المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الثلثاء ١٩ آذار ٢٠٢٤ - 10 رمضان 1445
كلمة سماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن بمناسبة القمة المسيحية - الإسلامية في دار طائفة الموحدين الدروز 30-7-2019

2019-07-30

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربّ العالَمين، والصَّلاةُ والسَّلام على نبيِّه المصطفى خاتم المرسلين، وعلى آله الطيبين، وعلى النبيّين السابقِين الـمُبشّرين الـمُنذِرين، صلاةً قائمة دائمة إلى يوم الدِّين
 
أصحابَ الغِبطةِ والسَّماحةِ والسِّيادةِ والفَضيلة، حضرة السَّادة الكرام
بُوركَت قلوبُكُم حين تداعيْتُم، بلا تردُّدٍ بل بالمحبَّـةِ والإرادة الطيِّـبةِ إلى اللقاء. وأيُّ لقاء هذا الَّذي يجمعُ من هذا الـحيِّزِ الجغرافيّ الاستثنائيِّ هذا القدْرَ من القادِمين من مساجِدَ وبِـيَعٍ وخَلَواتٍ ﴿يُذكَرُ فيهَا اسمُ الله كثيرا﴾. من جبالِ لبنان وسهلِه وساحِلِه، إذ تُردِّد الأصداءُ نداءاتِ الآذان وترانيمَ الآباء منذُ مئات السّنين. ويُدعى فيها النَّاسُ إلى بذل الهمَّة في تزكيةِ النَّفس وتطهيرِ الخُلُق وتنقية الرُّوح نَهَلًا من مَعِين الرِّسالاتِ السَّماويَّة التي هي في لطائفِ معانيها ومكنُوناتِ مقاصِدها نورٌ لهُم وهُدًى.
إنَّ للقِمَّةِ الرُّوحيَّة التي تُـمثِّلُون مَزيَّـةَ التلاقي في رِحابِ الإيمان بالكُتُبِ الـمُوحَى بها من الله العزيزِ الحكِيم، ﴿نُورُ السَّمواتِ والأرض﴾، منهُ الحياةُ التي "كانتْ نُورَ النَّاس" تجمعنا إرادةُ فعل المحبة، التي من ثمرها الطيب اللقاءُ والوقوفُ على ما يُملِيه علينا الحقُّ والخيرُ والسّلام. ولدينا جميعاً الفُسحةُ النُّورانيَّة من الـمُشترَكاتِ الإنسانيَّة التي تُحفَظُ فيها القِيَمُ الخالِدةُ لكلِّ حركةٍ حضاريَّةٍ بالمعنى الإنسانيّ النبيل، قِيـَمُ العدْلِ والبِرِّ والرَّحمةِ والـمَحبَّةِ والحِلْمِ والتَّواضُعِ والوَداعَةِ وانْكسارِ الأنَانيَّةِ لأنَّ استشعارَ وُجُودِ النِّعمةِ الإلهيَّة تُـثمِرُ في القلْبِ التَّقوى الَّتي هي ﴿خَيْر الزَّاد﴾ كما جاء في الكتاب الكريم.
إن لقاءنا اليوم هو في محل التقدير البالغ والإكبار المستحق، بما تمثلون ونُمثّـله وبما نحفظُه من أمانةِ التزامِنا بتلك القيَم، ومن موقع النُّصْحِ والدَّعوةِ إلى انتهاجِ سبيل الحِكمةِ وحَصافَةِ الرّأي والحِنْكةِ في إدارةِ الأمُورِ وحُسن التَّدبير، لكي نؤكِّدَ على الثَّوابتِ الوطنيَّة التي هي في الحقيقةِ الأسُسُ الـمتينةُ التي انبنى عليها الصَّرحُ الوطنيُّ الَّذي يظلِّلنا بسقفِه دولةً وشعباً ومؤسَّسات. والشَّعبُ حين يمنحُ الثِّقةَ لممثّليه فإنَّما يمنحُها للحفاظ على سلامةِ الصَّرح وأمنِه واستقراره وازدهاره لا للخلافات بينهم، كي تكونَ الحياةُ فيه كريمةً والعيْشُ رَغْداً والكرامةُ محفوظةً والمستقبلُ واعداً بكُلِّ خيْر.
لتكن تلك الثوابت والمبادئ في المستوى الذي يعلو فوق ساحة التنافس الديموقراطي الإيجابي الدائر وفق قواعد النظام الذي تحدّده القوانين والتشريعات الدستوريَّة. وأمّا إذا حصل العكس - وللأسف هذا ما تظهر بوادرُه بل ظواهرُه في المشهد السياسي العام خصوصا منذ نهاية الاستحقاق الانتخابي- فإنَّ ما يُخشى هو طغيان النزعات الشعبويَّة القائمة على أهداف "شدّ العصب الطائفي"، وهذا يقود إلى الوقوع في أسر دائرةٍ مُقفَلَة من التنافُر والتنافُر المُضاد ما يؤدّي بدوره إلى عواقب وخيمة في بُنية وطنِنا المُهدَّد بالكثير من الأزمات في شتَّى الحقول.
