المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الأحد ٢٢ كانون الأول ٢٠٢٤ - 20 جمادي الثاني 1446
نداءان لسماحة شيخ العقل في لقاء مقام النبي أيوب التاريخي:‏
لا لإستباحة المواقع ميثاقياً ولا لوضع الهيئة الروحية بمواجهة الزعامة السياسية

2023-07-22

‏ شدّد سماحة شيخ العقل لطائفة الموحّدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى على ‏أهمّيَة بناء الدولة بمؤسساتِها، وحماية دستورِها واحترام قوانينِها، آملا أن يستشعرَ ‏المسؤولون خطر المماطلة في التجاذب وتفريغ المؤسسات، ومتسائلاً عن الميثاقية في ‏شغور بعض المواقع الأساسية من أصحابها الأصيلين، في استباحةٍ موصوفة لا تليقُ ‏بالعدالة ولا تُطمئنُ المواطنين ولا تُعزِّزُ ثقةَ الناس بدولتِهم.‏
‏ وتوجّه سماحته بنداء الى المسؤولين والمشايخ داخل الطائفة، لإصلاح ذات البَين ‏والتلاقي على المصلحة العامة، متسائلا، هل من الحكمة أن نَضعَ الهيئة الروحية في ‏مواجهة الزعامة السياسية؟ وهل تجوزُ المقاطعةُ والمجافاةُ ممّن همُ الأَولى بالأُخوَّةِ ‏التوحيديةِ البعيدة عن السياسة؟ ‏
 
استقبال
‏ كلام سماحة شيخ العقل جاء خلال كلمة ألقاها في مقام النبي أيوب (ع) في نيحا الشوف، ‏حيث لبّى دعوة إدارة المقام مشاركاً في الزيارة وراعياً اللقاء العام الذي أقيم للمناسبة في ‏استعادة للتاريخ والوهج بتلك اللقاءات الجامعة لأبناء الطائفة. وشاركت فيه أمس شخصيات ‏روحية واجتماعية وأهلية من مناطق الجبل ووادي التيم وغيرها، الى جانب ابناء البلدة ‏وفاعلياتها، وأقيم لسماحة شيخ العقل استقبال لافت وحاشد مع رفع اللافتات المرحّبة، بدأ من ‏مفترق قلعة نيحا الأثرية ووصولاً الى باحتي المقام الخارجية والداخلية، وبعد مصافحته ‏مستقبليه برفقة وفد من المشايخ وأعضاء ومسؤولين في المجلس المذهبي ومشيخة العقل ‏ومستشارين، توجّه شيخ العقل الى حرم المقام الرئيسي للزيارة والتبرك ثم إلى باحة المقام ‏حيث اللقاء العام، وألقى كلمته قائلاً:‏
 
شيخ العقل
بسم الله الرحمن الرحيم
‏ الحمدُ لله حمداً لا انقطاعَ له، والشكرُ لصفيِّه شكراً لا حدودَ له، والسلامُ على من اتَّبع ‏الهدى منذ البِدا، وعلى السلف الصالحِ من المشايخ الأتقياء الأعيان وعلى الحاضرين منهم ‏في هذا الزمان، سلاماً عابقاً بالولاء والرجاء وطلب الدعاء.‏
إخوانَنا الموحِّدين الموحَّدين في توحيدِهم، المجتمعين على العقيدة معَ اختلافِ مواقعِهم ‏وعلى تعدُّدِ خَلَواتهم ومجالسِهم وطاقاتِهم ومنازلِهم، ‏
أبناءَنا المعروفيّين الراسخين في إيمانهم والثابتين في أخلاقِهم وفي أرضِهم،
 
