنه أن يُضعفَ تلك المناعة وأخطرها نوازع النفور والخلاف. ونتقدّم منكن ومن جميع الأمهات السيدات الفاضلات بهذه المناسبة بالتهنئة مع قول أحدهم، أعظم كتاب قرأته: أمّي، فتحية الى كل أم مناضلة، مربية، حنونة، شفوقة، منتجة للرجال الرجال، ولنظرائها من النساء الفاضلات. وبما ان هذا اللقاء في الأساس مخصّص للجمعيات فإنني لست أرى إلَّا فكرةً نبيلةً خلف الدَّافع لإنشاءِ مثل هذه الجمعيات التي تأخذُ علَى عاتقِها مسألة التَّنوير والنَّهضة الاجتماعيَّة في وجهٍ من وجوه العمل الاجتماعيّ الصَّالِح. إنَّ من شأنِ هذا الإقدام على الخدمةِ العامَّة، بالرُّغم من كلِّ الصُّعوباتِ التي تواجههُ، أن يكونَ رافدًا من روافِد التقدُّم الاجتماعيّ. ونحنُ نرى أنَّ الأخلاقَ يجبُ أن تكونَ هدفًا ساميًا، ليس فقط في الغاياتِ المُتوخَّاة من العمل، بل أيضًا في الممارسةِ الذّاتيَّة. إنَّ الَّذي يتحمَّل مسؤوليَّةً في أيّ شأن عام، كبير أو صغير، يجبُ أن يكون قُدوةً للجيل الناشئ. ولقد صدقَ شوقي حين قال: "إنَّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيَت...". سألت احدى التلميذات معلمها في المدرسة يوماً، رأيه الشخصي في موضوع سئلن عنه، ما العمل الذي تختارينه بعد نيل الشهادة؟ فأجابها ان الذي رتبته الطبيعة لا يستطيع ان يبدّله الانسان مهما حاول ذلك، فالانبعاث الحياتي الذي جعل في الطبيعة الربيع موعداً لا يُمكن ان يُصبح في الخريف. وكما قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾[سورة يس 38] لذلك فان المهمة الرئيسية التي اعدّتها الحياة لكل فتاة هي ان تكون امّاً ربّة بيت. اليوم في هذا العالم المضطرب في عصر العولمة وعصر ما يسمّى المدنية والعلمنة والتقدّم العلمي والتكنولوجي، وتوفر وسائل التواصل الاجتماعي تحتاج الام أكثر فأكثر الى دورها الطبيعي والتمسّك بقوانين الطبيعة التي بالنسبة لنا تعني المبادئ الأساسية للدّين. فالأُسرةُ هي المدماكُ الأوَّل للمُجتمع الإنسانيّ، تكونُ أسْرةً بالمعنى الحقِّ حين يستوي فيها التوازنُ الطبيعيُّ بين هيْـبةِ الأبِ ورَحمة الأمّ. وفي الفلسفةِ التَّوحيديَّة إشارةٌ عظيمةٌ إلى أنَّ العِلمَ الّذي هو بمثابة الرُّوح، لا ينتقلُ بسهولةٍ إلى أفئدةِ النَّاس عبر النُّور الأوَّل مباشرةً، بل هو ينبثقُ بالصُّورة الواضحةِ عبر النَّفسِ الكونيَّة التي تُشبَّهُ بالأمِّ وحنانِها وعطفها ومحبَّتها، حيث أنَّ الخَلْقَ، بهذه المقاربةِ الشَّفوقة، يرتشفون العِلمَ كما يفعلُ الطِّفلُ الرَّضيع في انتظامِ عالم الطَّبيعة.  وإننا نطلب من الشيخ غسان الحلبي تنظيم محاضرة بهذا المعنى الفلسفي العميق. وطالما تكلمنا عن مبادئ الدين، فإنّه من الواجب أن نؤكد ما كتبه المؤرخ الدكتور عباس أبو صالح "لقد انتهج الموحدون الدروز عبر تاريخهم نهجاً قائماً على الفصل بين التزامهم التوحيدي من جهة، وواجبهم القومي الوطني من جهة ثانية بالمعنى السياسي... وهي من أهم المرتكزات التي تفصل بين الدين والدولة"، ولا بد من توجيه التحية للقيادة السياسية التي تعمل وتسعى لاستقرار هذا الوطن وسلامته، ونشير الى بعض النقاط: 1- قاعدة المساواة بين الرجل والمرأة في التوحيد. من المعروف ان الزواج هو ركنُ عظيم من اركان الدين، ومن الشروط الأساسية لصحته في مذهب الموحدّين المساواة بين المرأة والرجل (الكلام