سماحة شيخ العقل رعى ندوة حول وثيقة الاخوة الإنسانية للسلام العالمي والعيش المشترك: "إنتشار موجات التطرّف مؤلم وخطير"
2025-09-17
رعى سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ابي المنى ندوة بعنوان: "البعد المواطني في وثيقة الاخوة الانسانية للسلام العالمي والعيش المشترك"، بدعوة من المجلس النسائي اللبناني واللقاء للحوار الديني والاجتماعي وتجمع الجمعيات النسائية في الجبل، وذلك في قاعة جمعية الرسالة الاجتماعية في عاليه. تحدث فيها مفتي الشمال السابق الشيخ الدكتور مالك الشعار، ورئيس اساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف، ورئيسة المجلس النسائي اللبناني السيدة عدلا سبليني زين، ورئيسة تجمع الجمعيات النسائية في الجبل السيدة فريدة الريّس، بحضور الوزير السابق محمد الصفدي وعدد كبير من رجال الدين من الطوائف الاسلامية والمسيحية وشخصيات وفاعليات وأعضاء من المجلس المذهبي، وهيئات نسائية ومننوّعة.
النشيد الوطني استهلالا، وتقديم من السيدة نجوى البعيني، معتبرة ان "وثيقة الأخوّة الإنسانية" تُجيب عن العديد من الهواجس التي تستبدّ بالبشرية، وهي إعلان مشترك عن نوايا صالحة وصادقة للمؤمنين بالله، ودعوة لتمتين قيم الخير والمحبّة والسلام، ومدّ يد العون للمعوزين والمحرومين والمهمّشين".
سبليني
ورأت رئيسة المجلس النسائي اللبناني الاستاذة عدلا سبليني زين، أن "المواطنة الحقيقية، تبدأ من الاعتراف بالآخر شريكاً كاملًا في بناء الوطن، ولا يتحقق ذلك إلا عبر ترسيخ قيم العدالة والمساواة أمام القانون، وصون حقوق الفئات الضعيفة، وفي الطليعة النساء اللواتي يشكلن قلب المجتمع، وركيزة نهضته. والمواطنة هي الطريق الأمثل، لمواجهة التحديات الكبرى التي تهدد مجتمعاتنا والتطرف بجميع أشكاله والفقر والعنف، الذي يتغذى من غياب العدالة والتمييز والاقصاء، وتهميش المرأة والشباب، بما يحرم المجتمع أكثر من نصف
طاقاته، ويفرغ المستقبل من إبداعه وحيويته. واعتبرت أن "المواطنة ليست شعارا يرفع في المناسبات، بل مسؤولية مشتركة تترجم في السياسات العامة، في القوانين العادلة، في الممارسات اليومية وفي التربية التي نمنحها لأجيالنا، على قيم العيش المشترك وقبول الاختلاف واحترام الكرامة الإنسانية".
الريّس
بدورها رئيسة تجمع الجمعيات النسائية في الجبل السيدة فريدة الريّس رأت ان "كل الأديان يجوهرها النوراني تدعو الى وحدانية اللهّٰ، والى التسامح والغفران والمحبة التي تجمع ولا تفرق، تجسر ولا تباعد، قائلةً: فلنستشرف اذاً بهذه الدعوات السماوية وبفيض نورها التي تغرس فينا المحبة والايمان، والاعتراف بالآخر، وبالوطن الواحد الموحد الذي يساوي بين أبنائه على قاعدة المواطنة السليمة والعدالة والمساواة".
وأشارت إلى اهمية وثيقة الأخوة الانسانية، بما تركز عليه من الدوة إلى "العيش المشترك، والسلام العالمي، هذه الثوابت التي لم يتوان يوماً المشاركون في هذا اللقاء عن الدعوة إليها وإلى التآخي والوئام والوحدة، لأن هذا الكون واحد ولا يتجزأ، والله واحده أحد، يساوي بين عباده ويرعاهم بمحبته ورحمته".
