المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الجمعة ١٨ تشرين الأول ٢٠٢٤ - 15 ربيع الثاني 1446
سماحة شيخ العقل في لقاء القمة الروحية في بكركي: للتوافق على خريطة إنقاذ الدولة وانتخاب رئيس توافقي ونحذّرَ من الاستقواء بالخارج

2024-10-16

القى سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ابي المنى كلمة في افتتاح أعمال القمة الروحية الاسلامية المسيحية، بدعوة من غبطة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في بكركي، جاء فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى أنبياء الله الطاهرين أجمعين.
صاحبَ الغبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، نشكركم على المبادرة والاحتضانِ والاستضافة، أصحابَ السماحة والغبطة والسيادة والفضيلة، يسعدنا أن نكون معاً مجتمعين على كلمةٍ سواء، متبادلين الرأيَ والموقفَ، ومتعاونين في حمل الرسالة.
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون" (آل عمران، آ:64)، وجاء في الكتاب المقدَّس: "وَأَخِيراً، أَيُّهَا الإِخْوَةُ: افْرَحُوا؛ تَكَمَّلُوا؛ تَشَجَّعُوا؛ اتَّفِقُوا فِي الرَّأْيِ؛ عِيشُوا بِسَلامٍ. وَإِلَهُ الْمَحَبَّةِ وَالسَّلامِ سَيَكُونُ مَعَكُمْ" (كُورِنْثُوسَ ٱلثَّانِيةُ ١٣:‏١١).
استناداً إلى هذا الكلام المنزَل والمقدَّس، المُرسَلِ للناس هدىً ورحمة، وتحقيقاً لرسالتِنا الأخلاقية والإنسانية، وحرصاً منّا على تمتين روابط المحبة والرحمة والأخوّة في ما بينَ عائلاتِنا الروحية، وشعوراً منّا بواجب تحمُّل المسؤولية تُجاه وطنِنا إزاء ما يتعرّضُ له من عدوان إسرائيليٍّ همجي، وما يقتضيه من واجب مناشدة المسؤولين والضغط عليهم للتلاقي والتعاون بهدف إنقاذ الوطن في هذا المنعطف التاريخيّ الخطير، وانطلاقاً من الدور الروحي والأخلاقي الذي يقع على عاتقنا في مهمة بثّ الروح الطيّبة بين أبناء الوطن، والتي تتعدّى الألمَ والسخَطَ والغضب.
نلتقي في هذا الصرح المبارَك، حامدين اللهَ على نعمة اللقاء في ما بيننا، ومتوجّهين إليه سبحانه وتعالى بالشكر على نعمة الإيمان التي منحَنا إيَّاها، وإن اختلفت مظاهرُها، وعلى نعمة الانتماء لهذا الوطن، وإن كبُرت معاناتُه.
نلتقي كمؤمنين في توحيدِنا فنرتقي كمواطنين في وحدتِنا، متمسّكينَ بالشراكة الروحية والوطنية التي هي مصدرُ قوّة لبنانَ وثباتِه، ولنؤكّدَ بأنّ المشهد اللبناني يمكن أن يكونَ النموذجَ الأرقى للتنوّع في الوحدة اذا ما أحسنّا إدارته وفهمه والاستفادةَ منه واحترامَ خصوصيات بعضِنا بعضاً، وبالتالي إذا ما أسكتنا الأصواتَ المناديةَ بأيّة صيغةٍ من صيغ التقسيم والتشرذم المناطقي أو الطائفي.
نلتقي في خضمِّ هذه الحرب العدوانيةِ المسعورة على البشر والحجر، لنترحّمَ معاً على أرواح الشهداء الأبرياء والأبطال الأشدّاء، ولنتعاطفَ معَ الجرحى المعذّبين والمصابين الذين فقدوا أحبّاءهم وبيوتَهم ومؤسساتِهم جرّاء العدوان، رافعين الدعاءَ إلى الله سبحانه وتعالى، وسائلينَه برجاء أن تتوقف هذه المأساةُ وأن تتبلسمَ الجراحُ ويعودَ النازحون إلى ديارهم فيُعيدوا بناءَ ما تهدّم ويؤكّدوا تشبثَهم بالأرض ورغبتَهم في العيشِ عليها بكرامةٍ وسلام.
نلتقي لنحذّرَ مجدّداً من خطورة الاستقواء بالخارج على الداخل، ومن محاولة تغليب أيِّ طائفةٍ على أخرى مهما كانت الدوافعُ والمبرِّرات، فلبنانُ لا يُبنى إلَّا على قاعدةٍ أخلاقيّة ذهبيّةٍ ثابتة تقضي بأن تحافظَ كلُّ عائلةٍ روحية على شريكتها في الوطن، لا على نفسها فحسب.
نلتقي لنقولَ إنه بقدر ما يقتضي الواجبُ الوطنيُّ استعدادَ جميعِ اللبنانيينَ للمقاومة والدفاع عن الأرض والكرامة والوجود، وبقدر ما تستوجبُ الساحةُ إسنادَ الأخوة بعضِهم لبعض في الملمّات، بقدر ما يقضي الواجبُ الوطنيُّ والإنسانيُّ تحاشي الانجرارِ إلى الحروب المدمّرة، لندركَ بنتيجة ما جرى أننا قد قدَّمنا الغالي والنفيسَ من التضحيات، وأنّ علينا تجنُّبَ تقديم المزيد وخسارةِ الوطن، ومعرفةَ متى تقتضي المصلحةُ الوطنيةُ المجابهةَ العسكريةَ ومتى تكونُ المواجهةُ الدبلوماسيةُ والسياسيةُ أجدى وأنفع.
