المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الجمعة ١٥ تشرين الثاني ٢٠٢٤ - 14 جمادي الأول 1446
سماحة شيخ العقل ووزير الثقافة جالا على مواقع اثرية تأكيدا على الدور الثقافي للشوف

2022-10-24

قام سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ابي المنى ووزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى بجولة ثقافية على عدد من المواقع التراثية والتاريخية في منطقة الشوف، تأكيدا على الدور الثقافي والتراثي للمنطقة وتشجيعا لتطويره، وشملت محترف عساف التراثي في الورهانية ومحمية ارز الشوف الطبيعية حيث تم غرس ارزة باسم سماحة شيخ العقل ابي المنى وقصر آل حمادة في بعقلين ومكتبة بعقلين الوطنية بمناسبة تكريم الاستاذ شوقي حمادة.
 
واستهل سماحة الشيخ ابي المنى والوزير المرتضى الجولة من محترف عساف حيث اقيم لهما استقبال من تنظيم الاخوة عساف ومنصور وعارف اصحاب المشروع، بمشاركة رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي الشيخ عماد فرج واعضاء من اللجنة والمجلس المذهبي والمستشارين والمشايخ رافق سماحته، الى جانب مدير مكتبة بعقلين الوطنية غازي صعب والمجلسين البلدي والاختياري في البلدة وشخصيات وفاعليات وممثلين عن جمعيات واندية ثقافية واجتماعية من المنطقة، كما شارك مع الوزير في الجولة وفد من الكونسرفتوار الوطني برئاسة السيدة هبة قواص.
 
انطلقت الجولة في ارجاء المحترف من امام تمثال ضخم من النحت للمعلم الشهيد كمال جنبلاط، وقد تولى الفنان منصور عساف شرح مراحل انجاز العمل به لمدة 4 سنوات واستخدام صخور تزن نحو 120 طنا بالتعاون مع شقيقيه الفنانين عساف وعارف، الى كلمة رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي الشيخ فرج قائلا: " ويحك يا تلال، ما دهاكِ، ما حل بك، أراك تتراقصين فرحاً وابتهاجاً وتنحدرين الى الودايا، تعزفين لحن الجمال والابداع وتترنمين طرباً بأنغام الحقول والبساتين. ترى ماذا حل بهذا الجبل بتاريخ اليوم،
فأجابت التلال مستهزئة، كيف لا أقيم الدنيا وأقعدها وسماحة الشيخ السامي حل في ديارنا وغمرتنا بركته ولفّنا حنانه، ومعالي الوزير المرتضى، اغدق علينا رعايته، وهو حبيب الرضا، وجموع الفنانين والمثقفين والاحباب تجمعت في أول المسيرة هذا اليوم في متحف عساف".
اضاف: "الأخوة عساف ومنصور وعارف مبدعون، مصمّمون، خالدون في ذاكرة الفن والجمال والابداع. اعطاهم ال... موهبة، فصقلوها بحسهم المرهف، وتعاملوا مع الصخر بحنان وليونة تارة وبقسوة وعنف تارة أخرى. بحسب حسن اخلاق الصخر وتجاوبه والتزامه موهبة الفنانين. إن العمل الدؤوب الذي تحيز به الأخوة الفنانون، أثمر ثماراً كثيرة غلالاً وفيرة. وها هو متحفهم أخاله قطعة من جنان الخلد نحلم أن نسكنها وإياكم في رضا الخالق. إن الثقافة في لبنان بحاجة الى دعم مادي ومعنوي، وخاصة النحاتين والرسامين، فنأمل ونطالب معالي الوزير بتخصيص مكافأة مادية لكل صاحب مشغل على هذا المستوى. ونسأل سماحة الشيخ الدكتور سامي ابي المنى ان يتابع تشجيعه للفن الملتزم وللثقافة لأننا نعتبره الأب الروحي للمثقفين كما هو الأب الروحي لأبناء الجبل وبني معروف".
 
وختم: "سلام من اللجنة الثقافية إلى الفنان عساف عساف والى إخوته نتمنى لكم التوفيق، كما نتمنى نشر الثقافة بكل جوانبها في ارجاء الوطن".
 
