الشيخ فاضل سليم ممثلاً سماحة شيخ العقل د. سامي ابي المنى في الندوة الفكرية "خطورة وأبعاد التعرض للمقدسات الدينية
2023-02-07
بدعوة من رئيس المجمع الثقافي الجعفري للبحوث والدراسات الإسلامية وحوار الأديان العلامة الشيخ محمد حسين الحاج، بعنوان:
"خطورة وأبعاد التَّعرُّض للمقدسات الدينية"
شارك فيها كل من:
- فضيلة الدكتور الشيخ زياد الصاحب (عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى)
- سيادة الأب عبدو أبو كسم (رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام)
- فضيلة الشيخ فاضل سليم (رئيس المصلحة التربوية والدينية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز) ممثلاً سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى.
كلمة مشيخة العقل لطائفة الموحدين الدروز:
بسم الله الرحمن الرحيم
يُسعدني أن أشارككم الحديث اليوم في موضوع النّدوة هذه، ناقلاً إليكم تحيات سماحة شيخ عقل طائفه الموحدين الدّروز الشّيخ الدّكتور سامي أبي المنى، مستشهداً بنصٍّ من كتاب له، صَدَرَ في العام 2014 حول "المظاهر الثّقافية عند الموحدين الدّروز"، حيث يشيرُ فيه الى أهميّة المكان الذي يمارس فيه المؤمنون عبادتهم، فيقول: "ترتبط حياة المؤمنين الدّينية بأمكنة معيّنة يمارسون فيها عباداتهم أو يزورونها ويحجّون إليها قصداً للتّبرك وللتّعبير عن احترامِ وقدسيّة المكان. وإن كانت العبادة في الأصل لا تتوقف عند مكان مادّيّ وحسب، فإنَّ الله تعالى موجود في كل مكان، غير أن الإنسان المؤمن يشعر بالحاجة أحياناً الى لقاء خالقه في أمكنةٍ محدّدةٍ وضمن جماعات متوحّدة في طقوس مشتركة".
وقد جاء في الحديث الشريف: "ابنوا المساجد، فَمَن بنى لله مسجداً، بنى الله له بيتا في الجنّة." (رواه الطّبراني)
وفي هذا الحديث تأكيد على أهمية الأماكن المقدّسة بالنسبة للإنسان المؤمن، حيث يمارسُ معتقداته الدّينية. وحيث أنَّ الدّين من أجَلِّ الموضوعات التي يواجهها المرء في حياته لتعلُّقها المباشر بمسائل اعتقاداته العقلية والقلبية والرّوحية، وبالتالي بمسالكه وطرق عيشه ومعاملته لنفسه وأهله وسائر علاقاته بالمجتمع ووجوه الحياة وارتباط كل ذلك بمصيره ومآله في الدنيا والآخرة.
ولطالما كان الدين مرتبطاً بالحفاظ على كرامة الانسان وحريته فلا غنى عن الدّين لأي مجتمع حضاري، كونه يشكل أحد مكوناته الرّئيسية وضرورة ملحّة لأي مجتمع، لذلك جاء قوله تعالى مؤكداً على أن من يتعرض لبيوت الله فهو من الظّالمين، قوله تعالى: (وَمَن أَظلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) (سورة البقرة، الآية 114)
ولأن كان لا بد للإنسان المؤمن من مكان يمارس طقوس عبادته فيه، فإن الله عزَّ وجلّ، جعل مَن يتعرَّض لهذه الاماكن بالإساءة لها من الظالمين. إذ ترتبط أماكن العبادة بحق الانسان في التَّدين والإعتقاد، وفي ممارسة هذا الحق الذي منحه خالقه إياه كذلك جاء القانون ليضمن له هذا الحق ضمانا كاملاً، مؤكداً على عدم جواز المساس بحرية المعتقدات والمقدّسات الدّينية خشية وقوع الصّراعات الدّينية ونشوب الفتن الطّائفية.
إلاَّ انه وفي الآونة الأخيرة تتكرر حوادث التَّعرُّض للمقدسات والرُّموز الدّينية بحجة حرية التَّعبير وحرية الرَّأي، وأنّها حقٌّ يضمنُه القانون. لكن من الجدير ذكره أنَّ حرية المعتقد التي يكفلها القانون مشروطة بعدم الاخلال بالنّظام العام. كذلك يضمن الدّستور حرية التّعبير وإبداء الرّأي مع تقيِّد تلك الحرية بحُسن استعمالها وعدم تجاوز حدود معيّنة حيث تبدأ حرية الآخرين وحقوقهم ومنها رموزهم وشعائرهم الدّينية، وهذا ما يمكن قوله بالنسبة للأماكن الدينية.
