بسم الله الرحمن الرحيم إخوانَنا وأبناءَنا الكرامَ في الوطن وبلاد الاغتراب، أيُّها الموحِّدون، أيُّها المعروفيُّون
2023-06-27
نعيشُ وإيَّاكم اليومَ فرحةَ إطلالة عيد الأضحى المبارَك، محتفلين بأيام وليالي "العشور" التي ٱعتدنا أن نُحيَيها في المجالس والخلوات لما لها من رمزيةٍ عندنا ومن أهميّة، وقد أشارت إليها الآيةُ الكريمة بالقول: "والفجرِ وليالٍ عشر"، أي قسماً بالفجر، فجر التوحيد، وبليالٍ عشرٍ، هي هذه الليالي المعدودة، وكأن كلَّ ليلةٍ منها بمستوى ليلة القدر، بما تعنيه من محطةٍ للتوبة وفُسحةٍ للخير وسبيلاً للترقّي على دروب السعيِ والجهادِ لبلوغِ السعادة الروحيّة.
إخواني، نسأل الله عزّ وجل أن ننهلَ وإيَّاكم من مَعين هذه البركات، وأن نجدِّدَ العزمَ والإرادةَ للتقرُّب من الله عزَّ وجَلَّ، نيةً وقولاً وفعلاً، فنعقدَ النِيَّةَ على المصالحة مع الذات أوّلاً ومع الخالق تعالى، ونسعى للمصالحة مع الناس بدءاً من عائلاتنا القريبة، ونبدأَ بالعمل والمجاهدة في سبيل تحقيق ما عقدنا النيّةَ والعزمَ عليه، بالترفُّع عن الضغائن والأحقاد مهما كان نوعُها، وبخلع رداء التقصير والتواني واللامبالاة، وارتداء ثوبِ الجِدِّ والمثابرة والاجتهاد، بلا تسويفٍ أو كللٍ أو ملل، سائلين اللهَ تعالى أن يعيدَ العيدَ عليكم وعلى عائلاتِكم ومُحبِّيكم بالخير والبركة وراحة البال وصفاء القلب وثبات العقيدة، وبالتقدُّمِ والنجاح في مراقي الحقّ ودروبِ الحقيقة، وحيثُ يقتضي الواجبُ جمعَ الشمل وحفظَ الأمانة التوحيدية وصيانة المجتمع.
إخواني أينما كنتم، في الوطن أم في بلاد الانتشار، نخاطبُكم من القلب والعقل معاً في هذه المناسبة الجامعة لعموم الموحِّدين، بما تحتويه من معانٍ توحيديةٍ تشيرُ إلى المحبة والتضحية والعطاء، وتدفعُ للتواصل والتلاقي وعمل الخير.
في رحابِ عيدِنا الكبير يجدرُ بنا أن نتوقَّف أمامَ مرآة أنفسِنا لنتبصَّرَ بأمورِنا ونتطلَّعَ إلى ما هو أبعدُ وأرقى، فنُحاولَ إصلاحَ ما أفسده الزمن، والارتفاعَ من مستوى عيشِنا الماديّ وعملِنا الدنيويّ وانغماسِنا في شؤون الحياةِ العابرة إلى مستوى العيش معَ الله والعمل للآخرة والانعتاق إلى حياةٍ روحيةٍ نورانيةٍ سامية، أي أن نتعدَّى ما هو زائلٌ وفانٍ للبحث عمَّا ما هو باقٍ وخالد.
إخواني وأخواتي الموحِّدينَ والموحِّدات، أنتم الأهلُ والأخوةُ والأحبّة، وإنّا وإياكم لعائلةٌ معروفية واحدة، أكنَّا في لبنانَ أم في سوريا أم في الجليل والكرمل أم في الجولان والأردن، أكنَّا مقيمين في أوطاننا أم منتشرين في بلاد الله الواسعة، فالتوحيدُ يَجمعُنا والقِيَمُ المعروفيةُ توحِّدُنا والهويّةُ الوطنيةُ المشرقيةُ مصدرُ اعتزازِنا، ونحن وإيّاكم نسيرُ معاً في رحلةٍ توحيديةٍ إنسانية واحدة، معاً نفرحُ ومعاً نحزن. الهمُّ واحدٌ والمصيرُ مشترَكٌ والوجودُ هو هوَ، هويَّتُنا موحِّدةٌ موحَّدة، وتاريخُنا واحدٌ موحَّد، وتراثُنا عزّةٌ وكرامة، وعيشُنا الأخويُّ مع إخواننا في الوطنيّةِ هو فوق الشُّبُهات، وإخلاصُنا للبلاد التي تحتضنُ انتشارَنا لا غُبارَ عليه.
