المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الاثنين ٢٠ كانون الثاني ٢٠٢٥ - 20 رجب 1446
سماحة شيخ العقل في اجتماع الهيئة العامة للمجلس المذهبي: الموحِّدون ‏في سوريا هم ركيزة أساسية من ركائز بلاد الشام
جنبلاط: لست متخوفا من حكم أصولي إسلامي

2024-12-17

بدعوة من سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ‏ابي المنى، عقدت الهيئة العامة للمجلس المذهبي للطائفة اجتماعا استثنائيا لها ‏في دار الطائفة في بيروت اليوم، بحضور الأستاذ وليد جنبلاط ونواب ‏الطائفة والقضاة وأعضاء المجلس. وذلك لتدارس الأوضاع العامة ‏والتطورات في البلاد.‏
 
شيخ العقل
‏ واستهل الاجتماع بكلمة افتتاحية لأمين سر المجلس المذهبي المحامي رائد ‏النجار، والقى سماحة شيخ العقل كلمة، قائلا: ‏
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله الذي جعل لكل شيءٍ قدَرًا، وجعل لكل قدرٍ أجلًا، وجعل لكل أجلٍ ‏كتابًا.‏
أصحابَ المعالي والسعادة والفضيلة، أعضاءَ المجلس الكرام، الأخوةُ ‏الأعزّاء جميعاً،
 
يَسرُّنا أن نلتقيَ وإيّاكم اليوم في إطار الهيئة العامة للمجلس المذهبي لنتدارس ‏الأوضاعَ العامة والمستجداتِ المتسارعةَ في بلادنا، فنستمع إلى رأي معالي ‏الأستاذ وليد بك جنبلاط وآراء أصحاب المعالي والسعادة والأعضاء الكرام، ‏فنقرأ معاً واقعَ الحال ونتلمّس آفاقَ المستقبل، علَّنا نتمكن من مجاراة ما تجب ‏مجاراتُه ومداراةِ ما تجب مداراتُه، ونحن الذين ما كنَّا يوماً في هذه الدوحة ‏المشرقية سوى دعاةِ أخوَّةٍ توحيديّةٍ ورسالةٍ إسلاميّةٍ ووحدةٍ وطنيَّةٍ وهويّةٍ ‏عربيّةٍ أصيلة.‏
في لبنانَ انطوى المشهدُ بالأمس القريب على دمٍ ودمار وما يُشبه الانهيار، ‏ولكنّه أسفر عن اتّفاقٍ أوقفَ آلةَ الحربِ والقتل والتدمير؛ الأمرُ الذي يوجب ‏على الدول الكبرى المعنية والأممِ المتّحدة الضغطَ على العدوّ الإسرائيلي ‏لتطبيقِه وعدمِ خرقِه، وعلى الدولة اللبنانية وقيادةِ المقاومة الالتزامَ باحترامِه ‏وعدمِ السماحِ بتجاوزِه، وعلى جميع القوى السياسية مؤازرةَ الدولة في ‏نهوضِها وتحمُّلَ المسؤولية الوطنية في القيام بالواجب الدستوري لانتخاب ‏رئيسٍ للجمهورية دون أي مماطلة، إيذاناً بالبدء بانطلاق ورشة استعادة قرار ‏الدولة وبناء مؤسساتها. ‏
وفي سوريا انطوى المشهدُ أخيراً على انتصارٍ تاريخيٍّ على نظام القهر ‏والتطاول على الشعب السوري الشقيق وعلى لبنانَ وشعبِه، انتصارٍ يوجبُ ‏التهنئةَ والمبارَكة لأبناء سوريا الذين تحرّروا من السجن الكبير بعد سنواتٍ ‏طويلة من النضال وسنواتٍ أطولَ من تحمُّل الظلمِ والإهانة، ولكنّ هذا ‏الانتصارَ يحتاجُ إلى تعاونٍ وتبصُّرٍ من الجميع، وفي مقدَّمتِهم قيادةُ الثورة ‏والمرجعياتُ الدينية وقادةُ المجتمع، من أجل استثمار هذا الإنجاز التاريخي ‏في ما يخدمُ وحدةَ سوريا وتحقيقَ نهضتِها وتثبيتَ دورِها التاريخي في قلب ‏الأمّة، بدءاً بمحاصرة الفوضى وإنجاز الفترة الانتقالية بأكبر قدرٍ ممكن من ‏التفاهم والتعاون، وترسيخ أسس العدالة والمساواة واللاطائفية في دستور ‏البلاد الذي نأمل أن تشتركَ في إعداده جميعُ مكوِّنات الشعب السوري دون ‏استئثارٍ أو استبعاد، وكذلك في التأكيد على وحدة سوريا والتمسُّك بهويتها ‏العربية التاريخية، وهذا ما بدت تباشيرُه المُطَمْئِنة من قبل قيادة الثورة، وما ‏نرجو أن تستمرّ خطواتُه التالية بحكمةٍ وانفتاحٍ وجديّة في مسيرة إعادة قيام ‏الدولة.‏
 