نلتقي لندعوَ إلى ضرورة اعتماد الحكمة والشورى في اتّخاذ القرارات المرتبطة بالنزاعات الإقليمية والقضايا المصيرية، وكأننا فعلاً في مجلسٍ للشيوخ، نعتمدُ الحوارَ منهجاً وأسلوباً، ونؤكِّدُ معاً على وحدة القرار الوطني وعلى احترام الدستور والقانون.
نلتقي لنؤكّد على أهمية اتّفاق الطائف والسعي لتطبيقه بأكمله، وعلى ضرورة احترام القرارات الدولية، ولا سيما القرار 1701 كاملاً، بما يعنيه من وقفٍ فوري لإطلاق النار، ووجوب تعزيز قدرات الجيش اللبناني وانتشاره في المنطقة الحدودية وتحمُّلِه مسؤوليةَ ضبط الأمن والدفاع عن البلاد.
نلتقي لنؤكّدَ أن لبنان قويٌّ بدورِه، وعلى اللبنانيين أن يُحسنوا أداءَ هذا الدور، ومميَّزٌ بانفتاحه وموقعِه، وعليهم أن يستفيدوا من هذا الموقع وهذا الانفتاح.
نلتقي لنحمّلَ القيادات السياسيةَ اللبنانية مسؤوليةَ ترهُّل الدولة واستمرار الفراغ الرئاسي، ولنطالبَ معاً بالإسراع في عملية انتخاب رئيسٍ للجمهورية وفق الأصول الدستورية، وبأكبر قدر ٍ ممكن من التفاهم والتوافق، وبما يتبع ذلك من انتظام عمل الدولة والمؤسسات.
نلتقي لنطالب الدولة بضرورة الاهتمام بالوضع المعيشي والاجتماعي باعتباره أولوية، وباستنباط حلولٍ ممكنة وعملية للتخفيف من معاناة الأهالي الذين اضطرتهم الأعمالُ الحربية والعدوانية إلى مغادرة بلداتِهم، والتعجيلِ بإيجاد مساكنَ لائقةٍ لهم، بما لا يُشكِّلُ أزمةً اجتماعية، ولا يُعيقُ المدارسَ والجامعات من استئناف المسيرة التربوية حين تسمح الظروف.
نلتقي لننبّه أنفسَنا ومَن هم حولَنا إلى خطورة ما يُرسَمُ لبلادنا من مشاريعَ عدوانيةٍ مشبوهة، مستنكرينَ التهجيرَ القسري الذي يحصل، ورافضينَ التغييرَ الديمغرافي الذي يُخطَّطُ له بخبثٍ ودهاء، والذي سيكونُ من آثاره إذا ما حصل، خلقُ أزمات اجتماعية ونِزاعاتٍ لا طاقةَ للواقع اللبناني على تحمّلها.
نلتقي لإدانة العدوان الإسرائيلي الغاشم على فلسطينَ، قتلاً وتدميراً واغتيالاً واحتلالاً، وتحميلِ المسؤولية للمجتمع الدولي باستمرار هذه الاعتداءات والقفز فوق القرارات الأممية والمواثيق الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان والشعوب، وحثِّها على إيجاد الحل العادل للقضية الفلسطينية قبل سواها، لتكون للفلسطينيين دولتُهم الموحَّدةُ والمستقلّة والكاملةُ السيادة.
إننا على يقين بأنّ اجتماعَنا معاً قادرٌ على إحداث الفرق المطلوب وتغييرِ الواقع المأساوي وإحداث بارقةِ أملٍ في هذا النفَق المظلم الذي بدا وكأنّ ليس له نهاية. إننا واثقون بأنه سينتهي، وبأنّ الخيرَ سينتصرُ على الشرِّ، والنورَ سيبدِّدُ الظلامَ، ورائحةَ الدمِ والدمار والنار ستتحوَّلُ عطرَ محبةٍ وأملٍ وثقةٍ وانتصار.
فلنتواضعْ ولنتّفقْ، ولنرتفعْ إلى ما هو أسمى وأرقى، ولنتوافقْ على خريطةِ إنقاذ الدولة، ولتُفتَحْ أبوابُ القلوبِ أمامَ الحلولِ، وأبوابُ المجلسِ النيابيِّ أمام انتخابِ الرئيس، وليكنْ صوتُنا الروحيُّ أقوى من أصواتِ التّحدي والتنافس السلبي، رأفةً بالبلاد والعِباد، "فالحربُ هزيمةٌ للجميع، والعنفُ لا يَجلبُ السلام"، كما جاء في رسالة قداسةِ البابا الأخيرة، ونحن ما كنَّا سوى دُعاةِ خيرٍ وسلام، وبُناةِ مجتمعِ التنوُّع في الوحدة، وحُماةِ وطنِ الرسالة، بحكمتِنا ومحبتِنا واجتماعِنا الدائم.
حمى الله الوطن وحمى أبناءه المتضامنين، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه.