المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الاثنين ٢٣ كانون الأول ٢٠٢٤ - 21 جمادي الثاني 1446
نص رسالة مشيخة العقل إلى الإخوان الموحِّدين في اجتماع "خلوة القطالب"، بعذران – الشوف، ‏بتاريخ 28-10-2022‏

2022-10-29

بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدِ المرسَلين وأشرف الخَلق أجمعين، وعلى إخوته ‏الطاهرينَ الطيبين.‏
اللهمَّ اغفرْ لنا ذنوبنا واسترْ عيوبنا وسامحنا في ما قصَّرنا به من عمل، وسدّدُ نوايانا دائماً للخير، ‏واغمرنا بلطفك وعطفك وفيض عطائك، إنَّك أنت الغفورُ الرحيم والجوادُ الكريم.‏
اللهمَّ إنَّنا نتوسَّلُ إليكَ بساداتِنا الشفعاءِ وأسيادِنا الأصفياءِ أن تقدّرَنا على النهوض بأنفسِنا أولاً، ‏وبمجتمعِنا التوحيدي ثانياً، ويسِّرْ أمرَنا لجمع الشمل وحفظ إخواننا في مسلكِ الحقِّ والتوحيد، وثبِّت ‏عزائمَنا لإعزاز الدينِ وأهلِ الدين وصَون المجتمع من كلِّ شرٍّ مُهين.‏
 
المشايخُ الأفاضل، إخواني الموحِّدين،
بعونه تعالى، وببركة المصطفى الأكرم وصحبه الكرام، وبنيَّةِ الخير وإرادة الجَمع، نلتقي هذه الليلةَ ‏في رحاب خلوة القطالب المبارَكة، خلوةِ الأسيادِ الأطهار والأخوةِ الأبرار، لنتبارَكَ من عَبَقِ الذِّكر ‏الطيِّب في فسيح أرجائها، وشذا الأنفاس العَطرة في محاريب صلواتها، وهي تمثِّلُ لنا ما تُمثِّلُ من ‏إرثٍ روحيٍّ ومكانةٍ توحيديّة وواحةٍ معروفيِّة، وهي عندنا وعند مجتمع الموحِّدين، كما البيَّاضةُ ‏الزاهرة، منارةُ التوحيد وجامعةُ الإخوان وملتقى قلوبِهم وإراداتِهم، وهي الأملُ المتجدِّدُ يومَ تحتاجُ ‏الطائفةُ المعروفيَّةُ إلى عباءة الطُّهرِ والتقوى، وصوتِ العقل والحكمة، ونبرة الثبات والعنفوان، ‏وهي الدرعَ الحاميةُ من العوادي والحرزُ الواقي للجبلِ الأشمِّ، بموقعِها المُطلِّ من عَلٍ، وتراثِها ‏الزاخرِ بالكرامات والمكرُمات، وطيبِ نوايا شيوخِها وإخلاصِهم ووفائهم.‏
 
في رحاب القطالب، وبين إخوةٍ أعزَّاء، يَطيبُ لنا أن نتذاكرَ ونذكِّرَ بأنَّ الحقَّ الذي نرجوه ونرنو ‏إليه ليس إلَّا "عقائدَ صالحة وأعمالٍ طاهرة ونيَّاتٍ طيِّبة" كما هو مأثورٌ عن الأمير السيِّد (ق)، ‏والذي يُريدُ الحقَّ ويعملُ الحقَّ فإنَّه يُقبلُ إلى النور، ونحن وإيَّاكم لا نتوخَّى سوى الحقِّ ولا نخشى ‏من الإقبال إليه، مستغفرين اللهَ بقلوبٍ خاشعة وتائبين إليه بنوايا طيِّبة، مُستجيرين به تعالى من ‏الحَيرة والفَقر، لأن الموحِّدَ الشجاعُ يختارُ ولا يحتار؛ يختارُ الطريقَ الصحيحَ والصراطَ المستقيم، ‏متّكلاً على الله سبحانه وتعالى بما يختزنه في عقله وقلبه من معرفة ومن صفاء، مُدركاً أنّ "التوكُّلَ ‏ثمرةُ المعرفة، والمعرفةَ ثمرةُ صفاء القلب وتنقيتِه من الأكدار"، كما يقول الأميرُ السيِّد (ق) كذلك، ‏مؤكِّداً أن "النفسَ إذا صفت لاح فيها جمالُ التوحيد" تماماً كما ينعكسُ جمالُ البدر على صفحات ‏القلوب الصافية، وتلك هي نقطةُ الانطلاق وبوَّابةُ العبور نحو السعادة.‏
 
وعلى قاعدة الحكمة القائلة في غير مكان: إنَّ "اللهَ لا يحتجبُ عن خَلقِه لكن أعمالَ الخلق حجبته ‏عنهم"، وإنَّ على المرء أن ينزعَ الخطايا من بين أضلعِه ليستجيبَ اللهُ له، وليُرسلَ السماءَ عليه ‏مِدراراً، علينا أن ننظرَ إلى الأمور بواقعيةٍ وتواضُع واعتراف، فلا ندَعُ أعمالَنا تحجبُنا عنِ الله، بل ‏ننزعُ الخطايا والآثامَ من صدورِنا، ونحذَرُ من أن تستفزَّنا الألسنُ الكاذبة وتَحرفَنا عن الصواب، ‏ونتوقَّى من غلَبة الشهوات والأهواء، ونتغاضى عن الإساءات، وننأى عن مناكفة بعضِنا بعضاً، ‏ونُدركُ "أن أعمالَنا تُرَدُّ إلينا" فنُرجِعُ الأمور إلى أنفسِنا لا إلى الآخرين، ونتيقَّنُ أننا إذا أخلصنا لله ‏فإنَّ اللهَ يُخلِّصُنا ويَرفدُنا ويرأفُ بنا، تماماً كما يخلِّصُ المُضطهَدَ المسكينَ من عثرتِه، ثم يُعينُه ‏ويُعطيه ما يحتاجُه للمُضيِّ قُدُماً إلى الخير، ثم يأخذُ بيدِه ويُساعدُه عليه.‏
إخواني، فليكُنِ اجتماعُنا الديني دائماً موجَّهاً إلى غايةٍ توحيديةٍ نبيلة، وغايةُ اجتماعِنا استنهاضُ ‏بعضِنا بعضاً إذا ما ضعُفت الهِمم، وبلسمةُ الجراح إذا ما وُجِدت، وتمتينُ الروابط الأخوية إذا ما ‏تراخت. ألسنا نُردِّدُ الوصيَّةَ كلَّ يوم بوجوب معاداة من ضامَ إخواننا وعيادة مرضاهم وبِرِّ ضعفائهم ‏ونصرتهم وعدم خذلانهم، فهل أننا نعملُ بتلك الوصيّة؟ وإذا كنَّا نلتزمُ ببعضها، ولو بحدِّه الأدنى ‏وكلٌّ على قدر طاقتِه ومسؤوليتِه، فهل أننا نحترمُ الوصيةَ الرابعة فننصرُ أخانا ولا نَخذلُه؟ أم أنَّ ‏بعض عصبياتِنا وانتماءاتِنا العائلية والغرضية تمنعُنا من نُصرته؟ وهذا ما لا يليقُ بنا كموحِّدين، ‏ولا يجوزُ أن نقبلَ به كمسؤولين.‏
إخواني، ليس هناك من موحِّدٍ صادقٍ إلَّا ويفرحُ لفرح الإخوان ويتألَّمُ لألمِهم، وليس هناك من أخٍ ‏يغتبطُ إذا ما تعرَّض أخوه لإهانةٍ أو إساءة، وإذا ما حصل ذلك فيستدعي منه التوبةَ الخالصة ‏والإنابةَ الصحيحة، بل يَحثُّنا ذلك لتدارُكِ الأمور والتصرُّف بتعقُّلٍ وحكمة عند اختلاف الدوَل ‏وتسلُّط الظالمين وتعمُّد الإساءات، وليتحمَّلْ كلُّ مسؤولٍ مسؤوليتَه وليعلَمِ الجميع أنَّ "مَن يُطابقُ ‏على إخوانِه فاللهُ لا يُوفِّقُه"، كما كان يردِّد كبيرٌ من شيوخِنا الثقات المرحوم الشيخ أبو حسن عارف ‏حلاوي، أمَّا نحن فما علينا إلَّا الصبرُ والاحتمال والحذر، فذلك أَولى وأجدر.‏
 
المشايخُ الأفاضل، إخواني الكرام
ما يواجهُنا من مسائلَ على المستوى الواقع الديني في مجالسِنا ومجتمعِنا يدعونا إلى التمسُّك بنهج ‏السلف الصالح وخواطر المشايخ الثقات الأجلَّاء، كما يدفعُنا في الوقت نفسِه للتفكير بضرورة ‏التنظيم ودرس ذلك الواقع المنظور وتلك الخواطر الشريفة بتمعُّنٍ ودراية، فنحافظ على الثوابت ‏ونحاول التعاملَ بحذرٍ ودقَّة مع المتغيِّرات، بما يتطلَّبُه الأمرُ من حكمةٍ وتفاهم، فلا نخرج عن ‏الاقتداء بالمسلك الشريف ولا نترك الأمور في مجالسِنا ومجتمعِنا عرضةً للتجاذب والتساؤل ‏والمزاجية والآراء المتناقضة، بل نضعُ القواعدَ والضوابطَ التي تُقيمُ التوازنَ بين ما يجب الحفاظ ‏عليه وبين ما يجب تعديلُه إذا اقتضت الحاجة، وهذا الواجبُ المأمولُ منّا القيامُ به رهنٌ بصفاء ‏نوايانا جميعاً وتفاهمنا وحسن تدبيرنا.‏
 
إخواني الأفاضل، لدينا الكثيرُ ممَّا يتوجَّبُ علينا القيامُ به على أكثرَ من مستوى وفي أكثرَ من ‏مكان، ونحن نسعى جَهدَنا لخدمة أهلِنا وشدِّ أزرِ إخوانِنا ورفعِ شأن طائفتِنا، ولعلَّ الظروفَ الصعبةَ ‏التي تمرُّ بها البلاد والعباد، ومهما قست، تكون حافزاً إيجابيَّاً لنا للمزيد من التشبُّث بالمعتقَد والقيَم ‏والتراث والأرض، ولعلّنا جميعاً نُدركُ أنّ الصعابَ تُجوهرُ النفوسَ الموحِّدة، وأنَّ شجاعةَ المؤمنُ ‏تتجلَّى في أيام المِحن، وأنّ االله سبحانه وتعالى يكونُ بعَون المؤمن ما دام المؤمنُ بعون أخيه.‏
وآخرُ الكلام طلبُ صفاء الخاطر وحسنِ الظنّ، والدعاءُ القائل: اللهمّ حصِّن بالعقلِ أخلاقَنا ‏وبالأخلاق عقولَنا واجمعْ شملَ إخوانِنا الموحِّدين، وأعِنّا بالقيام على قضاء حقوقِ المُستضعَفين، هذا ‏هو دعاؤُنا الدائم، وهذا هو رجاؤُنا القائم، والله تعالى هو السميعُ المُجيب.‏
والحمدُ لله ربِّ العالمين، والسلامُ عليكم أجمعين. ورحمةُ الله وبركاتُه.‏