وفي هذا الخضمِّ نؤكّد أنَّ إخواننا المسلمين الموحدين الدروز في جبل العرب ‏وفي الغوطة والإقليم وجبل السُّمّاق هم جزءٌ لا يتجزّأُ من الشعب السوري، ‏وقد كانوا دائماً طليعةَ المدافعين عن استقلال سوريا، والمطالبين دوماً ‏بالوحدة الوطنية، والمتمسِّكينَ أبداً بانتمائهم العربيِّ، وقد أثبت أبناءُ السُّويداء ‏في حراكهم السلمي وانتفاضتِهم الشعبية، أنّهم أحفادُ سلطان باشا الأطرش ‏وأبطالِ جبل العرب الذين كانوا بُناةَ الاستقلال وحماةَ وحدةِ الوطن، وأنَّهم ‏يتناغمون بالفعلِ معَ ثورة إخوانِهم المعارضين للنظام والمتصّدين له على ‏امتداد البلاد، كيف لا؟ وهم المتشبّثُون بأرضهم وهويّتِهم، والمستعدُّون دائماً ‏للشراكة الوطنية دون عِقَدٍ أو تردُّد، والمطالبُون بالعيش الكريم في أحضان ‏دولةٍ ديمقراطيةٍ عصريةٍ جامعة، كما أكَّد ويؤكِّدُ بثقةٍ وحكمةٍ وإقدام قادةُ ‏الجبل وأحرارُه الذين ناضلوا وجاهدوا ورفعوا الصوتَ عالياً منذ سنةٍ ‏وأربعةِ أشهرٍ بالتحديد دون كللٍ أو ملل.‏
إخوانُنا الموحِّدون في سوريا هم ركيزةٌ أساسية من ركائز بلاد الشام، وركنٌ ‏ثابتٌ من أركان سوريا، تغنّى بهم التاريخُ وأغنت تجربتُهم الصعوبات، وهم ‏اليومَ جديرون بالانعتاق من قيود دولة الفساد والإفساد التي قبضت على ‏الشعب السوري لمدّة نصفِ قرنٍ من الزمن، وقادرون على التفاعل مع ‏الواقع الجديد بانفتاحٍ وكلمةٍ موحَّدة ومسؤوليةٍ مشتركة. خصوصيتُهم يجبُ ‏أن تُحترَم، وتاريخُهم النضاليّ يجبُ أن يُؤخَذَ بعين الاعتبار من قِبل القوى ‏المنتصرة ومن قِبل الدول المَعنيةِ بالواقع الجديد، فهم لا يُقاسون بالعدد، بل ‏بالدور والتاريخ، وإذا كانت مشاركتُهم موجبةً وضرورية في مسيرة ‏النهوض، فإنّ إشراكَهم في عمليّة صياغة الدستور الجديد وبناءِ الدولة ‏الحديثة حقٌ وواجبٌ.‏
 
