المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الجمعة ١٩ نيسان ٢٠٢٤ - 10 شوال 1445
سماحة شيخ العقل في رسالة الأضحى للاغتراب: لمواجهة المحنة بالتضامن وجمع الشمل ‏والمشاركة في بناء الدولة

2022-07-08

بمناسبة عيد الأضحى المبارك وجّه سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور ‏سامي أبي المنى رسالة عشية العيد إلى أبناء الطائفة المغتربين، جاء فيها:‏
 
أبناءَنا الموحّدين في الوطن وبلاد الاغتراب، كباراً وشباباً، أخوة وأخوات..‏
أيها الأحبّاءُ المعروفيُّون، الدروزُ اسماً ولقباً، والموحّدون حقيقةً ومضموناً..‏
أتوجّهُ إليكم بهذه الكلمة الوجدانية بمناسبة قرب حلول الأضحى المبارك سائلاً الله عزّ وجل أن يعيدَه ‏عليكم جميعاً بالخير والبركة وراحة البال وصفاء القلب وثبات العقيدة، والتقدُّمِ المُطَّردِ في ‏مراقي الحقّ والتحقّق، وفي سبُلِ جمع الشمل وحفظِ المجتمع.‏
نطقت الآيةُ الكريمة بالقول: "والفجرِ وليالٍ عشر"، قسماً من الله سبحانه وتعالى بتلك الليالي ‏المباركة للدلالة على أهميتها وميزتها، وكأن كلَّ ليلةٍ من "عشور العيد" بمستوى ليلة القدر، بما ‏تعنيه من محطةٍ للتوبة وفُسحةٍ للخير والترقّي على دروب السعيِ والجهادِ لبلوغِ فرحة العيد ‏والسعادة.‏
إخواني أينما كنتم، في الوطن أم في بلاد الانتشار، أخاطبكم في هذه المناسبة الجليلة بما هي مناسبةٌ ‏جامعة للموحِّدين عبر العالم، وبما لكم في القلب من محبة، وبما في المناسبة من معانٍ توحيديةٍ تدفعُ ‏للتواصل والتلاقي.‏
فالأضحى هو العيدُ الكبيرُ، كما نُسمِّيه، وجديرٌ بنا في رحابه أن نتوقَّف أمامَ مرآة أنفسِنا لنتبصَّرَ ‏بأمورِنا ونتطلَّعَ إلى ما هو أبعد، فنُحاولَ أن نُصلحَ ما أفسده الزمان، وأن نرتفعَ بوجودِنا الآني ‏منخضمِّ عيشِنا وعملِنا وانغماسِنا في شؤون حياتِنا الدنيويةِ إلى حياةٍ روحيةٍ نورانيةٍ أبعدَ وأسمى، ‏أي أن نتعدَّى ما هو زائلٌ إلى ما هو باقٍ، وأن نعملَ وفقَ القاعدة القائلة: "إعمَل لدنياك كأنك تعيشُ ‏أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا".‏
إخواني وأخواتي الموحِّدينَ والموحدات، أنتم الأهلُ والأخوة والأحبّة، وإنا وإياكم لعائلةٌ معروفية ‏واحدة، أكنَّا في لبنانَ أم في سوريا أم في الجليل والكرمل والجولان والأردن، أم كنَّا منتشرين في ‏بلاد الله الواسعة، يَجمعُنا التوحيدُ والقِيَمُ المعروفيةُ والهويّةُ الوطنيةُالمشرقية، ونحن وإيّاكم رَكبٌ ‏واحدٌ في رحلةٍ إنسانية واحدة، معاً نفرحُ ومعاً نحزنُ ومعاً ندافعُ عن الكرامةِ والوجودِ والهويّة ‏وننتصر، ومعاً نَمدُّ أيدينا للمصافحة والمصالحة والمشاركة مع إخواننا في العيش الواحد والمصير ‏المشترك.‏
ندائي لكم ونداءُ إخواني المشايخِ جميعاً أن تكونوا ثابتينَ في إيمانِكم وعلاقتِكم بالله، حافظينَ آيات ‏الحكمة والحقِّ، متشبثين بمبادئ مسلك التوحيد الشريف ومناقب السلف الصالح من أجدادِكم، ‏معتزِّينَ بتاريخِكم وتراثِكم، ساعين إلى رفع شأن طائفتِكم والمساهمة في نهضة مجتمعِكم وأوطانِكم، ‏متعلِّقين دائماً بثوابتِ عيشِكم، محافظين على ثلاثية الوجودِ: الأرضِ والفرض والعِرض، أي الوطن ‏والدين والشرف، بما يتطلّبُه ذلك من واجب التربية والتوجيه والتثقيف والتعاضد الاجتماعي ‏والمشاركةِ الوطنيِّة الفاعلة والانفتاح على التطور العلمي والتقدُّم دون التخِّلي عن الهوية الروحية ‏والذاتية، في توازنٍ دقيق نرجو ألَّا يُغفلَه أبناؤنا مهما بلغوا من انفتاحٍ وواجهوا من تحديات.‏
