المجلس المذهبي | مجلة الضحي
السبت ٢٧ نيسان ٢٠٢٤ - 18 شوال 1445
رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن لمجلة الضحى العدد 14

2015-11-24

الصدق هو النهج القويم       
 
الصدق عند الموحدين الدروز هو الركن الأساسي في قاعدة السلوك الأخلاقي التي يجب على كل انسان الالتزام بها تجاه ذاته أولا وتجاه الآخَرين في كلامه وأفعاله ومقاصده الظاهرة والباطنة في كل حال. فالصدق عندهم وما يعنيه من إخلاص في الأداء هو روح العمل، وعليه، إمّا أن يكون العمل حركة طيِّبة في صالح خير الفرد والجماعة، أو يكون مُشبعا بالخبث لا يتأتَّى به إلَّا تشويش الأذهان، وزرع بذور الشكوك والشقاق، وإثارة البغضاء في النفوس. والمرء بنواياه، فإنْ قصَد سبُل الإصلاح فإنَّه بادئ بنفسه، وإنْ أضمر الشرور فهو في ظلمة نفسه، وحاشا لنور الصلاح والإصلاح أن يتبدَّى من سواد الظلام. وإن كان الإنسانُ مُطَالبًا بصدق القال والحال في ذاته، فهو أحرى أن يكونَ مُطالَبًا به إنْ تجاوزت حركةُ أفعاله إلى الحقل العام. هنا، يرتبطُ الأمرُ بمسؤوليَّةٍ عامَّة تُضافُ إلى المسؤوليَّة الخاصَّة المتعلِّقة بضمير المرء وحقيقة سريرته. ومن بديهيَّات الأمور أن يعتبرَ الشخصُ، السّاعي إلى الإصلاح في مجتمعِه، نفسَه صادقًا، وذا مروءةٍ وحَميَّة، مندفعًا في مبادرتِه لتقويم الخلل. فإن لم يكن متأصِّلا بهذه الصِّفات فهو خادعٌ نفسه قبل أن يخادعَ الناس.  ان مقومات أي اصلاح اجتماعي حقيقي صحيح، يبدأ بمراقبة كل امرء لنفسه ولصدق لسانه وتعامله مع الآخرين. وهذا يوجب على المخلص تقديم النصيحة لأخيه اولاً عملاً بمبدأ حفظ الاخوان. ان قاعدة ادب الدين قبل الدين هو الأساس في الشرع التوحيدي وهو ادب الحياة أما اللسان الذي اعتاد المراوغة واستحسان الخداع يكون آفة كبيرة للنفس التي تصير اولى ضحاياه باعتيادها الكذب المؤدي بها الى اغتراب خطير. فانتقاد الخطأ او التقصير يجب ان يكون قد استند الى وقائع قائمة فعلاً، اما إذا ارتكز على الاغلاط والشبهات والاوهام والظنون، فيكون في حقيقة الامر أكثر سوءاً لأنه يكون منطلقاً من دوافع الحقد والضغينة. النهضويُّ في مجتمعه يجب أن يتحلَّى بمزايا الصِّدق والصَّراحة والشجاعة الأدبيَّة، انّ أصول احترام الآخَر والتعامُل في مسائل الشأن العام بشكلٍ يقدِّمُ الدلالات على أنَّ المطالبة بالإصلاح متأتية من رؤيةٍ جدّيَّة وواضحة وقويَّة الحجج في الحقول التي تتناولها، يتطلَّبُ بعض الأمور كي يؤتي ثمره في خدمة المصلحة العامَّة، ومن أهمِّها التعاون والتواصُل والبحث الدائم والدؤوب عن نقاط مشتركة من أجل البناء عليها لتحقيق الأهداف المرجوَّة. فإن لم يكن ذلك كذلك، فهو التعطيل والمقاطعة وتكريس الانقسامات وما شابه، وهذا يقود إلى أوضاع عبثيَّة الكلُّ فيه خاسر، وبالتالي، تتحوَّل المطالبة بالإصلاح إلى نقيضها، بل إلى ما هو أسوأ. فليست المسألة هي في ممارسة نشاطٍ عقيم يتغلَّبُ فيه حبّ الظهور على الغايات المفيدة، ويطغى فيه حبُّ الكلام من أجل تمتين علاقاتٍ عامَّة محدودة على حساب القيام بخطواتٍ حقيقيَّة، وإنجازاتٍ فعَّالةٍ تخدم النَّهضةَ المطلوبة من أجل مصالح المجتمع والوطن.  هذه من الحقائق التي يجب أن لا تغيب عن بالنا جميعًا في هذا المجال، ويكفي لكلِّ ذي ضمير الوقوف مليّا أمام الحقائق والوقائع، وبالتجرُّد التام عن كلّ عصبيَّةٍ وفئويَّةٍ وضغائن مكبوتة، ليكون الصّدق هو النهج القويم تجاه الذات وتجاه الآخرين، وهو الدلالة على النوايا الصادقة، وهو التعبير الناجع عن نيَّة الخير لكلِّ من يريد أن يدلي بدلوه في مواضيع الشأن العام. والله سبحانه وتعالى عليمٌ بذات الصدور. اللهم قدّرنا على معرفة الحق واتباعه والدرء لعكسه واجتنابه.