المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الاثنين ٢٣ كانون الأول ٢٠٢٤ - 21 جمادي الثاني 1446
سماحة شيخ العقل في لقاء روحي في شانيه:"كلنا واحد للقيام بالواجب وصون كرامة أهلنا ووطن ‏أجدادنا"‏

2022-04-15

رأى سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ابي المنى ان "الوطن يئنُّ من ‏الفساد والانهيار وتتجاذبه القوى والمصالح من هنا وهناك، ولعبة الشارع وحمل السلاح شأن خطير ‏يهدِّدُ المجتمعَ والوطنَ والعيشَ المشترَك، إذا ما لم تُضبَط على مستوى الوطن كلِّه، والدولة شبه ‏عاجزة عن حزم الأمر وحسم القرار".‏
كلام سماحة الشيخ ابي المنى جاء خلال لقاء اقيم اليوم في بلدة شانيه، للتشاور في قضايا مختلفة ‏على المستويين الروحي والعام، بمشاركة عدد كبير من المشايخ من مختلف المناطق.‏
 
والقى شيخ العقل في مستهله كلمة جاء فيها:‏
بسم الله الرحمن الرحيم...‏
المشايخ الأفاضل والأخوة الأحبة
نرحِّب بكم فرداً فرداً، وعلى بركة الله نبدأ وبه تعالى نستعين..‏
واضعين نصب أعينِنا المسؤولية الملقاةَ على عاتقنا من سلفنا الصالح، من مشايخنا الأجلَّاء وأعلامنا ‏الأفاضلَ الأبطال على مرّ التاريخ، وحاملين في عقولنا وقلوبنا تراثَ أهلِنا الزاخرَ بسيَر التقوى ‏ومواقف العزَّة والكرامة، ومتطلعين إلى حاضرنا المكتظِّ بالتحديات والاختبارات، وإلى مستقبلنا ‏المتعطِّش أبداً لرحمة خالقِنا الكريمِ، والمحصَّن بإذن الله برجاحة العقول وثباتِ العقيدة وهممِ الرجالِ ‏الرجال.‏
لقاؤنا ديني روحي إنساني تشاوري توجيهي، رحّبنا به واحتضناه بدافع المحبة والأخوَّة التوحيدية ‏والغيرة المعروفية، إذ هو ليس لقاءً سياسياً أو سعياً هادفاً لتشكيل تنظيمٍ حركيٍّ، إنّما هو لقاءٌ أخويٌّ ‏جامعٌ تنادت للدعوة إليه مجموعةٌ من الإخوان الأكارم، وما المدعوون إليه إلا نخبةٌ من الأخوة ‏المشايخ المختارين من مختلف المناطق، ولكن هذا لا يعني إطلاقاً ان الحاضرين معنا اليوم ‏يختصرون جميع الأخوة والأحبّة، وهم كثر.‏
 
واضاف: "مواقع التواصل حفلت بالسجالات والمخالفات والاتهامات والتجريح والآراء المتناقضة ‏وربما بالبطولات الوهمية ومحاربة طواحين الهواء من هنا وهناك، وأصبحت مساحةً مفتوحةً ‏للانفتاح والسجال والنشر والتواصل، الإيجابي أو السلبي، فيما إمكانية ضبط المواقع تحتاج إلى ‏حكمةٍ عالية وجهدٍ بالغٍ وخبرةٍ تقنية رفيعة. ولعبة الشارع وحمل السلاح شأن خطير أصبحت تهدِّدُ ‏المجتمعَ والوطنَ والعيشَ المشترَك، إذا ما لم تُضبَط على مستوى الوطن كلِّه، وحجَّة مقابلة الشيء ‏بمثلِه تطغى على أي منطقٍ أو قانون، فيما الدولة شبه عاجزة عن حزم الأمر وحسم القرار.‏
واضاف متسائلاً ومجيباً: "كيف نتصرَّفُ؟ وأيَّ طريقٍ نختار؟ أنختارُ الفوضى أم نختارُ النظام؟ ‏أنختارُ الدويلةَ أم نختار الدولة؟ أنختار الانغلاق أم نختار الانفتاح؟
نحن كنَّا دائماً مع النظام والدولة والقانون والمؤسسات، ولا يليق بنا إلَّا ذلك، شرط أن تحفظ الدولة ‏حقوقَنا وكرامتَنا، كما حقوقَ كل مواطنيها وكرامتهم، وأن لا تكون منحازةً ظالمة وغيرَ عادلة. ‏وهنا تكمن الحكمةُ في التعاطي وتبرزُ الحاجةُ لإقامة التوازن بين الحقِّ الخاص والحقِّ العام، كما ‏بين الحزم والمرونة، وبين المواقف الشجاعة والرويَّة والتبصُّر بعواقب الأمور، ولو كنَّا نعلم الغيبَ ‏والنتائجَ لاخترنا السبيلَ الأقربَ إليها، ولكنّنا نعمل بحدود ما نعلم، ونسعى إلى الغاية الأمثل بنيَّة ‏طيبة وإرادة صلبة ورؤية توحيديةٍ لا غبار عليها، ونتوكَّل دائماً على الله سبحانه وتعالى، فهو ‏المعينُ النصير، وكلُّنا واحدٌ للقيام بالواجب ولتحقيق ما نصبو اليه".‏
 
إخواني الأكارم
عقيدتنا التوحيدية وقيمنا الأخلاقية وتاريخنا البطولي حافزٌ لنا لسلوك دروب الطهارة والتقوى ‏وطرق الخير والمعروف ومراقي الأخوّة والإلفة والمحبة. وما تعلّمناه من مشايخنا الأجلَّاء وسلفنا ‏الصالح يحثُّنا على السير قُدُماً، والارتقاء بمسيرتنا التوحيدية درجةً درجة، ومن مهمةٍ إلى مهمَّة، ‏ومن واجبٍ إلى واجب، تماماً كم يترقّى المتَّقون المسافرون في درجات التعاليم من الاجتناب إلى ‏الاكتساب، ومن مستوى التخّلي عن العلائق الدنيوية والشهوات والشبهات إلى مستوى التحلّي ‏بالخصال التوحيدية والفضائل الخلقية والنفسية، فإلى مستوى التجلّي والصفاء والنقاء، واعلموا ‏إخواني أن تلك المسيرة هي هي التي تنقل الموحد من درجة الطلب والاسترشاد إلى درجة الإيمان ‏والهداية فإلى درجة المعرفة والاستئناس، جعلنا الله وإيّاكم من أهلها العارفين السعداء الذين يأنسون ‏بطريق الحقّ ولا يرضَون عنها بديلا.‏
إخواني إن سلوك الطريق يقتضي جملة خطوات ومبادرات، أهمُّها:‏
‏- البدء بإصلاح الذات، بتنقيتها من الشوائب وتغذيتها بالفوائد العقلية والروحية، وترويضها بالعمل ‏الصالح والسلك الشريف، وضبطها بالأوامر والنواهي والالتزام بالقواعد الأخلاقية والمبادئ ‏الاجتماعية والإنسانية، والقاعدةُ الأساسية في كل ذلك هي الخصلة التوحيدية الأولى، أي الصدق، ‏والصدق من الإيمان كالرأس من الإنسان.‏
‏- حسن التعامل والتعاطي مع الإخوان وأبناء المجتمع الذي نعيش فيه، أولاً بأوَّل، بدءاً من العائلة ‏الصغرى وصولاً إلى العائلة الكبرى، وينطبق ذلك اليوم على مَن نتواصل معهم ونلتقيهم كذلك عبر ‏وسائل التواصل الاجتماعي، الذي يقضي ولوجُها عدمَ التخلّي عن مخاطبة الناس ومعاملتهم بالتي ‏هي أحسن، وفي هذا التعاطي الإيجابي مع الناس تأكيدٌ على ثاني الخصال التوحيدية، أي حفظُ ‏الناس والإخوان.‏
‏- إقامة التوازن العقلاني المطلوب بين ما هو فرضٌ لازم وما هو فرضٌ متعدٍّ، فالفرض اللازم ‏يقضي أولاً بتطهير النفس وتقوية الإيمان والتزام التقوى، وهذا الواجبُ اللازم لا يعني أبداً التنكُّر ‏للواجب الاجتماعي والحضور الوطني، فمشاركتُنا الاجتماعية واجب، والتعاون مع الآخرين ‏واجب، والعمل الحثيث لتحصين المجتمع واجب، والدفاع عن الكرامة والأرض والوجود واجب.‏
 
أيُّها الأخوة الأحبّة،
نعيش اليوم عصر السرعة في التحديات، ففي كلِّ يومٍ مستجداتٌ ومتغيِرات، ومع كل تحدٍّ تتعاظم ‏الحاجةُ لتثبيت العقيدة ومواجهة التحدي بالوعي والحكمة والتقوى والشجاعة وشحذ الإرادة وشدِّ ‏الأزر وتقوية أواصر المودَّة والأُخوَّة في ما بيننا،
ولأن التحديات لا تتوقَّف والمتغيرات إلى ازدياد، ولأننا عاقدون العزم في موقع المسؤولية التي ‏شرّفتمونا به، وحريصون كلَّ الحرص على كرامة آبائنا وإخواننا وأبنائنا وعلى كرامة أمهاتنا ‏وأخواتنا وبناتنا، حرصَنا على مجتمع الخير الذي نسعى إليه وعلى وطن الأجداد الذي يتوِّجه جبلُنا ‏المعروفيُّ بجلاله وجماله، وتزيِّنُه قُرانا الشامخة بوداعتها وصلابتها، فإننا نرى أنّه من واجبِنا أن ‏نعمل على تعزيز التفاهم والتشاور بيننا، ومعَ مشايخِنا الأجلَّاء المتفهِّمين لهذا الواقع، والمتعاونين ‏على التصدِّي له بوعيٍ وحزمٍ وتلاقٍ أبعدَ من حدود الأنانية أو الشخصانية أو المناطقية أو الغرضية ‏أو التعصُّب الأعمى".‏
 
وختم الشيخ ابي المنى: "العالم القريب والبعيد يضجُّ بالصراعات ويتسابق على امتهان الكرامات ‏وسرقة الثروات، والوطن عندنا يئنُّ من الفساد والانهيار وتتجاذبه القوى والمصالح من هنا وهناك، ‏والاستحقاقات المصيرية تدقُّ على الأبواب في شبه حربٍ وجوديةٍ، وبعضُ الناس غافلون غيرُ ‏مُبالين، وبعضُهم تائقون إلى التغيير، وبعضُهم معتكفون ممتعضون، والعولمة تكادُ تجتاحُ كلَّ شيءٍ، ‏حتى الإيمانَ من القلوب، والأخلاقَ والقيم والفضائل الإنسانية، والمجتمع التوحيدي يكاد بعضُ أبنائه ‏أن ينجرفَ مع التيَّار، سوى أولئك "الأجاويد" الأبرار المتمسكين بصحة العقيدة وحسن الولاء، ‏والقابضين على إيمانهم بالرغم من كل أمر".‏