المجلس المذهبي | مجلة الضحي
السبت ٢١ كانون الأول ٢٠٢٤ - 19 جمادي الثاني 1446
رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن بمناسبة رأس السنة الهجرية 15/10/2015

2015-10-13

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على محمد سيّد المرسلين وخاتم النبيّـين، وعلى آله الطاَّهرين إلى يوم الدِّين
قامت دولةُ الاسلام على قواعدِ الدَّعوةِ إلى الخير والرُّشْدِ والهدى، حين وصل رسولُ الله صلّى اللهُ عليه وسلَّم إلى يثرب، صادعًا لأمر الله، مستشعِرًا ما لقيَهُ المؤمنُون من عسَفِ الظالمين وآذاهُم، واثقًا من فتحٍ قريب. أولئك ﴿السَّابقُون الأوَّلونَ منَ المُهاجِرينَ والأنصَارِ والَّذينَ اتَّبعُوهُم بإحْسَان﴾[التوبة 100]، كانوا النَّواةَ المُباركةَ الأولى الَّتي كان من ثمرِهَا أُمَّةً وَسَطًا مَنَّ بها اللهُ تعالى على المؤمنين إذ قال ﴿وَكذلكَ جَعلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لتكُونُوا شُهدآءَ علَى النَّاسِ ويكُونَ الرَّسُولُ عليْكُم شَهيدًا﴾[البقرة 143]. والأمَّةُ إذ يدورُ بها الزمان في كلّ عامٍ لتقفَ على عتبَة الدّخول في سنةٍ جديدةٍ من زمانها، تنظرُ اليوم في مرآة واقعها الأليم إذ تَداعى الأممُ عليها من كلِّ أفُق، وتُدقُّ في مجتمعاتها أسافينَ الفرقة والتباغُض، ويضيعُ صوتُ حكمائها في جلبةِ الفتن، وتُمتَحنُ فيها شعوبٌ بنار حروب المصالح الكبرى المتضاربة، ويوشكُ أن تتبدَّدَ كلمةُ الحقِّ في عتماتِ جاهليَّةٍ معاصرة حين يلتبسُ المعنى العادل للرّسالةِ النبويَّـة بما يضاددُه من شوائبِ الاستخدام المشبُوه المتلبِّس زورًا وبهتانا بلباس الدِّين. ليس لنا في هذه المناسبة العظيمة إلا أن نلوذَ بأجمعنا، وبالأخصِّ كلّ من هو في موقع المسؤوليَّة، إلى المرقى الأصدق الذي يحقِّقُ المعنى الإنسانيّ في ذات المرء وفي مجتمعه سبيلا لنهوض الأمَّة من نكباتها. ولا يكونُ صلاحٌ لبلادٍ إلا بها. ولا يكونُ سبيلٌ للخروج من المحنة إلا بتطهير القلوب إيمانًا بها. إنَّ يقينَنا الراسخ بهذه المبادئ يحثُّنا على دعوةِ أطراف الحوار في لبنان إلى استدراك الأسوأ والأخطر عبر التوصُّل إلى توصيات تؤدي الى حلول مثمرة للمسائل الكبرى أمامهم وأوَّلها انعقاد المجلس النيابي لانتخابِ رئيس للجمهوريَّة مدخلا إلى معالجات شاملة للقضايا العالقة، لا سيّما منها المتعلّقة بشؤون حياة المواطنين وشجونهم والتي هي بالحدّ الأدنى حقوقهم في وطنهم. إنّ للمعاناةِ حدودًا إذا تفاقمَتْ فإنَّ غضبَ النَّاسِ لن يُكظَمَ طويلا، ولا سبيلَ إلى علاجه إلا بالمبادرةِ إلى تفهُّم أسبابِه ودوافعِه، والتّصدّي سريعًا بكلِّ مسؤوليَّة إلى اجتراح الحلول الناجعة. إنَّ التعطيلَ هو الأسلوبُ المفجع لإعلان إفلاسٍ سياسيّ، وهذا الافلاس لن يوفِّرَ احدًا من نتائجه الكارثيَّة. نحيّي جيشنا الذي هو الدّرع الواقي اليوم الّذي يجعل المن ممكنًا في هذه الظروف المعقَّدة، ونكرِّر القولَ بأنَّ أهمَّ وسائل دعمِه هو تفعيل العمل الحكوميّ وصولا إلى عودة الحياة إلى كلِّ الآليّات الديموقراطيَّة الدستوريَّة. نسأل الله تعالى في هذه المناسبةِ المجيدة، أن يحمي شعوبَ أمَّتنا في البلدان النازفة، وأن يوفِّقَ الساعين إلى إيجاد الحلول السياسيَّة التي تحقن الدماء العزيزة وتُعيد للأوطان ولشعوبها نعمةَ الاستقرار والسَّلام. إنَّ ما يحدث في فلسطين الآن هو حُجَّة كبرى علينا جميعًا. كلُّنا يرى الشباب الفلسطيني وشابّاته من الأجيال الصاعدة، نراهم يعرفون اتّجاهَ النّضالِ والكفاح دفاعًا عن الحقِّ الأشرف في القدس وفلسطين. نراهُم بقبضاتهم وشجاعتهم وتضحياتهم وإقدامهم وتفانيهم يذكِّرون الجميع بأنَّ ساحةَ الصِّراع مع عدوّ الأمَّة هو هناك فوق الأرض المباركة. نسأل الله عزَّ وجلَّ، بحقِّ من أنزلَ الكتابَ، أن ينصرهم وأن يشدَّ من عزائمهم وأن يوهنَ قلوبَ أعدائهم وأن يردَّ عنهُم كلَّ ضيم. إنَّ الله قريب يجيبُ دعوةَ الداعي إذا دعاه، وهو الحليم الكريم.

بيروت في 29 ذي الحجة 1436هـ. الموافق 13/10/2015 م.     
* * * * * * * *