في مذهب التوحيد سواء وجّه الى الرجال او النساء فهو للاثنين معاً). وأوّل المساواة: ان تكون بالغة وراضية (قبل الزواج). فزواج المرأة قهراً حرام وفاعله زاني، وطبعاً ان تكون موحّدة. ان تسلّم نفسها اليه بغير كراهية (بعد الزواج) أي حُسن المعاملة. أن يساويها بنفسه فالمساواة فريضة حفظ الاخوان لبعضهم البعض لكنّ الفريضة العظمى في النفس هي للزوجة أكثر من الولد والوالد والأخ. وهي ليست موزونة بوزن او بيوم او بساعة، فإذا كان لدينا بستانان أحدهما مساحته أكبر من الآخر، كيف نساوي بينهما في المعاملة، فهل نعطي البستان الصغير نصف كمية المياه كما للبستان الكبير، طبعاً لا، نعطي كل منهما كفايته. ينصفها من جميع ما في يده. هذه القواعد الصحيحة هي اساس في زواج الموحدين فالعمل بها والسير بمقتضاها يخفّف من حالات الطلاق الذي هو أبغض الحلال. وبالاطلاع على إحصاء في عقود الزواج ولأحكام الطلاق والتفريق في محكمتي عاليه والشوف مقارنةً بين السنوات 1975، 2005، 2015 نجدُ ما يلي:   قضاء عاليه السنة 1975 2005 2015 نسبة الطلاق 9.63% 25.30% 17.44% قضاء الشوف السنة 1975 2005 2015 نسبة الطلاق 11.7% 15% 22.5%  2- مسؤولية الأم في الحمل والانجاب والولادة وربّة بيت. ان دور المرأة ورسالة الام بعد الزواج هو في الانجاب ولا بدّ للحمل والرضاعة من قواعد وشروط أساسية يجب مراعاتها. هناك عائلة لديها ولدان (ولد عمره سنة ونصف وولد عمره ستة أشهر، أي أن الحمل تم بعد تسعة أشهر من ولادة الأول، هذا أمر خطير من ناحية أصول الإنجاب والغذاء). ومن ثمّ في التربية والأخلاق فقلب الحدث في السنّ، كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء إلّا وقَبِلته. كذلك دور الام كربّة بيت في الحرص على سلامة غذاء العائلة وتبقى "الأمُّ مدرسةٌ إذا أعْدَدْتَها ... أعْدَدتَ شَعبًا طيِّبَ الأعْرَاقِ". 3- دور الجمعيات. دور الجمعيات في التربية الاجتماعية هي مرادفٌ لمكارم الاخلاق. وهي تعني ان يثبت في أذهان أبنائنا وبناتنا ان رسالة الانسان السامية في الحياة هي ان يعطي أكثر مما يأخذ. (فالتلميذ لا ينال شهادته ما لم يتمم دروسه). والتربية الاجتماعية مجالٌ واسعٌ وعريض ومنها ان نتحلى بحلية الإيثار وان نقتنع بصواب المثل القائل: "على قدّ بساطك مدّ رجليك". يجب ان يكون لنا في التربية الاجتماعية ما يرتفع بنا عن المخادعة والغش والبعد عن الخلاف والنفور والتركيز على الثقافة اضافة الى العلوم والتعليم وخاصة ثقافة الفتيات. تأمين العمل المناسب لهن، وزرع المحبة فهي سر النجاح ومن ليس يعرفها في قلبه فكيف يمكن ان يمنحها للآخرين؟ (وبهذا الصدد، إنّنا ندعم دور اللجنتين الاجتماعية والدينية في المجلس المذهبي). 4- التحديات. في هذا الزمن التي طغت فيه المادة على الروح وأصبح طابعه المميز الصراع في سبيل المادة نسيَ كثير من الناس المزايا التي هي معالم الإنسانية، والتي بها وحدها تتميز عن البهيمية. في هذا الجو يشعر المخلصون بالمثل الإنسانية النبيلة والحاجة الى عمل ينقذ هذه المُثل وتلك القيم من التدهور والاضمحلال. ونحن حريصون على الحق الإنساني في الكرامة الشخصية للمرأة ضمن مجتمع يحفظ مقوماته فلا يعرضه لفوضى جامحة تبعثر قواه. نحن ضد العنف الاسري وكل ما يسيء الى كرامة المرأة. وأهم التحديات عالمياً تشريع الإجهاض، والزواج خلافاً للطبيعة، محلياً الزواج من خارج الطائفة، والمواقف التي بدأت تظهر من بعض أبنائنا في عبارة "بدي عيش حياتي". 