أيُّها الأحبةُ، أيُّها الكرام. ‏
أُحيِّيكم من على عتبةٍ من عتبات هذا المكان المبارَك؛ مقامِ النبي أيُّوبَ (ع)، ذلك النبيِّ ‏الصابرِ على المرض وصعوبة الحياة، والمتخطِّي بصبرِه ٱمتحانَ الألمِ والمعاناة‎:‎‏ "نِعم العبدُ ‏إنَّه أوَّاب". ‏
أُحيِّيكم من على تلَّةٍ رائعةِ الجمالِ والجلال، من تلال بلدتِنا الشوفيّةِ الغالية نيحا، تلّةٍ عاليةٍ ‏تزاحمُ الجبالَ شموخاً، وتتميَّزُ عنها برمزيّتِها المستمَدَّةِ من رمزية هذا المقام، الذي نحِجُّ إليه ‏منذ زمنٍ تبرُّكاً بسيرتِه العطِرة وتقرُّباً من الله عزَّ وجلّ، والذي حافظ عليه أهلُنا الكرامُ في ‏بلدة نيحا وأَوسَعت بُنيانَه مشيخةُ العقل والمجلسُ المذهبيُّ في زمن المرحوم الشيخ محمد أبو ‏شقرا، وما زلنا نرعاه ونعتني به، كسباً للأجر وصوناً للتراث الروحي والعمراني، حتى ‏أصبح اليومَ من أهمِّ الأماكن ذات الطابَع الديني التي نفتخر بها ونتحمّل مسؤوليةَ الحفاظ ‏عليها.‏
أُحيِّيكم، حامداً اللهَ تعالى الذي أنعم علينا بهذا الاجتماع وألهمَنا لإحياء هذ اللقاءِ الروحي ‏الاجتماعي، والذي توقَّف إحياؤُه منذ فترةٍ نتيجةَ عواملَ قسريةٍ عدّة، علَّه يكونُ فاتحةً لإحياء ‏الزيارة السنوية الجامعة، وأُحيِّي الأخوةَ الأفاضلَ مشايخَ بلدة نيحا والأهالي الكرامَ ‏ومجموعةَ شباب نيحا، شبابِ النخوة والمروءة، ووكيل المقام الشيخ كهيل ذبيان، ومن قَبله ‏الشيخ فهد عرنوس، وكلَّ من ساهم وقدَّم عملاً أو تبرُّعاً بنيَّةِ الخير وخدمةِ المقام وساعد مع ‏أخينا الشيخ كهيل في تأمين استقبال لائقٍ لشيوخنا الأجلَّاء ولإخواننا القادمين من مختلف ‏المناطق للاجتماع على نيّة الخير والائتلاف لرفع الصلاة والدعاء معاً بقلوبٍ طاهرة مفعَمة ‏بروح المحبة والأخوّة والتوحيد.‏
 
