الشيخ سامي عبد الخالق ممثلاً مشيخة العقل في الندوة حول السجون والكرامة الإنسانية
2023-01-26
شارك عضو المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز عضو الهيئة الوطنية العليا للسجون الشيخ سامي عبد الخالق في القسم الثاني من الندوة التي نظّمها مجلس كنائس الشرق الأوسط في 26 كانون الثاني في مقر المجلس في رأس بيروت وتم نقل وقائعها عبر تيلي لوميير.
افتتح الندوة الأمين العام الدكتور ميشال أ. عبس، وفي حين تناول القسم الأول البعد الاجتماعي، تناول القسم الثاني البعد الروحي والديني بمشاركة مندوب عن كل من الطوائف الأربعة الأكبر في لبنان، كما جاء في نصّ الدعوة.
كلمة مشيخة العقل لطائفة الموحدين الدروز:
"بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين...
تحملُ الكلمةُ الالهية في معناها اللدني اسرارَ الهدى الذي من شأنه ان يرقى بالانسان الى نور الاستبصار في حقائق الوجود، وصولاً الى حسن الطاعة، ومرآتُها الحقيقيةُ إرادةُ الله الرحمن الرحيم.
والرسالة الدينية نابعةٌ من تلك الإرادة، إذ هي رسالةُ رحمةٍ وتسامحٍ ومحبةٍ وأُخوَّةٍ إنسانية، هي رسالةُ عمل الخير، إذ لا يكفي الركوعُ والسجود والعبادة إذا لم يقترن ذلك بعمل الخير وبعيش حياة الرحمة والمحبة، لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"،
على الإنسان المؤمن أن يعيش معاني تلك الرسالة التي توفرُ السبيلَ إلى نمطٍ بنيويٍّ وأسلوبٍ منظمٍ وخلقيٍّ للحياة قائمٍ على أُسس اكتساب الفضيلة وإقامة التوازن في حياة الإنسان، أفقياً وعامودياً، فيتعمَّق هنا في علاقته معَ الله ويتوسَّع هناك في علاقته مع الناس، والسجينُ هو واحدٌ من أولئك الناس الذين أوقعتهم أعمالُهم أو أقدارُهم بين قضبان السجن لينالوا العقابَ الدنيويَّ المحكومَ بالقانون، بما في ذلك من عدلٍ أو ظلمٍ، ولكنَّ ذلك لا يعني على كلِّ حال التصريحَ بامتهان الكرامة الإنسانية.
من هنا يبرز الدورُ التوجيهي والتوعوي لرجال الدين في الحفاظ على كرامة السجين، بما هو إنسان، وبما لرحمة الله من اتِّساع، لقوله تعالى:"وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ"، والوقوف على أوضاعِهم، ومساعدتهم على تحمُّل مُوجبات العقاب المستحِقِّ لهم، وعلى القيام بفعل التوبة، وعلى مواجهة الصعوبات بمزيدٍ من الإيمان والصبر والشجاعة، ولمعالجة مشاكلهم الناتجة عن ظلمٍ وقهرٍ وخللٍ في ميزان العدالة، أو عن حالة نفسية أو صحية أو اجتماعية أو مادية لديهم.
يُوجب ذلك تنظيمَ الزيارات الدورية للسجناء ليتعلَّقوا أكثرَ بالأمل وكي لا يتملَّكَ فيهم اليأس، ولتركيز فعلِ الخير عندهم ونشرِ الوعي والمعرفة حول المباديء الاخلاقية والروحية، لتطمئنَ نفوسُهم بذكرِ الله وتسكنَ إلى رحمته وترضى بقضائه، بما يساعد في البحث عن حلولٍ ممكنة ومخارجَ مقبولة للحالة التي يعيشونها.
من الواجب الديني المطالبةُ باحترام كرامة السجين، وهذا لا يعني إلغاءَ العقابِ المتوجِّب والقصاصَ العادل المفيد، لقوله تعالى: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون"، فكما أنَّ القصاصَ حقٌّ وعدلٌ، كذلك فالتوبةُ ممكنةٌ والرجوعُ عن الخطأ بابُه مفتوحٌ ولا يجوزُ لإقفالُه، وبالتالي، لا بدَّ من المطالبة بأن تكونَ السجونُ مراكزَ إعادةِ تاهيلٍ ورعاية تفنحُ المجالَ أمامَ السجناء للاعتراف والتوبة والرجوع عن الخطأ، وليس أماكن توقيفٍ وتعذيبٍ وإذلال، ولا بدَّ من فتح المجال لتثقيف السجناء بالسماح لهم بمتابعة ترقِّيهم الروحي وتحصيلهم العلمي، من خلال برامج توعوية وإنشاء مكتبات عامة تؤدي دوراً مهماً في تحسين الوعي لدى السجين، مما يساعد في تقدّمه العلمي وترقِّيه وتقييمه الدقيق للواقع، وبالتالي الابتعاد عن الأفعال التي أدّت به إلى دخول السجن، تمهيداً لإعادة دمجه في المجتمع، ولتصويب اهتمامه لفعل الخير انطلاقاً من معرفة نتائجه الإيجابية.