نعم أيُّها الأخوة، نلتقي اليومَ لنؤكِّدَ بأننا عائلةٌ توحيديةٌ معروفيّةٌ واحدة تمتدُّ ‏فروعُها وأغصانُها من لبنانَ وسوريا إلى الأردن والكرمل والجليل ‏والجولان، وإن كنَّا نتبادلُ المودَّةَ ومشاعرَ الأخوَّةِ في ما بيننا، وينتصرُ ‏بعضُنا لبعضٍ في الملمَّات، ونحثُّ أنفسَنا وإخوانَنا على ضرورة صَون ‏أصولِنا الإسلامية والعربية وهويّتِنا الروحية والتوحيديّة وإرثِنا العربيِّ ‏والوطنيّ وتقاليدِنا الاجتماعية الشريفة، إلَّا أنّنا نأبى التدخّلَ في ما لا يَعنينا ‏من سياسات الدول وما لا دورَ لنا فيه، ويتمسّكُ كلُّ مكوِّنٍ منّا بأرضه ووطنِه ‏ولا نرضى بالانسلاخ عنها تحت أية ضغوطاتٍ أو مُغريات، ولنا في إخوانِنا ‏وقادة مجتمعاتِنا في بلادِهم ملءُ الثقة باتّخاذ المواقفِ الصائبة التي يُمليها ‏عليهم تاريخُ الآباء والأجداد وواقعُ الحالِ والبلاد وواجبُ الحفاظ على الأولاد ‏والأحفاد.‏
 
أيُّها الأخوةُ أعضاءَ المجلس، أيُّها الحضورُ الكريم،
اسمحوا لي أن أُحيّيَ باسمكم جميعاً وباسم مَن نُمثِّل المواقفَ المشرِّفة لمعالي ‏الأستاذ وليد بك جنبلاط، حامدين الله على وجوده وسلامته، ومثمِّنين عالياً ‏قيادته الحكيمةَ والشجاعة في جميع المراحل الدقيقة التي مررنا بها، وقد ‏كانت المختارةُ دائماً صمَّامَ الأمان وقلعةَ الوطنية والعروبة، معَ زعيمِها ‏نتبادلُ الرأيَ ونحمي الطائفةَ والوطن، ومن عمقِ تجربتِه نستقي المواقفَ ‏الوطنية، وإلى جانبِه وجانب جميع المخلصين نسيرُ بثقةٍ واطمئنان، نواجهُ ‏ونصالحُ ونصون العيشَ المشترك، وبخيط التوحيد والمعروف ننسجُ علاقة ‏طيّبة مع جميع إخوانِنا الغيورين التوّاقين مثلَنا إلى صون الكرامة العامّة ‏وحفظِ المجتمع ونهضة الطائفة والوطن. ‏
 
لقد مررنا بأصعب المراحل وحافظنا على وجودنا وكنّا الأمناءَ على تراثنا ‏وبلادنا، وما المرحلةُ المصيرية التي تمرُّ بها المنطقةُ اليوم إلّا واحدةً من تلك ‏المراحل التي تستوجبُ المزيدَ من الوعي ووحدة الموقف والثبات، أمّا ‏المُغرِّدون خارجَ سرب الإرادة التوحيدية والوحدة الوطنية فلا يحقُّ لهم ‏التلطّي تحت عباءاتِ المشايخ الأجلَّاء وشعارات الذَّود عن الأرض ‏والعرض والكرامة.‏
 
تحيةً لأهلِنا في سوريا ولكلِّ أحرار سوريا، وتحيةً للدول العربية الشقيقة ‏وللدول الصديقة ولكل من نصر الحقَّ على الباطل، آملين أن يسودَ الحقُّ ‏دوماً وأن يَزهقَ الباطلُ إلى غير رجعة: "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ ‏الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" صدق الله العظيم. والسلام عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه.‏
 
