المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الخميس ٠٢ أيّار ٢٠٢٤ - 23 شوال 1445
كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن بمناسبة عيد الأضحى المُبارك 15/10/2013

2013-10-15

بســــم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربِّ العالَمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّد المُرسَلين، وخاتم النبيين، وآله وصحبه الطيّبين

صبيحة هذا اليوم المبارك، مناسبةٌ تَشْمَلُنا جميعاً ببركتها ورحمتها ونعمتها، وانه لواجبٌ علينا بالغ القدْر ان نقفَ وقفة تأملٍ في معاني الايام العشر التي انقضت وفي مسيرة الحجّ حيث قال تعالى ﴿حُنفاء لِلّهِ غَيرَ مُشرِكِين بِه﴾ (الحجّ، 27/31) إخواني الأفاضل،    
 فَلْتذَّخِر قلوبُنا من حقائق المعاني في هذه المناسبة المباركَة وفي كلّ حين، ولنَمتـثـِل المقاصد الساميه التي تتضمَّنها وقائع هذه الأيّام الشّريفة من هذه الرّحلةِ العظِيمة إلى بيتِ الله الأعظم الّذي هُدِّمت منه الأوثان، وبقي معنى التَّوحِيد الّذي لا يصحُّ حقًّا إلا بحُسن الطّاعةِ. فالحَجُّ أمرٌ إلهيّ بالقَصدِ إلى بيتِ الله تسليمًا في توحيدِه، وسُكنى في طلبِه، وخُضُوعًا في السَّبيل الّذي أرادهُ لملاقاتِه، وإرادةُ الله سبحانه جليَّة، واضحة، بأن يكونَ القاصِدون إليه حُنفاءَ له، أي مُسَلِّمينَ له، مائلين إلى الحقّ، مُخلصِين، وكادحين في درب الاستِقامة بلا عَوَج. فإن قُلنا "عيدٌ مُبارَك" فبرَكتُهُ في صِدقِ التّوجُّه، وإضْمار الخَير للأخِ في الدِّين وفي الإنسانيَّة. هذا التّوحيد يحتِّمُ صفاء القلب دربًا لفِقه كُنهِه، وهذا يستتبِعُ أن يكون جمعُ الشَّمل من الأهداف السامية، والمطالب الراقية، فما قِيمة استشعار الحق والنّفسُ منصرفةٌ في أهوائها، ومنتصرةٌ لغايات مصالحها مهما كانت الوسائل لتحقيقها. كلاَّ، لا تنفعنا المقاسات الدنيويَّة، ولا العصبيّات الغَرَضيَّة الضَّيِّقة، ولا الحسابات الذّاتيّة، بل ما ينفعُنا هو التّضحيةُ بأطماعِنا وحظوظِ هوَانا سبيلاً إلى مرآةِ الصّدق المحفوظة في كتابٍ مُبين.    
 والدّعوةُ قائمةٌ أيُّها الإخوان في كلِّ آن، دعوةٌ إلى انتهاج الفضيلة مسلكًا في الحياة على قاعدةِ التزام الأمر واجتناب النّهي، وليس للإنسانِ إلا ما سعى في تحقيق المعنى في أعماله ما بدا منها وما خفى، ولا يجب أن يغيب عن خاطر المرء إنّ أكرم الخَلق عند الله تعالى هو الأتقى.    
 لذلك، فإنَّه من أشرف الأمور وأعظمها أن يستقي المرءُ من ينابيع الرّحمة ما يُحيي قلبَه، وينير روحَه، ناهلا منها ما يُعلِّمُه قواعدَ الاعتقاد والسلوك، وفرائضَ الآداب والتَّحقُّق، ليترقَّى في مدارج المعرفَة إلى ما من شأنه أن يُدركَ به غاية الإنسانيَّة ومقاصد وجودها في العالَم، فلا شيء في هذه الحياة الدّنيا أكثر جوهريَّةً، وأكمل معنًى، من الوصولِ إلى هذا الغرَض الشَّريف الّذي به تتحقَّق كرامةُ الإنسان وشرفُه الأبقى لأنَّه ثمرةُ الطّاعة والهداية.      
