*سماحة شيخ العقل في تشييع الأديب الأزهري شوقي حمادة في بعقلين: "معه تصدّينا وقادة الجبل وأهل الفكر لمحاولات ضربِ أصالتنا العربية الإسلامية"*
2025-09-28
شارك سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، في مأتم مهيب اقيم اليوم للأديب الأزهري والمرجع اللغوي المرحوم المربي الأستاذ شوقي سميح اليوسف حمادة، على رأس وفد من المشايخ ومن اعضاء المجلس المذهبي، وذلك في دار بلدة بعقلين، إلى جانب مشاركة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وكتلة اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط، النائب مروان حمادة، وأعضاء من مجلس قيادة التقدمي ورؤساء بلديات وجمع من رجال دين وفعاليات اجتماعية وثقافية واهلية.
شيخ العقل
والقى سماحة شيخ العقل خلال التشييع كلمة تأبين للراحل، قائلا:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى في مُحكم تنزيله: "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ"
حضرةَ المشايخ الأفاضل، عائلة حمادة الكريمة، معالي الأستاذ مروان حمادة المحترم، أهلنا في بعقلين والجبل، أهلَ الأدب والذوق والإيمان، أيُّها الأكارم،
نقفُ وإيَّاكم اليومَ صاغرين خاشعين في مواجهة الحقيقة، والحقيقةُ قائلةٌ: "كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموت"، "وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا"، فلماذا نستغربُ ولماذا نعترضُ، وفي الموت ولادةٌ وفي الموت حياة:
"الموتُ حقٌّ، والحياةُ تواصُلٌ والعمرُيَمضي والمدى يتجدّدُ"
نعم أيُّها الأخوةُ نواجهُ الحقيقةَ اليومَ بالرضا والتسليم، وبالشهادة للراحل العزيز، أستاذِنا الأزهريّ شوفي اليوسُف حمادة، وكأننا في وداعه نودِّع عِمادةَ الأدبِالصحيح واللسان العربيِّ الفصيح، كيف لا؟ وهو مَن أُعطيَ العلمَ فقدَّر، ووُهِبَ الفضلَ فشكر، وهُو اللائذُ منذ البدء في حِمى الإسلام والإيمان، والعاملُ بجِدٍّ من أجل كرامة الإنسان".
اضاف: "نفتخر ونعتزُّ في هذا الجبل وفي مجتمع المعروف والتوحيد بأديبٍ ألمعيٍّ من أدبائنا، وباحثٍ متعمِّقٍ في العلوم اللغوية والإسلامية من أهلنا؛ كاتبٍ دقيقٍ رقيقٍ عميق، وخطيبٍ مُفوَّهٍ بارع، رصينِ العبارة، عذبِ اللفظِ والنُطق، متميِّزٍ بفصاحته وبلاغته وخطِّه اليدويِّ المنسَّقِ الجميل الذي أتحفنا به مرَّاتٍ عدَّة، كما أتحف به العديدَ من أصدقائه عبر رسائلَ قصيرةٍ معبِّرة مضموناً وأسلوباً ومظهراً، وبكثيرٍ من الأدب والتهذيب والدقَّة والبلاغة. هذا بعضُ ما قلتُه في فقيدنا الغالي يوم تكريمه في مكتبة بعقلينَ الوطنية منذ ثلاث سنوات، وهو من لمعَ اسمُه باكراً، فعرفناه في مطلعِ فتوَّتِنا وشبابِنا كاتباً مميَّزا على صفحات مجلّة الضُّحى يوم كان أميناً على بعض أبوابها ومؤتَمناً ومستشاراً لدى علمٍ من أعلام الموحدينَ الدروز المرحومِ الشيخ محمد أبو شقرا شيخِ العقل الأرفع للطائفة آنذاك، الذي أدرك ما يختزنه ذلك الشابُّ القادمُ من جامعة الأزهرِ في القاهرة من نبوغٍ وثقافةٍ عالية، والمتقدِّمُ على سواه ممَّن تخرَّجوا وتخصَّصوا في اللغة والفقه والأدب، فاحتفى الشيخُ الوَقورُ بالشابّ الأزهريِّ الواعد، واغتنى الشابُّ الرزينُ المتحدِّرُ من عائلةٍ معروفيّةٍ عريقةٍ بحكمة الشيخ وصدق حَدسِه وحُسن رعايتِه".