جنبلاط
‏ وقال الاستاذ وليد جنبلاط في كلمته: أنَّه "منذ 16 آذار 1977، رفعنا ‏الشعار الشهير سيبقى فينا وينتصر، واليوم انتصر كمال جنبلاط والشعب ‏السوري وانتصرت الحرية في لبنان وسوريا، وسمير قصير الذي كان على ‏تواصل دائم مع الأحرار في سوريا أيام الربيع العربي، وكان يقول لا مجال ‏لاستكمال مسيرة الحرية إذا كانت سوريا أسيرة السجن الكبير. وأضاف ‏جنبلاط في لقاء استثنائي في دار الطائفة: "لا يمكن إلاّ أن نتعاطى بإيجابية ‏وانفتاح مع النظام الجديد، ولا بد من تصحيح بعض الأخطاء التاريخية عند ‏البعض، نريد سوريا ديمقراطية ومتعددة ومتنوعة يقرر أهلها مستقبلها، ‏نحترم الخصوصيات السورية ونساعد من بعيد ومن قريب عند الضرورة". ‏وتابع جنبلاط: ذكر المبعوث الدولي غير بيدرسون أمراً غريباً وهو تطبيق ‏القرار 2254 وكأنه يقول فلنعود ونعيد بشار ثم نسهم في الحكم، وأعتقد أن ‏هذه بدعة يريدها بعض الأجانب وبعض المستشرقين لأغراضهم الخاصة ‏المشبوهة، وقبل أن نحكم على النيات فلنحكم على الواقع، ولنتقدم في لبنان ‏بمذكرة توضح كيف نتصور سوريا المستقبل وكيف نرى سوريا المستقبلية ‏والعلاقات اللبنانية والسورية، وكيف نعيد النظر بمعاهدة الأخوة والصداقة ‏وحققنا في الماضي بعد 14 آذار مطلب السفارات باعتراف رسمي وهناك ‏مهمّة ترسيم الحدود أي شبعا وكفرشوبا ومهمات أخرى، ثم بلدين سياديين ‏مستقلين. ولفت جنبلاط إلى أنَّ "الطريق طويل جداً لكنّه سهل ولست متخوّفاً ‏مثل بعض الصحافة الأجنبية التي تقول إن هذا الحكم أصولي إسلامي، فلا ‏أوافق على هذا الامر، فلنعطِ الشعب السوري الذي خرج بعد 61 عاماً من ‏السجن الكبير فرصة التنفس فإلى الأمام في نصح ودعم الشعب السوري ‏حين نستطيع في مستقبله ومستقبلنا‎"‎‏.‏
 