 
بعدها قصد سماحة شيخ العقل ووزير الثقافة والحضور احد اقسام النحت الاساسية التي جرت لشخصيات لبنانية وعالمية فكرية وثقافية وفنية مع شرح من الاشقاء الثلاثة حول بعض التفاصيل والادوات المستخدمة، مرورا بأجنحة العرض لأجزاء منها عبر اقبية وممرات داخلية تحت الارض والمنحوتات الصخرية التي تتمازج مع الطبيعية على شكل المجاري والبرك المائية والغرف والردهات والمجسمّات المختلفة التي قام بنحتها الاشقاء الثلاثة لتطبع ابداعهم الفني والحرفي على كثير من محاور المحترف، انتهاء بلقاء تحت سنديانة تاريخية حيث كانت كلمات مقتضبة من اصحاب المحترف والاصدقاء والمشجعين شكرت مبادرة سماحة الشيخ ابي المنى والوزير المرتضى وتقديرها تشجيعهما المراكز التراثية والثقافية في المنطقة.
 
شيخ العقل
ورد سماحة شيخ العقل بكمة حيّا فيها "اصحاب المحترف على عملهم الفني والنحتي الذي يعكس حفاظهم على تراث الاجداد الذين اتوا الى هذه الارض لحماية الثغور فليّنوا الصخور والوعر وعاشوا على هذه الارض وثبتوا فيها دفاعا عن مشرقهم العربي والاسلامي، وانتم بعملكم هذا وكأنكم تثبتون رسالة الآباء والاجداد. بارك الله بكم وبجهودكم وقد تعرفنا عليها سابقا من موقعنا في مؤسسة العرفان التوحيدية وتعرّفنا ايضا اليوم من موقعنا في مشيخة العقل وبصحبة معالي وزير الثقافة ولكي نؤكد بأن للثقافة دورا يجب ان لا نهمله كما للسياسة وغيرها، ولكن الثقافة وجه لبنان ورسالته الحضارية، تستحقون كل الشكر والدعم، وان شاء الله يرى المسؤولون ماذا تفعلون".
 
وزير الثقافة
ثم القى الوزير المرتضى كلمة توّجه خلالها الى الشيخ ابي المنى بالقول "سماحة شيخ الوعي"، الثقافة هي الهوية ولكنها بنفس الوقت الوسيلة والاداة للتعامل مع كل الازمات التي يواجه بلدنا والسبيل الى الوعي والوظيفة الملتزمة".
اضاف: "زيارة الجبل الاشم اليوم لكي نستحضر اجدادنا في أي ظروف وصلوا الى هنا وثبتوا واستلهام ما هو المطلوب منّا كلبنانيين على تنوّعنا، وموجب لبنان ككيان سياسي مستقل ان يكون ملاذا لهذه المجموعات التي لا مكان آخر لها على وجه الارض، السبب الموجب للبنان التنوع مما يفرض علينا جميعا رغم السعي الحثيث لبث حال الاحباط والقنوط في نفوسنا لكي نعي. وبلدنا رغم كل المرارات لا شيء يرقى الى جماله وروعته وتنوعه، سنكمل رغم كل الظروف والوسيلة للاستمرار ان يعي الجميع بأن وظيفته ان يحفظ الكل ويطمئنهم ويفرح بهم".
 
وختم: "سماحة الشيخ نحن على هديك بكل ما للكلمة من معنى ونعي بان دوركم على قدر من الاهمية فنحن الى جانبكم، ولآل عساف منصور وعساف وعارف كل التقدير للاعمال والثبات والاصرار".
 
غابة الباروك
وتوّجه سماحة شيخ العقل ووزير الثقافة والوفد المرافق الى محمية ارز الشوف حيث اقيم استقبال ترحيبي على مدخلها بمشاركة الشيخ ابو نعيم محمد حلاوي والنائب العام لابرشية صيدا المارونية الخور أسقف مارون كيوان والاب ايلي كيوان ونائب رئيس بلدية الباروك سهيل حلاوي واعضاء من المجلس البلدي ومخاتير البلدة وفاعليات وشخصيات، وقصدا بعدئذ مكان شجرة الارز الاولى في غابة الباروك ضمن محمية ارز الشوف ليغرس الشيخ ابي المنى شجرة ارز في مكان مميز حملت اسمه بالقرب من الشجرة التاريخية التي طُبعت صورتها على العملة اللبنانية وتسلّمه شهادة تقديرية بالمناسبة، بمشاركة الوزير المرتضى والوفد المرافق ومدير المحمية نزار هاني وفريق العمل.
وقد القى هاني كلمة ترحيبية مؤكدا على "فخر الارز الخالد بشيخ العقل وما يستحقه من تقدير للدور الروحي والوطني الكبير الذي يقوم به وفي تكريمه بوضع ارزة لبنانية ضمن هذه الغابة التاريخية التي تعزز تاريخ وتراث ابناء الجبل ومنها الى العالم"، مشيرا الى "اهمية شجرة الارز الموجودين بقربها التي يفوق عمرها 500 سنة، ضمن تنوع بيولوجي يتضمن نحو 1400 نبتة مكتشفة وانواع الحيوانات والطيور حيث الممر الالزامي لها من المكان، بمساحة 5 في المئة من مساحة لبنان، والامتداد الحيوي والآخر جنوب الكرة الارضية، نحافظ على كل هذه القيمة البيئية والسياحية والتراثية بالتعاون مع المجتمع المحلي المحيط ".
 
شيخ العقل
ورد شيخ العقل بكلمة شكر فيها ادارة المحمية على المبادرة بغرس ارزة باسم سماحته، قائلا: "الارزة هي رمز لبنان رمز الصمود والثبات والشموخ والعنفوان وتعني بأغصانها الانفتاح والامتداد كما هو لبنان الرسالة كما قال عنه قداسة البابا، هذا الوطن الذي ينمو ويصمد رغم كل التحديات والاعاصير تماما كما هي الارزة في جبل الباروك وكل مكان، وكل من تُزرع ارزة باسمه يجب ان يحمل رسالة لبنان، وتأكيدا على ما نحمله من رسالة لبنان والثقافة والثبات والصمود مهما كانت التحديات والحفاظ على الانفتاح".
وختم شعرا:"
الارزُ يَنمو قويّـاً أينما نُصِبا، والمؤمنُ الصَّلبُ يَرقى كُلَّما نُكِبا.
والناسُ صِنفانِ: عبدٌ عاش مُحتَقَــراً،
وسيِّدٌ عاش مثلَ الأرزِ مُنتصِبا.
إنْ تزرعوا أرزةَ الباروكِ لي، فهنا محميَّةُ الشوف تَحمي مَن لها انتسَبا.
أدعـــو إلى اللهِ أن تَمتـدَّ أَضلُعُها بالحُبِّ دوماً، وتَعلو عِـــزَّةً وإبــا
"عباءتي الأرزُ"، لمَّا قُلتُها وصلتْ إلى القلوبِ، وقلبي نبضُه كتَبا:
"مَنْ لا يُخلِّدْ بفعلِ الخيرِ سيرتَه، لا يَستحقَّ خلودَ الأرزِ لو رَغِبا"
 
بعقلين
 
وشملت جولة شيخ العقل والوزير المرتضى قصر ال حمادة في بعقلين حيث كان في استقبالهما والوفد المرافق عضو اللقاء الديموقراطي النائب مروان حمادة ورئيس البلدية عبد الله الغصيني ومسؤول الحزب التقدمي الاشتراكي في البلدة المهندس وائل الفرّاجي وفاعليات وشخصيات من العائلة والبلدة، وجرى الاطلاع على القصر الاثري ومحتوياته المهمة لا سيما مخطوطاته التاريخية بعد شرح قدّمه في هذا الاطار المسؤول طلعت حمادة بما يتضمن من صور ورسومات ووثائق وباقي المحتويات.
 
تكريم حمادة
وشارك سماحة شيخ العقل بعد ذلك في الاحتفال التكريمي الذي اقامته مكتبة بعقلين الوطنية للاديب شوقي اليوسف حمادة برعاية وحضور وزير الثقافة القاضي المرتضى ومشاركة عدد كبير من الادباء والشعراء والمفكرين ورئيس مؤسسة العرفان التوحيدية الشيخ نزيه رافع ومديرة الكونسرفتوار الوطني هبة قوّاص ومدير المكتبة غازي صعب وحشد من الاهالي.
 
