المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الجمعة ٢٩ آذار ٢٠٢٤ - 19 رمضان 1445
سماحة شيخ العقل في رسالة رمضان: النزوع نحو المصالح الضيقة يمزّق الكيانات الوطنية ‏والإنسانية

2022-04-01

وجّه سماحة شيخ العقل لطائفة الموّحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ابي المنى رسالة حلول شهر ‏رمضان المبارك، جاء فيها:‏
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالَمين، والصلاة والسَّلام على خاتم النبيين وسيِّد المرسَلين، وعلى آله وصحبه ‏الطاهرين الطيِّبين

‏﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ‏الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ ‏بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. ( البقرة، آ 185)‏
 
يَهلُّ عليْنا شهرُ رمضانَ المبارك فنستشعر معه المعاني الساميةَ التي تختزنُها الآياتُ الـمُباركَة في ‏الكتاب الكريم، مُدركينَ أنَّ تقلُّبات الدنيا وعواصف الأيَّام وصعوبات الزَّمان، مهما اشتدَّت، فإنَّها لن ‏تكون إلّا حوافز للمؤمنين لاستكناه معاني الصَّبر والرِّضى والقَبول، بل ومعاني الإيثار والمبادرة ‏لأفعال الخيْر والعطاء.‏
رمضانُ شهرُ الرحمة، وأيُّ رحـمةٍ أجلُّ من نعمةِ يقظةِ النَّفس من غفلتِها وسجُون أوهامها ‏ومطامعها؟ وأيّ نعمةٍ أشرف من أن يتحرَّرَ الفردُ من طوْقِ الخضُوع لأهواء نفسِه الأمـَّارة ‏بالسُّوء؟ وأيُّ فضلٍ أعظمُ مـِمـَّا أُنزل من ربِّ العِبادِ في هذا الشَّهر المبارَك نوراً مُبيناً للعالمين ‏‏﴿وَأَنـزَلْـنـا إلَـيْـكُم نُـوراً مُـبِينا﴾.‏
رمضانُ شهرُ الصَّوم، والصومُ نعمـةٌ بمقاصدِه الـموصُولةِ بحُرمَة هذا الشَّهر الذي يوجبُ علىينا ‏احترامَه والاستفادةَ من أيامِه ولياليه، التزاماً بالفريضة، وامتناعاً عن المحرَّمات، وإقبالاً على ‏الطاعات، ووقُوفاً أمام الـمُنعِم والنِّعمـةِ حمداً وشكراً، بالصَّلاة وبالتّسبيح، بالتقوى ‏وبالاستشعار،بالذِّكر وبالرِّضى، وبالنيَّة الطيِّبة والعملِ الصالح، وتجاه الجماعةِ الإنسانيَّة بالمشاركةِ ‏والألفة، وبالمبادرة الخيِّرة حيث حقلُ الثمرات زاخرٌ بالجنى على دروب الأمر بالمعروف والنَّهي ‏عن الـمُنكَر.‏
لقد نبّهَنا الدِّينُ إلى ثوابتِ القيَم والـمُـثُل الإنسانيَّة، وإلى بركةِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ والصَّوم التي ‏تتهذَّبُ بها النُّفُوسُ فترقى، بينما نرى اليومَ بأُمِّ العين والضمير كيف يتنكّرُ الناسُ لتلك القِيَم، وكيف ‏ينخرُ الفسادُ أجسادَ الأُمم، وكيف يُعكِّرُ التنافرُ والتنازُعُ أجواءَ السلام، وكيف تُمزّقُ الخصوماتُ ‏والأنانيّاتُ والنزوعُ نحو المصالحِ الضيِّقة الكياناتِ الوطنيةَ والإنسانية، فنشعرُ كم نحن بحاجةٍ في ‏مواجهة الاستحقاقات والتحديات إلى مزيدٍ من الإيمانِ والارتقاءِ وإرادةِ العودةِ إلى المنابعِ الروحيةِ ‏الأصيلةِ وإلى القيمِ الأخلاقيةِ والاجتماعيةِ والوطنيةِ السامية.‏
نسألُ اللهَ تعالى أنْ يَشملَنا وإخواننا جميعاً بالرحمةِ والرأفةِ والسلامِ والعفو، وأن يجعلَ أيّامَنا في ‏رمضانَ المباركِ مواسمَ خيرٍ وائتلافٍ وزكاةٍ ويُمنٍ وبرَكةٍ وصبْرٍ ورضى. إنه هو الرحيمُ الرؤوفُ ‏السلامُ والعفوُّ، وهو الحليمُ الكريم السميعُ والمُجيب، لا إله غيره ولا معبود سواه".‏