أيُّها الأخوةُ والأبناءُ الكرام، ‏
أُحيِّيكم باسمي وباسم إخواني في المجلس المذهبي، وأخاطبُكم من موقعِ مشيخة العقل، موقعِ ‏السلطة الدينية المكرَّسة قانوناً وعُرفاً لخدمة الطائفة ومشايخِها وعمومِ أبنائها، فنحن بعونه ‏تعالى وببركة مشايخِنا الصَّفوةِ الأجلَّاء الذين ميَّزهم اللهُ بتقواهم وثباتِهم، قبل أن يُميَّزوا ‏بعمائمِهم الناصعةِ النقيَّةِ، أولئك الذين يُعبِّرون بصدقٍ عن سموِّ مسلك التوحيد وأهلِه، والذين ‏لم يبخلوا علينا بالدعاء والإعانة والاحتضان، وإننا بذلك مطمئنون لنوايانا الطيّبة ولنواياهم ‏الصافية، وواثقون بتوجُّهِنا الخالص لوجه الله وبدعوتِنا الصادقة لجمع الشمل وتلاقي الجميع ‏على كلمةٍ سواء. ‏
هذا التوجُّهُ الذي نفتخر به ونُصِرُّ عليه، مهما ووُجه بالصَدِّ والردِّ ومحاولات إفشال المهمَّة ‏وعرقلة المسيرة، بما يعنيه ذلك من الألم و"النغصة" في المجتمع الديني، لكنَّنا مقتنعون ‏بنهجِنا وانفتاحِنا، ومصمّمون على السير قُدُماً، ومع مشايخِنا الأجلَّاء وإلى جانبِهم، لتجاوز ‏الصعوبات والعراقيل ولاستكمال مهمة جمع الشَّمل وتمتين العلاقة مع جميع أركان الطائفة، ‏بما نلقاهُ من الدعم والمساندة، وعلى الأخصِّ من الزعيم الوطني وليد بك جنبلاط الذي يعتزُّ ‏تاريخُنا وحضورُنا الوطنيُّ به وبحكمته وحرصِه على صَون الطائفة والوطن، ونعتزُّ نحن ‏بثقتِه التي وضعها بشخصِنا منذ البداية والتي هي وسامُ عزٍّ وتشريف بقدر ما هي مسؤوليةٌ ‏وتكليف.‏
نحن مطمئنون، والحمدُ لله، بنيّتِنا وبرؤيتِنا وبإرادتِنا وباجتماعِنا، مطمئنون بعلاقاتِنا ‏المتوازنة والمتّزنة مع جميع الطوائف، وبحضورِنا الفاعل على مستوى الوطن وتمثيل ‏الطائفة، فلنكن مطمئنين وأقوياءَ بالثقة الداخلية ونبذِ التفرقة واحترام القانون، فللطائفة ‏مجلسُها المذهبي وقانونُه الرسمي الذي يجبُ أن يُحترَم، ولنا من العقل والحكمة والأناة ما ‏يخوِّلُنا التعاطي الإيجابي مع الواقع ومع الآراء المختلفة والملاحظات البنَّاءة للتقدُّم إلى ‏الأمام، فلماذا نُفسِحُ المجالَ لتشويه الصورة ولتصادم شبابِنا عبر الإعلام ووسائل التواصل ‏الاجتماعي؟ وهل من الحكمة أن نَضعَ الهيئة الروحية في مواجهة الزعامة السياسية؟ أم ‏يقضي الواجبُ المحافظةَ على المهابة الروحية لمشايخِنا الأجلَّاء، والمحصّنةِ بالعلم والعمل ‏والتقوى لتتكاملَ الدعامتان وتقويَّان بعضَهما بعضاً وتحميان الطائفةَ من المخاطر؟ وهل ‏تجوزُ المقاطعةُ والمجافاةُ ممّن همُ الأَولى بالأُخوَّةِ التوحيديةِ البعيدة عن السياسة؟ إننا نوجِّه ‏النداءَ من هذا المكان المبارَكِ لإصلاح ذات البَين والاعتراف الصريح والتلاقي على ‏المصلحة العامة، ففي ذلك نجاحٌ للجميع وتحصينٌ للطائفة، وتحصينُها يكونُ أقوى بوحدة ‏أبنائها وتماسكِهم، وبوحدة المجتمع الديني التي هي أساسُ وحدة الطائفة وقوّتِها. هذا ما ‏نرجوه صادقين وما ندعو إليه مخلصين وما نسعى إليه واثقين. ‏
ولتكن مناسبةُ الأوَّل من محرَّم وبدايةُ السنة الهِجرية الجديدة حافزاً لنا لإحياء الأمل ‏بالارتقاء إلى ما منحتنا إيَّاه مثلُ هذه الأيَّام المبارَكة عند انطلاقة الدعوة إلى هذا المسلك ‏التوحيديّ الشريف من عزَّةِ انتماءٍ وشرفِ انتساب، وقد شكَّلتِ الدعوةُ البدايةَ والقاعدةَ لهذا ‏الدور الجديد السعيد، منذ انبلاج صباح الأول من محرَّمَ عام أربعمائة وثمانٍ للهجرة؛ هذه ‏الدعوةُ الأِسلامية التوحيدية التي فتحت البابَ لحركة ارتقاءٍ مطَّرد ومسافرةٍ دائمة نحو غاية ‏الدين والرسالات السماوية، حيث الحكمةُ هي غايةُ الكتاب المُنزَل وضالَّةُ المؤمن، يبحثُ ‏عنها في آياتِ الله المُحكَمات ويسعَى لإدراكِها بالعلم والعمل، وحيث الدعوةُ لتحقيق غايةِ ‏الفرائض الدينية جُهدٌ متواصلٌ وتحقُّقٌ مستمرّ لتكونَ تلك الفرائضُ خصالاً توحيديةً، طوعاً ‏لا فرضاً، ومعنىً لا مظهراً، وروحاً لا جسداً.‏
عظَمةُ التوحيد تتجلّى في هذه الدعوة المبارَكة، بأهميتّها العقائدية والاجتماعية، فإذا كانت ‏الدعوةُ قد رسَّختِ مفهومَ التوحيد عقيدةً ومسلَكاً، وثبّتت الإيمانَ في قلوب الموحِّدين ‏واستنهضتهم للسير قُدُماً في مراقي الخير والفضيلة، بما يعنيه ذلك من مجاهدةٍ في صقل ‏مرآة النفس لكي يتجلّى فيها جمالُ الحقّ وكمالُ الخالق، فإنَّ هذه الدعوةَ التوحيدية أرسَت في ‏الوقت نفسِه مبادئَ اجتماعية أساسيَّة، فحرَّمتِ الرقَّ وأطلقتِ المستعبَدين، وكرَّمتِ المرأةَ في ‏دورِها الإنساني والعائلي والروحي والتربوي، فمنعت تعدُّدَ الزوجات، وأعطتها الحريَّةَ في ‏إبداء الرأي والعملِ والزواج وحتى في طلب الطلاق، وأكَّدت على ضرورة فهم الحرية ‏بالشكل الصحيح، كما حضّت الدعوةُ على تحصين الكيان الاجتماعي، بالتركيز على واجب ‏حفظ الاخوان وصون المجتمع، وتحريم العادات القبيحة الفاسدة، وعلى الصدق في ‏المعاملات والعلاقات مع الناس، مؤكِّدةً على ضرورة المداراة والتعامل بحذرٍ واحترام ‏ولطف مع الجميع، فالتوحيدُ دعوةُ صدقٍ وأُخوَّة، وهو جامعٌ مشترَك، ومصدرُ أمانٍ ‏واطمئنان، والموحِّدون صلةُ وصلٍ في مجتمعاتِهم وأوطانِهم، ودُعاةُ سلامٍ ووئام ورُسُل خيرٍ ‏ومعروف. ‏
 