مصطفى
أدار الندوة امين سر اللقاء د. مصطفى الحلوة، مشيرا الى الوثيقة مستلهما منها، بأنّ "الدين ما كان يومًا، بتعاليمه وأدبيّاتِهِ ، في موقع صداميّ مع القيم، التي ترتكز عليها دولة المواطنة، دولة القانون والمؤسّسات، دولة الحقوق والواجبات، ودولة العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفُرص"، ومشددا من خلال الوثيقة على "ترسيخ المواطنة الكاملة في مجتمعاتنا، والتخلِّي عن الاستخدام الإقصائي لمصطلح الأقليّات، الذي يحمل في طيّاتِهِ الإحساس بالعُزلة والدونيّة، ويُمهِّدُ لبذرِ الفتن والشقاق". ومشيرا إلى أن "العديد من القيم ، التي تزخر بها الوثيقة، تصب جميعها في الدعوة إلى تكريس البُعد المواطني في مجتمعاتنا، بدءًا من إطلاقها باسم الشعوب، التي فقدت الأمن والسلام والتعايش، وليس انتهاءً بنشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام والأخوّة الإنسانية والعيش المشترك". ثم قدّم المتحدثين المطران سويف والمفتي الشعار.
المطران سويف
المطران يوسف سويف اعتبر في مداخلته ان "الوثيقة التي جاءت في لحظة تاريخيّة، هدفت إلى ترسيخ قيم السلام والتعايُش العالمي، بعد عقود من النزاعات والتطرّف، كما ان وثيقة Nostra Aetate "في عصرنا"، التي أصدرها المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1965، في أعقاب الحربين العالميتين، تمثل الجذور الفكرية لهذا المسار، إذْ فتحت الكنيسة الكاثوليكيّة بابًا جديدًا لاحترام التنوّع الديني ونبذ الكراهية وإعادة بناء جسور الثقة بين أتباع الديانات".
واذ ربط بين الوثيقتين، ابرز اهمية "تحقيق العدالة الإنسانية والسلام المشترك، حيث تتزايد التحدّيات: مثل العولمة، والتطرّف العنيف، وصراعات الهوية، ما يجعلها دعوة مفتوحة لإيجاد حلول جماعية، لبناء مجتمعات مُتسامحة ومُتعاونة، والامر الذي يساعدنا على ترسيخ ثقافة الحوار وقيم العيش المشترك، ويمنحنا رؤية واضحة لدور الأديان، كقوة إيجابية، تُساهم في مستقبل أكثر عدلاً وسلامًا للبشرية جمعاء".
ورأى ان "الاختبار اللبناني يعكس وثيقة الأخوّة الإنسانية ويُصبح نموذجًا للشرق والغرب، إنطلاقًا من هذا الجبل الشامخ، ومنذ قرون، فسيفساء دينيّة وثقافيّة فريدة، حيث تعايش المسلمون والمسيحيّون، بطوائفهم المختلفة، في إطار من الاحترام المتبادل ، محقّقين عمليًّا مبادئ الأخوّة الإنسانية ، قبل صدور الوثيقة نفسها. ثم تاريخ لبنان في احتضان التنوّع وتحويله إلى مصدر قوّة حضارية ودوره لكونه أكثر وأكبر من وطن، هو رسالة الحرية واللقاء والحوار والتنوّع والعيش معًا. جبل لبنان تحديدًا، رغم التحدّيات والآلام التي ولّدت الجراح، كان عبر التاريخ مركزًا للحوار واللقاء بين مختلف المكوّنات، مما يجعله رمزًا للأمل، وان التزام لبنان بروح الأخوّة الإنسانية، يُثبت بأن السلام ممارسة متجذّرة في تاريخه".
كما تناول المبادئ الجوهرية للأخوّة الإنسانية، مثل كرامة الإنسان والسلام عبر الحوار، ورفض العنف والتطرّف، والمصالحة والغفران، وخدمة الإنسان فوق كل انتماء، بما يتخطّى الفوارق الدينيّة والسياسيّة نحو تعاون اجتماعي وإنساني وتربوي مشترك، لتعزيز المواطنة والولاء للوطن والبيت المشترك". معتبرا ان "المواطنة ترجمة للأخوّة، ولتعزيز دولة القانون وإصلاح النظام التربوي، ومؤكدا على أن "التعدّدية غنى وليست تهديدًا للآخر، والحوار شرط للاستقرار، الى جانب دور المجتمع المدني والمبادرات الشبابيّة، الذين عاشوا جغرافيًا بعيدين عن بعضهم بعضًا، بعد الحرب اللبنانية". وداعيا الى "تحويل التعدّدية الدينية إلى قوّة بنّاءة، وإطلاق مبادرات إنسانية مشتركة، وتجديد الخطاب الديني والذاكرة التاريخيّة، وصون وحدة العائلة ونموّها السليم، وتفعيل روح العطاء والعمل التطوّعي".
