المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الجمعة ٢٦ نيسان ٢٠٢٤ - 17 شوال 1445
لمناسبة عيد المولد النبوي الشريف وجّه سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن رسالة

2010-02-25

لمناسبة عيد المولد النبوي الشريف وجّه سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن رسالة جاء فيها:
"والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين" ولادةُ النبيُّ (صلعم) كانت بشارةً لولادةِ أمَّة. بأمر الله سبحانه وتعالى وَفَدَت الروحُ التي سوف تلهم النفوسَ تقواها وتوحيدها وقوّةَ إيمانها، لتكمل البداية على السن الرسل النبيين عليهم الصلاة والسلام أجمعين، بالرِّسالةِ الجليلةِ التي غيرت العالم القديم وفتحت ابواباً إلى الحضارة والعقل والنور. روحٌ قوضت بالتوحيد والايمان عروش الالحاد وأصنامَ الجاهليّة وكان الناسُ "يأكلون الميتة، ويأتون الفواحش، ويقطعون الأرحام، ويسيئون الجوار، ويأكلُ القويُّ منهمُ الضعيفَ، فدعاهم وحيُ الرسول إلى التوحيد، والى الالفة وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم، والانتهاء عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات، وأمرهم بعبادة الله وحده وأن لا يشركوا بالله شيئا، وأمرهم بالصلاة والزكاة والصيام." كما عبَّر المهاجرون الأوائل. بهذا الوضوح، وبهذا النقاء، وبهذا التوحّد في ذات النفوس استطاع المهاجرون الأوائلُ، بالروح النبويَّة التي كانت تمدّهُم بالهداية وقوّة الإيمان، أن ينشروا رسالة الخير في أرجاء الأرض. وقامت حضارةٌ يشهدُ لها مثقفو العالم أنها التي قدّمت للبشريَّة أزهى العصور، ورعت العلوم التي استعاد بها الغربُ وعيه. ولا يسعنا اليوم، في هذه الذكرى المضيئة، أن نتغنّى بأمجاد الماضي، بل الواجب أن نستلهمَ درسَ الإيمان، وأن نستحضر الروح الكبرى التي اكتسحت العالم بحمل لواء التسامح واليسر والقيم السامية والفضائل الحميدة. لقد حافظت الأمّة الصاعدةُ آنذاك، من الأندلس إلى تخوم الصين، على احترام تقاليد الشعوب التي باتت في عهدتها. فلم يكن اضطهاد، ولم تكن عنصريّة، ولم تكن إبادة، بل لقاء حضاريّ على مستوى عولمة أخلاقيَّة رائدة وخلاقة وإنسانيّّة بالمعنى الشامل للكلمة. نستذكرُ تلك الروح ليس فقط بالذكر الحكيم، وإنما أيضًا بالمدى الإنساني الفسيح الذي كان به الإسلامُ سمحًا وجامعًا وقريبًا إلى وجه الله. نستذكرُها اليوم علّنا نستلهم القوّة التي بها تستعيد النفوس، ليس عصبيّتها الدينيّة، بل الحكمة والحِلم وحسن التدبير، وأيضا الإيمان العميق المستنير، والإرادة الخيِّرة الثابتة في مطالبتها بالحق والعدل. قال تعالى: (إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً) فاطر 24 وإنه لأولى بأصحاب القرار في أمّتنا أن يحقِّقوا معنى هذه البشارة في ذواتهم كي يستقيمَ الحكم على قواعد العدل والخير والشورى، وتتوطّد الدولةُ فوق دعائم الثقة والأمن والازدهار، وتنهض الشعوب بالعلم والعمل والتنمية الفعّالة. إنه بكلّ هذا تستقيم أسبابُ القوّة في جذور راسخة وقواعد وطيدة تستردّ بها الأمّةُ حقوقها، وتردّ مكائد أعدائها، وترفع عنها شرور التصدّعات والتفكّك والانقسامات التي تشكِّل أكبر الأخطار في مسيرتها لإحقاق الحق ودفع العدوان. نسال الله تعالى أن يثبتنا في الإيمان، ويقوي نفوسنا في الحق، إنه "خير الحاكمين".
بيروت في: 25/2/2010