المجلس المذهبي | مجلة الضحي
السبت ٢١ كانون الأول ٢٠٢٤ - 19 جمادي الثاني 1446
كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن في مهرجان العرفان بتاريخ 29/8/2015

2015-08-29

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه أجمعين، إلى يوم الدِّين الحفل الكريم      
يشهدُ هذا السَّهلُ اليوم فصلاً متجدِّدًا من فصول تاريخه العريق. هذا السَّهلُ المعروفيّ الَّذي احتشد فيه أسلافُنا بعزائمهم القويَّة كلَّما دفعهُم الواجبُ للتصدِّي ضدّ كلِّ طاغٍ أثيم. كذلك، تحلَّقوا فيه كلَّما أرادوا أن تعلو كلمتُهم الواحدة لتكون القرارَ الحكيم. وهنا، في هذا السهل، وقف يوماً الشهيد كمال جنبلاط مدشِّناً الصَّرح العرفانيّ بكلمةٍ يجبُ على كلٍّ منّا أن يستعيدَها من حيث هي منارةٌ ثقافيَّة فكريَّة بالغة الدلالات. والعرفان التي أجمعَ على إنشائها لغاياتٍ جليلةٍ رجالٌ كبار ومشايخٌ أجلّاء قامت بإدارةٍ حكيمةٍ رشيدةٍ مبدعة بدور كبير وبالغ الأهميَّة. كانت صرحًا علميًّا متفوِّقاً في زمن الحرب والانقسام. وكانت مَعْلَماً أخلاقياً في عصر التهافتِ والانحلال. وكانت معهداً ناشطاً أعدَّ نُخبةً من المعروفيّين الّذين بنوا أفضلَ العلاقات مع سائر المؤسَّسات والفعاليات في الوطن وغيره. وكانت مكانًا لدائرةٍ دينيَّة أوَّل من أعدَّ الكثير الكثير من الدروس التربويّة والنصوص التعليميَّة محافظةً بإخلاصٍ على جذور المذهب وارتباطه الجوهريّ بكتاب الله العزيز والإسلام الحنيف والتراث الابراهيميّ. أذكرُ هذا شهادةً على الفضل الذي لا يعمى عنه إلا كلّ مُغرِض. وها هي اليوم العرفان، تبقي الرايةَ مرفوعة. راية النهضة المتأصِّلة ببركة الشيوخ، راية الفكر والإصلاح التي ارتفعت برؤيا متوهِّجة جسَّدتها قيادةٌ رائدة عزَّ نظيرُها متَّصلة بحمد الله وشكره من الكمال إلى الوليد إلى الوقور الكريم تيمور بك جنبلاط. ومن هذا السَّهل بكلِّ ذاكرته التاريخيَّة، تحيَّةَ عهدِ الرِّجال للرِّجال، سائلين الله عزَّ وجلّ أن يحميَه، ويسدِّد خطاه، ويوفِّقه إلى كلّ ما فيه الخير للعشيرة المعروفيّة وللعائلة الوطنيَّة الكبرى ولأمَّةِ الإسلام التي افتداها أسلافُنا بتضحياتهم وأفكارِهم النيِّرة. مع المجلس المذهبي ومعكم نتطلع الى المستقبل. وبكل أسف فإن القلق هو السمة التي تطبع واقعنا.. قلقٌ على الوطن.إنَّ الإهمالَ المتمادي بتلبية مطالب الناس ومعالجة مشاكلهم وهمومهم وقضاياهم وتطلعاتهم أدخل البلادَ في مرحلةٍ ما من أفُقٍ واضحٍ لها. وإذا كان التعبير عن الرأي لتغيير الوضع القائم أمرٌ محقّ ومشروع غيران إدخال البلاد في الفوضى أمر مرفوض.وتبقى الحكومةَ هي الحصنُ الدستوريُّ الأخير في زمنِ التّعطيل والمزايدة. ويبقى الجيْش اللبنانيّ الصابر الصامد الباذِل كلّ جهد مع القوى الأمنية في سبيل حمايةِ وحدةِ لبنان وأمنِه ذودًا عن شعبه بكلِّ فئاته دون تفريق. ويبقى انتخاب رئيس للجمهوريَّة توافقي المدخل لتشغيل الآليَّات الديمقراطيَّة التي شلَّت المجلس النيابي المُمدَّد. عهدنا في العرفان ان تثابر على تخريج الأجيال المؤمنة ببناء الوطن وبقيمة الانسان، فهذه القيم وحدها تؤسس لمستقبل لا يشوبه القلق بل يزينه الأمل. دعاؤنا ان يمنّ الله تعالى علينا جميعاً بالوعي والحكمة لتخطي الصعوبات الراهنة لما فيه خير بلادنا وشعبنا وأمتنا. نسأل الله أن يسدِّدَ خطانا إلى سواء السَّبيل، وأن يفتحَ أبوابَ الحياةِ الكريمةِ أمام أجيالنا الناشئة التي نرى منها الآن زهرات المستقبل، وأن يوفِّقنا إلى ما يُرضيه، وأن يأخذَ بيدِنا لتكون قادرةً على خدمةِ أهلنا بإخلاصٍ وصدقٍ ومحبَّة، إنَّ ربّي سميعٌ مجيب. يبقى للعرفان في قلبنا عرفان والسلام عليكم ورحمة المولى وبركاته.                                                                
بيروت في 29/8/2015.