المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الجمعة ٢٦ نيسان ٢٠٢٤ - 17 شوال 1445
كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن بمناسبة عيد الفطر المجيد 2010

2010-09-10

بسـم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلام على خاتم النبيين، سيِّد المرسَلين، وعلى آلِه وصَحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين

نودِّعُ وإيّاكُم أيّامَ الشهرَ المبارَك طالبينَ من الله عزَّ وجلَّ أن يُودِعَ في قلوبِنا بركاتِه، وأن يُـثمِرَ لنا في بصائرنَا وسرائرِنا ما استدركناهُ فيه من معانِي الخَير والحقّ المودُوعَة في الكتابِ المبين، وأن يثبِّتَ لنا ثوابَ أعمالِنا بالإخلاصِ وجـميلِ الشُّكر وقوَّةِ التَّصديق، ليكونَ عيدُنا راسِخًا في ما يُرضي الله سُبحانَه وتعالى، وموافِقًا لمقاصِده الجليلَة التي أرادها من مَنِّهِ علينا بهذِه النِّعمَةِ النورانيَّة، ومُبَارَكًا برضوانِه وعفوِه وقبوله. والعيدُ للطائِع المؤمِن، استِشعارٌ للثّواب ولِبشائِر الرِّضى، وفرَحٌ بتحقيقِ الغاية مقرونٌ بثمرةِ الطّاعة، وحسنِ الاستجابَة، وإدراك اللطائف الرُّوحيَّة. ورجاؤنا أن يكونَ الصّائمُون العامِلون في كلِّ أرض، قد تزوَّدوا بالعمَل الصّالِح، واستأنسُوا بفِعل الطاعات، فاستنارتْ أفئدتُهُم بنُور الله، واستزادت بصائرُهُم بلطائف الكتاب الكريم التي هيَ من نُوره سبحانه وتعالى كما قال ﴿وأَشرَقت الأرضُ بنُور ربِّهَا وَوُضِعَ الكتابُ﴾ (الزمر 69). إنَّ ثمارَ الإيمان أيُّها الأخوةُ لا يُمكِن أن يقتصرَ خيرُها على ذاتِ المؤمنِ الموحِّد وحسْب، بل هي تشمُلُ ببركتها عيالَه ومجتمعَه، وبالتالي، وطنَه وأمَّتَهُ. قال اللهُ عزَّ وجلّ ﴿إنَّما المؤمنونَ أُخوَة﴾ (الحجرات 10)، والتآخي في الحقّ هو بنيانٌ مرصُوص، ولَّد ﴿أمَّةً وَسَطًا لِتكُونُوا شهدآءَ علَى النَّاسِ ويكونَ الرَّسُولُ عليكُم شهيدا﴾ (البقرة 143)، ولا يليقُ بتلكَ الشَّهادةِ إلاَّ أن تكونَ نبراسَ فضيلة، ومِثالَ أخلاقٍ سامية، ولطافةَ رُوح تُضيءُ في قلب مجتمعِهَا سبُلَ الهُدى بفضل ربِّهَا وهِدايته. إنَّنا نذكرُ في صلواتِنَا الدّعاءَ بأن تنيرَ لنَا حقائقُ الدِّين وتعاليمُهُ المـُــثلى عقولَنا، وبأن تغمرَ معاني هذه النِّعمة نفوسَنا، وأن يُلهمَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى أولي الأمر في بلدِنا التَّسديدَ في مبادراتهم، والحِكمةَ في أقوالِهم وأفعالِهم، وحسنَ التَّدبير في مساعِيهم، وصُولاً إلى ما فِيه الخير والاستقرار لوطنِنا، والطمأنينة والازدهار لشعبِنَا، والمِنعة والوحدة لأمَّتِنا. ونحن بهذه المناسبة الكريمة وانطلاقاً من روحانية فرحة العيد نتمنى ونناجي سبحانه وتعالى ان يمُّنَ على اللبنانيين جميعاً بالحكمة والرويّة لنتجاوز معاً مسلمين فيما بيننا، ومسلمين ومسيحيين، هذه المرحلة الحساسة من تاريخ لبنان والمنطقة. ونضمّ صوتَنا، مُعبِّرين عن تقديرنا، للَّذين ينادون بالتهدِئة، داعين إلى حماية الساحة الوطنية درءًا للأخطار، وصونًا للسلم الأهلي من كلّ انتكاسةٍ. فلقد دلت الأحداث الأليمة أخيراً في أحياء بيروت على حجم الاحتقان المذهبي الخطير الذي يفترض تطويقه بتكثيف الجهود السياسية والاتصالات المباشرة والميدانية مع كل القوى المعنية، لتدارك تكرار مثل هذه السلوكيات التي تناقض السلم الاهلي والوحدة الوطنية وتطيح بكل المنجزات التي حققها اللبنانيون خلال السنوات الماضية فأي خلل في الوضع الامني ينعكس سلبا على كافة المؤسسات الشرعية وعلى الجيش والمقاومة في مواجهة العدو الصهيوني . فالمصاعب لا تزال والتحديات تقف في طريق استعادة لبنان لعافيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكاملة، لا سيما مع تزايد المخاطر الإقليمية التي تعبر عنه سياسات التعنت الإسرائيلي التي تواصل قضم القدس وطمس هويتها العربية وضرب بنيتها الديموغرافية ، ولا يزال العدو الإسرائيلي ينتهك الأجواء اللبنانية والسيادة من خلال خرقه المتمادي والمستمر للقرارات الدولية وآخرها القرار 1701. ان التهدئة السياسية والإعلامية تبقى الخيار الوحيد المتاح أمام جميع القوى اللبنانية لان بدائل التهدئة هي العودة إلى الانقسام والاقتتال لا سمح الله الذي جُرّب في مراحل عديدة سابقة واثبت ان العنف لا يؤدي سوى إلى المزيد من العنف، وان الحرب المقيتة تقضي على لبنان واللبنانيين وعلى الأمل بقيامة وطنٍ مزدهر ومستقر. ان مسؤولية حماية الاستقرار الداخلي والسلم الأهلي هو مسؤولية جماعية ومشتركة لكل الأطراف السياسية، وهي تتطلب توفر إراداتهم بدأب الصدع والعودة إلى التعقل والانصراف إلى معالجة شؤون الناس وهمومهم وقضاياهم وحاجاتهم. اننا نتطلع ان يشكل هذا العيد المبارك مناسبة وطنية جامعة نستطيع من خلالها ان نؤكد على الوحدة الوطنية وعلى نبذ الخلافات والانقسامات والتجاذبات وعلى الاستمرار في الحوار العقلاني الهادئ والمتوازن لتنفيس الاحتقان وتقليص التوتر. وفي هذه المناسبة لا بد لنا ان ندين ما نسمعه عن الإرهاب الديني بارتكاب فعل قذف خطير للكتاب الكريم، أو عن تكريمٍ مشين تحت عنوان حرية الصحافة، إن المجتمع الدولي مطالبٌ بإدانة كل أشكال العنف ومواصلة وتعزيز وتفعيل الحوار بين الأديان وبإصدار التشريعات التي تمنع التعرض للكتب المقدسة والأنبياء والمرسلين. نسأل الله أن يجمعنَا دائمًا، سويَّة، حول مائِدة خلاص لبنان واستقراره، كمَا جمَعَنا حول موائِد الإفطار المـُـبارَكَة طيلة هذا الشهر الفضيل، أعاده الله على جميعِ أبنائنا وأهلنا وشعبنا ووطننا وأمّتنا بالخير والبركات. وكل عام وانتم بخير.
2010/9/10