المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الجمعة ٢٦ نيسان ٢٠٢٤ - 17 شوال 1445
كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن في الافتتاح الرسمي لجامع محمد الأمين في وسط بيروت 18-10-2008

2008-10-18

له الحمد الدائم والثناء العميم وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم والصلاة على النبي المصطفى محمد الأمين وسلم على آله وصحبه الأكرمين والسلام على أصحاب السماحة والدولة والمعالي والفضيلة والأخوة الضيوف الكرام وجميع الحاضرين    وبعـد،      نحن هنا في رِحاب معنى لبنان. إنه قلبُ بيروت القديمة. لؤلؤةُ الزمن وسِجلّ التاريخ. قدّر الله عز وجل لعاصمتنا ان تكونَ رائدةً في النهضةِ العربيّة الحديثة، والرؤيةِ الحضاريّة المستقبليّة لتآخي الشعوب على اختلاف عقائدِهم ومشاربِهم، أولى بنا أن نحدِّقَ مليّا في ما يعني هذا القلبُ لنا وللعرب وللعالم.      هنا، في هذه البقعة، وعلى شواطئ هذا البحر، هذا السهل هو سفحٌ لجبلٍ تفجرت في قممِه براكينُ الجهادِ في سبيلِ الإسلامِ والعروبةِ والوطنِ، في هذا السهل عبّرت الحضاراتُ المتعاقبة عن ذاتِها بأسمى ما يكون التعبير، فاندرست عَبْر الأزمنة صُروحٌ ليس أقلّها مدرسة الحقوق الرومانية، وارتفعت إلى عصرنا هذا صُروح، ونحنُ اليوم في حرَم أحدثها جمالاً.      ولكلِّ صرحٍ منها معناه الحضاريّ والثقافيّ والدينيّ، مكتسبةً الهويّةَ الوطنيَّة اللبنانيّةَ، وهي هويّةٌ كرّسها ميثاقُ عيشٍ مشترَك، وغذّتها عقولٌ نهضويّةٌ نيِّرة، ورَوَتْها دماءُ الشهداء التي يجمعُها حبُّ هذا الوطن وشرفُ الدِّفاع عن حرِّيته واستقلاله، بل وعن تحريره من كلِّ عدوِّ غاشم.      إنّ أشدَّ الدلالات وضوحًا في معالمِ هذا القلب العريق هي التعايش الخلاّق. وإنَّ ابرزَ العِبر التي تُقدِّمُها لنا وقائعُ التاريخ هي أنه بغياب التآلف بين مكوِّنات هذا الحيِّز الفريد، ووقوعها في التنافر والعصبيّات، يَحُلّ الخراب، ويذهبُ لبنانُ بَدَدًا ليصيرَ ساحةَ اصطراع الأمم.      آن لنا أن نرقى إلى معنى لبنان، ونتعالى في سبيل بقائه لنا جميعًا واحةَ رجاء، ونسهر على أمنه ورعاية مصالحه كي يكونَ لنا ضميرٌ نواجهُ به ساعةَ الحقيقة.      آن لنا أن نرتفع إلى مستوى القيَم التي ننادي بها جميعًا، بل إلى درجة السموّ الإنسانيّ التي دعا إليها كافّةُ الرسُل (ونحن هنا اليوم وسط بيروت التي ما قامت إلا للشهادة على الارتباط بالسعي الدائم إلى تحقيق هذا السموّ).    أيهـا السـادة،      نحنُ اليوم في حضرةِ درسٍ كبير يقدِّمُه لنا تاريخُ لبنان مجدّدًا. في حضرة استكمال إنجاز رؤيةٍ راودت قلبَ لبنانيٍّ كبير وعقلَه هو الرئيس الشهيد رفيق الحريري له ولجميع الشهداء الرحمة. لقد أراد لوسطَ المدينة أن يكونَ تاجَ لبنان. وأرادَ لهذا المسجد المَهيب أن يكونَ دُرّةً تشِعّ بالجمال بين رفيقاتها فوق هذا التاج. إنّه حُلمٌ بحجم بلدٍ وإلاّ ما معنى أن تُصانَ أوقافُ كلّ الطوائف في هذه البقعة الجامعة برمش العيون. وأن تُكرَّسَ حريّةُ تَبَاريها في تجسيد جماليّة الفنّ المعماري بكلِّ محبّة. ألا نرى أننا في كنَف مسجدٍ مكتنـزٍ بالرموز والعبَر؟ لقد ارتفع هذا الصرحُ معبراً عن رؤيةٍ حضاريةٍ للإسلام السمح. فالمسجدُ دارُ الدعوة، وروضةُ الذِّكر، وندوةُ المؤمنين، ومقرُّ سجودِ العبدِ المؤمنِ طائعًا صاغرًا لله الواحد العزيز الغفّار. لقد انعقدَ عزمُ بُناته على تجسيد السماحة والتآلف، فامتدّت يدٌ بيضاء، وانعقدت نوايا الخيِّرين الصافية على التعاضد ونبذ الصغائر. كان هذا دأبُ الرئيس الشهيد. أفلا يوجبُ علينا نداءُ الشهادة أن نرى المصالحات المبارَكة ، فنـتمسّك بكلّ ما أوتينا من إرادةٍ ووعي وضميرٍ متيقِّظ أن نُمتِّنَ جذورَها في نفوس الناس، وأن نوطِّدَ قواعدَها في أساس العلاقات، وأن نتفانى دفاعًا عن ثباتها كمن يُدافع عن وجودٍ يستحقُّ الحياة؟      إنه بإخلاصنا لوحدتنا، لتعاضدنا، لاجتماع شملنا نكون أوفياءَ للشهادة، أوفياءَ لشعبنا الطيِّب حين نحافظ على عيشنا المشترَك فوق هذه الأرض العزيزة.      إننا نؤكِّد في هذه اللحظات المضيئة في زمننا، أننا على عهد وحدة المسلمين ماضون، وعلى سبيل وحدةِ اللبنانيين في وطنهم سائرون، وعلى شدّ أزر كلّ من يعمل في هذا السبيل كما عمل بُناة هذا الصرح الأزهر ببركة الله متعاضدون، وبالنوايا الصادقة والعمل المخلص لإنجاح الحوار الوطنيّ برعاية رئيس الجمهورية جاهدون.      والى كل من يقدم يد المساعدة لتثبيت وحدتنا واستقلالنا شاكرون. ومع شعب فلسطين الجريحة وحقوقه وصموده ومقاومته، ومع شعب العراق أيضا في وحدته واستقلاله متضامنون.      والسلام عليكم ورحمة المولى وبركاته. 19 شوال 1429 هـ. الموافق 18 تشرين أول 2008 م.