إخواني، وإن كنّا نَمرُّ في بلادِنا بمرحلةٍ صعبة من تاريخنا في ظل أزمةٍ اقتصادية ومعيشية خانقة، ‏إلاّ أننا مُطمئنّون لتماسك مجتمعِنا التوحيدي، واثقون بكرم المقتدرين من أهلنا، متمسِّكون بواجب ‏حفظ الأهل والإخوان، مُتّكلون على الله سبحانه وتعالى وعلى ما لدى أبنائنا وإخواننا في بلاد ‏الاغتراب من أصالةٍ وغيرة واندفاع لمدِّ يد العون ورفد المؤسسات والصناديق الخيرية لدينا بالدعم ‏المناسب زكاةً عن أموالهم وتضحيةً وإحساناً، فالعيدُ لا يكون عيداً إذا لم نزيِّنْه بالعطاء، والمغترِبُ ‏عندنا ليس غريباً، إنّما الغريبُ هو من يتخلّى عن أهله وواجبه، والمُقيم ليس قريباً إلاّ بقدر ما ‏يلتصق بالأرضِ والجذور والثوابت التوحيدية والاجتماعية، وبقدر ما يضحِّي ويقنعُ ويتعفّفُ عمّا ‏ليس هو بحاجة إليه، بل يشاركُ إخوانه في احتضان المحتاجين من ذوي القربى والمساكين.‏
إخواني، إنّ التّصدّي للمشاكل التي يرزحُ تحتها مجتمعُنا لا يؤتي ثمارَه النافعةَ في واقع الفُرقة ‏وتشتُّت الإرادات. وإذا كان الاختلاف في وُجُهات النّظر أمراً طبيعياً، لكنه لا يجبُ أن يؤثِّرَ سلبا ‏على المجتمع، حيث أن المصالِحَ الأساسيّة يجب أن تكونَ بمنأى عن اختلاف الآراء والمواقف ‏وعما يَعتَوِرُ ميدانَ السّياسةِ من تجاذبات، وبنظرِنا، فإن مصلحة المجتمع هي الهدفُ الأسمى من ‏كلِّ المصالحِ الخاصَّة، وعلينا جميعاً السعيُ الدؤوبُ في سبيل نهضته وازدهاره وإزاحة وطأةِ ‏الهموم عنه، فالنّاس في عَوَزٍ وضيقة وينتظرون منّا إنجازاتٍ تَرُدّ إليهم بعضًا من الأمل ومن ‏الحقوق المهدورة في هذه البلاد.‏
إنّنا لا نرى سبيلاً قويمًا في هذا الاتّجاه إلاّ عبر التكاتف حول برامجَ تعاضدية منظَّمة، كمثل ‏برنامج "سند" الذي أطلقناه في أول أيام العشر المباركة، والذي نأملُ من جميع أبنائنا المقيمين ‏والمغتربين دعمَه بكلِّ ما أمكن، وعلى أوسعِ مدىً، وبأكبر اندفاعٍ وأعمقِ ثقة، وكذلك عبر الالتفافِ ‏حول المؤسّسات الفاعلة في مجتمعنا لتدعيمها وتعزيز عملِها وفتحِ نوافذِ الحياة والعمل المنتِج أمام ‏شبابنا لتحقيق ما يَحلُمون به ويتطلَّعون إليه.‏
رسالتي إليكم أيُّها الأحبَّة، أن تواجهوا المحنة بالمزيد من التضامن وجمع الشمل، في عائلاتكم ‏وقراكم ومجتمعاتكم، وبالترفُّع عن الصغائر والعداوات، وبالمزيد من الإقبال على عمل الخير ‏والإحسان، وأن تكونوا النموذج الصالح في حفظِ بعضكم بعضاً، وفي المشاركة في بناء الدولة ‏واحترام القانون، وفي نبذِ الفتن وتأكيد الوحدة الوطنية والعمل في سبيل الخير العام.‏
دعاؤنا لله سبحانه وتعالى أن يمدَّكم بالعون في أعمالكم وفي سعيِكم الدائمِ لخلاصِ أنفسكم وعائلاتكم ‏ومجتمعكم، ورجاؤنا أن نكونَ وإيّاكم من الفرحين بالعيد فرحاً حقيقياً يُوصل إلى السعادة الأبدية... ‏حفِظكم الله ووفَقكم لما فيه الخيرُ والسلام، والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاتُه.‏
أضحى مبارك، وكلُّ عامٍ وأنتم بخير.‏