المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الجمعة ٢٦ نيسان ٢٠٢٤ - 17 شوال 1445
كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك للعام 2010

2010-08-08

بســـم الله الرحمن الرحيم والحمدُ لله ربِّ العالمين. والصّلاة والسّلام على سيِّد المرسَلين، وآلِه وصحبه أجمعين، إلى يوم الدِّين

 
يهُلُّ هلالُ شهرٍ مُبارَك ﴿أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ﴾(القدر 1) ﴿هُدًى للمتَّـقِين﴾ (البقرة 2). ﴿فِي ليلةٍ مُبارَكة﴾ (الدخان 3)، حيثُ أَنزَلَ اللهُ تعالى على رسُولِه r ﴿الكتابَ والحكمةَ﴾ (النساء 113) وعلَّمه مَا لم يكُن يَعلم، وكان فضلُ الله عليهِ عظيما، كما جاء في الآيةِ الكريمَة، وهوَ فضلٌ عَـمَّ الخَلق، وشمِلَ الإنسانيَّةَ بأسرهَا إذ قال عزَّ وجلّ ﴿قد جاءكُم منَ الله نُورٌ وكِتابٌ مُبين* يَهدِي بهِ اللهُ مَنِ اتَّبعَ رضوانَهُ سُبُلَ السَّلام﴾ (المائدة 15-16). وأيُّ سلامٍ أشرفُ للنَّفسِ من سكينةٍ يُستضَاءُ بهَا بنُور الواحِد الأحَد، فتهتدِي إلى سبيلِ الخَير، وتسترشِدُ لِمَا فِي فِطرتِهَا من لطائفِ التَّوحِيد، فتُحقِّق غايتَها فِي الوجود، وهيَ الإنسَانيَّة بكمالِهَا الحضاريّ الأرقى. إخوانِي الأعزّاء جاء فِي كتابِه العزيز ﴿فَمَن شهِدَ منكُمُ الشَّهرَ فَليَصُمهُ﴾ (البقرة 185)، فالصَّومُ- بالإمساكِ عن الطعام والشَّرابِ هوَ فِعلُ الشّكرِ والرِّضى والامتِـنان، بالنيَّةِ والمبَادَرةِ وَحُسنِ المَسلَك. وأيضاً فإنَّ لأيّام الشهر المُبارَك دلالات لا بدّ للمؤمن من استِبصارِهَا، والمثُول أمام مقاصِد الله تعالى منها بالتوبة والاستِغفار سبيلاً إلى الصّلة بحقائق المعاني التي من شأنها حثّ النّفس على التطهّر، والتّحلّي بالفضائل الشريفة، والأخلاق الحميدة التي بها يرقى الإنسانُ في معارج الكمال قَدر طاقته. فإذا حسُنت نيَّةُ المرء في هذا السّبيل، وعاضدته الهمَّةُ والإرادةُ نحو الارتقاء في مسالكه وأعماله، فسمَا بخُلقه فوق الأنانية والغرور، وعفّ بقـلبه عن الميل إلى الهوى والعصبيّات، وأعمَل فكرَه في الخير وخدمَة مجتمعه لوجه الله، وجهد لكي يكون مؤتلفًا بالحق، ومتجانِسًا مع مضامين القيَم الرّفيعة، ومُحقِّــقًا جمالَ النزاهة والفضل في ذاته، ليكونَ خميرةَ الخير في مجتمعِه ووطنه، فحينذاك يُدركُ مدى الغبطة الفائقة التي يتذوقّها بتوفيق من الله، وإدراك غايات كرمِه، واستِشعار بركَة فضله وإحسانِه التي تستنيرُ بها البصائر، وتحيا القلوب، ويؤيَّد الإنسان بنصر الله كمَا قالَ عزَّ وجلّ ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللهَ لَقَويٌّ عزيز﴾ (الحج 40). إخواني فلتكن لنا همَّة، في رحلة الطاعة، للمبادرة إلى إصلاح الحال بالتطلّع إلى ما حولنا والمساهمة في ما ينفع الناس. إنه لأولى بالمؤمن أن يدركَ مدى أهميَّة البُعد الاجتماعي في كونه مثالا لفعل الخير، وقدوةً في تحقيق التكافل والتعاضد في المجتمع. وعليه، فالكلّ مدعوّ إلى النهوض بما