إخواني، أيُّها الأحبّة، ‏
بعد ألفٍ وسبعةٍ وثلاثين عاماً هِجريّاً (من 408 إلى 1445ﻫ) يليق بنا أن نستفيدَ من هذا ‏التراثِ التوحيديِّ المتراكِم عبر الأدوار والعصور، ومن تلك الثمرة الناضجةِ التي نمت ‏شجرتُها من الأوائل والفصول إلى الحقائق والمحصول، وهل أزكى من محصول التوحيد ‏وثمرتِه التي تغذّى نُسغُ شجرتِه بالفكر الإنسانيِّ المنبثقِ من العقل الأوّل والمعلمين الأوائل ‏دوراً بعد دور، ومن الشرائع السماويةِ فصلاً بعد فصل، ومن الحقائق والمسالك العرفانية ‏درجةً درجةً في مسافرةٍ لا تنتهي في درجات العلم والتعاليم؟ علَّنا نتذوَقُ لذيذَ ما تركه لنا ‏الأنبياءُ والرُسُل والأئمّةُ والدعاةُ المنتجَبون، ونحفظُ ما ائتمنَنا عليه السادةُ الأصفياءُ ‏المكرَّمون، ونحافظُ على ما اكتنزَه لنا السلفُ الصالح من مشايخِنا الثِّقات من سِيَرٍ وعِبَرٍ ‏عَبر هذه المسيرةِ التوحيديّة المضمَّخة بالجِدِّ والعَناء والجهاد والصفاء، وكم هو حريٌّ بنا أن ‏نلتقيَ فنرتقي، حيث الواجبُ يقضي أن نعيشَ التوحيدَ عيشاً صادقاً لا رياءَ فيه ولا تراجعَ ‏ولا مراوحة، وحيث الموحِّدُ في توحيد باريه شجاعٌ غيرُ جبان؛ شجاعٌ في مواجهة ‏التحدّيات، شجاعٌ في الثبات على إيمانِه ومعتقده مهما اشتدّت عواصفُ الأهواء والمغريات، ‏شجاعٌ في محافظته على مكارم الأخلاق وجميل الصفات، وشجاعٌ في التشبُّث بأرضِه ‏ووطنِه حتى الممات.‏
من مقام النبي أيوبَ (ع)، نُطلقُ النداءَ والرجاء، داعين إلى التمسُّك بقيَمِ الأخوَّة والمحبة مع ‏القريب والغريب، ومؤكِّدين على ثوابت صَون النفس وصَون المجتمع، إذ لا أمانَ لنا ولا ‏ضمانَ لوجودِنا ومستقبلِنا إلَّا بتمتين ركائزِنا التوحيدية المعروفية الوطنية الثلاث: الفرض ‏والعرض والأرض، أي التمسُكِ بالدين والأخلاق والوطن، فالإيمانُ والاعتقادُ الراسخُ ‏سلاحُنا الأمضى في مواجهة تحدّيات القدر والحياة، ومحافظتُنا على مكارم الأخلاق والقيم ‏المعروفية درعُنا الواقية من مخاطر العولمة وفوضى الحرية، وتعلُّقُنا بأرضِنا ومشاركتُنا ‏الفاعلة في بناء الدولة والدفاع عن الوطن وتأكيد العيش الواحدِ فيه هو ضمانةُ سلامِنا ‏وسلامِه، إذ لا بديلَ عنه سوى التشتُّتِ والاغتراب.‏
إننا، ومن هذه المنطَلَقات والركائز، نرى أنَّه لا بدَّ من تحمُّل المسؤولية والقيام بالواجب، ‏في التربية العائلية أولاً، والمدرسية كذلك والاجتماعية، لغرس بذور العقيدة والإيمان ‏والعرفان في قلوب الناشئة وعقولهم كي لا تتحكَّمَ بهم وتتقاذفَهمُ تياراتُ الإلحادِ والماديَّة، ‏وغرسِ بذور الأخلاق والقيم والفضائل في نفوسِهم كي لا يَضعفوا أمام الأهواء والمُغريات ‏ولمعانِ الشهوات، وغرسِ بذور التعلُّقِ بالأرض وخيراتِها وحُبِّ الوطن الذي شاء القدرُ أن ‏ينتموا إليه كي لا تَسهُلَ أمامَهم دروبُ الإهمال والهجرة والاتّكال على الآخَرين، إضافةً إلى ‏التربية على أهميَّة بناء الدولة بمؤسساتِها، وحماية دستورِها واحترام قوانينِها، دولةِ العدالة ‏والمساواة في الحقوق والواجبات، دولةِ المواطَنة لا دولةَ المحاصصة والمحسوبيات، آملينَ ‏أن يستشعرَ المسؤولون خطر المماطلة في التجاذب وتفريغ المؤسسات، ومتسائلين عن ‏الميثاقية في شغور بعض المواقع الأساسية من أصحابها الأصيلين، في استباحةٍ موصوفة لا ‏تليقُ بالعدالة ولا تُطمئنُ المواطنين ولا تُعزِّزُ ثقةَ الناس بدولتِهم.‏
 
