المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الاثنين ٣١ آذار ٢٠٢٥ - 1 شوال 1446
أركان الدولة يلبّون دعوة مشيخة العقل والمجلس المذهبي الى إفطار رمضاني جامع ‏
سماحة شيخ العقل: هل ننجح في الاختبار ونختار أن نكون أهلا لبناء الدولة ‏
أم نستسلم للغرق في وحول التناقضات والمحاصصات؟

2025-03-21

لبى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون غروب اليوم، دعوة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ ‏سامي ابي المنى، الى مأدبة إفطار رمضانية، شارك فيها عدد من المسؤولين والفاعليات اللبنانية.‏
ووصل الرئيس عون مساء اليوم الى دار طائفة الموحدين الدروز في بيروت، حيث كان في استقباله الشيخ ‏ابي المنى، وعدد من الفعاليات والمشايخ الدروز.‏
وشدد الشيخ ابي المنى في كلمة القاها خلال الإفطار، على أهمية تضامن اللبنانيين ووقوفهم الى جانب ‏رئيس الجمهورية واركان الدولة لبناء الوطن. وقال "ان المِنطقة تواجهُ مخطّطاً فظَاً لتفتيت العالم العربي، ‏ونحن نرى المحاولاتِ المتكررةَ لسلخ الأقليات عن هُويتها وتاريخها وعمقِها الوجدانيّ، لكنَّ طائفةَ الموحدين ‏الدروز كانت وستبقى في بلاد الشام مرتبطةً بجذورها العربيةِ الإسلامية، ومتمسكةً بهويتها التوحيديةِ ‏المعروفية، وحريصةً على رسالتها الوطنيةِ القومية".‏
وشارك في الإفطار: رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، الرئيس العماد ‏ميشال عون، نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري، رئيسا ‏الحكومة السابقين: نجيب ميقاتي، وفؤاد السنيورة، الاستاذ وليد جنبلاط، النائبان تيمور جنبلاط رئيس ‏الحزب التقدمي الاشتراكي، وجبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر، وزراء ونواب حاليون وسابقون، ‏ورؤساء احزاب. ‏
وحضر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس ‏يوحنا العاشر اليازجي، مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي ‏الأعلى الشيخ علي الخطيب، رئيس المجلس الاسلامي العلوي الشيخ علي قدور، بطريرك الأرمن الكاثوليك ‏البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون مينسيان، كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس آرام الأول ‏كيشيشيان، بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك انطاكيا وسائر ‏المشرق للسريان الأرثوذكس مار اغناطيوس افرام الثاني، رئيس الطائفة القبطية الارثوذكسية في لبنان ‏وسوريا القمص اندراوس الانطوني، رئيس الطائفة الانجيلية في لبنان وسوريا القس جوزف قصاب، ‏والسفير البابوي في لبنان المونسنيور باولو بورجيا، اضافة الى عدد من رجال الدين المسيحيين والمسلمين، ‏ورؤساء البعثات الدبلوماسية العربية والاجنبية، رؤساء السلطات القضائية، قادة الاجهزة العسكرية والامنية، ‏السلك الاداري، محافظون، مدراء وامناء عامون، اضافة الى رؤساء اللجان وأعضاء المجلس المذهبي ‏والمسؤولين في مديريتي المشيخة والمجلس. ‏
 