المفتي الشعار
بدوره رأى المفتي مالك الشعّار ان "الإنسان أخٌ للإنسان وهذه قضيةٌ حتميةٌ وأساسيةٌ وجوهرية، وفي الحديث النبوي: "الخلق كلهم عيالُ الله وأحبُهم إلى الله أنفعهم لعياله "، وفي حديث آخر يقول (ص): "خيرُ الناسُ أنفعهم للناس".
وتناول الوثيقة، انطلاقا من "أن السلام بدونه ينعدم ويستحيل التعايش المشترك، والأخوَّةُ هي المضمون للعلاقة الإنسانية لتجعل للحياة طعمًا،ى فالأخوّة والإنسانية هي بحد ذاتها إطار جامع لكل أبناء الوطن المتعدّد والمتنوّع، كما انها مصدر التلاقي والتعاون والتوازن في الحقوق والواجبات بين أبناء المجتمع الواحد والوطن الواحد، فلا إقصاء لأحد فردًا كان أم جماعة، طائفةً كانت أم مذهبا أم قبيلة، وليس هناك ما يسمّى أقليّات تبعًا للعدد السكاني، هناك إنسان وأخوّة بين الإنسان والإنسان ومواطنة أي هناك انتماءٌ للوطن. والولاء للوطن لا يصطدم مع القيم الدينية أو الرسالات السماوية، ولا يعني أن نترك ديننا أو معتقدنا أو قيامنا بواجباتنا الدينية فالوطن بدستوره وقانونه كفل لكل واحد حريته الدينية وممارسته لشعائر الدين دون قيدٍ أو شرط وحفظ دور العبادة وأماكنها، والحق بإقامة الأعياد".
وتطرق الى البعد الوطني في الوثيقة في مجال الحرية، التي هي عطاءٌ من الله الخالق الموحد وهبةٌ، وسلبُها يعني سَلْبَ الكرامة الإنسانية، وحاجة الإنسان إلى الحرية كحاجته إلى هواء الجبل النقي، فيما أخطر حقوق الآخرين، هو حق الدولة على المواطني. فليس جائزًا أن يخالف المرء القوانين المرعية الإجراء حتى ولو كان في منأىً عن الناس، وليس من حق أحد أن يمارس عملاً بحجة الحرية، تعودُ بالضرر على الدولة أو الوطن. فالحرية صفةٌ إنسانيةٌ بامتياز، ومن خلالها يترقى أبناء الوطن، ولم تكن الحرية يومًا تعني أيّ معنىً من معاني الاعتداء على ما يخالفنا أو إرهابُ من عاكسنا".
كما تناول الشعار "القيم المستقاة من الرسالات السماوية المسيحية والإسلام، ولو تأمّل الناسُ وتدبّروا هذه القيم لأَدركوا إنها صمام أمان المجتمع"، وايضا الإنسان، الذي كان ولم يزل وسيبقى القضية الأم في هذه الحياة، ومن أجله كانت الرسالات وكان الأنبياء والمرسلون، بل من أجله كانت الحياة".
شيخ العقل
واخيرا ألقى سماحة شيخ العقل كلمة مرتجلة، مستغنياً عن كلمة مكتوبة حول موضوع الندوة (وتعداً بنشره على موقع مشيخة العقل) اثنى فيها على موضوع الندوة، الذي كان يشغلنا في البدايات لا سيما ابان تلبُّد الغيوم السوداء التي مرّت على لبنان والتي يجب اخذ العبر منها وصولا الى الانخراط في مسيرة المصالحة وبالتالي الحوار، الذي تخصصتُ في مجاله لاهميته الاجتماعية والثقافية المستمدة من حقيقة الاديان، وفي طرابلس حيث التقينا سابقا في لقاء التضامن الروحي، وكانت اولى قصائدي الشعرية بهذا المجال، قلت يومذاك:
"اخي في رحاب الله، واللهُ شاهدُ
يوّحدنا بالحق، والحقُ واحدُ".
