رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن
بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف 29/11/2017
2017-11-29
رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن
بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله خاتم النبيّين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
خاطبَ اللهُ عزَّ وجلَّ رسولَه صلّى الله عليه وسلَّم في كتابه الكريم، قال ﴿يَا أيُّها النبيُّ إنَّا أرْسَلناكَ شَاهداً ومُبشِّراً ونَذِيرا. وداعِياً إلَى الله بإذْنِه وسِرَاجاً مُنِيرَا﴾ ، وإنَّه لأمرٌ عظيم أن يوصَفَ الذي تستذكرُ الأمَّةُ مولدَه اليوم بالمُبشِّرِ والنَّذير وبالسِّراج المُنير. كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ فهو الشَّاهدُ على أمَّتِه بإبلاغ رسالةِ الهدى والنُّور، وهو المبشِّرُ بالثواب لكلّ من صدَّق وعمِل بما علِم، وتزيَّنَ بحميدِ المسالك وجميل الطاعات. وهو النَّذيرُ من غضب الله لكلِّ من كذَّب وخالف وانغمسَ في المعصيةِ ومتاهات الهوى. وهو الدَّاعي إلى توحيد الله جلَّ جلالُه بإذنه وعِلمِه، وهو السِّراجُ بضيائه لخَلق الله ممّا أوتِيه من الآياتِ ولطائف المعاني ليستنيرَ بها كلُّ ذي إيمانٍ وبصيرةٍ واتِّباع للحقّ.
ثمَّ قال تعالى لهُ صلَّى الله عليه وسلَّم ﴿وَإنَّـكَ لعَلَى خُلُقٍ عَظِيم﴾ ، وفي المأثور الصَّحيح أنَّ خُلُقَه كان القرآن، ويعني هذا "ما فيه من المكارم كلّها"، يعقلها المسلمُ المؤمنُ الموحِّدُ لِما يجذبه إليها في نفسِه من حبٍّ لله الحليم الكريم، ومن ولاءٍ للحقِّ وسلوكِ درب الفضائلِ والأخلاق الحميدةِ كي يكونَ الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلَّم، لهُ ﴿أسْوة حسَنة لِمَن كان يرجُو الله وذَكَر اللهَ كثِيرَا﴾ ، ولن يُحقِّقَ المرءُ ثمرةَ هذا الفضْل العظيم إلا باتِّباع ما أمرَ اللهُ عزَّ وجلَّ به من رشْدٍ وهدى، فقال تعالى ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾ ، يعني مجتهدِين ومنكبّين وسَاعِين في إقامة العدْل لتكون لكُم كرامةٌ عند الله تعالى يوْم الدِّين، وكلُّ مسلمٍ يحفظُ في ذهنه وفي قلبه وفي وجدانه الحكمةَ العالية التي أوردها الله الحكيم العليم في مُحكم كتابه ﴿إنَّ أكْرمَكُم عندَ الله أتقاكُم﴾ ، وتقوى الله تجمع كلّ الخيْر، وهو خيْر المرءِ لذاته، ولمجتمعِه ولأمَّتِه.
إنَّ للحقِّ سبيلًا واضحاً غير ذي التباس. وكلُّ وقوفٍ عند آيات هذه النعمة الكبرى التي هي نعمة الهداية، يوجِبُ علينا أن نُبصرَ ما آلت إليه الأمُورُ في أمَّتنا، فنرقى بنفوسِنا وعقولِنا وتدبيرِنا إلى ما يمكِّننا من المحافظةِ على أمانة الوفاء للرسالةِ السَّمحاء التي بها وحدها ﴿كُنتُم خَيْرَ أمَّةٍ أُخرجَت للنَّاسِ تَأمُرون بالمعروفِ وَتَنْهَوْنَ عن المُنكر﴾ .
إنَّ العدلَ واجبٌ محتومٌ أيضاً، بل خصوصاً، في الحُكْم، ﴿وَإذا حَكمْتُم بينَ النَّاسِ أنْ تَحكُمُوا بِالْعَدْل﴾ وهو الإنصافُ، وهو البُعْدُ كلّ البُعد عن الظُّلم والبغْيِ والجَور، قال تعالى ﴿اعْدِلُوا هُو أقْربُ للتَّقوَى﴾ ، وهذا يكونُ في الأقوال والأفعال والتَّصرفَّات والمسالِك والأداء ظاهراً وباطناً فيستقيمُ لكُم ما هو الصِّدق في دينِكُم، وما هي الطّاعة الموصلة إلى رضى ربِّ العِباد.
إنَّ العدْلَ هو أقربُ الطُّرُق إلى كشفِ الضِّيق والغُمَّةِ في كلِّ الحالات، لأنَّ به يكونُ التَّوفيق، ويكونُ الفلاح. وأن نكون عادلِين فيما بيننا، ولوطننا ولناسِه، هو أن نخطو الخطوة باتِّجاه الآخَر الذي يخطو الخطوة باتّجاهِنا. هو أن نتلاقى في فسحة الرحمةِ الإلهيَّةِ، فليس الحياةُ الحرَّةُ الكريمة هي حياةَ القهْر والغَلَبة، بل هي المضيّ قدُماً بميزان الحقّ نحو وحدة الصَّفّ لنتضامن سويّاً ضدّ عدوٍّ يريدُ أن يمحو هويَّة القدس العربيّة وهويَّة فلسطين.
وفي لبنان اليوم، يجبُ أن يتشبَّعَ الحوارُ بروح العدل وبقوَّةِ الإرادة التي تسعى إلى ثمرتِه، والتي لا شكَّ تكونُ مُبارَكة. وبشائرُ هذه الرُّوح تجلَّت في حكمةِ القيادات، وتأنِّيها، واستدراكِها السَّريع للمخاطر الكبرى التي تواجهُ بلدَنا الحبيب. بلدُنا الوفيُّ لكلِّ أشقَّائه الَّذين ما بخلوا يوماَ في حرصهم على سلامة لبنان بكلِّ بَنِيه، بلدُنا الَّذي دفع طيلة عقودٍ من تضحيات جسام في الساحة الحقيقيَّة للمعركة بتصدِّيه للعدوّ الاسرائيليّ. ونحنُ على يقينٍ بأنَّ معظم قياداته السياسيَّة المشاركة بالمشاورات التي يجريها رئيس البلاد سوف تجدُ الصِّيغةَ التي بها يُحفَظُ لبنان وشعبُه، وينأى به عن مخاطر الازمات الإقليمية الراهنة.
نسألُ الله تعالى، ببركة ذكرى المولد النبويّ الشَّريف، أن يوفِّقَ الساعين فى الخير إلى ما فيه البركة لشعبنا، وأن يسدِّدَ الخطى إلى ما فيه عزَّة أمَّتِنا واستقرارها، وأن ينعم على شعوب أمَّتنا بالسلام وبالحياة الحرَّة الكريمة، إنَّه هو السَّميع القدير.
بيروت في: 29/11/2017
*****************