كلمة شيخ العقل
وبعد لقاء جمع الرئيس عون والرئيسين بري وسلام في حضور شيخ العقل ورؤساء الطوائف الروحية، ‏انتقل الجميع الى القاعة الرئيسية، والقى الشيخ ابي المنى خلال الإفطار كلمة في ما يلي نصها:‏
‏"بسم الله الرحمن الرحيم، ‏
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه الطيِّبين وعلى أنبياء الله ‏الطاهرين أجمعين.‏
صاحبَ الفخامة رئيسِ الجمهورية اللبنانية، الرئيس العماد جوزيف عون، صاحبَي الدولة رئيسِ مجلس النواب ورئيسِ مجلس الوزراء، ‏أصحابَ الغبطة والسماحة الرؤساء الروحيين، أصحابَ الفخامة والدولة الرؤساءِ السابقين، أصحابَ ‏المقامات، الأخوةُ والأصدقاءُ الأفاضل. أهلاً وسهلاً بكم جميعاً في دار طائفة الموحدين الدروز ضيوفاً أعزَّاء ‏في رحاب شهر الرحمة الذي تحلو فيه العباداتُ ويُستطابُ الدعاءُ وتتكثَّفُ أعمالُ الخير ويرتقي على ‏درجاتِ صيامِه وقيامِه أهلُ البِرِّ والإحسان، ويتجلّى فيه فضلُ الله على عِباده، وأيُّ فضلٍ أعظمُ مـِمـَّا ‏أُنزل من ربِّ العِبادِ في هذا الشَّهر المبارَك نوراً مُبيناً للعالمين، ﴿وَأَنـزَلْـنـا إلَـيْـكُم نُـوراً مُـبِينا﴾.‏
صاحبَ الفخامة، صاحبَي الدولة، أيّها الأكارم،
يُسعدُني وإخواني في المجلس المذهبي أن نُقيمَ هذا الإفطارَ الرمضانيَّ الجامعَ، ومن حولنا باقةٌ من وجوه ‏الطائفة، وفي مقدَّمتِهم صاحبُ الدار وسيد القرار معالي الأستاذ وليد بك جنبلاط، لنستضيفَ نخبةً كريمةً من ‏الوجوه اللبنانية والصديقة، في مشهدٍ وطنيٍّ مُهيب يُشيرُ إلى تلاقي العائلات الروحية، ويؤكّدُ على ميزة ‏الواقع اللبناني، في مرحلةٍ حسَّاسةٍ من حياة الوطن، هي أشبهُ ما يكونُ بمرحلةِ اختبار تُحتِّمُ علينا الاختيار، ‏فهل ننجحُ في الاختبار ونختارُ أن نكون أهلاً لبناء الدولة أم نستسلمُ للغرق في وحول التناقضات ‏والمحاصصات؟ هل نُبلسمُ جراحَ بعضِنا بعضاً فننطلقُ معاً في مسيرة الشراكة والإصلاح والبناء، أم نُمعنُ ‏في الاستقواء على الدولة وكلٌّ منَّا على الآخر والإساءةِ إليه وإلى تاريخه وتضحياته ومشاعره؟ لقد آن ‏الأوان لنتأكَّد أنه على حُسن اختيارِنا وصحة قرارِنا يتوقَّفُ نجاحُ العهد وتُصانُ كرامةُ الدولة وتتحقَّقُ نهضةُ ‏الوطن.‏
أيُّها الأخوةُ الكرام،
نُدرك وتُدركون أنَّنا في هذا الشرق العتيق نواجهُ عدوَّاً متربِّصاً بنا؛ يستعملُ القوَّة العسكرية حيناً والقوَّةَ ‏الناعمة حيناً آخرَ في دهاءٍ وغطرسة لا حدودَ لهما، كما هو الحالُ في عدوانه وأطماعه التوسُّعيّة؛ فيَقتلُ ‏ويدمِّرُ غيرَ آبهٍ بقراراتٍ دوليةٍ واتفاقاتٍ ميدانية، مثلما فعل ويفعلُ اليوم في غزّةَ بآلته الإجرامية، ويمدُّ يدَه ‏إلى داخل المجتمعات ليعبثَ بالجذور والتراث؛ ويقدِّمُ إغراءاتِ الحماية والاحتضانِ لاستمالة الشعوب التي ‏أفقرتها الأنظمةُ المخابراتيةُ الاستبدادية