المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الأربعاء ٢٤ نيسان ٢٠٢٤ - 15 شوال 1445
لمناسبة عيد المولد النبوي الشريف 14/2/2011، وجّه سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن رسالة، جاء فيها:

2011-02-14

 لمناسبة عيد المولد النبوي، وجّه سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن رسالة، جاء فيها بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالَمين، والصّلاة والسّلام على سيِّد المرسلين، وآله وصحبه أجمعين، إلى يوم الدِّين إنها، بنعمة الله وفضله العميم على الأمَّةِ والإنسانيَّة جمعاء، ولادةُ الأمَل والبشارة والنور الذي شقَّ حُجبَ الظلام وعتمة الجاهليَّة، ورسالة الرَّسول النّذير، خاتم الأنبياء، وقارئ وحي الله، والناطق بالحقّ كما قال الله تعالى في كتابِه المجيد ﴿يا أيُّها النبيُّ إنّآ أرسلناكَ شاهِدًا ومُبَشِّرًا ونذيرَا* ودَاعيًا إلى الله بإذنِه وسِراجًا مُنيرا*﴾ (الأحزاب 45-46). وليس المؤمن بغافل عن مقاصد النِّعمَة، وسرِّ حكمة الخالق الحكيم، فهو إذ يقفُ مستذكرًا ومستشعرًا معنى هذه الذِّكرى، يخشع قلبُه، وتخضع جوارحُه، ويسكن خاطرُه مستبصرًا ما أراده الله سبحانه وتعالى له من خير وهدى وإنابة إلى ما فيه يقظة النفوس، وحياة الأرواح، وقُـرَّة الأعيُن، فيكون إذّاكَ، إحياؤه لمعنى هذه الذِّكرى، اتّصالاً بالنِّعمَةِ، واغتباطًا حقيقيّا بإدراك غاياتها الشريفة السّامية، وتحقيقًا مُبارَكًا لثمَراتِ المعرفَة والتزام فضائلها التي بها يتحقَّقُ المعنى الإنسانيّ في أرقى مظاهره، ومكنون لطائف وجوده الَّذي كرَّمه الله تعالى إذ قال ﴿ولقد كرَّمنا بني آدم وحملناهُم في البّرِّ والبَحر ورزقناهُم منَ الطّيِّباتِ وفضَّلناهُم على كثيرٍ ممَّن خَلقنَا تفضيلا﴾ (الإسراء: 70). علينا أيُّها الإخوة أن نُحسنَ اقتباس لطائف فضل الله علينا، فنُطيِّب قلوبنا، ونُخلص نوايانا، ونعقدُ إراداتنا وفق ما اقتضاه الله تعالى لنا من الحقّ الَّذي تنزَّل على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلَّم، فأيقظَ الأفئدة، وأحيا الهمَم، وأضاء العقول، وكان إذّاك التوفيق العظيم، والفضلُ العميم، الَّذي أخرجَ النّاسَ من كهف الأنانية والجاهليَّة والعصبيّات القبليّة إلى رحابة الإيمان، وفسحة العِلم الشّريف، فصار الأوائلُ بإخلاصهم وتفانيهم وتعاضدهم والتفافهم بعضهم على بعض كالبنيان المرصوص ﴿خير أمّة أُخرجت للناس﴾، أمّة وسطى، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، تدعو إلى التعارف بين الناس على قاعدة التقوى والالتزام الثابت بالأخلاق الحميدة، والسّجايا الإنسانيَّة المتعالية عن نوازع الطمع والجشع والتّسلُّط والغَلَبة من حيث هي طامسةٌ للمعاني الإلهيَّة اللطيفة، ومُفسِدةٌ للطبائع الإنسانيَّة المجرّدة من هوى النفس الأمّارة بالسّوء، فيتحقَّق إذّاك المقصد الأسنى، والمطلب الأرقى من الرِّسالة الإلهيَّة التي انتُجب لإيصالها الرّسولُ المصطفى صلوات الله عليه. إنّنا، من قلبِ معاني هذا اليوم العظيم، ندعو إلى الإنابةِ لحقائق معنى الذكرى النبويَّة (التي هي في كلّ حال معنى موصول على مرّ الأيام والليالي بلا انقطاع)، كي نُسلِّمَ قلوبَنا للحق صادعين له، ونرقى، من أجل خير مجتمعنا وأمّتنا، إلى المستويات اللائقة بمقاصدها، فنرفع معاني البذل والتضحية والتلاقي والتعاضد والوحدة إلى المقام الأوّل في نفوسِنا، ونتّجه بالإرادات الطيِّبة إلى ما يجمع الشّمل ولا يصدِّع الصفوف، وإلى ما يسوِّي الصّفوف ولا يمضي بها إلى شتات وفرقة. إيماننا راسخ ويقينيّ أنَّ لدى كلّ القيادات في لبنان حسًّا راسخًا بما هي المصلحة الوطنيَّة العُليا، ولو اختلفت بهم وسائل تحقيقها واتّجاهات التعبير عنها. إنّ هذه معادلة أثبتتها كلّ الوقائع التاريخيَّة التي شهدت ولادة معادلات التسويات التي ساهمت في استقرار البلد وأمنه ووحدته، والعكس صحيح حيث أن كلّ نزوع إلى الفرقة والغَلبَة أدى إلى النّزاعات والخراب. إنّنا، ببركة هذه الذِّكرى، ندعو اللبنانيين إلى التعاضد، وقد بات من الضروري على المسؤولين في ضوء التطورات الحاصلة في المنطقة الإصغاء إلى صوت الناس وهمومهم اليومية والمعيشية والإسراع في تأليف حكومة تنقذ البلاد وتحصّنها في وجه كل التحديات الاقتصادية والسياسية بما يحفظ المكتسبات الوطنية التي تحققت بفعل دماء الشهداء وتضحيات اللبنانيين، ويقوّي مناعة لبنان وجيشه الوطني ومقاومته في وجه العدو الإسرائيلي الغاشم الذي ما انفكّ يعتدي على سيادتنا دون أي رادع تحت أنظار المجتمع الدولي. وفيما نحن نستقبل ذكرى ولادة النبي الأكرم (ص) المباركة، نستلهم من هذه المناسبة دعواتٍ خالصة إلى تطبيق الوحدة وتمتينها على كافة الأصعدة. وما أحوجنا اليوم وفي كل يوم إلى وحدة في العالم الإسلامي، وحدة حقيقية حصينة تمنع أي دخول مشبوه من شأنه زرع الشقاق وبثّ روح الفتنة بين المذاهب والطوائف الإسلامية، وما أحوجنا في العالم العربي إلى وحدة عربية جامعة وإلى نهضة شاملة تعيد إلى الشعوب العربية موقعها على الصعيد الدولي، علينا أن نسمع جيِّدًا صوتَ الشّعب. لقد سمعناه في تونس ومصر، وكان مدويّا عاليًا وحاسمًا، لقد ثارت الهممُ ضدّ مكامن العلل في طرائق الحُكم، فصرخ الشعبُ مطالبًا بالخبز والحرِّيَّة والعدل والصدق. وانفجر الغضب ضدّ الفساد والاحتكار والاستئثار والظلم والقهر. يجب أن تتردَّد أصداء هتافات الشعوب الثائرة في ضمائر كلّ الحكّام، إنّها أصداء متآلفة مع مقاصد الرِّسالة النبويَّة، خصوصًا العدل بين النّاس. وفي هذه المناسبة أيضاً، لا يسعنا إلا أن نستذكر فلسطين والقدس، فيما الكيان الإسرائيلي يواصل عملياته الاستيطانية واعتداءاته على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وغيرها، في ظل غياب موقف فلسطيني موحّد وغياب الموقف العربي والإسلامي لمجابهة خطر التصفية التيع ندعو الله سبحانه وتعالى أن ينفّعنا ببركة هذه الذِّكرى، وأن يضيءَ قلوبَنا بمعاني نعمته العظيمة، وأن يوحِّدَ شملَنا في وطننا وأمّتنا، وأن يجمعَ إراداتنا في الخير، وأن ينهضَ بهممنا لاقتباس لطائف كرمه، وأن يوقظ صدورنا لوعي ما نطقَ به النبيُّ العظيم من آياتٍ، وأن يعيده علينا وعلى شعوبنا بالعزّة والسؤدد وموفور الكرامة بتوفيقه وفضله، إنّ ربِّي سميعٌ مجيب ذو الفضل العميم.
بيروت في:14/2/2011