المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الجمعة ١٥ تشرين الثاني ٢٠٢٤ - 14 جمادي الأول 1446
كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن بمناسبة إفطار رمضان في دار الطائفة الدرزية - فردان 30/8/2010

2010-08-30

بســم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله ربّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على سيِّد المُرسَلين وخاتم النبيِّين، وعلى آله الطاهرين والتابعين بإحسان إلى يوم الدِّين

 
السلام عليكم ورحمة المولى وبركاته، بُورِكَت أيّامُ هذا الشَّهر الفضيل بحُلول نِعمَةٍ إلهيَّةٍ كُبرى أحيَتِ القلُوبَ والنّفوس، ونقلتها من غياهب الجهلِ والعصبيَّةِ القبليَّة إلى رحابِ المعرفَة والإيمان نعمة الوحي على رسُول الله r، آياتٍ مباركات في كتابٍ مُبين ﴿يَهدِي بهِ اللهُ منِ اتَّبَعَ رِضوانَهُ سُبُلَ السَّلام ويُخرِجُهُم منَ الظّلماتِ إلى النّور بإذنِه ويَهدِيهِم إلى صراطٍ مُستقِيم﴾ (المائدة 16). وبوركت هذه الأمسية الرمضانية بتشريفكم إلى داركم دار طائفة الموحدين الدروز في هذا اللقاء الوطني الجامع تجسيداً لنبل مقاصد القيادة الروحية والسياسية للموحدين وفي السعي الدائم لرأب الصدع وجمع الشمل. ان الله سبحانَه وتعالى أراد بفريضةِ الصَّوم دفعَ الإنسانِ إلى مسلكٍ تنكفئُ فيه الحاجاتُ الجِسمانيَّة، وتلتزمُ فيه الجوارحُ أدبَ استشعار الغايةَ الشَّريفَة من هذا الموجِب الدّينيّ، فيهدأ القلبُ في سكينةِ الطّاعة، وتحضرُ خواطرُه في فسحة الأنوار الروحانية، فينكشفُ لبصيرتِه حدَّ الصراط المستقيم الَّذي من شأنِ الاهتداء به أن يتحقَّقَ الإنسانُ إنسانًا سويّا، يُدركُ الحقَّ والعدلَ، وما هي نعمةُ تمييزِهما عن الباطل والظلم المؤدِيان إلى حالةِ هرجٍ ذميمة. كم نحنُ في حاجةٍ لأن نَستَمسِكَ ﴿بالعُروَةِ الوُثقى﴾ تحقيقًا للغايةِ الجليلَةِ مِن بركاتِ الشهر المبارَك، فلا يختلطُ علينَا أمرُ الحقّ بأمرِ الطَّبع، ولا يلتبسُ علينَا شأنُ العدل بشأنِ المصلحة، ولا يأخذُنا الوهمُ بأنَّ سيلَ الزَّبد هو ما ينفعُ النَّاس، بل هوَ الَّذي يذهبُ جُفاء، أما ما يمكُثُ في الأرضِ فهو ماءُ العمل الصالح الدَّؤوب المتطلِّع إلى خير النّاس ومنفعتِهم. من جهتنا، فإنّنا كنا ولا نزال نتطلَّعُ إلى شجرةِ المؤسَّساتِ الفاعلةِ التي من شأنِها وحدها النّهوض بمجتمعِنا إلى مسار الركب الحضاريّ. نتطلَّع بأملٍ كبير للوصُولِ إلى موسمِ جني الثِّمار الخيِّرة، ويقينُنا أن ذلكَ يتمُّ - بتوفيق الله - بمزيدٍ من اللجوء إلى احترام الأنظمةِ والقوانين، وفكرة العمل الجماعيّ المنظَّم. ان قناعتَنا راسخة، عبر عقود الخِدمةِ تحت قوس العدل، بأنَّ المسؤوليَّةَ ليست نزوعًا إلى الرئاسَة أو إلى مصالح فِئويَّة، بل هي في عين موقِع خِدمة المجتمع والوطن بما يحقِّقُ القِيَمَ العُليا، والمثُلَ السامية التي من شأن العمل من أجلها، الارتقاء في مدارج الرفعة والتقدّم. إنَّنا نسعى، بصبرٍ وإيمانٍ وكظمِ النَّفس عن مداخِل التلهِّي بقذفِ التصاريح فِي لعبةِ الآخَرين، إلى الثباتِ على موقف العمل الملتزم بوحدةِ الكلمة، وجمع الشَّمل، والمبادرة إلى ما فيه تآلُف العقول والقلُوب، لهذا، تأنفُ نفسُنا غلبَةَ العصبيَّةِ على العقل، بل نصبرُ، مستمدِّين من الله سبحانه وتعالى، ربِّ النوايا والسرائر، أن يلهمَنا إلى ما فيه المصلحة العليا لمجتمعنا ووطننا وأمّتنا ويجنبنا شرور الفتن. يمر وطننا لبنان اليوم في ظروف سياسية وأمنية دقيقة وحساسة تتطلب من كل القوى أعلى درجات التيقظ والانتباه للحؤول دون انزلاق لبنان مرة أخرى نحو النزاعات والحروب التي لا تخدم سوى العدو الإسرائيلي وتسهل له تنفيذ مخططاته القديمة بإذكاء روح الفتنة والاقتتال الداخلي بين اللبنانيين، لكي تتحول الأنظار عن مشاريعها التوسعية والاستيطانية ودأبها على تهويد القدس وتهجير الفلسطينيين. اننا ندعو في هذا الشهر المبارك كل القوى السياسية اللبنانية لتحمل مسؤولياتها الوطنية والترفع عن الحسابات الضيقة والخاصة والفئوية وإعلاء شأن المصلحة الوطنية العليا، وذلك لا يتحقق إلا من خلال توفر الإرادة الصادقة بتجنيب لبنان أية خضة هو بغنى عنها. والسبيل إلى ذلك هو الاستمرار في الحوار الداخلي برئاسة فخامة رئيس الجمهورية ومواصلة التهدئة السياسية والإعلامية بما يتيح للحكومة ان تعمل وتنتج في مناخات من الثقة. لقد كان البيان الوزاري للحكومة الحالية واضحاً لناحية التأكيد على منعة وقوة لبنان المرتكزة إلى معادلة الشعب والجيش والمقاومة التي أُثبتت في العديسة انها الصيغة الكفيلة لحماية لبنان ودرء الأخطار عنه، ويبقى الجيش اللبناني الضامن الأساسي للسلم الأهلي والاستقرار الداخلي. كما نتطلع إلى اندفاع مؤسّسات الحكم، التشريعيَّة والتنفيذيّة، نحو استصدار القوانين والقرارات لمعالجة القضايا العالقة في شتى المجالات، ولا يصح للجدل السياسي أن يعرقل مسيرة البناء والاستقرار. اما ما حصل مؤخراً فإنّ مؤشرَ الانزلاقِ السريعِ والمرير إلى التقاتل في أحياء بيروت يجب أن يُطلقَ شعورًا كبيرًا بالمسؤوليَّةِ، واحتكامًا صريحًا لما يمليه الضميرُ الإنسانيّ، لنتَّجهَ من بعدها يدًا بيدٍ إلى تحصين المؤسسات الشرعية لكي تتمكن من تحمّل أعباء مجابهة الأخطار، والأزمات الاجتماعيَّة، وعوامل الوهَن الداخليّ المهدِّدَة لتماسك الوحدة الوطنيَّة. إننا ندعو جميع اللبنانيين بعد الأثمان الباهظة التي دفعوها من دمائهم وأرواحهم وجنى أعمارهم أن يكونوا حريصين على سلمهم الأهلي، محبّين لوطنهم، متفانين في الذود عن حرّيته وكرامته، واعيين تميّزَه كملاذٍ تاريخيّ جامع لمختلف الطوائف، متشبثين بميثاق عيشهم المشترك، متضامنين في قلب المحن، مؤتلفين مع أشقائهم في العروبة والإنسانيّة، ليتمكنوا من العبور بدولتهم الجامعة إلى ضفاف الاستقرار والمِنعة والتفاعل الحضاري. ندعو الله سبحانَه وتعالى أن يحفظ لنا برَكةَ هذا الشَّهر الفضيل، وأن يثبِّتَ في قلوب اللبنانيِّين الأُلفة التي تجمعُهُم، من كلّ طوائفهم، حول الموائد الرمضانيَّة بروح المشاركة والتقارب ووحدة المشاعر الوطنيَّة. نسأل الله أن يحمي لبنان وشعبَه، وأن يسدِّد خطى قياداته إلى ما فيه المِنعة والأمن ودوام الازدهار. كما نسأل الله سبحانه وتعالى نصرة الحقّ في فلسطين المحتلة وفي كلِّ مكان على المعتدين والظالمين، وأن يباركَ لأمّتنا في هذا العيد، وأن يعيده على شعوبِها بالخير والبركات، إنه هو السميع المجيب. وكل عام وانتم بخير.
بيروت في 31/8/2010