وهدَّدتها السياساتُ الإلغائية؛ عدوَّاً لا بدَّ من مقاومته، إن لم يكن ‏بالسيف دائماً، فبالكلمة والموقف والتضامن الوطنيّ والعربي، مقاومةً دبلوماسيةً تستنهض عواصمَ العالم ‏والمجتمعَ الدولي المتقاعسَ، وسياسيةً تحفظُ الثوابتَ الوطنيةَ والقومية ولا تفرِّطُ بها، وثقافيةً تحافظُ على ‏إرث الآباء وهويّة الأجداد، واقتصاديةً تُجيدُ التخطيطَ والتعاون والاستثمارَ المُجدي، وغايتُنا الوحيدة أن ‏تُستعادَ الحقوقُ المشروعة ويتحقَّقَ السلامُ العادلُ الشامل، وهذا هو مطلبُنا ومطلبُ الأمّة.‏
صاحبَ الفخامة، صاحبَي الدولة، إخواني الرؤساء الروحيين، أيُها اللبنانيُّون الوطنيُّون والأصدقاءُ الكرامُ، ‏أيُّها الأحبَّة، لا مجال للشكّ بأن المِنطقة تواجهُ مخطّطاً فظَاً لتفتيت العالم العربي، ونحن نرى المحاولاتِ ‏المتكررةَ لسلخ الأقليات عن هُويتها وتاريخها وعمقِها الوجدانيّ، لكنَّ طائفةَ الموحدين الدروز كانت وستبقى ‏في بلاد الشام مرتبطةً بجذورها العربيةِ الإسلامية، ومتمسكةً بهويتها التوحيديةِ المعروفية، وحريصةً على ‏رسالتها الوطنيةِ القومية، وإذا كان العقلُ والحكمةُ عنوانَها المعروف، والبطولةُ والإقدامُ تاريخَها الموصوف، ‏فإنّ التسامحَ والتضحيةَ واحترامَ الشريكِ الوطنيّ ونبذَ التعصُّب هي مفاهيمُ إنسانيةٌ ثابتة تشكِّلُ رؤيتَها ‏الحواريةَ الناصعة وحقيقتَها الوطنيةَ اللاحمةَ الجامعة.‏
صاحبَ الفخامة، قلتُم ونقول إنّ اللبنانيين صفتُهم الشجاعةُ وقوّتُهم التأقلم، والشجاعةُ اليومَ عندنا هي في ‏المرونةِ والتأقلمِ مع الواقع وفي تغليب مصلحة البلد على كلِّ ما عداها. إنّ عهدَكم الذي عهدتموه يمتلكُ من ‏الشجاعة والمرونة ما هو كفيلٌ بانطلاق مسيرة الخير بما تتطلّبُه من جهدٍ مشترَك وكفاءةٍ عالية، ورعايةٍ ‏أبويةٍ طيِّبة من الرئاسة الأُولى، وثقةٍ مُستحَقَّةَ من المجلس النيابي، وتفاعلٍ إيجابيّ من الحكومة، وانخراطٍ ‏من قِبل الجميع في هذه المهمة الوطنية، ونحن منهم، أخوةً وشركاءَ روحيين، لا نقبلُ التخلِّي عن مسؤوليتنا، ‏بل نؤكِّدُ دائماً على الشراكةِ الروحيةِ الوطنية لتكونَ المِظلةَ الواقية والمساحةَ المشترَكة لورشة الإصلاح ‏والإنقاذ.‏
فخامةَ الرئيس، أيُّها الأخوةُ، أشعرُ اليومَ في هذا اللقاء الروحيِّ الوطنيّ الجامع أننا فعلاً نلتقي فنرتقي؛ نلتقي ‏على محبتنا للبنان فنرتقي بوحدتنا الوطنية، وكأننا نسيرُ قُدُماً لتحقيق هذه "الشراكة الروحية الوطنية" التي ‏نادينا بها من دار الفتوى ومن مقرّ المجلس الإسلامي الشيعيّ الأعلى، وقبلَ ذلك من بكركي ومن غير ‏مكان، وسنستمرُّ في مسعانا آملين أن تُحتَضنَ هذه المبادرة من قِبل فخامتِكم، بما لكم من صفةِ الأبوَّة ‏والرعاية، واستكمالاً لما أقسمتم عليه في خطابِكم "لبناء دولةٍ قوية واقتصادٍ منتجٍ وأمنٍ متماسكٍ ومستقبلٍ ‏واعد." معكم يا صاحبَ الفخامة نؤكِّدُ أننا مدعوُّون إلى التضامن الداخلي