المجلس المذهبي | مجلة الضحي
السبت ٢١ كانون الأول ٢٠٢٤ - 19 جمادي الثاني 1446
الشيخ سامي عبد الخالق ممثلاً مشيخة العقل‏ في الندوة حول السجون ‏والكرامة الإنسانية

2023-01-26

شارك عضو المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز عضو الهيئة الوطنية العليا للسجون ‏الشيخ سامي عبد الخالق في القسم الثاني من الندوة التي نظّمها مجلس كنائس الشرق ‏الأوسط في 26 كانون الثاني في مقر المجلس في رأس بيروت وتم نقل وقائعها عبر تيلي ‏لوميير.‏
افتتح الندوة الأمين العام الدكتور ميشال أ. عبس، وفي حين تناول القسم الأول البعد ‏الاجتماعي، تناول القسم الثاني البعد الروحي والديني بمشاركة مندوب عن كل من ‏الطوائف الأربعة الأكبر في لبنان، كما جاء في نصّ الدعوة.‏
 
كلمة مشيخة العقل لطائفة الموحدين الدروز: ‏
 
‏"بسم الله الرحمن الرحيم ‏
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى جميع الأنبياء ‏والمرسلين...‏
تحملُ الكلمةُ الالهية في معناها اللدني اسرارَ الهدى الذي من شأنه ان يرقى بالانسان الى ‏نور الاستبصار في حقائق الوجود، وصولاً الى حسن الطاعة، ومرآتُها الحقيقيةُ إرادةُ الله ‏الرحمن الرحيم. ‏
والرسالة الدينية نابعةٌ من تلك الإرادة، إذ هي رسالةُ رحمةٍ وتسامحٍ ومحبةٍ وأُخوَّةٍ إنسانية، ‏هي رسالةُ عمل الخير، إذ لا يكفي الركوعُ والسجود والعبادة إذا لم يقترن ذلك بعمل الخير ‏وبعيش حياة الرحمة والمحبة، لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا ‏رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، ‏
على الإنسان المؤمن أن يعيش معاني تلك الرسالة التي توفرُ السبيلَ إلى نمطٍ بنيويٍّ ‏وأسلوبٍ منظمٍ وخلقيٍّ للحياة قائمٍ على أُسس اكتساب الفضيلة وإقامة التوازن في حياة ‏الإنسان، أفقياً وعامودياً، فيتعمَّق هنا في علاقته معَ الله ويتوسَّع هناك في علاقته مع الناس، ‏والسجينُ هو واحدٌ من أولئك الناس الذين أوقعتهم أعمالُهم أو أقدارُهم بين قضبان السجن ‏لينالوا العقابَ الدنيويَّ المحكومَ بالقانون، بما في ذلك من عدلٍ أو ظلمٍ، ولكنَّ ذلك لا يعني ‏على كلِّ حال التصريحَ بامتهان الكرامة الإنسانية. ‏
من هنا يبرز الدورُ التوجيهي والتوعوي لرجال الدين في الحفاظ على كرامة السجين، بما ‏هو إنسان، وبما لرحمة الله من اتِّساع، لقوله تعالى:"وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ"، والوقوف ‏على أوضاعِهم، ومساعدتهم على تحمُّل مُوجبات العقاب المستحِقِّ لهم، وعلى القيام بفعل ‏التوبة، وعلى مواجهة الصعوبات بمزيدٍ من الإيمان والصبر والشجاعة، ولمعالجة مشاكلهم ‏الناتجة عن ظلمٍ وقهرٍ وخللٍ في ميزان العدالة، أو عن حالة نفسية أو صحية أو اجتماعية أو ‏مادية لديهم. ‏
يُوجب ذلك تنظيمَ الزيارات الدورية للسجناء ليتعلَّقوا أكثرَ بالأمل وكي لا يتملَّكَ فيهم اليأس، ‏ولتركيز فعلِ الخير عندهم ونشرِ الوعي والمعرفة حول المباديء الاخلاقية والروحية، ‏لتطمئنَ نفوسُهم بذكرِ الله وتسكنَ إلى رحمته وترضى بقضائه، بما يساعد في البحث عن ‏حلولٍ ممكنة ومخارجَ مقبولة للحالة التي يعيشونها. ‏