لذلك من الواجب تضافر الجهود ودعوة المؤسسات الدينية والتربوية في كل طائفة لتوجيه رعاياها الى احترام القانون والابتعاد عن المخالفات والارتكابات، وبالتالي زرع بذور الإيمان الصحيح في قلوب التاشئة والتربية على القيم الأخلاقية والاجتماعية والوطنية المشتركة، وغرس ثقافة المواطنة في عقولهم وقلوبهم كي لا يتطرَّفوا في تعاملِهم ولا يتعصّبوا في علاقاتِهم، وكي يتوقوا إلى السعادة الحقيقية، من خلال بناء إنسانٍ مؤمنٍ راقٍ ومجتمعٍ فاضلٍ مُعافى وعالًمٍ إنسانيٍّ متقدِّم.
ولكنّنا إلى عدنا إلى الواقع في عالمنا اليوم، وفي غياب العدالة والإنسانية في تعاطي الدولة أحياناً مع المواطن وتغلغل المحسوبيات والاعتبارات الفئوية الخاصة في أسس مؤسساتها على حساب مفهوم الدولة الجامعة لمواطنيها، والتي يجب أن تقوم على قاعدة التساوي في الحقوق والواجبات، نرى أن كرامةَ المواطنين عامةً تتعرَّضُ للإهانة، وكرامةَ السجناء كذلك، حين يُصرُّ بعضُ مَن في الدولة على جعل الباطلِ حقاً والظلمِ الغاشمِ عدلاً والفسادِ واقعاً، وحين يحصلُ تباطؤٌ في المحاكمة، وحين ينظرُ أُولو الأمر إلى راحتِهم ولا يفكِّرون براحة السجين الإنسان، وحين يتسلَّلُ الفسادُ إلى داخل غرفِ العدالة، والانحرافُ إلى غرف السجون المكتظّة والمعرَّضة لنموِّ الآفات وسيطرةِ القويِّ على الضعيف وما شابه ذلك مما نسمعُ به وما هو حاصلٌ فعلاً في العديد من السجون.
لذلك كلِّه كان لا بدَّ من نشر الوعي حول موضوع السجون، ومن تحديد بعض النقاط الأساسية في كيفية معالجة الأمر من منطلقاته الأولى بدءاً من التربية العائلية والمدرسية والاجتماعية، ومن المطالبة برعاية الدولة لأبنائها وتحسين أدائها في ما يؤدي إلى حفظ حقوق مواطنيها وكرامتهم، وصولاً إلى معاملة السجين وتقديم الرعاية اللاحقة والحماية الاجتماعية له بطريقة إنسانية تحفظ كرامته وكرامة عائلته، ولذلك من الواجب التشديد على أهمية:
أولاً: غرس بذور الإيمان الصحيح في قلوب الناشئة، وتنمية روحِ الرجاء ومحبةِ الله لديهم، والتحذير من مغبَّة ارتكاب الموبقات والاعتداء على الآخرين.
ثانياً: التربية على ثقافة اللاعنف واحترام الحياة والتعاضد الاجتماعي.
ثالثاً: العمل على تحصين الدولة والمجتمع بتأمين الاستقرار السياسي والاقتصادي.
رابعاً: تعزيز مفاهيم الصدق التسامح والاستقامة والعدل بين الناس.
خامساً: نشر الوعي حول ثقافة المواطَنه ومعرفة الحقوق والواجبات.
سادساً: التكاتف والعمل معاً من أجل رعاية السجناء وتحقيق مطالب العدالة والإنسانية، فهذه المطالب تجمعُ العائلات الروحية على واجبٍ مشترَك، علينا جميعاً أن نقوم به متكاتفين، متعاونين.
سابعاً: مناشدة الدولة لدعم هذا التوجُّهِ الإنساني، والضغط على المسؤولين لوضعها في سُلَّم الأولويات، فالسجين إنسانٌ، والعنايةُ به واجبٌ دينيّ واجتماعي وإنساني.
وفَّقنا الله وإيَّاكم لما فيه خيرُ الإنسان وحفظُ كرامته، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه.