2023-03-22
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، الحمد لله الذي جعل شهر رمضان على سائر الشهور سيّدا، وكمّل فيه الفخر فجعله للبركات والخيرات موردا وشرع لعباده الصيام لتهذيب نفوسهم وتطهيرها من الآثام، أحمده تعالى على نعمه حمدا كبيرا.
أما وقد أطلَّ شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن الكريم "هدىً للَّناس وبيِّنات من الهدى والفرقان"، فإَّننا نستذكر واَّياكم ما خاطب به القرآن الكريم المؤمنين بقوله تعالى: "يا أَيها الَّذين آمنوا كتب عَليكم الصيام كما كتب عَلى الذين من َقبلكم َلعلَّكم تتَّقون"، للتأكيد بأَّن الصيام فريضة وفضيلة، فيه مساواة بين الناس، وفيه صفاء القلوب وضمارة الجوارح، وفيه التنبيه على واجب الإحسان إلى الفقراء والالتجاء إلى الله وشكره على ما تفضّل به من نعم. قال رسول الله (ص): "لكل شيء زكاة، وزكاة الأبدان الصّيام"، وقالت السيدة فاطمة الزهراء (ر): إنَّ الله. جعل الصّوم تثبيتاً للإخلاص"، ذلك لأن في الصوم جهاداً، هو جهاد النفس بقهر شهواتها، وهو باب للعبادة، وسبيل "للارتقاء من حضيض حظوظ النفس البهيمية إلى ذروة التشبه بالملائكة الروحانية".
وكما يتفاضل الناس في درجات إيمانهم وأعمالهم، كذلك فهم يتفاضلون في درجات الصوم، إذ هي ثلاث درجات: صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص. أما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة، وأما صوم الخصوص فهو كف السَّمع والبصر واليد والرِّجل وسائر الجوارح عن الآثام، وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنيّة والأفكار الدنيونَّية، وكفه عما سوى الله بالكلِّيةُّ".
أيها المسلمون المؤمنون،
ليكن دعاؤنا جميعاً في شهر رمضان الفضيل وعلى مشارف ليلة القَدر المباركة في العشر الأخير من لياليه أن يلهمنا الله تعالى التوبة الخالصة والكلمة الطَّيبة والعمل الصالح والارادة القويّة لعمل الخير والارتقاء الدائم في مسلك التوحيد والعرفان، وان يلهم المسؤولين في اوطاننا والعالم لخير السبيل بنشر المحبة والسلام والطمأنينة والاستقرار العام، بدلا من بث الاحقاد والنزاعات، في ظل الاخطار الجاثمة والتهديد بالحروب والصراعات.
اما في لبنان، فالمطلوب من جميع المعنيين ان يتّقوا الله في بلدهم ويحتكموا إلى الضمير الوطني والانساني والى الدستور والقانون والمؤسسات ويبادروا الى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة قادرة من أكفّاء، من أجل وقف الانهيارات المتسارعة لكل اسس ومرتكزات الدولة، والاصغاء الى آلام الشعب وحاجاته، الذي يفقد كل يوم المزيد من مقوّمات صموده وأمنه المعيشي والغذائي والحد الأدنى من استمراره في الحياة. ومن غير الجائز السكوت عن الواقع المؤلم بحق مصير بلد وشعب كما هو حاصل اليوم، علّهم يعملون لاعادة شيئ من الثقة، للحفاظ على الدولة وصون الوطن والتوّجه الى الله سبحانه وتعالى بنوايا الخير والبناء، إَّنه هو السميع المجيب.