والعيدُ مناسبةٌ لتقفَ النّاسُ جماعةً سائلةً الله رضوانَه ورحمته، وأيضًا سائلةً أولي الأمر عن أحوال الأمَّة وأمنها وسلامتها. وأيّ أمانٍ للوطنُ في خضمِّ الأخطار الكُبرى،  واين هي مَلَكَةُ التضحية في سبيل الجماعة ومصلحتها؟ والمتربِّعون في مواقع المسؤوليّة تأخذهُم النّزاعات والانقسامات والاصطفافات الفئويَّة المَبنـيَّة على المصالح ناهيك عن الأطماع الشخصيَّة والطموحات الأنانيَّة ان لم نقل الارتهان لعلاقات خارجية ، وكلّ هذه المصائب يقوم عليها دليلٌ واضح هو العُقمُ السائد في قلب المؤسّسات الدستوريّة. فلا مجلس نيابيّ، ولا حكومة جامعة، ولا لجان اشتراعيّة، ولا انتخابات، بل تعطيل وخصام وتبادُل شروط من مواقع الصَّدع والتمزُّق لا من باب الرأفة بالمجتمع على قاعدة المسؤوليّة السياسيَّة بل والمدنيَّة أو الإنسانيَّة. هل بهذا العبَث المخيف نواجه أزمات كبرى، تُضافُ إلى كارثة التقاتُل الدائر فوق جرف الهاوية؟ وهل بهذه الاجراءات الهامشيَّة نتصدَّى لمشكلة النزوح الكبير باتّجاه لبنان، الّذي يطرحُ ملفّات هائلة بتأثيراتها في العمق اللبناني منها أوّلا الإنساني ثمّ الأمني والديموغرافي والاقتصادي وغيرها؟ هل بهذا الفراغ الإداري في حَجَر الزاوية للماليَّة العامَّة، أعني الغياب المديد لإصدار موازنة الدّولة المنظِّمة لكافّة شؤونها الماليَّة، تُعالج مشكلة الفقر المتمادي في لبنان، وهو فقر يدفعُ بأبنائه الى خوض أخطار رهيبة خلافاً للطرق الشرعية من أجل لقمة عيش في بلدٍ مستقرّ؟ولا رؤية واضحة لملف النفط والغاز. اننا نحذّر من هذا الشّلل الضارب في شرايين الدّولة وندعو الى اصلاحه قبل وصوله إلى قمّة هرم المسؤوليَّة وندعو الى حماية الجمهورية. ونكاد أن نخجلَ من أنفسنا حين نكرِّر بالصَّوت العالي الدّعوة إلى الحوار والتواصل فوق كلّ التباينات، من أجل المحافظة ولو على الحدِّ الأدنى من الأمل، مع يقيننا بأنَّ سبيل الحوار البنّاء كفيلٌ باستعادة بعض الثّقة بأنَّ قيامة وطننا التائه ممكنة.           
إنَّها ليست المرَّة الأولى في تاريخ لبنان يقع هذا البلد الجميل المظلوم ضحيَّة صراع أُمَم أكبر من كلّ مجموعه البشريّ بكلّ أطياف ألوانه المتنوِّعة. وليست هي المرَّة الأولى التي تواجه فيها شرائح وطنيَّة اللعبة القائمة على أولويَّة المصالح للدول المتنازعة. هذا يدعونا إلى التّذكير بعبَر التّاريخ، وبالثوابت الوطنيَّة، وبضرورة التمسّك بخشبة الخلاص وسط هذا البحر المتلاطم الّذي لا يرحم كما نرى ونشاهد. وخلاصتها أن يحسبَ كلّ مَن في موقع المسؤوليَّة حسابًا للمصلحة الوطنيَّة العُليا من باب المحافظة على هذه الصيغة، صيغة التنوع والتعددية والتلاقي بين الجميع التي خوَّلت أبناء هذا البلد العيش بحرّية إلى الحدّ الذي باتت فيه الدّولة أضعف الأطراف. إنَّه لأمر مؤسف أن يُقال هذا القول وله هذا القدْر من الحقيقة. وندعو الى إيلاء الثقة بأجهزة الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية، واحتضانها لتسهيل مهامها الجسام في حفظ الأمن وضبط الأوضاع ومعالجة الإشكالات وتأمين السلم الأهلي، دون أن نغفل لحظة عن الحدود الجنوبية حيث الخطر الدائم من العدو الإسرائيلي.      
نسألُ الله سبحانه وتعالى الفرَج على شعوب سوريا والعراق وفلسطين حيث الاقتتال والدمار والتفجيرات والشهداء، وحيث تستمر سياسة الاستيطان والتهويد وتغيير الهوية العربية للاراضي الفلسطينية التي كان يجب أن يبقى لها المرتبةُ الأولى في الذِّكر. ونسأله أن يمنّ على أمّتنا بكلّ شعوبها بالخير والطمأنينة والاستقرار. ونسأله أن يعيدَه علينا وقد انقشعت الغُمَّة، وانحسرت المحنة، وانطمست الفتنة. نسأله ببركات معنى هذا العيد المبارَك، ونبتهلُ إليه أن يمنّ علينا بفضله ونعمته ورحمته، وهو الكريمُ المُنعِمُ الشّفوق، وهو أرحم الرّاحمِين.
عبيه في:10 ذي الحجة 1434هـ. الموافق في 15/10/2013م.