المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الجمعة ١٥ تشرين الثاني ٢٠٢٤ - 14 جمادي الأول 1446
كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن في ذكرى المولد النبوي 3-1-2015

2015-01-03

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين وخاتم النبيّين محمد (صلعم)، وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدّين    
 
 قال تعالى في كتابه الكريم ﴿كمَا أرْسلنا فِيكُم رسُولاً مِنكُم يَتلُوا عليْكُم آياتِنا ويُزكّيكُم ويُعلِّمكُمُ الكتابَ والحِكمةَ ويُعلِّمكُم ما لم تكُونُوا تَعلمُون﴾ (البقرة 151). وهل من أمرٍ في هذه الدّنيا أشرف من تلاوةِ أياتِ النُّور تتطهَّرُ بمعانيها ومقاصدِها النَّفسُ من كلِّ ما يُبعِدُها عن نِعمةِ الهُدى والتّحقُّق الإنساني النبيل، وتُنقِذُها من براثن الضلال والغواية، وتُعلِّمها ما أرادها اللهُ عزَّ وجلَّ لها من خيْرٍ و يُمْنٍ و بَركاتٍ يُشرقُ بها صدرُه، و تُضاءُ منها سريرتُه، و ينجلي عن بصيرتِه ضبابُ التّعلُّقِ بالزَّخاريف البائدة، و يكون مهيَّئًا لإدراك الرّسالة العظيمة التي علَّم بها الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم ما لم يكن النّاسُ يعلمون! إنَّه لَأَمرٌ جليل أنْ يحملَ المصطفى صلوات الله عليه أمانةً تشقّ حجُبَ الظلام، وتلقي في قلوبِ المؤمنِين بذورَ الحياةِ و المعرفةِ والهدى. لقد حَقَّ للشاعر أن يقولَ: وُلِدَ الهُدى فالكائناتُ ضياءُ   
  وَ فمُ الزَّمانِ تبَسُّمٌ وَ ثَناءُ الرّوحُ والمَلَأُ المَلائِكُ حولَهُ     للدِّينِ والدُّنيا بهِ بُشَراءُ    
 وكم هو جميلٌ هذا اللقاء المعنويّ للمولد النبوي حيثُ أشرقَتْ ﴿رُوحٌ منهُ﴾ (النساء 171) و نُورُ هدًى لِيَشعَّ في قلوب العالَمِين بالخيْر والرَّحمةِ الإلهيَّة. هي معانٍ سامية أوْلى بنا أن نُدركَ بها القيَمَ الإنسانيَّةَ التي أرادَ اللهُ بها لبني الإنسان أنْ يرتقوا من المراوحةِ في حاجاتِ الجسـد المخلوقِ ﴿مِن صلْصالٍ كالْفَخَّار﴾ (الرحمن 14)، إلى معارج الرُّوح الرّاقيَة التي تُمكِّنُ المرءَ من معرفةِ السَّبيل القويم إلى رضوان الله و مقاصِدِ حكمتهِ البديعة التي بها وحدها يكون الخيْرُ وحقائق الحياة.    
 هل قام المسلمون حقاً بما دعاهم المصطفى الى الالفة وتوحيد القلوب؟    
 في مثل هذه الذكرى في العام 1981 جمعت آنذاك اصحاب السماحة المرحومين الشيخ حسن خالد والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ محمد ابو شقرا ، ومما قاله شيخ العقل في ذلك الوقت: "على هدي القرآن نُظِّمت شرائع المسلمين وامورهم في اقطار المعمور.... وانتصر الحق وزهق الباطل."      آزر النبي(صلعم) في البدء رهطٌ من الصحابة الاخيار، جابهوا الالحاد بعدد يسير من الموحدين، فتغلّبوا، ودانت لهم الممالك، وفتحوا الامصار، وانتهى امرهم الى ما انتهى اليه من عزّة وسؤدد.    
 واليوم، المسلمون يعدّون بمئات الملايين وطاقاتهم البشرية والمادية لا تحدّ. ومع هذا فهم مستضعفون ومهددون، ثرواتهم منهوبة وارضهم مغصوبة ومقدساتهم مهانة، لماذا؟ لأنهم بدّلوا تبديلا.      
 ماذا اقول اليوم؟    
   إخواني في الوطن وفي العالم الاسلامي والعالم    
  إنَّنا، وسط ظلام المحن العاصفة بمنطقتنا، ومع وقوفنا وتعاطفنا مع كلّ مظلوم مهما كان إيمانه، نجدُ موقعَنا في كلِّ بادرةِ خيْرٍ ساعية إلى تبيان الوجه المُشرق للإسلام الحنيف، وجوهره الحقيقيّ الكامن في مفاهيم الحقّ والعدل والتّسامُح والمشاركة الحضاريّة الإنسانيَّة. وإنّنا نرى في العديد من المواقف لكبار مسؤولين في عالمنا الاسلامي، وفي العديد من المؤتمرات التي لها بُعدٌ عالميّ يُعبَّرُ فيها عن المضامين الصحيحة لتلك المفاهيم الأثيلة، نرى الموقعَ الّذي يعبِّر عن رجائنا بالاسلام وتطلعاتنا التي من شأنها تحقيق المصلحة العليا لأمَّتنا.       
  ولكن بما ان هذه الذكرى هي ذكرى الخير والتقرب من الخالق والابتهال اليه، فاننا نسأله تعالى ان يمن على قيادات لبنان السياسية ومسؤوليه ان يسلكوا عن قناعة وايمان طريق الحوار، وان ينبذوا الانقسامات التي لا طائل منها، وان يقدموا نموذجاً مختلفاً في العمل لمصلحة الوطن دون اي اعتبار لمصالح فئوية ضيقة، وان يتوجوا هكذا مسار بانتخاب رئيس للجمهورية يعيد للبلاد هيبتها وانتظام حياتها الدستورية. والى ان يتمّ ذلك، نتطلَّعُ إلى جيشنا ونراهُ خشبةَ خلاصٍ في البلد، وله علينا حقّ الدَّعم والمؤازرة والتَّقدير والدّعوة لإحاطته وإمداده بكلّ ما من شأنه أن يحميَه و يوفِّر له مقوّمات القوّة و الرَّدع وَ الصّمود، مقدّرين عاليًا ما يقدِّمه من تضحيات ويبذله من جهود وفاءً لما نذر نفسه من أجله.       
  ولا بدّ ان نحيّ رئيس الحكومة دولة الرئيس تمام سلام على الجهود التي يبذلها والسادة الوزراء بالقيام بمهام الحكومة آملين نهاية سعيدة لملف العسكريين المخطوفين.كما اننا نقدّر عالياً جهود دولة الرئيس نبيه بري في الحوار الاسلامي الاسلامي الذي يرعاه. ولأن الله واحد أحد، فإننا نوجه المعايدة لاخواننا المسيحيين بعيد الميلاد المجيد، راجين منهم في كل منطقتنا العربية والاسلامية ان يثبتوا في اوطانهم وان يتمسكوا بها، وما يصيبهم يصيبنا، والله معنا في وجه الطاغين المتجبرين أيا كانوا واينما كانوا، وهو على كل شيء قدير.     
    نسأل الله تعالى أن يقوّي قلبَنا بالحقّ، ويرسِّخُ إيماننا بالتصديق والصّدق، وأن يمنَّ بالفرج على أهلنا في كلّ بقعةٍ مفتقرةٍ لسلامه، إنَّ هو السّميع العليم. 3-1-2015