وتابع: "شوقي حمادة، لا ننسى أننا تصدّينا وإيّاك وقادة الجبل والفكر والمجتمع لمحاولات ضربِ أصالتنا العربية الإسلامية والإساءة إلى وحدتنا المعروفية والوطنية، وأنك كنتَ دائماً إلى جانب أهل التوحيد وقيادةِ الجبل الحكيمة، وإلى جانب قريبِك الأستاذ مروان حمادة الحافظِ لتراثِ الأجداد والأمجاد، والثابتِ في المواقفِ الوطنية والمصيرية، والمتخطّي بوعيٍ وترفُّع حواجزَ الغدر ومحاولاتِ الاغتيال، والمتجاوزِ بمرونةٍ وحكمة كلَّ أنواع التحدياتِ، والجميع يعرفُ أننا نعيش في بلدٍ يُكمنُ أبناؤه الضغينةَ تجاه بعضِهم بعضاً، فيفجِّرونها عند حصول هفوةٍ من هنا أو عبارةٍ ملتبسة من هناك، ولا يفهمون أن روابطَ المحبة أمتن من خيوط الكراهية العنكبوتية، فيحوِّلون معركتَهم من أجل بناء الدولة والوطن إلى مواجهةٍ داخليةٍ عبثية، بينما نُصرُّ نحن على أن عملية الإصلاح والإنقاذ تحتاج إلى ترسيخ مفهوم الشراكة الروحية الوطنية التي لا حياةَ إلا بها. شوقي حمادة، لا ننسى أنك أنت من شجّعتَنا في البدايات، وشددتَ على أيدينا، وقد كنَّا طلابَ علمٍ ومعرفة، فزوّدتنا بمعلومات مفيدة من لدنك، شعراً ونثراً، أدباً وتاريخاً، لذا جئنا لنودّعك اليوم كما جئنا لنكرِّمَك بالأمس، إلى جانب جمعٍ من أهلك ومحبيك وعارفيك، لأكثرَ من سببٍ ودافع، ليس بدافع المحبة وحسب، ولا بدافع التقدير من مشيخة العقل فقط، بل لنكون شاهدين معَ من يشهدونَعلى ما تستحِقّه من تكريمٍ وتقدير، لعلّ في ذلك بعضَ وفاء ونفحَاً من عطاء، تعلّمناه في مدرستِك الأخلاقيةِ الإنسانية، ولعلّ في ذلك تأكيداً منّا على رسالةٍ نحملُها في مشيخة العقل وفي المجلس المذهبي، وقد كنت تعتزُّ بها، رسالةِ انفتاح الدين على المعارف والعلوم، ورسالةِ الارتقاء بالثقافة لتكون سبيلاً لتحقيق غايةِ الدين في بناء عالَمٍ أكثرَ إنسانية، وفي ذلك تلتقي الرسالتان؛ رسالةُ العلم والثقافة ورسالةُ الدين والتوحيد".
ومضى يقول: "قال تعالى، "مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ رِجَالࣱ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَعَلَیۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن یَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبۡدِیلࣰا". لقد عاهدتَ بأن ترفعَ اسمَ بعقلينَ والجبلِ عالياً فصدقت، فتحيةً لروحِك الغالية وتحيةً لبعقلينَ العزيزةِ، وهي تودِّعُك اليومَ مكرَّماً بإرثك الأدبيّ والاجتماعيّ، وبما كان كامناًفيك من صفات، لا بما أضفيناهُ عليك من مواصفات، وأنت مَن كنت لا تبخلُ عليها وعلى مجتمعِك الشوفيِّ والوطنيِّ بوِقفةِ فخامةٍ وأدب، والجميعُ يعرفُ أن شوقي حمادة لا يُجارى في الفخامة عند اعتلاء منابر الخطابة، فإذا أوجزَ أعجزَ، وقد كنّا نشتاق دائماً لكلماته المنتقاةِ بدقّة، ولخاتماتِ كلامِه المختصّرِ بإعجازٍ شعري قلَّ نظيرُه، ولذا أسمح لنفسي أن أُجاريَه في هذه اللحظة المؤثِّرة فأُعيدَ ما ختمتُ به في تكريمه قائلاً:
شوقي لشوقي كشوقِ العينِ للهُدُبِ… شوقي كتابٌ، وبي شوقٌ إلى الكُتُبِ…
شوقي كجمرٍ تراهُ كامنـاً، فإذا نفختَ فيهِ تجلَّتْ روعةُ اللَّهَـبِ…
وختم سماحته: "بمزيدٍ من الإيمان والرضا بقضاء الله والتسليم لأمره نودِّعُك أيُّها الصديقُ الغالي، سائلين لروحك الرحمة والغفران، ولمحبيك وأهلك الصبر والسلوان، وراجين أن تُفتَحَ خزائنُ كنوزِك الأدبيةِ لطالبي العلم والمعرفة لعلَّهم بها يستنيرون وبك يقتدون.
عظّم الله أجورَكم وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون".
وكانت القيت كلمات رثاء عدة تناولت مسيرة الراحل الأدبية والاجتماعية، وأشادت بمزاياه الحميدة وصفاته الحسنة. فكان تعريف من مكرم الغصيني، تلاه الشاعر عصام الحميدي بقصيدة، ثم امين عام اتحاد الكتاب اللبنانيين الدكتور أحمد نزال، ثم السيد أسامة القعسماني باسم جمعية الزهرة، والاستاذ حسان منذر باسم أصدقاء الفقيد، والأستاذ بدري تقي الدين باسم منتدى الشعر في بعقلين، وكلمة العائلة ألقاها النائب مروان حمادة شاكرا خلالها كل من حضر لتقديم العزاء ومواساة العائلة.
ثم أمّ سماحة شيخ العقل الصلاة والى جانبه المصلّي الشيخ ايمن عامر، ليوارى الجثمان الثرى في مدافن العائلة في البلدة.