2015-08-13
الأخلاق هي القاعدة الأساسية الضرورية التي يجب ان يوطِّدَ الإنسانُ معانيها في قلبه إنْ أراد سلوكَ السَّبيل الصَّحيح إلى التَّوحيد، عِلمًا وعملاً. إنه، من دون ترسيخ تلك القاعدة، تبقى حركةُ المرء في هذا الاتِّجاه دون فائدة تُذكَر. لقد جعل الحكماءُ الأقدمون من الأخلاق شرطًا أوَّليًا أساسيًا من شُروط صَّحة الدِّين، أي التَّوحيد، بموازاة شرطٍ آخَر هو "استشعار وجود الخلاّق". لكنَّهُم عقدوا المفهومَ الأخلاقيّ بفِعل التَّهذيب ، وذلك لأسبابٍ جوهريَّةٍ ينبغي التوقُّف عندها مليًّا. فالأخلاق منها ما هو محمود ومنها ما هو مذموم. وأوضح الأقدمون ما يُمكن أن نسمّيه "قانون الوسط الأخلاقي". قال إنَّ الفضيلةَ الأخلاقيَّة هي وسطٌ بين رذيلتيْن هما الإفراط والتَّفريط. مثال ذلك أنَّ الشجاعة فضيلة، فإن أفرط فيها المرءُ باتت تهوُّرًا، والتهوُّر مذموم. وإنْ فرَّط فيها المرءُ كانت جُبنًا، والجُبن مذموم. ايضاً، الكرمُ فضيلة، والإفراط فيها هو التبذير، والتفريطُ فيها هو البُخل. ايضًا، الحِلم فضيلة، والإفراطُ فيه هو البلادة والجهل، والتفريطُ فيه هو النَّزَق والطيش إلخ. لذلك، يجبُ التنبُّه إلى أخلاقَ الموحِدِ هي اعتدالُ الميزانِ في عقله وقلبه، وهذا ينعكس حُكمًا على أقواله وأفعاله وخياراته السّلوكيَّة في الحياة. والتوحيدُ إمَّا أن يكونَ ثمرةَ الاعتدال، وإمَّا أنّه لن يتحقَّقَ بالطّريقة التي يستشعرُ فيها الإنسانُ غبطةَ الداخل التي سمَّاها السَّلف الصَّالح "فضيلة الذَّات". السؤال الدَّقيق في عالمنا المعاصر، من وجهة الموقف التوحيديّ، متعلِق بكيفيَّة الوصول الى هذا "الاعتدال الخُلُقيّ"، والاستفادة من ثمراته الروحيّة الضروريَّة لفهم لطائف معاني العقل الأرفع، في حين أنَّ الحياة الحديثة تتطلَّبُ إيقاعًا متسارعًا، وتضعُنا تحت سيْلٍ جارف من صوَر الرَّغبات والحاجات والمتطلّبات الماديَّة التي تتجاوز حدود الاعتدال، ولا تساعدنا بالتالي، على قطف ثمارٍ روحيَّة؟ بمعنى آخَر، الحياة الحديثة مركَّبة، بمعنى أنَّها توهم الإنسانَ بأنَّ سعادتَه كامنة بشكلٍ أساسيّ في اكتساب الثروة من دون قيود أو شروط، وعدم كبح جموح النَّفس نحو إشباع حاجاتها الطبيعيَّة بقطع النظر عن موانع العقل الحكيم، وامتلاك وسائل الراحة والرفاهيَّة إلى أقصى حدّ ممكن إلخ... في حين أنَّ التوحيد، بالمعنى الجوهريّ، هو علمُ البسيط، والبسيطُ من شأنه أن يضعَ النفسَ أمام المرآة الحقيقية التي بها تعرفُ ذاتها، والمركَّبُ هو الذي من شأنه طمس الصفحة المجلوَّة لمرآة الذات، وتكثيفها إلى الحّدِ الذي لا تصحّ معه رؤية صحيحة ونقية وصادقة للحقيقة. ان الذاكرة البصرية تختزن ما تتلقفه عيونُنا من صوَر، التي تكوِّنها مرآة العصر هي ذاكرة مليئة بالأوهام، يعني فارغة من كلِّ سندٍ حقيقيّ للعقل. كان الكتابُ يزوِّدنا بذاكرةِ ذهنيّة، أما اليوم فلقد طغت عليه – من حيث هو وسيلة – الشاشة الباثة للصوَر تحيطُ بنا من كلِّ صوب. الصورة واقعنا اليومي لا مناص منه. مجتمعنا أسيرها، بل المجتمعات المعاصرة كلها. تأتينا واضحة، مصنوعة، ساخرة، مشحونة بالتمرد على التراث الوعظي الذي ما برح متجذراً في الكنف العائلي والمدرسي، وخصوصاً، الديني. لذلك، فإن الجيل الجديد يقع تحت سطوة الصورة لأنه يراها واقعية معاصرة طبيعية بمعنى انها تستحث فيه كل رغبة، في حين ان وقع الكلام الوعظي عليه يأتي قاسياً ثقيلاً بعيداً مشبعًا بالمرارة. وأيّة صورة تأتي من انفلات أخلاقي بلا حدود أو صورة قتال بغيض أين منه عصر الجاهلية؟ شاشة الانهيار الاخلاقي سهلة تدغدغ الرغبات، تتوِّجُ لنا ملوكا على الدوام في مملكة الشكل والحضور الجسدي والمظهر. تستفزّ أجسادنا ساخرةً من كلِّ تأمل عقليّ. تقودُنا إلى سوق الاستهلاك. والنتيجة؟ نزوع النفس الى السهولة، الى الاسترخاء في حالة تلقي الصوَر المسكونة بالأوهام، الى الامتثال لتيار الغواية، وفي الوقت عينه، نفورها من كلِّ حِلم، يعني من كلِّ انضباطٍ داخليٍّ من شأنه أن يُحيي فيها التوازنَ الضروري لاستقامتها وجعلها أساسًا جوهرياً لبناء الشخصيَّة الإنسانية. لذلك، فإن الفجوة تتسع بالتواتر مع مضيّ الزمن. علينا ان نبدّل كلّ ما باستطاعتنا لكي نفهم ما يصلنا بالوجود، المسؤولية تقع على كافة المستويات وخاصةً الدينية والثقافية والاجتماعية. فالجذور العربية والإسلامية هي جذورنا، واولادنا امانة في اعناقنا، وسفور النساء ليس من تقاليدنا، والأم اذا اعددتها اعددت شعباً طيب الأعراق.