5- إرشادات يجب تعميمها والتقيّد بها. أولاً: لنتذكَّر ونذكِّر أبناءَنا أنه من آداب الدِّين والمسلك التحلّي بالوفاء والإخلاص للقيَم الجوهريّة، وأهمّها الصّدق الذي تتبدَّى آياته في سائر حركات المرء وسكناته، والمصارحة واللطف والعطف مع الاخوان، مع اجتناب الغيبة والنميمة والبهتان، والحذر من إضاعة العمر باللهو في عبث العَرَض الفاني بدلاً من الجوهر الباقي. ثانياً: التأمّل في مناسبات المآتم في معنى الآية الكريمة ﴿كلّ نفس ذائقة الموت﴾، ثُـمَّ حسن مشاركة أهل الفقيد في استماع الذكر الحكيم، والتخفيف من الأحاديث، والامتناع عن السلام يوم المأتم، والاكتفاء بسلام الوجوه والقلوب، فسلام الحيّ الناطق هو إلى الحيّ الناطق وليس من جسد الى جسد. ثالثاً: نحذّر أخواتنا وبناتنا من عدم الخشوع لدلالة الموت في المآتم، الأمر الّذي يفرضُ حتمًا التزام الحشمة، والآداب اللائقة، واكمال اللباس المحتشم بوضع المنديل على الرأس استشعاراً بوجود الخالق تعالى، ودلالةً على تاج الفضائل والتقوى ظاهراً وباطناً.   رابعاً: نأسف بالغ الاسف لواقع هذه الأيام من حيث اتّباع الكثيرات في طائفتنا الكريمة "الموضة" الدّارجة واختيار الألبسة السَّافرة، خاصّةً في الأفراح، وهي مظهر من مظاهر فقدان الاخلاق وخروجاً عن القيم المعروفية، نحذِّر "وكُلٌّ منا مُطالب على قدر همته بالتحذير" من عواقب هذا السلوك الوخيم، منبِّهين إلى وقوع مسؤوليته أوّلا على الآباء والامهات. والحياء ركنٌ من اركان الدين ايضاً.
خامساً: إنَّ لوسائل الاتِّصال الحديثة مداخل كثيرة لأغراض النّفس ونوازعها المتضادة. وهي وسائل متشعّبة عديدة متداوَلة عمومًا دون حدٍّ أو قـيْد. غايتنا أن ننبِّه ونحذِّر من استخدام هذه الوسائل بخلاف قواعد الدِّين وخارج الضرورة المهنية الواجبة في حال وقوعها، وهو استخدام يتمّ في كثير من الأحيان دون حسيبٍ أو رقيبٍ سوى ما استشعره المستخدمُ من ذمَّةٍ وضمير. سادساً: ننبّه إخواننا وأخواتنا الى التقيُّد بفريضة التزام آداب الدّين لجهة ما يقتضيه شهر رمضان الكريم من واجبات معروفة. ويجب أن يُعلَم أن المخالفات بشتّى أصنافها في هذا السياق هي أمرٌ مخالفٌ لقواعد ووصايا السّادة الأطهار، فإنَّ الواجبَ أن يتنبّه الموحِّد إلى تحديد مواعيده وعدم المشاركة في مظاهر احتفاليّة، فالأعراس وعقود الزواج محذورة في اوقات الصيام من النهار فقط، وعلى الموحِّد أن يكون قدوة صالحة وصادقة وعارفة وسط مجتمعه. سابعاً: إعلامنا بما يظهر على بعض الإخوة المستجيبين والأخوات المستجيبات أحيانًا من عثرات مُخِلَّة بآداب الدِّين، أو منافيَة لسِمات مسالك الملتزمين الصادقين، سعيًا منّا لدَرء الظواهر غير المعبِّرة عن حقيقة المسلك العفيف، ولمعالجتها بما يقتضيه الحقّ وتوجِبُه حِكمة التصرّف لإصلاح الحال. ثامناً: احترام الفصل بين الرجال والنساء في المآتم واحترام قواعد الحدّ من الغلو في الاعراس.       
  شكراً للجنة الاجتماعية والمصلحة الاجتماعية في المديرية العامة، وكل عام وأنتم بخير.     
مع فائق التقدير والاحترام
شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز 
نعيم حسن   بيروت في: 12 جمادى الثانية 1437 هـ.  المـوافق في 21/3/2016.