وأنَّ الاحتكامَ إلى الدَّولةِ ومؤسَّساتِها الدُّستوريَّة والقضائيَّة والأمنيَّة ليس خِياراً يَنتقِيهِ هذا الطَّرَفُ أو ذاك، بل هوَ التزامٌ بالعقدِ الاجتماعي الذي ارتضاهُ الشَّعبُ الَّذي هو مصدرُ السُّلطةِ. 
وبالطَّبعِ، يبقى "كَنْزُ المصالحة"، وفق وصف غبطة البطريرك الراعي بحقّ، أمراً جوهريّاً برسم التحقُّق الدائم المتواصل، والأحرى أن يكون نهجاً عامّاً لكلِّ اللبنانيِّين حين يتطلَّب الأمرُ ارتقاءً سامياً فوق الشَّحذِ الطائفيّ البغيض، وظلمة الأزمَات عند غفلات العقل والرُّوح. وإننا لنعتبر الجبل أساساً "لوحدة الأرض والإرادة" استناداً إلى التاريخ، ليس في سرد الوقائع فيه، بل خصوصاً في ضمائر الناس ووجدانها وتراثها الذي يمتلك الكثير الكثير من المساحات المشتركة التي جعلت من لبناننا العزيز وطناً فريداً مُميَّزاً علينا أن نستحقَّه.
من هنا من داركم دار كل اللبنانيين، دار المسلمين الموحدين الدروز جميعاً، نرفع معكم نداءً استثنائياً في هذا الزمن الاستثنائي الصعب والتي تمر به بلادُنا حيث المخاطر تحُدِق بنا والأزمات تعصف بكل قوة في منطقتنا.
نداؤنا هو نداء المسؤولية، ونداء المحبة، المسؤولية التي يجب على كل مسؤول من موقعه التحلي بها قبلَ كل شيء، المسؤوليةُ الوطنية والإنسانية التي بها فقط يتحققُ الاستقرار وينقضي التعصب والاحتقان، فليكن كلُ مسؤولٍ على قدر ما هو ملقى على عاتقه، وعلى قدر آمال اللبنانيين الذين يريدون الحياة الكريمة على قاعدة المواطنة والحرية والأمن والازدهار، وكيف يتحققُ ذلك في ظل شحن النفوس؟ بدلاً من التعالي والتسامح، وكيف نضمن الازدهار والتقدم في ظل تعطيلِ عملِ الحكومة ومحاصرةِ موقع رئاستها وشلّ اقتصاد البلاد، وكيف يكون الأمنُ والاستقرارُ في ظل عودة الخطاب إلى مآسي الماضي وأثقاله التي طويناها جميعاً إلى غير رجعة بإذنه تعالى.
هو نداء المحبة إلى اللبنانيين: عودوا إلى أنفسكم، أقيموا على المحبة والتعاطف علاقاتكم، تحرّروا من أحقادكم، تعاونوا فيما ينفعكم ويرفع من مستوى حياتكم، تحابَوا، سيروا على هدى العقل لا الغريزة، انبذوا صغائر السياسات، وفساد الغرضيات.
ومن دار الموحدين الدروز، نتوجه إلى فخامة رئيس الجمهورية بما يمثله من موقعٍ دستوريٍّ مؤتَمنٍ على الدستور وعلى الميثاقِ الوطني ومندرجاتِ اتفاق الطائف. وعلى منع كل ما يناقض صيغةَ العيشِ المشترك؛ والمسؤولُ الأول والأخير عن تحويل عهدِه الرئاسي الى عهدِ إنتاجٍ وخيرٍ وبحبوحةٍ وأمنٍ على كل اللبنانيين، ندعوه الى جمع اللبنانيين تحت سقف هذه الثوابت، ومنع أي سعيٍ لضربِ ركائزِ الصيغةِ اللبنانية وأسُسِ قيامِ الِكيانِ اللبناني المبنيّ على الحريات والتنوعِ والتعدديةِ والديمقراطيةِ والتوازناتِ الوطنيةِ والشراكةِ ونبذِ الإلغاءِ وَالاستفرادِ والاستئثار والاستقواء. وسوف يكون الكلُّ معكم للنهوض بلبنان مالياً واقتصادياً ومعيشياً. رجاؤنا أخيراً أن نخرجَ بأسرع وقتٍ من الأزماتِ وأن نستعيدَ معاً عافيةَ لبنان، وعملَ مؤسساته، لتحقيقِ ريادتهِ في كل المجالات.
سائلين الله تعالى أن يلهمَنا إلى ما فيه رضاه، وأن يسدِّد خطانا في كلِّ خيْر، وأن يهبَنا بألطافه وأنواره البصيرةَ النيِّرةَ التي تهدينا سَواءَ السَّبيل وتثبِّتُ نفوسَنا في طاعته، لا إلهٌ غيرُه ولا معبودٌ سواه.
والسَّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.