كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن بمناسبة عيد الاضحى المبارك 2015
2015-09-24
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمِين، والصَّلاة والسّلامُ على محمدٍ سيِّد المرسلين، وخاتم النبيين وعلى آله الطاهرين
قال اللهُ تعالى في كتابه الكريم في سُورة الفجر ﴿وَالفَجْرِ* وَلَيالٍ عَشرٍ﴾، وذهب أكثرُ المفسِّرين على أنَّها عَشْرُ الأضْحى، أقسمَ الله تعالى بها دلالةً على فضلِها، وعلى برَكَاتِ السَّعي بها طلبًا لوجهِ الله إحرامًا وتعفُّفًا، ومَا لبثَ أن قال ﴿إنَّ ربَّكَ لَبِالْمِرْصَاد﴾، مُطَّلعٌ على سرائرِ الخَلقِ، عالِمٌ بما تخفي الصُّدُور، مُجازٍ للعِبادِ بما عملتْ. فلوْ أنصفَ المرءُ من نفسِه، لوَجدَ الآيةَ في معنَاها محلَّ حياةٍ في ضميرِه، يتزوَّدُ من لطافتِها قوَّةً تسمو به فوقَ خبائثِ الدنيا ولهْوِهَا وغرورها، فيطيبُ له أن يكونَ في أعمالِهِ قُربانٌ إلى بارئ المبروءات، خالقِ الأرضِ والسَّموات، لا إله إلا هو، ولا معبود سواه. يحُجُّ المسلمونَ البيتَ الحرام تلبيةً لأمر الله العليِّ القدير، وتحقيقًا للمقصَد الأسنى من هذه الرِّحلة التي هي في معناها الأجلِّ ارتقاءٌ فوق انشغالات الدُّنيا نحو الغاية من وجودِها، واستشعارٌ لِلَطائف الخير الأسمى حيثُ يُدرِكُ المُؤمنُ أنَّ ما يُصيِّره إنسانًا بكلِّ معنى الكلمةِ هو سلوك سبيلِ المُثُل العُليا، والأخلاقِ الحميدة، وإيثَار العطاء على الجَوْر، ومعرفة النّفس بالحقِّ على انزلاقِها في مُنحَدَراتِ الهَوى والجشَع والفساد. إخواني قال تعالى ﴿لَنْ ينالَ اللهَ لُحومُها وَلَا دماؤُها ولكِن ينالُهُ التّقوى منكُم﴾، والتقوى هي مخافةُ الله والعمل بطاعتِه. إنَّ الطّاعةَ هذه هي حاجةٌ إنسانيَّةٌ من شأنها أن تنهضَ بالمؤمنِ الموحِّدِ الصَّادق من عبوديَّة الرّغبات الدنيويَّة إلى انعتاقٍ حقيقيّ يرتقي به إلى التزامٍ جوهريّ بقيَم الخير والعدل والرَّحمة والإيثار والعطاء فالإنسانُ بهذه السَّجايا النورانيَّة يرقى إلى مقاصد الدِّينِ الحنيف، وإلى معراج الإنسانيَّةِ السمحاء. علينا أن نجسِّدَ هذه المزايا في مسالكِنا وأعمالِنا وبواطنِنا عِلمًا وعمَلًا، براءةً لذِممِنا، وحِفظًا للأمانةِ كما أرادها الله العليّ القدير لنا وهو الرحمن الرحيم، الحكيم العادل. وعلينا أن نبرأَ من رقِّ التنافُر والانقسامات والنزعات الفرديَّة فالبرَكةُ الإلهيَّة يمنُّ الله تعالى بها على قومٍ هم "على سُرُرٍ متقابلين" أي قابلَ بعضُهُم بعضًا بوجهٍ مُحبّ صادق، وحفظَ كلُّ واحدٍ عن صاحبِه سِرَّهُ وقلبَهُ. إنّهُ بهذا السَّمت وبهذه الرُّوح نكونُ من أصحابِ العيد المقبولين عند الله تعالى، وإلَّا، فإنَّ العبدَ إذا انحاز عن هذه السِّمات فهو لا يخادِعنَّ إلَّا نفسه. إنَّ إيمانَنا راسخٌ بأنَّ الإنسانَ قد فُطِر على الخَيْر لقولِه تعالى ﴿فَأقِم وجهَكَ لِلدِّينِ حنيفًا فِطْرَتَ اللهِ التي فطَرَ النَّاسَ عليْها لا تبدِيلَ لخَلقِ الله﴾ (الروم: 30). ويَــقينُنَا أنَّ الحضارات تؤولُ إلى خرابٍ، والمجتمعاتِ تهوي في عصُور الانحطاطِ بقدْرِ ابْتِعادِها وإهمالها ومضاددتِها للقِيَمِ الإنسانيَّةِ الرَّفيعةِ الّتي كانت في أُسِّ كُلِّ حضارةٍ سطَّرت في التاريخ صفحاتٍ مشعَّات. ونحنُ في لبنان تعصفُ بنا رياحٌ عاتية، نتطلَّعُ بأسى حين نرى أنَّ خلافاتِنا تتفاقمُ، وصفوفَنا تتشتَّتُ، والبُنى الوطنيَّة التي بالكاد أقمناها منذ عهد الاستقلال باتت على قاب قوسيْن من الانهيار. والأوطانُ التي ارتفعت راياتها فوق نسيجٍ اجتماعيّ مؤتلِف تتمزَّقُ تحت تهديدات أخطار كبرى لا يُرى لها أفُق. ويبقى الأمرُ الأساس الّذي يجبُ أن لا ينساه أحد هو أن التجاذبات العقيمة بين مختلف القوى السياسيّة عطَّلتْ دورَ مؤسَّسات الحُكم منذ سنوات. أيّها اللبنانيون ان الأوطان لا تقوم بلا مؤسساتٍ دستورية، من هنا نكرر تأييدنا لحكومة الرئيس سلام ودورها في هذه المرحلة الدقيقة مع كل الدعم لقيادة الجيش والمؤسسات الأمنية لجهودهم وتضحياتهم، ونطالب بفصل الموضوع الامني عن الامور السياسية. صورة لبنان اليوم في الداخل والخارج تفتقر لرئيسٍ للبلاد يقودها ويمثّلها ويحافظ على دستورها، نطالب بانتخاب رئيس توافقي للجمهورية. لبنان يفتقر اليوم الى إدارة عجلة مؤسساته الدستورية عند كل استحقاق، تبقى طاولة الحوار المَنفذ الوحيد لمعالجة الإشكالات المعقَّدة والمسائل المصيريَّة. صورة لبنان اليوم تفتقر الى الأمن الصحي، فلبنانُنا امام أزمة تلوث وأمراض، والتجاذب الحاصل على صحة كل مواطن وفرد أمر خطير لا تُحمد عقباه. إننا مدعوُّون جميعاً ان ننكبَّ كلٌّ من موقعه في ورشة عمل لإنقاذ البلاد ومعالجة هموم الناس وقضاياهم. نتفهم المطالب لحياة ٍكريمة .... ولكن؟ أيّها اللبنانيون إنَّ وطنًا يليقُ به البقاءُ موحَّدًا جامِعًا قويًّا لا يُمكنُ أن يُبنى وفق خريطة مُرقَّعة من التسويات المرتبطة بالمصالِح والمحاصصات الطائفيَّة. كنَّا دائمًا نحذِّرُ من مَغبَّــةِ التهاون والاستهتار بالرُّوح الميثاقــيَّة التي كان من شأنِ الحفاظ عليها أن تبعثَ الحياةَ قويَّةً في نظامِنا الديموقراطيّ. وما زلنا نحذِّرُ قائلين إلى أن العودةَ إلى تلك الرُّوح، بصدقٍ وإخلاص، كفيلةٌ بإيجادِ المخارج إلى فُسحةِ الحلول. دون أن ننسى غصة الأسرى. نسألُ الله تعالى ببركات الأضحى أنْ يكشفَ الغُــمَّة عن أمَّتنا التي تَداعى عليها الأُممُ من كلِّ أُفُق، وأن يمنّ على شعوبها بلطفِه ورحمتِه، وأن يبدِّدَ شرورَ المِحَن التي تصيب سوريا والعراق واليمن وليبيا دون أن ننسى فلسطين وشعبها المظلُوم التي كوته الأمم بنارِها طيلة قرن من الزمان الى يومنا هذا ومأساتها الى ازدياد والمسجد الأقصى كما باقي المقدسات يتعرَّض لأبشعِ أنواعِ الاعتداءات نسألُ الله أن يثبِّتَ قلوبَ الأجيال الطالعة في سماحة الإيمان ووجهه الرّحيم العادل لأنَّهم الأملُ الّذي سيُبقي رايةُ الحقّ مرتفعة إلى يوم الدِّين. ونسأله أن يعيدَه على وطننا وأمَّتنا بخير وسلام، إنَّه هو السَّميعُ المجيب. وكل عام وانتم بخير.
عبيه في 10 ذي الحجة 1436 هـ. الموافق 24-9-2015 م.