ضو
والقى النائب مارك ضو كلمة مشتركة مع النائب فراس حمدان، بدأها "بتحية ‏لكل شهداء الوطن وكل من اغتيل او اعتقل او عذب او قتل على يد نظام ‏الأسد، السجن العربي الكبير قد خلع بابه، ولا طعم احلى من الحرية، ونأمل ‏ان يكون ما حصل في الشام يمهد لعودة دمشق مدينة العروبة الحقة وليس ‏وكرا للدجالين، ولأن سوريا هي الرابط لعمقنا العربي، وهي الرئة ‏الاقتصادية والبشرية والثقافية لأي مشروع ازدهار بلبنان، فما يحصل في ‏سوريا سينعكس علينا كدولة لبنانية وشعب، فان ما يمثله مجلسنا الكريم في ‏هذه اللحظة، والمسؤولية الملقاة على عاتقنا بهذه المرحلة، هي تاريخية ‏ومقررة للأجيال القادمة".‏
‏ أضاف: "الدور الريادي والقيادي لكافة المكونات الاجتماعية في لبنان هو ‏فائق الأهمية بهذه اللحظة، فتماسكنا هو الأساس بوجه أي محاولة لضعضعة ‏الداخل من قبل من يستسهلون تبديل جلدهم حسب الظروف، أو ‏من يبحثون عن رعاية خارجية. واداتنا الأكثر فعالية هو قوة مؤسساتنا، مثل ‏مجلسنا الكريم هذا. ولعل النقطة الأهم لقوة المجتمع اللبناني بكافة مكوناتهم ‏الاجتماعية هي قيامة دولة قادرة قوية في لبنان، تستعيد دورها ومكانتها بين ‏الدول العربية والعالمية، لأن تلك الدولة هي المنصة الوحيدة القادرة على ‏الحفاظ على علاقات ندية وصحية وسليمة مع سوريا الحرة، علاقات من ‏دولة الى دولة، لا تبعية فيها ولا تملق ولا عداء ولا شتائم، بل مصالح ‏مشتركة وتعاون وإيجابية، وهذه مهمة مستحيلة من دون اندفاعنا جميعا ‏لإصلاح تلك الدولة والانكباب على إعادة اعمارها والحفاظ على الاستقرار ‏فيها، وإبقائها ضمن حاضنتها العربية وبغطاء الشرعية الدولية تحت سقف ‏اتفاق الطائف وخاصة تنفيذ كامل لاتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ تنفيذه. ‏ونأمل ان يؤدي الى انسحاب الجيش الإسرائيلي من كامل الأراضي اللبنانية ‏وترسيم الحدود وتسليم كل السلاح خارج مؤسسات الشرعية للدولة. هذا ‏المسار يتطلب مقاربة مختلفة فيما بيننا، وبحاجة حقة لتضافر الجهود ‏والتعاون والتنسيق رغم الاختلاف بالسياسة في بعض الأماكن وببعض ‏الآراء".‏
 
حمادة
كذلك القى النائب مروان حمادة لفت الى الوقائع السياسية والأمنية الحاصلة ‏في سوريا، ومشددا على "وحدة الطائفة، خاصة بين سوريا ولبنان"، ومشيرا ‏الى "توغل إسرائيلي في مناطق حضر والمحيط، في مؤشر بالغ الدقة تجاه ‏جبل حوران. وان موقف مشايخ السويداء ومشايخ لبنان هو أساس برعاية ‏وليد بك وسماحة شيخ العقل كي نستطيع ان نكون أدوات أساسية، لكتابة ‏مرحلة سلطان باشا الأطرش". ‏

البيان الختامي
وفي الختام صدر البيان الختامي التالي: ‏
بسم الله الرحمن الرحيم
عقدت الهيئة العامة للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز اجتماعاً ‏استثنائياً برئاسة سماحة شيخ العقل الشيخ الدكتور سامي أبي المنى وحضور ‏معالي الأستاذ وليد بك جنبلاط وأصحاب المعالي والسعادة والفضيلة ‏الوزراء والنواب والقضاة وأعضاء المجلس، وذلك لتدارس الأوضاع العامة ‏والمستجداتِ المتسارعة في البلاد وتبادل الرأي حول واقع الحال وآفاق ‏المستقبل. ‏
 
وإذ رأى المجلسُ أن المشهدَ في لبنانَ وما خلفه العدوان الإسرائيلي قد ‏انطوى على دمٍ ودمار وما يُشبه الانهيار، لكنّه أسفر عن اتّفاقٍ أوقفَ آلةَ ‏الحربِ والقتل والتدمير، ما يوجبُ على الدول الكبرى المعنية والأممِ المتّحدة ‏الضغطَ على العدوّ الإسرائيلي لتطبيقِه وعدمِ خرقِه، وعلى الدولة اللبنانية ‏وقيادةِ المقاومة الالتزامَ باحترامِه وعدمِ السماحِ بتجاوزِه، وعلى جميع القوى ‏السياسية مؤازرةَ الدولة في نهوضِها وتحمُّلَ المسؤولية الوطنية في إنجاز ‏الواجب الدستوري بانتخاب رئيسٍ للجمهورية دون أي مماطلة إيذاناً بانطلاق ‏ورشة استعادة قرار الدولة وبناء مؤسساتها. ‏
 
