كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن بمناسبة حلول شهر رمضان المُبارك 2017
2017-05-26
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربّ العالَمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد سيِّدِ المرسَلين، وآله وأصحابِه أجمعين، إلى يوم الدِّين
تدخلُ الأمَّةُ حرَمَ شهر رمضان المبارك وفي عنُقِها أمانةُ الحمدِ والشكرِ والطاعةِ والتَّسليمِ لأمرِ الله من كتابه الكريم في المبادرة إلى كلِّ معروفٍ محمود واجتنابِ كلّ مُنكَرٍ مذموم لتظفرَ النَّفسُ الإنسانيَّة بزكاتها وفضيلتِها وتحقُّقها بالخيْر الَّذي أرادهُ لها اللهُ عزَّ وجلَّ. هو شهرٌ ﴿أنزِلَ فيهِ القرآن﴾ ليكونَ هدًى للناسِ، يُضيء بصائرَهُم لينظروا طريقَ انتقالِهِم من ظلامِ الجهْل إلى نُور الذِّكْر الحكِيم. وهو بذلكَ حُجَّةٌ يُـقِرُّ بهَا المؤمنُ مسَلِّمًا أمره إلى موجِباتِ الحقّ والعدْل في اعتقادهِ وأفعالِه وسلوكِه وسائر معاملاته، ملتزمًا بذلك آدابه مع ذاتِ نفسِه، وآدابه مع سائر النَّاس في مجتمعِه ومع نظرائه في الإنسانيَّة أينما كانوا.
وإنْ كانتِ الصِّلةُ بالتزام السَّير في السبيل الذي من شأنه تحقيق مقاصد الشَّرع لا يجب أن تنقطعَ بنعمتِها الكبرى عن فؤادِ المؤمن الموحِّد، وعن خواطره، وعن سائر أحواله، فهي في هذا الشَّهر الفضيلِ تصبح في ذاتها بركةَ سعادةٍ وغبطةٍ روحيَّة بتوفيق الرَّحيم الكريم يدخلُ بها في روْضةٍ من رياضِ اليقينِ والرِّضى وسكينةِ الرُّوح.
والصَّوْمُ وسيلةٌ في محلِّ رُكنٍ من أركان العبادةِ تُخفِّفُ عن لطائف العقلِ والنّفس من وطأةِ الجسدِ كي يكونَ لها المنفذُ فسيحًا لتجهدَ بصادقِ النيَّة وصفاء القلبِ كي تقطفَ ثمارَ المعاني التي اختزنها الكتابُ في الحقائق المودوعة فيه إلى يوم الدِّين.
ولا يجبُ في أيِّ حالٍ من الأحوال، وفي أيّ ظرفٍ من الظروفِ من وقائع الحياة أن تطغى على هذا القصد الشَّريف من غاية الصَّومِ واستشعار النِّعمة التي وهبها الله عزَّ وجلَّ لعبادِه، ولا أن تميلَ بهِم عن الارتقاء في معراجِ الطّاعة والتَّقوى إلى ما هو نقيض ذلك تحت جنوح النفس في هواها في طلبِ الأغراضِ الدنيويَّةِ، والمصالحِ السلطويَّة والمادِّيَّة على حسابِ ما هو خيرٌ وأبقى.
وما من إنسانٍ، مهما بلغَ في مراتبِ الدُّنيا من شأْوٍ ومن منزلةٍ، هو بمنأى عن عاقبةِ الغفلة عمَّا يفرضُه الحقُّ من التزامٍ إنسانيٍّ نبيل. إنَّ الإدراكَ السويّ السَّليمَ لما قصدتهُ رسالةُ الهدَى يُوصلُ حتمًا إلى ذروة الغاية من الوجود لارتباطِها بالقيَم الشَّريفةِ الجامعة التي تعلو في رِفعتِها وسنائها فوق كلِّ نزوع فرديّ وأنانيّ إلى أيِّ عصبيَّةٍ تصطنعُ لنفسها قيمة مُغايرة لما هو عليه الحقّ.
وهذه فرصةٌ في قلب دعوةِ الله إلى رياضِه، أن يعودَ المرءُ بعقلِ الإيمانِ إلى ذاتِه، في مرآةِ الذِّكر الحكيم، بل في مرآة الرَّحمة الربَّانيَّة، كيَ يستدركَ ما فاته من إنسانيَّتِه النبيلة، آيِبًا إلى ينبوعِ تلك الرَّحمة التي فيها سلامُ الرُّوح وسلام العالَم، ليكونَ شاهدًا للحقِّ يأنسُ به كلّ من أرادَ سبيلًا إليه.
هذه كلّها معانٍ مرتبطةٌ بحياتنا وسلوكيّاتنا، في العائلة وفي المجتمع وخصوصًا في السياسةِ التي هي في الأصل عِلْم خِدمة النَّاس وسياستهِم بالحسنى والعدل كي يتمكّنوا من تحقيق كلّ جميل محمود في حياتهم لا يعيقُهم عن ذلك ظلم ولا افتئات ولا فوضى ولا طغيان.
في مستهلّ شهر الصيام المبارك، دعوتنا الى القيادات السياسية في بلدنا أن تصوم عن كل ما من شأنه أن يُبعد بين الناس، وأن ينكبّوا جميعاً على عمل صادق للخروج من النفق المسدود الذي وضعوا أنفسهم فيه، ووضعوا البلاد معهم فيه، وأن يبادروا الى احترام النصوص الدستورية فيمنعوا الشلل من التسلل مجدداً الى مؤسسات الدولة، ويُبعِدوا كأس الفراغ المرفوض عن المجلس النيابي، ويذهبوا الى اجراء انتخابات ديمقراطية يجدد فيها الشعب الحياة البرلمانية وفق قانون انتخاب يعطي للطيف الوطني بكل ألوانه الحق في التمثيل العادل والصحيح، وأن يشكّل ذلك حافزاً للحكومة للعمل على كل الملفات الحياتية والمعيشية والاقتصادية والاجتماعية، وأن يكون هناك عمل حقيقي في محاربة الفساد ووقف الهدر وحماية حقوق الناس.
نسأل الله تعالى أن يُلهمَ الجميع إلى ما فيه الخير والفلاح والعمل الدؤوب لتحقيق ما فيه مصلحة الوطن وأمنه ورخائه الاقتصاديّ. وأن يحمي جيشنا الباسل الذي يقدِّم لنا على الدوام أمثولة وطنيَّة نموذجيَّة في الوحدة والوطنيَّة والشرف والتضحية والوفاء، وأن يمنّ على شعبِنا والشعوب الشقيقة بالأمن والسلام والحرّيَّة والكرامة، وأن يقوّي من عزيمة أهلنا الصامدين في فلسطين، المدافعين عن هويَّة القدْس العربيَّة، والمكافحين في أكثر القضايا عدالة في العصر الحديث لتعلّقها بمصداقيَّة معنى الحقوق الإنسانيَّة الحقيقيّ. وأن يعيدَه علينا وعليهم بالعزَّة والكرامة والظَّـفَر، إنّه القويّ القدير، السميع المجيب.