2016-02-11
إنَّ عبارةَ﴿ سُبحانَهُ وتعالى ﴾المتَّصلةِ قولاً بالله عزَّ وجلّ هي تعبيرٌ عن أرفع معاني التنزيه للبارئ العليّ. والعليُّ من أسماء الله الحُسنى وهو العلـيّ عن النظير والأشبـاه، المنزَّه المقدَّس عن جميعِ أنواع النقص. وهو مع وجوبِ تنزيهه، موجودٌ لا أحقّ بالوجود منهُ أحد﴿ فأينما تـُوَلـّوا فـَثـَمّ وجهُ الله ﴾وهذا غاية معنى الوجود بإطلاق، بل هو الواجدُ الَّذي لا يعوزهُ شيءٌ، ولا يُتصَوَّر للأشياءِ وجود ولا دوامُ وجودٍ إلاَّ به، وهو﴿ الحيُّ القيُّوم ﴾الَّذي به حياةُ كلّ حَيّ ومَن لم يَحيَ به فهو ميت، لأنَّ قوامَه بذاته وقوامَ كلِّ شيءٍ به، وليس ذلك إلاَّ له. إنَّ الامتثالَ لمقاصد كتاب الله هو الدَّرب القويم لطاعةٍ يُرضي بها العبدُ ربَّهُ. وتلك مقاصد لا سبيل إلى تحقيقها إلَّا بالتزام الأخلاق الحميدة، والفضائل السامية، وقاعدتها الأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكَر. ولا بدَّ للمؤمن الموحِّد الصادق إلَّا أن يكونَ شهادةً للحقِّ بما يليقُ باعتقاده الشَّريف المبنيّ على أصُول الدِّين الحنيف. وبدايةُ الإصلاحِ في الأمَّة تكون بإصلاح النّفوس بحُسن الطَّاعة لله عزَّ وجلَّ.
إنَّ اللسانَ، في الآداب التوحيديَّة، هو أبو الكبائر، فلا يليق بدِين المرء وديانته أن لا يحفظه بالتزام التقوى التي يتقدَّم بها نحو ربِّه لتكون له منه ثمَّة كرامة. ألم نقرأ في كتاب الله العظيم﴿ إنَّ أكرمكُم عند الله أتقاكُم ﴾! والتقوى تجمع في معناها المسلكي كلّ ما يسمو بالرُّوح إلى مرقى تحقيق الفضائل التي أمر الله تعالى بها من أجل خير بني آدم جميعًا، وَ﴿ مَن عَمِلَ صَالحًا فلنفسِه ومَن أسَاء فعَلَيْها ﴾.
نحنُ، من جهتنا، لا نرضى لنفوسِنا ولا نرضه لإيمانِنا أن نُسيءَ لأحَدٍ، أو أن نظلمَ أو أن نأخذَ هذا بجريرةِ ذاك لا قدَّر الله، وإنَّما نمتثلُ قول الرسول (ص) في يوم عرَفة من حِجَّة الوداع: "إنَّ اللهَ حرَّم عليكُم دماءَكُم وأموالكم كحُرمة بلدِكم هذا، وكحُرمة شهركُم هذا، وكحُرمة يومكُم هذا... واتَّـقوا الله ولا تَبخَسوا الناسَ أشياءَهُم، ولا تعثُوا في الأرض مُفسِدين... لا فضلَ لعربيّ على عجميّ، ولا عجَميّ على عربيّ إلَّا بتقوى الله... لا تأتوني بأنسابِكُم، وأْتوني بأعمالِكُم... المسلمُ أخو المسلم، لا يغُشّه، ولا يخُونُه، ولا يغتابُه، ولا يحُلُّ دمه..." اللَّهُمّ اشهد.