رسالتي لكم أن تحملوا معكم أينما كنتُم رسالةَ الخير والتوحيد، تلك التي حملَها آباؤنا وأجدادُنا من السلفِ الصالح، وأن تُجسِّدوها بالتربية الصحيحة والتوجيه المسؤول والتثقيف الروحي لتثيبت الهوية الروحية التوحيدية، وبالتعاضد الاجتماعي والتآلف والتحابب لتمتين أواصر المجتمع والجماعة، وبالمشاركةِ الوطنيِّة الكفوءة لتأكيد حضورِنا الوطنيِّ ودورِنا الفاعل، وبالانفتاح على التطور العلمي والتقدُّم لإقامة توازنٍ دقيق بين الدين والعلم، كما بين التجديد والتقليد، فنحفظُ حقَّنا في الحريَّة ومواكبة العصر ونحافظُ على جُذوةِ الإيمان في نفوسِنا، وبالتالي نواجهُ التحديات بسلاحِ العلم والمعرفة وبقوَّة الإيمان واليقين.
إخواني، مهما كانت الصعابُ كبيرة والتحدياتُ الاقتصادية والمعيشية كثيرة، إلاّ أنها تهون بعون الله تعالى، وبتماسك المجتمعِ التوحيدي والإنساني، وبتعاضدِ الجميعِ والتزامِهم، وبتمسُّكنا معاً بواجب حفظ الإخوان، بما يعنيه من أصالةٍ وغِيرة واندفاعٍ وتضحية، فالعيدُ لا يكون عيداً إذا لم نزيِّنْه بالعطاء، والاغترابُ عندنا ليس تخلِّياً وهجراناً، إنَّما هو سعيٌ وجهادٌ لبناء المستقبل، وبناءُ المستقبل لا يتحقَّق إلّا ببناءالأسرة والمجتمع.
إنّ التّصدّي للمشاكل التي يرزحُ تحتها مجتمعُنا لا يُؤتي ثمارَه النافعةَ في واقع الفُرقة والتشتُّت، إنَّما في واقعِ الاجتماع والتثبُّت، وهذا ما نرجوه ونعمل عليه حثيثاً، من خلال استثمار قُدراتِنا المتوفِّرة وربّما من خلال تشكيل مجموعةٍ استثمارية قويّة تساهم في نهضة المجتمع وازدهاره وفي خلق الفرصٍ لشبابِنا للعمل والمساهمة في إزاحة وطأةِ الهموم عن أهلِنا، فالنّاسُ في عَوَزٍ وضيقة وينتظرون منّا ومن المسؤولين إنجازاتٍ تَرُدُّ إليهم بعضًا من الأمل ومن الحقوق المهدورة في بلادنا، ونحن وإيَّاكم في مركبٍ واحدٍ وعلينا إيجادُ سُبُلِ النجاة.
إنّنا لا نرى سبيلاً قويمًا في هذا الاتّجاه إلاّ عبر التكاتف حول برامجَ تعاضدية منظَّمة، وعبر الالتفافِ حول المؤسّسات الصحية والتربوية والاجتماعية الفاعلة في مجتمعنا وتعزيز الثقة بها ودعمِها.
رسالتي إليكم أيُّها الأحبَّة، أن تكونوا يداً واحدة قويّة، وأن تواجهوا الصعابَ بحكمة الشيوخ وعزم الشباب، وبالمزيد من التضامن والتكاتف، في عائلاتكم وقراكم ومجتمعاتكم، لتكونوا النموذجَ الصالح في حفظِ بعضكم بعضاً، وفي احترام القانون والنظام العام، وفي المشاركة في بناء الدولة الحاضنة للجميع، وفي نبذِ الفتن وتأكيد الوحدة الاجتماعية والوطنية والعمل في سبيل الخير العام.
نرجو الله سبحانه وتعالى أن يمدَّكم بالعون في أعمالكم، وأن يُقدِّرَنا وإيَّاكم هلى السعيِ الدائمِ لخلاصِ أنفسنا وحفظ عائلاتنا وصونِ مجتمعنا، وأن نكونَ وإيّاكم من الفرحين بالعيد فرحاً حقيقياً، والفائزين بسعادة الدنيا والآخرة... حفِظكم الله ووفَقكم لما فيه الخيرُ والوئام، والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاتُه.
أضحى مبارك، وكلُّ عامٍ وأنتم بخير.