كما رأى المجلس أن المشهدَ في سوريا ينطوي على انتصارٍ تاريخيٍّ على ‏نظام القهر والذل والتطاول الذي كان قابضاً على الشعب السوري الشقيق ‏والذي أصابَ بسهامه القاتلة لبنانَ وشعبَه، مباركاً لأبناء سوريا تحرّرَهم من ‏السجن الكبير بعد سنواتٍ طويلة من النضال وسنواتٍ أطولَ من تحمُّل الظلمِ ‏والإهانة، ومؤكداً أن هذا الانتصارَ يحتاجُ إلى تعاونٍ وتبصُّرٍ من الجميع، ‏وفي مقدَّمتِهم قيادةُ الثورة والمرجعياتُ الدينية وقادةُ المجتمع، لاستثمار هذا ‏الإنجاز التاريخي وتحقيق الغاية منه، بدءاً بضبط الأمور ومحاصرة الفوضى ‏وإتمام الفترة الانتقالية بأكبر قدرٍ ممكن من التفاهم والتأكيد على وحدة سوريا ‏والتمسُّك بهويتها العربية التاريخية وترسيخ أسس العدالة والمساواة ‏واللاطائفية في دستور البلاد الذي نأمل أن تشترك في إعداده جميعُ مكوِّنات ‏الشعب السوري دون استئثارٍ أو استبعاد، وهذا ما بدت تباشيرُه المُطمْئِنة، ‏وما نرجو أن تستمرّ خطواتُه التالية بحكمةٍ وانفتاحٍ وجديّة في مسيرة إعادة ‏قيام الدولة. ‏
 
وفي الختام أكَّد المجلس على ما يلي: ‏
‏- توجيه التحية والتهنئة والمباركة للشعب السوري على الإنجاز الوطني ‏التاريخي الذي تحقَّق بإصرارٍ قلَّ نظيرُه ونضالٍ طويلٍ وتكاتفٍ متين بين ‏أبناء سوريا، ودعوة الأشقّاء السوريين إلى التطلع بأمل كبيرٍ إلى مستقبل ‏واعدٍ لسوريا جديدة متطورةٍ وآمنة وحاضنة لجميع أبنائها، ومحافظةٍ على ‏وحدة شعبها وأرضها ومؤسساتها، سوريا الدولة الشقيقة للبنان ولباقي الدول ‏العربية، والمحورية الفاعلة في تحصين الموقف العربي وتوحيده إزاء ‏القضايا الوطنية والإقليمية والدولية، ولا سيما قضية الشعب الفلسطيني ‏والاعتراف بحقوقه المشروعة التي نصّت عليها القرارات الأممية، وإنشاء ‏دولته السيِّدة المستقلّة. ‏
 
‏- التأكيد على أنَّ إخواننا المسلمين الموحدين الدروز في جبل العرب وفي ‏الغوطة والإقليم وجبل السُّمّاق هم جزءٌ لا يتجزّأُ من الشعب السوري، بل هم ‏طليعةُ المدافعين عن استقلال سوريا، والمطالبين دائماً بالوحدة الوطنية، ‏والمتمسِّكينَ أبداً بانتمائهم العربيِّ، وهم الجديرون بالتمسك بهويتهم العربية ‏والحفاظ على إرثهم والوطنيّ والتجذّر بأرضهم الحاضنة لتراثِهم الروحي ‏والجهادي والاجتماعي، والمعتزُّون بنضالهم التاريخي المشرّف في مواجهة ‏كل أشكال الاحتلال والانتداب، وقد قدّموا على الدوام أفضل نموذج لتعلُّقهم ‏بالعروبة وبالوحدة الوطنية، خصوصاً إبّان الثورة السورية الكبرى بقيادة ‏سلطان باشا الاطرش، رغم كل الظروف والإغراءات، وهو ما سطّره ‏التاريخ بفخرٍ واعتزاز في معظم المراحل والمحطات المفصلية. - ⁠التأكيد ‏على الالتزام بنهج الأسلاف من قادة الجبل والطائفة الذين ⁠رفضوا ‏محاولات سلخهم عن محيطهم العربي وتقسيم وطنهم وتجزئته تحت أيِّ ‏شعار، وبالتالي السعي للحفاظ على هذا النهج وعلى إقامة أفضل العلاقات ‏مع جميع مكوّنات الشعب السوري وأطيافه، والانخراط مع قوى الثورة ‏والمجتمع في العملية السياسية من أجل بناء سوريا المستقبل كدولةٍ ‏ديمقراطيةٍ عصريةٍ جامعة. ‏
 
‏- التأكيد بأنّ الموحدين الدروز في بلاد الشام عائلةٌ توحيديةٌ معروفيّةٌ واحدة ‏تمتدُّ فروعُها وأغصانُها من لبنان وسوريا إلى الأردن والكرمل والجليل ‏والجولان، وأنهم، إن كانوا يتبادلون مشاعرَ المودَّةِ والأخوَّة في ما بينهم، ‏وينتصرُ بعضُهم لبعضٍ في الملمَّات، ويَحثُّون أنفسَهم وإخوانَهم على ضرورة ‏صَون أصولِهم الإسلامية العربية وهويّتِهم الروحية والتوحيديّة وإرثهم ‏العربيِّ والوطنيّ وتقاليدِهم الاجتماعية الشريفة، إلَّا أنّهم يأبَون التدخّلَ في ما ‏لا يَعنيهم من سياسات الدول، ويتطلّعون بعين الأمل والثقة إلى قياداتِهم ‏الوطنية لاتّخاذ المواقفِ الصائبة التي يُمليها عليهم تاريخُ الآباء والأجداد ‏وواقعُ الحالِ والبلاد وواجبُ الحفاظ على الأولاد والأحفاد. ‏
 
‏- التأكيد بأنّ إخوانَنا الموحِّدين في سوريا ركيزةٌ أساسية من ركائز البلاد، ‏وركنٌ ثابتٌ من أركان سوريا، تغنّى بهم التاريخُ وأغنت تجربتُهم ‏الصعوبات، وهم اليومَ محتفلون كأخوانهم السوريين بالانعتاق من قيود دولة ‏الفساد والإفساد والاستبداد التي قبضت على الشعب السوري على مدى ‏خمسين سنةً ونيِّف، وقادرون على التفاعل الإيجابي مع الواقع الجديد بانفتاحٍ ‏ومسؤولية، وإذا كانت مشاركتُهم موجبةً وضرورية في مسيرة النهوض، فإنّ ‏إشراكَهم بفعالية في العمليّة السياسية والعمل الحكومي، وفي صياغة الدستور ‏الجديد، وفي إدارات الدولة هو حقٌ وواجب، مع التأكيد على وحدة الموقف ‏الوطني واعتماد سياسة التسامحِ والانفتاح، والتمسك بمبادئ العدالة ‏والمساواة، وتبنّي النهج الديمقراطيِّ الحرّ. ‏
 
‏- الإعلان عن تشكيل وفد رسمي لزيارة سوريا لتقديم التهنئة لقيادة الثورة ‏باسم طائفة الموحّدين الدروز في لبنان تأكيداً على العلاقة التاريخية الطبيعية ‏الدائمة بين البلدين، وعلى دور طائفة الموحّدين الدروز الطليعي في جميع ‏مراحل النضال من أجل التحرّر والاستقلال وبناء الوحدة الوطنية وتأكيد ‏الانتماء العربي والإسلامي‎.‎