المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الخميس ٢١ تشرين الثاني ٢٠٢٤ - 19 جمادي الأول 1446
الشيخ فاضل سليم ممثلاً سماحة شيخ العقل د. سامي ابي المنى في الندوة الفكرية "خطورة ‏وأبعاد التعرض للمقدسات الدينية

2023-02-07

بدعوة من رئيس المجمع الثقافي الجعفري للبحوث والدراسات الإسلامية وحوار الأديان ‏العلامة الشيخ محمد حسين الحاج، بعنوان: ‏
‏"خطورة وأبعاد التَّعرُّض للمقدسات الدينية"‏
شارك فيها كل من: ‏
‏- فضيلة الدكتور الشيخ زياد الصاحب (عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى)‏
‏- سيادة الأب عبدو أبو كسم (رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام)‏
‏- فضيلة الشيخ فاضل سليم (رئيس المصلحة التربوية والدينية في المجلس المذهبي لطائفة ‏الموحدين الدروز) ممثلاً سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ‏أبي المنى.‏
 
كلمة مشيخة العقل لطائفة الموحدين الدروز:‏
بسم الله الرحمن الرحيم
يُسعدني أن أشارككم الحديث اليوم في موضوع النّدوة هذه، ناقلاً إليكم تحيات سماحة شيخ ‏عقل طائفه الموحدين الدّروز الشّيخ الدّكتور سامي أبي المنى، مستشهداً بنصٍّ من كتاب له، ‏صَدَرَ في العام 2014 حول "المظاهر الثّقافية عند الموحدين الدّروز"، حيث يشيرُ فيه الى ‏أهميّة المكان الذي يمارس فيه المؤمنون عبادتهم، فيقول: "ترتبط حياة المؤمنين الدّينية ‏بأمكنة معيّنة يمارسون فيها عباداتهم أو يزورونها ويحجّون إليها قصداً للتّبرك وللتّعبير عن ‏احترامِ وقدسيّة المكان. وإن كانت العبادة في الأصل لا تتوقف عند مكان مادّيّ وحسب، فإنَّ ‏الله تعالى موجود في كل مكان، غير أن الإنسان المؤمن يشعر بالحاجة أحياناً الى لقاء خالقه ‏في أمكنةٍ محدّدةٍ وضمن جماعات متوحّدة في طقوس مشتركة".‏
وقد جاء في الحديث الشريف: "ابنوا المساجد، فَمَن بنى لله مسجداً، بنى الله له بيتا في ‏الجنّة." (رواه الطّبراني)‏
وفي هذا الحديث تأكيد على أهمية الأماكن المقدّسة بالنسبة للإنسان المؤمن، حيث يمارسُ ‏معتقداته الدّينية. وحيث أنَّ الدّين من أجَلِّ الموضوعات التي يواجهها المرء في حياته ‏لتعلُّقها المباشر بمسائل اعتقاداته العقلية والقلبية والرّوحية، وبالتالي بمسالكه وطرق عيشه ‏ومعاملته لنفسه وأهله وسائر علاقاته بالمجتمع ووجوه الحياة وارتباط كل ذلك بمصيره ‏ومآله في الدنيا والآخرة. ‏
ولطالما كان الدين مرتبطاً بالحفاظ على كرامة الانسان وحريته فلا غنى عن الدّين لأي ‏مجتمع حضاري، كونه يشكل أحد مكوناته الرّئيسية وضرورة ملحّة لأي مجتمع، لذلك جاء ‏قوله تعالى مؤكداً على أن من يتعرض لبيوت الله فهو من الظّالمين، قوله تعالى: (وَمَن ‏أَظلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) (سورة البقرة، الآية 114)‏
ولأن كان لا بد للإنسان المؤمن من مكان يمارس طقوس عبادته فيه، فإن الله عزَّ وجلّ، ‏جعل مَن يتعرَّض لهذه الاماكن بالإساءة لها من الظالمين. إذ ترتبط أماكن العبادة بحق ‏الانسان في التَّدين والإعتقاد، وفي ممارسة هذا الحق الذي منحه خالقه إياه كذلك جاء ‏القانون ليضمن له هذا الحق ضمانا كاملاً، مؤكداً على عدم جواز المساس بحرية المعتقدات ‏والمقدّسات الدّينية خشية وقوع الصّراعات الدّينية ونشوب الفتن الطّائفية. ‏
إلاَّ انه وفي الآونة الأخيرة تتكرر حوادث التَّعرُّض للمقدسات والرُّموز الدّينية بحجة حرية ‏التَّعبير وحرية الرَّأي، وأنّها حقٌّ يضمنُه القانون. لكن من الجدير ذكره أنَّ حرية المعتقد ‏التي يكفلها القانون مشروطة بعدم الاخلال بالنّظام العام. كذلك يضمن الدّستور حرية ‏التّعبير وإبداء الرّأي مع تقيِّد تلك الحرية بحُسن استعمالها وعدم تجاوز حدود معيّنة حيث ‏تبدأ حرية الآخرين وحقوقهم ومنها رموزهم وشعائرهم الدّينية، وهذا ما يمكن قوله بالنسبة ‏للأماكن الدينية.‏
‏ إنّ أي تجاوز أو تعرُّض أو إساءه لرموز دينية، ومن ضمنها أماكن العبادة، لا تتوقف عند ‏كونها جريمة يعاقب عليها القانون، إنما هي مسمارٌ يُدَقُّ في نعش المساعي الدّوليّة للتّلاقي ‏والحوار بين الأديان وللعيش بسلام، والتي أثمرت جهودها عن إعلان وثيقة "الأخوّة ‏الإنسانية".‏
‏ لذلك فإنّه من المهم التّأكيد على أنَّ الأماكن المقدّسة أو تلك التي تُضفى عليها صفة ‏القداسة، هي أماكن للعبادة والتَّقرُّب من الله عز وجل، وتطهير النُّفوس وتصفيتها من ‏الأخباث والإرتقاء بها الى غاياتها الإنسانية، وللتّربية على القيم والفضائل الأخلاقية، ‏وبالتالي لا يجوز استخدامها لغير الغرض الدّيني "المقدّس". فتنقلب مكاناً للتّربية على الحقد ‏والكراهية ونبذ الآخر والتّطرُّف الأعمى، وإنتاج قنابل بشرية موقوتة نتيجة تعرُّضها ‏لعمليات غسل الأدمغة بما يتناقض مع حقوق الإنسان والحرّيات المشروعة.‏
انطلاقاً من هذا التقدير للأماكن المقدَّسة، ومن ذلك الارتباط بين أهل الإيمان ومقدَّساتهم ‏المتعلَّقة بالمكان، يمكننا الكلام عن خطورة التعرُّض لهذه الأماكن، والتي قد يحدث في أيَّام ‏النزاعات والحروب والفوضى والعشوائية في المواجهات القتالية، كما حصل في لبنان أثناء ‏الحرب الأهلية، أو ما سُمِّيَ حرب الآخرين على أرضنا، وكما حصل في سوريا وغير ‏مكان، أو قد يحدث في أجواء الكراهية والحقد والعداوة الدينية والتعصُّب والتطرُّف المتنقِّل ‏من مكانٍ إلى آخر، فيحصل الاعتداء على الأماكن المقدَّسة تعبيراً عن حقدٍ كامنٍ أو تنفيذاً ‏لمخططاتٍ عدائية تخريبية نابعة من فكرٍ تكفيري أو انطوائي متحجِّر، وفي كل الحالات فإن ‏مثل تلك الاعتداءات لا يمكن تصنيفها إلّا بالعمل الإجرامي الإرهابي المحرَّم، إذ هي اعتداءٌ ‏على كرامة الإنسان المرتبط بهذا الأمكنة الرمزية، واعتداءٌ على الجماعة التي تنتمي إلى ‏هذه الديانة أو تلك، وهو أمرٌ خطيرٌ لا أخلاقي وغير إنساني مهما كانت مبرِّراته ودوافعُه ‏وأسبابُه.‏
 
‏ وإنّه لَمِنَ المؤكَّد لِمَن يرجو حصاد نتائج تلك الأعمال، ليعلم أنه خائب مهزوم، بل إن من ‏شأن ذلك ان يدفعَ بالمؤمنين الى مزيدٍ من التّمسك بعقائدهم الدّينية وحرصهم على رموزهم ‏وشعائرهم والدّفاع عنها والتّصدي لكل من يناهضها او يتعرض لها بالإساءة. فإن التّعرّض ‏للمقدّسات يعني المساس بعقيدة المؤمن، بتاريخه وحاضره ومستقبله، بكرامة الإنسان ‏وشرفه وأثمن ما يملك. وهذا ضرب من ضروب الجنون، لا يقبله عاقل ولا يمكن أن ‏يتصوّره عقل على وجه البسيطة، لأن ذلك تعدٍّ صارخ على حدود الله ومن تعدى حدود الله ‏فقد ظلم نفسه.‏
‏ مرَّت وتمرُّ منطقتنا بمراحل تاريخية مريرة، حصل فيها اعتداءاتٌ على أماكن مقدَّسة ‏وعلى رجال دين في أكثر من مكان في شرقنا المعذَّب، وها إننا اليومَ أمام منزلقٍ خطير ‏تدفع إليه الدول والمنظمات الإرهابية ما قد يؤدي الى ما لا تُحمَد عقباه من تفلُّتٍ وتخريبٍ ‏وتفكيكٍ لأواصر الأخوّة والإحترام والعيش معاً بسلام، وليس أدلُّ على ذلك من الاعتداء ‏الإسرائيلي على المسجد الأقصى واعتداء المنظمَّات المتطرِّفة في سوريا على أماكن العبادة ‏وعلى الرموز الدينية، متجاهلين أن مثل هذه الأعمال التّخريبية لن تزيد المؤمن الاّ مزيدًا ‏من التَّمسك والتّشبُّث بإيمانه وعقيدته ومقدّساته وعدم التّفريط ولو بجزء منها، وهذا ما يجب ‏ان يعلَمه من تُسوِّل له نفسه القيام او التَّفكير بالتَّعدي على المقدّسات سواء أكانوا أفراداً أم ‏جماعاتٍ او دولاً. فالرِّهانُ فاشلٌ بإذن الله تعالى وساقط.‏
‏ وليكن شعارُنا الدائم: لا نعادي ولا نعتدي، لكن ندافع وننتصر.. والله وليُّ التَّوفيق، ‏والسّلام عليكم ورحمه الله وبركاته.‏