يحقِّق الارتـقاء بأوضاعنا إلى المستوى الأفضل والأكثر فعالية. لنتحلّق حول مؤسّساتنا من أجل المساهمة في دفع مسيرة النموّ قدُمًا. لنترفّع عن الصغائر باتّجاه الانجازات الكبرى التي من شأنها أن تعزِّز الثقة، وترسّخ مفاهيم العمل الجماعي المؤتلف. إن التشرذمَ لهو من علامات الفشل، في حين أنَّ التكاتف والتضامن هو بالتأكيد أكثر الخطوات ثباتًا نحو النجاح وتحقيق خير الناس، وهذا ما يرضي الله سبحانه وتعالى، فيمنّ بفضله علينا بالتوفيق والبركات. فالعمل الصالح الخيّر يرقى بنفوسنا إلى الأعلى، ولا بد من تجديدِ العزمِ علَى إقامَةِ الصِّلة بما يوجِبُه الحَقُّ من إيثار الخَير، والتّوجُّه بسريرَةِ الداخِل إلى ما يحقِّقُ جمعَ الشَّمل، ووحدةَ الكلمة، والائتِناسَ بفضائِل الذِّكر سبيلاً إلى خروجِ النَّفس مِن طبعهَا الفردانيّ، ونزعاتِهَا إلى مصالِحِها الضيِّقَة. إنَّ الأمَم لا تحيا وتنهَض إلاَّ بتضامن أبنائهَا، وائتلاف إراداتِهم، وتضافُر جهُودِهم، وتوحيدِ مساعيهم من أجل خيرهِم وخير مجتمعِهم ووطنهم. أيّها اللبنانيُّون دعونا نبتهلُ إلى الله سبحانَهُ وتعالى بأن يُسدِّدَ عقولَنا وقـلوبَنَا إلى ما فيه خيرُ وطنِنَا وسلامتِه، وبأن يُـلهمَ القادَةَ فيه حِكمَةَ الموقـف الَّذي بهِ تتعزَّزُ الوحدةُ الوطنيَّة، وتتهاوى عواملُ الفِتـنة، وتنكفئُ مكائدُ الأعداء المتربِّصين. فلبنان يمر بمرحلة دقيقة وحساسة من تاريخه تتطلب تظافر كل الجهود السياسية لإخراجه من مأزقه، وتستلزم ترفعاً عن الصغائر وتحملاً للمسؤوليات الوطنية مِمَا يخدم مستقبل هذا الوطن ورغبة كل اللبنانيين بالعيش بكرامة وسلامة واطمئنان. إن التطورات السياسية الأخيرة سواء مواجهات بلدة العديسة التي استبسل فيها الجيش اللبناني كعادته دفاعاً عن أرض الوطن، او الظروف المرتبطة بالمحكمة الدولية التي يتفق اللبنانيون على ضرورة أن تكشف الحقيقة، وأن لا تكون فريسة لعبة الأمم والمصالح الدولية، هذه التطورات تحتم على اللبنانيين جميعاً أن يكونوا على مستوى من اليقظة والتنبه لحماية الوحدة الوطنية والاستقرار الداخلي والسلم الأهلي. إن تعاون كل الأطراف السياسية في إعادة إنتاج مناخات التهدئة والحوار المسؤول من شانه أن يؤدي تدريجياً إلى تنفيس الاحتقان القائم وأن يؤسس لمرحلة جديدة تستطيع الحكومة من خلالها محاكاة مشاكل المواطنين وهمومهم، وإذا توحَّد اللبنانيُّون حول جيشهم ومقاومتهم، فإنّ بإمكانِهم الثَّبات بصلابةٍ وإباء إزاء كلّ العواصِف. إنَّ هذا التوحُّد هو ضرورة وطنيَّة، به تمضي الدّولةُ في مسارهَا الصّحيح، قويّةً بوحدةِ أبنائهَا، عزيزةً بتضامنِ الأشقّاء من حولهَا، منِيعةً بشرعـيّتِها وسط الأمم. إنَّنا نسألُ الله تعالى ببركة قدوم هذا الشَّهر الفضيل أن يصونَ بلدَنا قويّا عزيزًا منيعًا، وأن يثبِّتَ قلوبَنا على الحقّ، وأن يوفِّقَـنَا في هذه الأيّام المباركة إلى ما فيه رضوانه، وأن يمنَّ على أبنائنا باليُمن والبرَكة أنه هو السميع المجيب.
2010/8/8