إخواني المشايخَ الأفاضل، أعزَّائي أبناءَ نيحا الكرام،
فلتكنْ هذه الزيارةُ حافزاً لنا ولكم وللجميع لتعزيز الثقةِ بإيمانِنا التوحيديِّ العميق، وبمجتمعِنا ‏المعروفيِّ العريق، وبتراثِنا الأخلاقيِّ الثمين، وبتضحياتِ أجدادِنا وسِيَر شيوخِنا وأعلامِنا، ‏وبدورِ طائفتِنا الوطنيِّ الجامع واللاحم، فنحنُ الأصلُ ونحنُ القدوةُ ونحنُ الملاذُ ونحنُ الأملُ ‏في بقاء الوطن، بما لدينا من إرثٍ روحيٍّ واجتماعيٍّ وعربيٍّ مُشرِّف لا يُنكرُه إلَّا ‏الجاحدون، ومن علاقاتٍ أخويةٍ متوازنةٍ وصادقةٍ معَ الجميع لا يتنكَّرُ لها إلَّا الجاهلون. ‏
من هنا، ومن هذا المنطلَق، نُطلقُ دعوتَنا ونداءَنا للمسؤولين ولجميع اللبنانيين ليرتفعوا إلى ‏مستوى هذا الإرث التاريخيّ وليكونوا يداً واحدةً في ردعِ الأيادي الهدَّامة وفي إعادة بناء ‏المؤسسات والنهوض بالدولة. ‏
ومن هنا من مقام النبي أيُّوبَ(ع) نُجدِّدُ النيَّةَ والعزمَ للقيام بواجباتِنا في المجلس المذهبي ‏ومشيخة العقل وبدعمٍ دائمٍ ومساندةٍ من القيادة الحكيمة الواعية ودعاءٍ ومبارَكةٍ من مشايخِنا ‏الأجلَّاء، ونحن نُدركُ حجمَ التحديات والملفَّات، أكان على صعيد الوضع الاجتماعي ‏والمعيشي، أم على الصعيد المجتمع الديني وتنظيم المجالس ورعايتِها، أم على صعيد ‏التوعية والتوجيه الديني والنشاط الثقافي، أم على صعيد الاغتراب والحاجة الماسّة لتمتين ‏الصِّلات وحفظِ الهويّة، أم على صعيد الأوقاف واستثمارِها وبناء المؤسسات واحتضان ‏الشباب والاستفادة من اختصاصهم ونشاطهم، أم على صعيد الأسرة التوحيدية والمؤسسة ‏الزوجية وكيفية صونها، أم على صعيد المحاكم المذهبية ورعايتِها، وغير ذلك من المهمات ‏الجسام. ‏
بعونه تعالى وببركة هذا المقام الجليل، نعاهدُ أهلَنا وأحبَّتَنا بأن نبذلَ ما بوسعِنا لصون ‏الأمانة؛ أمانة الدين وأمانة الأوقاف وأمانة المجتمع وأمانة كرامة الطائفة وحقوقِها، وأن ‏نكونَ معاً وإلى جانبِهم ما ٱستطعنا في مهمة حفظ الإخوان وتحصين البُنيان، بالتربية ‏والتوعية والرعاية والعناية والدعوة الدائمة لجمع الشمل ورفع شأن الطائفة، فالله سبحانه ‏وتعالى دعانا إلى العمل ولم يدْعُنا إلى التخاذل والتنابذ، قال تعالى: "وقلِ ٱعملوا فسيرى اللهُ ‏عملَكم ورسولُه والمؤمنون". صدق اللهُ العظيم. ‏
 