وبعد كلمة من الاديب ميشال كعدي باسم اصدقاء المكّرم، منوّها بمسيرته الثقافية والادبية على مدى خمسين عاما من نشر الفكر على المنابر والمنتديات"، وبأبيات شعرية ضمن قصيدة معبّرة، كانت كلمة لسماحة شيخ العقل جاء فيها:
 
 
 
 
"قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ". صدق اللهُ العظيم
 
صاحبَ المعالي، الأخُ المكرَّم، أيُّها الأُخوةُ والأحبّة،
نلتقي اليومَ لتكريم الأستاذ الألمعيّ شوقي حمادة، وتكريمُه تكريمٌ لأهلِ الأدب الصحيح واللسان العربيِّ الفصيح، كيف لا؟ وهُو مَن أُعطيَ العلمَ فقدَّر، ووُهِبَ الفضلَ فشكر، وهُو اللائذُ منذ البدء في حِمى الإسلام والتوحيد، والعارفُ بصدقٍ أن ربَّه غنيٌّ كريم، لعلَّنا في هذا اللقاء نبتعدُ معاً، ولو قليلاً، عمَّا نشهدُه في بلدِنا من فسادٍ ويأسٍ وانهيارٍ سياسيٍّ وأخلاقيٍّ واجتماعيٍّ واقتصاديّ، فنعيشُ لحظةً من الأمل والرجاء وحالةً من الصفاء والارتقاء.
 
أمَّا حضورُنا في مكتبة بعقلينَ الوطنية معَ نخبة أهل الأدب والثقافة فأمرٌ طبيعيٌّ وواجبٌ أخلاقيّ، من أيِّ موقعٍ أتينا، أكان من موقع شخصيّ، أم من موقعٍ تربويٍّ عرفانيّ، أم من موقعٍ ثقافيٍّ أدبيٍّ، أم من موقعٍ دينيٍّ وحواريّ، أم من موقعِ اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي، أم من موقع مشيخة العقل التي تحتضنُ كلَّ ذلك الإرثِ وتحتضنُ كلَّ ذلك التكريمِ وكلَّ تلك المواقع، فالثقافةُ عنوانٌ أساسيٌّ في مهمّتِنا والمكتبةُ جزءٌ عزيزٌ من مسيرتِنا.
 
في مكتبةِ بعقلين الوطنيةِ نجدُ ضالَّتَنا الثقافيّة، وفي بعقلين نرى عمقَنا الروحيَّ مُستمَدَّا من تاريخِها التوحيديِّ والوطنيّ ومن مَعينِ شيخِنا الجواد والمشايخِ الأجلَّاء، وقد رافقنا حدَثَ افتتاح المكتبة باندفاعٍ وعنفوان منذ أن تحوَّلَ المكانُ من سجنٍ مُغلَقٍ إلى مِنبرٍ ثقافي، فكنَّا دائماً من المعتزِّين بافتتاحِه والمساهمين في انفتاحِه، ولم نكن يوماً بعيدين عن إدارة المكتبة وعن مناسباتِها وعن كتبِها، وهي التي شكَّلت لنا واحةً للعلم والمعرفة والثقافة، وكانت المتنفَّسَ الروحيَّ والفكريَّ والنفسيَّ لأبناء الجبل المتعطِّشينَ للمعرفة، ولغيرِهم من الطلاب والباحثينَ الذين ارتادوا قاعاتِها وتفاعلوا معَ نشاطاتِها على مدى عشرات السنين، والتي عادت لتنطلقَ اليومَ من جديد، لا سيَّما في ظلِّ وزارةٍ راعية ساهرة ووزيرٍ متميِّزٍ برؤيتِه واندفاعه واحتضانه للحركة الثقافية على امتداد الوطن، ودائماً وأبداً بدعمٍ ومساندة أبوية رؤيويّةٍ من ربِّ البيت وصاحبِ الدار الأستاذ وليد بك جنبلاط.
 
