رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن لمجلة الضحى العدد 18
2016-11-08
المسؤولية وثوابتها في خدمة الخير العام
ترتبطُ المسؤوليَّةُ بمعناها الاجتماعيِّ بفكرة وحدة المصلحة العامَّة. ويحملُ هذا الارتباطُ بُعدًا إنسانيًّا وجوديًّا حين نعي خضوعه، توحيديًّا، لثوابت الاستقامة والأخلاق والعدل والصدق ونقاء السَّرائر والضمائر والذمم والقانون وغيرها.
والمسؤوليَّة يجبُ ألا تنفصمُ عن احتسابِ أبعادها العامَّة الكبرى. وأثرها في النواة الأولى للمجتمع الإنساني، أي الأسرة، يتشابك مع الخلايا الناشئة وفقا لمسار تطوُّر البنيات الاجتماعية وصولا إلى المستوى الوطني. وهذا يعني أن الفرد مسؤول عن تصرُّفه الشخصي ومسؤول عن تصرُّفه العام في شؤون أية مسؤوليَّة أمام الجماعة من نواحٍ عدَّة متعلّقة بمفهوم الخير العام. وتصطدم المسؤولية بفكرة العصبيَّات المحليَّة التي تنفعلُ وكأن العالَم يبدأ وينتهي عند حدود البلدة أو الحيّ أو العائلة وكثيراً الأنا الشخصية.
ولا بدَّ لنا من مواجهة صادقة شجاعة وحقيقيَّة مع الإشكاليَّات الكبرى التي تعوِّقُ، في الواقع العمليّ، المسيرة نحو نهضةٍ فعَّالةٍ من شأنها أن تؤتي ثمارها المرتجاة في كافَّة حقول الخير وخدمة المجتمع. إنَّ أحدى هذه الإشكاليَّات المؤذية في نطاقِ مجتمعنا هي نزعة الارتجال والاعتداد بالرأي ولو في غير مُكنةٍ منه عِلمًا وعقلًا. وأكثر ما نعنيه هنا هو الانخراط هنا أو هناك، لهذا او لذاك، في الإدلاء بانطباعٍ عام في مسائل الدِّين ومقارباته الفقهيَّة والتربويَّة والاجتماعية مع حبّ الظهور. نتحدَّث هنا عن حالات كثيرة تداهمنا إمَّا في الاعلام وإمَّا بإبلاغنا عن العديد من التجاوزات السيّئة في الشكل والمضمون في وسائل التواصل الاجتماعي وما شاكل، ومعظمها يدخل في إطار المغالطة والسفسطة وتجاوز الحدّ والمبالغة التي في غير محلِّها، ناهيك عن ركاكة الرأي ووهن القدرة العلميَّة ورداءة الذوق.
إنَّ مثل هذه الأمور، وبأسفٍ بالغ، تحدث. ونحن هنا نوضح بصوتٍ واضح، أنّها لا تمثِّـلنا، ولا تمثِّـل تراثنا الأثيل، لا في حقائق المعرفة فيه، ولا في دقائق لطائف معانيه، ولا خصوصًا في رزانة مسالكه العمليَّة والخُلقيَّة.
نودّ، بهذه الإشارة إلى بعض مظاهر هذا الإفراط المعيب، أن نستحضرَ معنى المسؤوليَّة الفرديَّة، خصوصًا في محلِّها الخُلقيّ والمسلكيّ، وبالتالي الروحيّ، من كينونة الإنسان. لقد جمع التَّوحيد الخلاصة الجوهريَّة للقيَم الإنسانيَّة. وتحدَّد مسارُه في تفاعل المعاني اللطيفة لتلك القيَم في قلب الإنسان وسريرته. نتيجة لذلك، فإنَّه من الضرورة الحتميَّة انعكاس ذلك التفاعُل في الأعمال والأقوال والحركات والسكنات. لان سياق الوجود متولد من الصراع الكبير بين الخير والشر. إنَّ القاعدةَ الأساسيَّة في تقليدنا الرُّوحيّ المسلكي هي الصدق، يعني أن تكون الفاظُ المرء وأقواله متطابقة مع نوايا القلبِ وحركة الخواطر والأفكار منه. على الطريق المستقيم ضمن قواعد الحلال والحرام. فإذا، لا سمح الله، تناقضت الأقوالُ مع النوايا والمسالك الحسنة او العكس، يكونُ الباب مشرّعًا نحو ظواهر الكذب وبواطنه، وتلك آفة كبرى من شأنها أن تميت النفس عن كلِّ نسمة حياة. وما يتبعها من رياء ونفاق وطمع وغيبة ونميمة وغيرها من الآفات التي تهدم مقوّمات المجتمع الإنساني. وليس هذا على الإطلاق نهج الموحِّدين الصادقين الَّذين عرفوا في دواخلهم الانسجام العميق بين غاية العلوم من جهة وما يتحقَّق في ظاهر العيان من عملٍ ومسالك. والفاضلُ من كان للحق حُجَّة بشهادته الصادقة المعبَّر عنها في نزاهته وشهامته، ليس فقط في ذات نفسه، بل أيضًا في سائر معاملاته وتصرفاته مع الآخرين، في محيطه ومجتمعه، وفي ايّة مسؤولية يتحملها في المستوى الوطنيّ العام.
إنَّ العمل بمنهاجية الصدق ومعانيه وهي مدرسة كبرى هو واجبٌ تقتضيهُ الحقيقة والأصُول، بل هو المسارُ الأسلم لبراءة الذمَّة ونقاء الضَّمير. وعلى العاقل أن يحذر أشدّ الحذر من انخداع النفس والتباس المفاهيم في طواياها تحت وطأة الإغراءات الدنيويَّة، والنزعات الأنانية، التي تدفع نحو الانغلاق في زاوية ضيّقة هي خدمة المصلحة الشخصيَّة في غفلةٍ عن فسحة الخير العام. فطوبى لعائلةٍ تربي أولادها على الاخلاق، وطوبى لدولةٍ تنشئ ابناءها على الوطنية، وهنيئاً لمن عرف حدّه ووقف عنده.
8/11/2016