اضاف: "عشنا تلك التجربة عن كثب الى ان برزت وثيقة الاخوّة الانسانية التي جعلتنا نفكّر ما نحمله بأدبياتنا ما قاله ايضا الامام علي (ر): "الناس صنفان، إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق"، فالاخوة اذا في الدين، وهو ما لحظته الوثيقة "إنه أخٌ لك في الانسانية ايضا". فمن منطلق وثيقة الاخوة الانسانية التي اكدت في مضامينها على البعد الوطني لاحترام الكرامة الانسانية، حرية الانسان كما المجموعات، احترام هو الاساس وليس التكفير والتعصّب والعنف باسم الدين وباقي المصطلحات التي برزت مع بدايات القرن الحادي والعشرين ضمن موجات التطرف والقتل، حتى انها امتدت اخيرا الى سوريا في ما هو مؤلم وخطير بأن ينتشر التطرّف من جديد المحرَّك بأيدٍ خفيّة تريد شرّاً لهذا المشرق العربي، الذي نعتز بالانتماء اليه كما نعتز بهويتنا العربية والاسلامية ووطنيتنا، وكل في موقعه وبيئته وطائفته ومنطقته".
وتابع: "اننا نؤكد على احترام التنوع في الوحدة، لانه لا يمكن لاي طائفة مهما علا شأنها وكثر عددها ان تتفرّد بالوطن، مهما كان الوطن كبيرا ام صغيرا، نحن مع روح الدين الطيبة ولكن مع مرتكزات وثوابت الدولة التي يجب أن تسنمد روحيتها من روحية الدين، لا ان يكون الدين مسيطرا على الدولة وعامل تحدّ وتفرقة. روح الدين وقيمه وركائز الانسانية والاخلاقية مسار مجتمعي عام وليس هو الدولة ومتى توفر ذلك فاننا نلتقي معا على تلك المساحة المشتركة".
واستطرد: وثيقة الاخوّة الانسانية ركزت على الحوار، والحوار هو البحث عن المساحات المشتركة وتوسيعها، وليس لجلب الآخر الى معتقدي ومنطقتي، فيما المطلوب هو ان نكون جميعا في المنطقة الوسطى المشتركة بكل ما تحتويه من قيم انسانية واخلاقية واجتماعية ووطنية وفي مواضيع البيئة والارض والقضايا الكبرى وحتى العالمية في مواجهة تحديات كبرى تواجه مجتمعاتنا، مثل الانحراف والإلحاد وتدمير البيئة والانسان، كلها عوامل نلتقي على مواجهة مشتركة لها، لذا فالوثيقة اكدت ايضا على تلك المشتركات وعلى الحوار والتلاقي حولها. اما الدين فليس هو الغاية وانما هو الوسيلة الفضلى لتحقيق الغاية، والغاية هي الانسان، وتحقيق انسانية الانسان، بمنأى عن التطرف والتعصب والتقوقع، فعسى ان نستطيع تحقيق تلك الغاية.
وختم سماحته بشكر جميع الذين عملوا لانجاح الندوة، مرددا ابياتا من قصيدة قالها في احتفال يوم التضامن الروحي 13 كانون الاول 2014، قائلا:
قُمْ ناجِ ربَّك، عاندْ مَن يُعاندُهُ
وصارعِ الشرَّ وﭐصرعْ مَن يُساندُهُ
مَن قال إنّ سلاحَ الدِّينِ "قُنبُلةٌ"
أو حدُّ سيفٍ، رعايانا طرائدُهُ
مَن قال إنّ سبيلَ الله يُدرِكُه
مَن عطَّلَ العقلَ، والإرهابُ رائدُهُ
مَن كفّر الناسَ، مَن أفتى بقتلِهُمُ
ونفّرَ الخلقَ، والحُمّى تُعاودُهُ
مَن حجّمَ الدينَ في قولٍ وفي عملٍ
وحجّرَ الفكرَ، فاختلّت عقائدُهُ
مَن ألبسَ الوحيَ ثوباً من تخلُّفِه
ولوّنَ النصَّ أهواءً تُراودُه
قُمْ يا أخي في حِمى الرَّحمن،ليس لنا
إلّاهُ مثوىً ، نُناجيهِ ، نُعاهِدُهُ
مقاصدُ الدينِ في الأديانِ واحدةٌ
واللهُ يقبلُ مَن طابتْ مقاصدُهُ
الدينُ غايتُه الإنسانُ، جوهرُه الــ
إنسانُ، والعَرَضُ الفاني زوائدُهُ
إن لم نُجاهدْ لأجلِ الناسِ، لا أملٌ
بأيِّ جُهدٍ، ولا في ما نُجاهدُهُ
وإن رضينا ﭐحتقارَ الناسِ، باطلةُ
كلُّ العباداتِ، لا تُجدي معابدُهُ
واخيرا شكرت عضو تجمع الجمعيات النسائية في الجبل السيدة ضياء ابي المنى الحضور، داعية لافتتاح البوفيه بالمناسبة.