في مكتبة بعقلينَ الوطنية نختتمُ جولةَ اليومِ الثقافيةَ في منطقة الشوف، بعد أن تعذَّر علينا للأسف بدؤُها منذ أيام بزيارة متحفَي العرفان وكهف الفنون كما كان مقرَّراً، واللذَين يعنيانِ لنا الكثيرَ بما يحتويانِ من كنوزٍ تراثيَّةٍ فنيَّةٍ رائعة؛ هذه الجولةَ التي نظَّمتْها لنا اليومَ إدارةُ المكتبة واللجنةُ الثقافية في المجلس المذهبي مشكورتَين، وكان لنا الحظُّ والشرفُ بمتابعتِها ومعالي وزير الثقافة، ليكونَ مسكُ ختامِها رعايةَ وتكريمَ أديبٍ من أدبائنا، ولغويِّ من جهابذة اللغة عندنا، وباحثٍ متعمِّقٍ في العلوم اللغوية والإسلامية، وكاتبٍ دقيقٍ رقيق، وخطيبٍ مُفوَّهٍ بارع، رصينِ العبارة، عذبِ اللفظِ والنُطق، معروفٍ بفصاحته وبلاغته وخطِّه اليدويِّ المنسَّقِ الجميل الذي أتحفني به مرَّاتٍ عدَّة، كما أتحف به العديدَ من أصدقائه عبر رسائلَ قصيرةٍ معبِّرة مضموناً وأسلوباً ومظهراً، وبكثيرٍ من الأدب والتهذيب والدقَّة والإيجاز، وهو القائلُ لنا مراراً، تذكَّروا أُخوتي دائماً أنَّ "الإعجازَ في الإيجاز".
 
الأستاذ شوقي اليوسف حمادة، لمعَ اسمُه باكراً، وعرفناه أوَّلَ ما عرفناه في مطلعِ فتوَّتِنا وشبابِنا على صفحات مجلّة الضُّحى يوم كان أميناً على بعض صفحاتِها ومؤتَمناً ومستشاراً لدى علمٍ من أعلام الموحدينَ الدروز المرحومِ الشيخ محمد أبو شقرا شيخِ العقل الأرفع للطائفة آنذاك، والذي أدرك ما يختزنه ذلك الشابُ القادمُ من جامعة الأزهرِ في القاهرة من نبوغٍ وثقافةٍ عالية، والمتقدِّمُ على سواه ممَّن تخرَّجوا وتخصَّصوا في اللغة والفقه والأدب، فاحتفى الشيخُ الوَقورُ بالشابّ الأزهريِّ الواعد، واغتنى الشابُّ الرزينُ المتحدِّرُ من عائلةٍ معروفيّةٍ عريقةٍ بحكمة الشيخ وصدق حَدسِه وحُسن رعايتِه.
شوقي حمادة لا أنسى أنَّك شجّعتنا في البدايات، وشددتَ على أيدينا، وزوّدتنا عند الحاجة بمعلومات مفيدة من لدنك، شعراً ونثراً، أدباً وتاريخاً، لذا أحببتُ أن أكونَ معك وإلى جانبِك في حفل تكريمِك، وأن أكونَ إلى جانب أحبَّائي في بعقلينَ والشوف، لأكثرَ من سببٍ ودافع، ليس بدافع المحبة منّي شخصياً وحسب، ولا بدافع التقدير والوفاء من مشيخة العقل فقط، ولا حصراً بدافع حضورِ معالي وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى ورعايتِه الكريمة، وهو الواسعُ الأُفُقِ والمعرفة والثقافة، ولا بما تَعنيه لي مكتبةُ بعقلينَ الوطنيةُ من رمزيّةٍ ومكانة، بل لكلّ هذه الدوافعِ والأسباب وأكثر، حملتُ حبِّي وتقديري، مرتدياً عباءتي الروحية، وأتيتُ إليكم لأقفَ معكم شاهداً على تكريمٍ مستحَقٍّ لرجلٍ مستحِقّ، ولَعمري فإنَّ في ذلك بعضَ الوفاء ونفحَاً من رسالةٍ أحملُها في مشيخة العقل ونحملُها في اللجنة الثقافية وفي المجلس المذهبي، رسالةِ انفتاح الدين على المعارف والعلوم، ورسالةِ الارتقاء بالثقافة إلى أن تكون سبيلاً لتحقيق عالَمٍ أكثرَ إنسانية، وفي ذلك تلتقي الرسالتان؛ رسالةُ العلم والثقافة ورسالةُ الدين والتوحيد".
 