كلمات
وكانت ألقيت كلمات ترحيبية بسماحة شيخ العقل استهلها رئيس المصلحة الدينية والتربوية ‏في المجلس المذهبي الشيخ فاضل سليم وأشار خلالها الى ‏‎ ‎رمزية ومسيرة صاحب المقام ‏النبي أيوب (ع) وأهمية تجديد نهجه الروحي، ثم السيد غالب أبو زين باسم أهالي بلدة نيحا، ‏متوجّها الى سماحته بما "أنعم الله عليه بالتقوى وزيّنه بالبلاغة والشعر، بأن نيحا تشذو ‏فرحاً وتسمو رفعة ايماناً بضيافتكم وروض محبتكم وأنتم ربّ البيت، وزيارتكم في هذه ‏الظروف بريق أمل وما تؤكّدونه يومياً على سعيكم لجمع الشمل والترفع والاعتدال ‏والتلاقي وايجاد الحلول لانتظام العمل الدستوري والمؤسسات والمبادرات التي تتلاقى مع ‏توجّهات حضرة الرئيس وليد جنبلاط ومع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الاستاذ تيمور ‏جنبلاط حول أهمية انتخاب رئيس للجمهورية واستكمال تطبيق الطائف والوقوف الى جانب ‏القضية الفلسطينية من شأنه كلّه أن يعكس الإيمان بالوطن والحرص على الدولة ‏والمجتمع".‏‎ ‎‏ ومشدّداً على "أهمية تفعيل الثقافة الدينية العامة وتعزيز القيم‎ ‎والانفتاح الداخلي ‏واقامة المؤتمرات العلمية وورش العمل للانفتاح الواعي وبذل المستطاع في غياب خدمات ‏الدولة حيث القيادة تاريخية زمنية وروحية لتحقيق المطلوب والوصول الى برّ الامان".‏
‏ بدوره أكّد مختار نيحا نبيل عزام على "أهمية الزيارة وكل ما من شأنه تعزيز الهوية ‏والائتلاف نحو الأفضل وتحسين ظروف الاستقبال والزيارات والاهتمام بالبنى التحتية ‏الأساسية لا سيما الطريق المؤدّي إليه والاحتفاظ بالقوانين المرّعية". ‏
 
لقاء ديني
بعد ذلك اقيم لقاء ديني حاشد في مجلس المقام، بمشاركة سماحة الشيخ أبي المنى والمشايخ ‏الاجلاّء: أبو صالح محمد العنداري، أبو علي سليمان بو ذياب، أبو فايز امين مكارم، أبو ‏زين الدين حسن غنّام، أبو محمود سعيد فرج أبو هاني مسعود شهيب، وابو مهدي سلمان دربية، وأبو حسن عادل النمر ‏وأعيان وحشد كبير من المشايخ من مختلف المناطق.‏
 
شعراً
رداً على أبيات شعرية وردت في كلمات الترحيب بالزيارة، قال سماحة الشيخ أبي المنى ‏على هامش كلمته بالمناسبة، متوجّها الى بلدة نيحا: ‏
‏ حيّيتُ نيحـا شُموخاً، عزَّةً وعُلى
حيّيتُها قلعةً، حيّيتُها أمـــلا
حيَّيتُ فيها "النّبيْ أيُّــوبَ"، سيرتُه‏
أضحت مقاماً لنا، بل أصبحت مَثَلا
كأنَّه شاهدٌ من فوقُ، يُسعِفُنــا
بالصَّبرِ، والصَّبرُ فينا يَصنعُ الرَّجُلا
بسرِّ توحيدِه نَحيــا، وأُمَّتُنــــا
بسرِّ أيُّوبَ تُحيي الأرضَ والجبلا