أوَّلاً، قادةً روحيين وسياسيين، ‏وأننا بحاجةٍ إلى الأشقَّاء العرب والأصدقاء المخلصين، للنهوض بلبنانَ المتصالحِ معَ نفسه والمبادِرِ إلى ‏الإصلاح ليعودَ من جديدٍ، وأكثرَ ممَّا كان، منارةً للشرق ومقصدَاً لإخوانه العرب، بما فيه من مقوِّماتٍ ‏طبيعية وثقافية واقتصادية واجتماعيةٍ كامنة تحتاجُ إلى أيادي الخير والمحبة والعملِ المُتقَنِ الدؤوب لتَبعثَ ‏فيه النهضةَ والقوَّةَ من جديد.‏
معكم يا صاحبَ الفخامة ومعَ أركان الدولة وفاعلياتِ البلاد سيتحوَّلُ الحُلُمُ إلى حقيقةٍ بعون الله، والحاضرُ ‏إلى مستقبَلٍ واعدٍ، لأبنائنا المقيمين المطالِبين بالتغيير والتطوير ولأولئك المنتشرين في بلاد العالم القريب ‏والبعيد، والذين يترقَّبون الخطواتِ العمليةَ للإصلاح والبناء، وقد بدأت تباشيرُها تظهر من حكومة الإصلاح ‏والإنقاذ، وما علينا إلاَّ أن نستمرَّ في إيقاد جُذوةَ الشعورِ الوطني في أبنائنا للانخراطِ في مسيرة النهوض ‏ووضعِ طاقاتِهم الغنيَّةِ والمتنوِّعة في خدمة الدولة والوطن.‏
إننا ننتظرُ أن تبدأَ رحلةُ العمل لتحقيق الأمل، في ورشةٍ داخلية يشاركُ فيها الجميعُ، مجلساً وحكومةً وإدارةً ‏ونُخَباً متنوِّعة، نحافظُ من خلالِها على سيادة بلادنا ونصونُ حدودَها وننهضُ باقتصادها ونُحصِّنُ مجتمعَها ‏ونبني مؤسساتِها ونستثمرُ علاقاتِها، لنُعيدَ وطنَنا إلى خريطة العالم، بعمقِه العربيِّ وانفتاحه الدوليّ، وهذا ما ‏يستحقُّه لبنانُ بما لديه من تراثٍ وطاقات، وبما يختزنُه من مقوِّمات حياة.‏
جاء في الحديث الشريف قولُه (ص): "إنَّ اللَّهَ لا يَجمعُ أمَّتي علَى ضلالةٍ، ويدُ اللَّهِ معَ الجماعة"، وها نحن ‏مجتمِعون على الحقِّ والخير، علَّنا نُحيي بلادَنا فنُخرجَ منها ما يُدهشُ العالَم، استناداً إلى قولِه تعالى في ‏القرآن الكريم: "وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ ‏وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ".‏
نحمَدُه تعالى ونشكرُه على نعمة وجودنا في هذه البلاد، وعلى نعمة وجود نخبةٍ مخلصة من أبناء الوطن في ‏مواقع المسؤولية والقرار، وليكنْ معلوماً لديكم فخامةَ الرئيس أنّ التحدّياتِ ستظلُّ قائمةً والعقباتِ الطبيعيةَ ‏والمُصطنعة والمستورَدة ستظلُّ تُواجهُكم وتَضعُكم أمام خياراتٍ صعبة، لكنكم مُصمِّمون على التحدي ‏وعليكم تُعقَد الآمال، كيف لا؟ وأنتم مُتمرِّسون في مهمة المواجهة والصمود، وإلى جانبِكم رئيسُ البرلمان ‏الحكيم المخضرم الأستاذ نبيه برِّي، ورئيسُ الحكومة القادمُ من قوس العدالة والنزاهة والعالمية القاضي ‏الدكتور نوَّاف سلام ومجموعةُ الوزراءِ الواعدين، ونحن كذلك سنكون معكم وإلى جانبكم، بصلواتنا ‏ومواكبتِنا، لنكون كلُّنا مجتمعين في شراكةٍ روحيةٍ وطنية مكتملة، منتصرين بانتصار الوطن.‏
عِشتُم وعاش الوطنُ، وكلُّ عامٍ وأنتم بخير، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه."‏