وختم سماحته: "شكراً لك معالي الوزير على رعايتِك والتفاتتِك الكريمة، شكراً لك حضرةَ مدير المكتبة، شكراً لكم إخوتي في اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي، ومبارَكٌ التكريم لنا ولكم جميعاً ولبعقلينَ العزيزةِ، ولابن بعقلين البار الذي أراه مكرَّماً بما هو كامنٌ فيه من صفات، لا بما نُضفي عليه من مواصفات، ولذا أسمح لنفسي أن أُهديَه بيتينِ من الشعر ختاماً، فأقول:
شوقي لشوقي كشوقِ العينِ للهُدُبِ،
شوقي كتابٌ، وبي شوقٌ إلى الكُتُبِ
شوقي كجمرٍ تراهُ كامناً، فإذا نفختَ فيهِ تجلَّتْ روعةُ اللَّهَـبِ
تحيةً لكم، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه.
 
 
المرتضى
ثم القى صاحب الوزير القضاي المرتضى كلمة جاء فيها: "للباحثين أن يتحيروا ما شاؤوا في معنى اسم بعقلين، وأن يختلفوا في نِسبة جَذْرِهِ إلى السُّريانيةِ أو العربية أو سواهما، وأن يتأوَّلوا تاريخَها وأخبارَها على النحوِ الذي يريدون؛ أما بالنسبة لي أنا، كوزير للثقافة في الجمهورية اللبنانية، فتكفيني منها صفاتٌ ثلاثٌ، لا أظنُّها اجتمعَت في أيِّ مدينةٍ أو بلدةٍ أو دَسْكَرَةٍ أخرى من أرض لبنان.
أولُها أن بعقلين "مدينةُ التواصل الثقافي"، سُمِّيَت هكذا بموافقةٍ رسمية من وزارة الثقافة، منذ عشرين عامًا بالتمام والكمال. وأن هذه التسمية، كما نقول في علم القانون، ذاتُ مفعول إعلانيٍّ لا إنشائي، أي أنها جاءت وصفًا لواقع الحال الذي وَسَمَ حَراكَها الثقافيَّ على امتدادِ سنين، في مجالات كثيرة أَخُصُّ منها، وفقط، في معرِضِ مناسبة هذا اليوم، مجالَ الأدبِ العربيّ شعرًا ونثرًا وعلومَ لغة، منذ أيام الشيخ أحمد تقي الدين شاعر القضاة وقاضي الشعراء، بل قبله، مرورًا بكبارٍ تضيق الدنيا بسَعَةِ أسمائهم، وصولًا إلى شوقي حمادة الجالس سعيدًا على أريكةِ الضاد.
وأما الصفةُ الثانيةُ فهي أن بعقلين في هذا الشرق المصفَّدِ بقيودِه الكثيرة، هي الموضع الأول، والوحيد على ما أعلم، الذي تحول فيه السجن إلى مكتبة. "افتَحْ مدرسةً تغلقْ سجنًا" شعارٌ عكستْه مدينةُ العقل، مفرَدًا ومثنًّى وجمعًا، ثم جسَّدَتْه حقيقةً تدركُها الحواس. هل لحجارة هذا الصرح أن تحكي لنا عن أثر انتقالِها من الضوضاء إلى السكينة، ومن العقابِ إلى الكتاب، ومن المـَحاضِرِ إلى المـُحاضِر؟؟
تبقى الصفة الثالثة التي يتمتع بها، بالاشتراك مع بعقلين، بنو معروفٍ كلُّهم، إرثًا نقيًّا يتناقلونَه حنجرةً عن حنجرة، هي هذه القافُ القوية العميقة التي تقرعُ أقوالَهم، فتعيدُنا عندما نسمعُها إلى فخامة العربية وأُبَّهةِ النطقِ بها، وهذا هو بالضبط الهمُّ الذي كابدَه عيشًا وكتابة ودراسةً، من اجتمعْنا اليومَ لتكريمه، عاشقُ لغتِنا الأمِّ الأديبُ الأستاذ شوقي حمادة.
