المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الأربعاء ٠٩ تشرين الأول ٢٠٢٤ - 6 ربيع الثاني 1446
 رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن لمجلة الضحى العدد 19

2017-02-08

 الموحِّدون الدّروز مكوِّن أساسيّ لقيامة لبنان
 
يطالعُ زائرُ اليرزة عند مدخل وزارة الدفاع نُصبًا منحوتا لفارسٍ امتشق سيفه المرفوع في حركةٍ تعبِّرُ عن الشجاعةِ والإقدام، ذلك هو تمثالُ الأمير فخر الدّين الثاني الكبير. وليس من قبيل التلقائيَّة أن يتمَّ اختيار هذا الرَّمز ليكون معبِّرًا عن حقيقةِ العقيدة الوطنيَّة التي يتمّ بها صهر اللبنانيَّين في مدرسة الشرف والتضحية والوفاء دفاعًا عن وطنهم الغالي لبنان، بل هو خِيارٌ دقيق لأنَّ الحصيلةَ الجوهريَّة التي حقَّــقها الأميرُ الكبيرُ، وبذل من أجلها حياته قبيل منتصف القرن السابع عشر، هي حصيلةٌ كان من شأنها أن تحوِّلَ الإمارةَ الموزَّعة في إقطاعات إلى فكرة وطنيَّة جامعة حملت الإمكان الفعليّ لقيامةِ وطنٍ يرفعُ رايته الواحدة التي تظلِّل كلّ أبنائه دون تمييز.
إنَّه لا يمكنُ لأيّ باحثٍ منصفٍ في التاريخ اللبنانيّ إلَّا أن يُدرج سيرة هذا الأمير الاستثنائي في الإطار الواقعي الذي يجب أن يُدرج فيه وهو المرحلة التأسيسيَّة لتجسُّد الكيان اللبناني واقعيّا. ذلك أنه، بإنجازاته المتعدِّدة، وطموحاته البعيدة، وشجاعته البطوليَّة، وحسِّه الحضاريّ، وتجاوزه المدهش لأيّ غريزةٍ طائفيَّة، وكفاحه المتواصل، كان على يقين راسخ بأنَّ الشتات الشعبي، الموزَّع في الامارة وجهاتها الطبيعيّة في امتدادها الجغرافي الأوسع، لديه قوَّة الإمكان بأن يكون موحَّدًا بشعور انتماءٍ إلى أرضٍ واحدة وجيش واحد، وتاليا، إلى وطن واحد هو لبنان.
إنَّنا لا نستسيغ فكرة التوظيف الطائفي في كتابة تاريخ لبنان، ولكن لا يمكن أن نتجاهل الوقائع الموضوعيَّة التي أدَّت إلى قيامة الوطن استنادًا إلى روحٍ ميثاقيَّة سبقت عهد الاستقلال عبر أجيال وأجيال. فحُسن إدارة الحكم بحكمة ومسؤوليّة وطنيَّة من المعنيِّين، ومن قبلهم التـنوخيّين الكبار الَّذين حافظوا على ميزة الإمارة طيلة قرون عديدة. لذلك، لا بدّ من القول، بأنَّ هذه المقدِّمات هي الخلفيَّة التاريخيَّة العريقة الأثيلة التي تؤكِّدُ ما يُقال اليوم من أن الدّروز كانوا على الدوام من المكوِّنات الأساسيَّة للكيان اللبناني بأرفع معاني الحسّ الوطنيّ الجامع الَّذي يرفع قيمة الولاء للوحدة الوطنيَّة فوق كلّ نزوع طائفي إلى التسلُّط أو غيره.
لقد كان الحضور الحكيم لأسلاف الموحِّدين في جبل لبنان بآفاقه الجغرافيَّة المفتوحة، امتدادًا طبيعيًّا للحضور الاسلامي في المستوى العام الّذي كان يجسّده حكم السلاطين في ظل الخلافة المتوارثة. وكان من عظيم حكمتهم السياسيَّة أن حافظوا دائمًا على التوازن الدقيق الصعب بين مسؤوليَّاتهم تجاه "حكّام السلطنة" من جهة، وبين إيمانهم العميق بضرورة الحفاظ على أوسع حدّ ممكن من إمكان أن تنعم الإمارة وسكانها من مختلف الفئات بالحريَّة التي تمكّنهم من الحياة الكريمة غير الخاضعة لأيّ استبداد. وكان هذا التبصُّر قاعدة رسَّخت إطار التعامل مع ولاة الإمارة، وشكَّلت بمرور الزمن صيغة واقعيَّة لوجود الكيان الوطني. 
إنَّ إيماننا بالوطن الواحد القويّ، وبدولته المتماسكة القادرة، وبمؤسَّساته الدستوريَّة المنتظمة قانونا، يعزِّزُ من تمسُّكنا بالثوابت التي طالما مكَّنت لبناننا العزيز من الصمود والنهوض وتجاوز الصعاب والمحن. وعلينا أن نحافظ، في المجال الوطنيّ العام، على المكوِّنات الوطنيَّة التي بانسجامها يكون لبنان، ليس فقط رسالة للحوار والاعتدال والعيش المشترك الآمن، بل وطنًا عزيزًا حرّا لا تزعزعه رياح ولا تهدّده مخاوف شتّى. وإيماننا راسخ بضرورة مبادرة كلّ بنيه إلى التعاضد والتعاون ليبقى لبناننا بلدًا "لا غنى عنه" بما يمثّله ماضيًا وحاضرًا من صيغة فذّة للتعايُش والتواصُل والحرّية والسَّلام. 
8/2/2017