من الواجب الديني المطالبةُ باحترام كرامة السجين، وهذا لا يعني إلغاءَ العقابِ المتوجِّب ‏والقصاصَ العادل المفيد، لقوله تعالى: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ ‏تَتَّقُون"، فكما أنَّ القصاصَ حقٌّ وعدلٌ، كذلك فالتوبةُ ممكنةٌ والرجوعُ عن الخطأ بابُه مفتوحٌ ‏ولا يجوزُ لإقفالُه، وبالتالي، لا بدَّ من المطالبة بأن تكونَ السجونُ مراكزَ إعادةِ تاهيلٍ ‏ورعاية تفنحُ المجالَ أمامَ السجناء للاعتراف والتوبة والرجوع عن الخطأ، وليس أماكن ‏توقيفٍ وتعذيبٍ وإذلال، ولا بدَّ من فتح المجال لتثقيف السجناء بالسماح لهم بمتابعة ترقِّيهم ‏الروحي وتحصيلهم العلمي، من خلال برامج توعوية وإنشاء مكتبات عامة تؤدي دوراً ‏مهماً في تحسين الوعي لدى السجين، مما يساعد في تقدّمه العلمي وترقِّيه وتقييمه الدقيق ‏للواقع، وبالتالي الابتعاد عن الأفعال التي أدّت به إلى دخول السجن، تمهيداً لإعادة دمجه في ‏المجتمع، ولتصويب اهتمامه لفعل الخير انطلاقاً من معرفة نتائجه الإيجابية.‏
لذلك من الواجب تضافر الجهود ودعوة المؤسسات الدينية والتربوية في كل طائفة لتوجيه ‏رعاياها الى احترام القانون والابتعاد عن المخالفات والارتكابات، وبالتالي زرع بذور ‏الإيمان الصحيح في قلوب التاشئة والتربية على القيم الأخلاقية والاجتماعية والوطنية ‏المشتركة، وغرس ثقافة المواطنة في عقولهم وقلوبهم كي لا يتطرَّفوا في تعاملِهم ولا ‏يتعصّبوا في علاقاتِهم، وكي يتوقوا إلى السعادة الحقيقية، من خلال بناء إنسانٍ مؤمنٍ راقٍ ‏ومجتمعٍ فاضلٍ مُعافى وعالًمٍ إنسانيٍّ متقدِّم.‏
ولكنّنا إلى عدنا إلى الواقع في عالمنا اليوم، وفي غياب العدالة والإنسانية في تعاطي الدولة ‏أحياناً مع المواطن وتغلغل المحسوبيات والاعتبارات الفئوية الخاصة في أسس مؤسساتها ‏على حساب مفهوم الدولة الجامعة لمواطنيها، والتي يجب أن تقوم على قاعدة التساوي في ‏الحقوق والواجبات، نرى أن كرامةَ المواطنين عامةً تتعرَّضُ للإهانة، وكرامةَ السجناء ‏كذلك، حين يُصرُّ بعضُ مَن في الدولة على جعل الباطلِ حقاً والظلمِ الغاشمِ عدلاً والفسادِ ‏واقعاً، وحين يحصلُ تباطؤٌ في المحاكمة، وحين ينظرُ أُولو الأمر إلى راحتِهم ولا يفكِّرون ‏براحة السجين الإنسان، وحين يتسلَّلُ الفسادُ إلى داخل غرفِ العدالة، والانحرافُ إلى غرف ‏السجون المكتظّة والمعرَّضة لنموِّ الآفات وسيطرةِ القويِّ على الضعيف وما شابه ذلك مما ‏نسمعُ به وما هو حاصلٌ فعلاً في العديد من السجون.‏
لذلك كلِّه كان لا بدَّ من نشر الوعي حول موضوع السجون، ومن تحديد بعض النقاط ‏الأساسية في كيفية معالجة الأمر من منطلقاته الأولى بدءاً من التربية العائلية والمدرسية ‏والاجتماعية، ومن المطالبة برعاية الدولة لأبنائها وتحسين أدائها في ما يؤدي إلى حفظ ‏حقوق مواطنيها وكرامتهم، وصولاً إلى معاملة السجين وتقديم الرعاية اللاحقة والحماية ‏الاجتماعية له بطريقة إنسانية تحفظ كرامته وكرامة عائلته، ولذلك من الواجب التشديد على ‏أهمية:‏
أولاً: غرس بذور الإيمان الصحيح في قلوب الناشئة، وتنمية روحِ الرجاء ومحبةِ الله لديهم، ‏والتحذير من مغبَّة ارتكاب الموبقات والاعتداء على الآخرين. ‏
ثانياً: التربية على ثقافة اللاعنف واحترام الحياة والتعاضد الاجتماعي.‏
ثالثاً: العمل على تحصين الدولة والمجتمع بتأمين الاستقرار السياسي والاقتصادي.‏
رابعاً: تعزيز مفاهيم الصدق التسامح والاستقامة والعدل بين الناس.‏
خامساً: نشر الوعي حول ثقافة المواطَنه ومعرفة الحقوق والواجبات. ‏
سادساً: التكاتف والعمل معاً من أجل رعاية السجناء وتحقيق مطالب العدالة والإنسانية، ‏فهذه المطالب تجمعُ العائلات الروحية على واجبٍ مشترَك، علينا جميعاً أن نقوم به ‏متكاتفين، متعاونين.‏
سابعاً: مناشدة الدولة لدعم هذا التوجُّهِ الإنساني، والضغط على المسؤولين لوضعها في سُلَّم ‏الأولويات، فالسجين إنسانٌ، والعنايةُ به واجبٌ دينيّ واجتماعي وإنساني.‏
وفَّقنا الله وإيَّاكم لما فيه خيرُ الإنسان وحفظُ كرامته، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه. ‏