ولعله من نافل القول أن أعيد عليكم الآن ما تعرفونه يقينًا من سيرته الذاتية، منذ طفولته فصِباه، فشبابِه المتجدد على الدوام، لأنه محسوبٌ بإيقاعِ الحبر على السطور والصفحات والكتب، لا بإيقاع الثواني على الساعات والأيام والسنوات. ولا أريدُ أيضًا أن أكرر على مسامعكم إسهاماته الوظيفية والتعليمية والثقافية التي يحفظُها أهل ها الجبل الأشمّ، وإخوانُنا الموحدون الدروز، وسائرُ المواطنين والعرب المشتغلين بالشأن الثقافي. ما أودُّ أن أتناولَ في خطابي، مسألةٌ واحدةٌ فقط، هي علاقةُ شوقي حمادة باللغة العربية. فإنه لم يكن يرى فيها أداةَ تخاطبٍ بين الناطقين بها، ولم يقف عند بعدِها الدينيِّ فحسب، برغم أنها من أكثرِ لغات الأرضِ التصاقًا بالمحتوى الإيماني، ولم تكن عنده معلمًا من معالم الهوية القومية وكفى، وهي التي يجتمع إليها الماءُ مع الماء، على مساحة بلاد العرب... هي عندَه هذا كله بالتأكيد، مع إضافةٍ بسيطة وجوهرية أنَّه عرَفَ اللغةَ قضيةَ وجود. ذلك أنه آمن بأن لسان الأمةِ عنوانُ مجدِها وانتصارِها الحضاري، وأن ذلك لا يكون لها إلا إذا تطهَّرَ هذا اللسانُ من عِوَجٍ وتبرَّأَ من لحْنٍ، والتزم الأصالةَ التي نَخَلَتْها العصورُ والعقول يوم كان الألق العربي يسطع على العالم كلِه. بل لعله في قرارة نفسه كان يشعر بأن ضياع الأرض والحقوق، واستشراءَ التعصب والاستبداد، والتخلفَ عن القدرةِ على صناعة مستقبلِنا بأيدينا، إنما تعود هذه كلها إلى اتساع الهوة المعرفية بين الناشئة واللغة؛ لذلك انبرى للدفاع عنها والسعيِ إلى كشف الإمكانات الهائلة التي تختزنُها، جذورًا واشتقاقاتٍ وصِيَغَ بيان، والتي يمكنها بها أن تستوعبَ كلَّ معطيات الحداثة وتفرضَ حيويتَها على الحاضر والمستقبل. ولأن هذه المسألةَ من أكثر المسائل التربوية تعقيدًا على الصعيد العملي، لم يوفر شوقي حمادة مناسبةً أو جهدًا، في لبنان والخارج إلا واستغلَّها في نشر المقالات وإقامة المحاضرات واتقديم الدروسِ الجامعية، فقدم عبرَها إسهاماتٍ مضيئةً حول الحلول الواجب اعتمادُها لتكريس نهضة اللغة وتطويرها.
هذا البعدُ اللغويُّ، كان له تأثيره الكبير على تكوينه وشخصيته، فلم يُعرف عنه خروجٌ على القواعد الأخلاقية الصارمة التي تنضح من وجهه وتصرفاته، وأخصُّها التواضع؛ كما لم يخرجْ خطابُه مرة على فصاحة اللغة وسلامة قواعدِها. من هنا كان عمله الوظيفي في دار الطائفة الدرزية سنواتٍ طويلةً، موازيًا لاهتمامه الدائم بالقضايا الأدبية واللغوية، كأنهما عنده صفحتان من ورقة واحدة، هي حياته الخصيبة.
شوقي حمادة، يا ايها الفارس الازهري،هذه درعُ وزارة الثقافة أقدمها إليك، وإنك لمستحق مستحق.
وبتصرف نختم :
إذا ما روضة الآداب باهت
بعالي الدوح باهينا بشوقي
 
وختاما القى المحتفى به الاديب حمادة كلمة شكر فيها سماحة شيخ العقل على المشاركة والوزير المرتضى ومكتبة بعقلين على المبادرة بالتكريم، مقدّما معانٍ فكرية وثقافية واجتماعية تواضعية بشخصه. ليتسلّم بعد ذلك درع وزارة الثقافة التقديرية.
 
خان القصر
واختتمت الجولة الشوفية بزيارة الى معمل "خان القصر" للصابون في بعقلين وزيارة استطلاعية لمعصرة زيت الزيتون القريبة لصاحبيهما الشيخين صالح وسليم غنّام، وقد شكرهما الوزير المرتضى على اهمية الاعمال الموجودة حفاظا على التراث وحسن الضيافة والاستقبال.