إنّ أي تجاوز أو تعرُّض أو إساءه لرموز دينية، ومن ضمنها أماكن العبادة، لا تتوقف عند كونها جريمة يعاقب عليها القانون، إنما هي مسمارٌ يُدَقُّ في نعش المساعي الدّوليّة للتّلاقي والحوار بين الأديان وللعيش بسلام، والتي أثمرت جهودها عن إعلان وثيقة "الأخوّة الإنسانية".
لذلك فإنّه من المهم التّأكيد على أنَّ الأماكن المقدّسة أو تلك التي تُضفى عليها صفة القداسة، هي أماكن للعبادة والتَّقرُّب من الله عز وجل، وتطهير النُّفوس وتصفيتها من الأخباث والإرتقاء بها الى غاياتها الإنسانية، وللتّربية على القيم والفضائل الأخلاقية، وبالتالي لا يجوز استخدامها لغير الغرض الدّيني "المقدّس". فتنقلب مكاناً للتّربية على الحقد والكراهية ونبذ الآخر والتّطرُّف الأعمى، وإنتاج قنابل بشرية موقوتة نتيجة تعرُّضها لعمليات غسل الأدمغة بما يتناقض مع حقوق الإنسان والحرّيات المشروعة.
انطلاقاً من هذا التقدير للأماكن المقدَّسة، ومن ذلك الارتباط بين أهل الإيمان ومقدَّساتهم المتعلَّقة بالمكان، يمكننا الكلام عن خطورة التعرُّض لهذه الأماكن، والتي قد يحدث في أيَّام النزاعات والحروب والفوضى والعشوائية في المواجهات القتالية، كما حصل في لبنان أثناء الحرب الأهلية، أو ما سُمِّيَ حرب الآخرين على أرضنا، وكما حصل في سوريا وغير مكان، أو قد يحدث في أجواء الكراهية والحقد والعداوة الدينية والتعصُّب والتطرُّف المتنقِّل من مكانٍ إلى آخر، فيحصل الاعتداء على الأماكن المقدَّسة تعبيراً عن حقدٍ كامنٍ أو تنفيذاً لمخططاتٍ عدائية تخريبية نابعة من فكرٍ تكفيري أو انطوائي متحجِّر، وفي كل الحالات فإن مثل تلك الاعتداءات لا يمكن تصنيفها إلّا بالعمل الإجرامي الإرهابي المحرَّم، إذ هي اعتداءٌ على كرامة الإنسان المرتبط بهذا الأمكنة الرمزية، واعتداءٌ على الجماعة التي تنتمي إلى هذه الديانة أو تلك، وهو أمرٌ خطيرٌ لا أخلاقي وغير إنساني مهما كانت مبرِّراته ودوافعُه وأسبابُه.
وإنّه لَمِنَ المؤكَّد لِمَن يرجو حصاد نتائج تلك الأعمال، ليعلم أنه خائب مهزوم، بل إن من شأن ذلك ان يدفعَ بالمؤمنين الى مزيدٍ من التّمسك بعقائدهم الدّينية وحرصهم على رموزهم وشعائرهم والدّفاع عنها والتّصدي لكل من يناهضها او يتعرض لها بالإساءة. فإن التّعرّض للمقدّسات يعني المساس بعقيدة المؤمن، بتاريخه وحاضره ومستقبله، بكرامة الإنسان وشرفه وأثمن ما يملك. وهذا ضرب من ضروب الجنون، لا يقبله عاقل ولا يمكن أن يتصوّره عقل على وجه البسيطة، لأن ذلك تعدٍّ صارخ على حدود الله ومن تعدى حدود الله فقد ظلم نفسه.
مرَّت وتمرُّ منطقتنا بمراحل تاريخية مريرة، حصل فيها اعتداءاتٌ على أماكن مقدَّسة وعلى رجال دين في أكثر من مكان في شرقنا المعذَّب، وها إننا اليومَ أمام منزلقٍ خطير تدفع إليه الدول والمنظمات الإرهابية ما قد يؤدي الى ما لا تُحمَد عقباه من تفلُّتٍ وتخريبٍ وتفكيكٍ لأواصر الأخوّة والإحترام والعيش معاً بسلام، وليس أدلُّ على ذلك من الاعتداء الإسرائيلي على المسجد الأقصى واعتداء المنظمَّات المتطرِّفة في سوريا على أماكن العبادة وعلى الرموز الدينية، متجاهلين أن مثل هذه الأعمال التّخريبية لن تزيد المؤمن الاّ مزيدًا من التَّمسك والتّشبُّث بإيمانه وعقيدته ومقدّساته وعدم التّفريط ولو بجزء منها، وهذا ما يجب ان يعلَمه من تُسوِّل له نفسه القيام او التَّفكير بالتَّعدي على المقدّسات سواء أكانوا أفراداً أم جماعاتٍ او دولاً. فالرِّهانُ فاشلٌ بإذن الله تعالى وساقط.
وليكن شعارُنا الدائم: لا نعادي ولا نعتدي، لكن ندافع وننتصر.. والله وليُّ التَّوفيق، والسّلام عليكم ورحمه الله وبركاته.