المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الأربعاء ٢٤ نيسان ٢٠٢٤ - 15 شوال 1445
تصريح لسماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن اثر تشييع رئيس مؤسسة العرفان التوحيدية الشيخ علي زين الدين

2019-06-26

 
بسم الله الرحمن الرحيم

صدر عن سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن ما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى محمد سيّد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
طُرحت، في العاميْن 1973 و 1974، أمام كبار من رجالات الموحّدين الدروز، مسألةٌ صعبة يمكن تلخيصُها بالتالي: كيف يُمكن لثقافةِ الموحِّدين وتربيتهم التعليميَّة أن تجدَ لغتَها تجاه العالم المعاصِر؟ وكان الجوابُ ثمرةً من توجُّه الشيخ الجليل المرحوم الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين واخوانه المشايخ الأفاضل، تلاقى مع فكر الشهيد الكبير كمال بك جنبلاط ومباركة سماحة الشيخ محمّد أبو شقرا، وهو "تأسيس صرح تربويّ" باسم "العرفان".
ويعلمُ الجميع أنَّ المسيرةَ انطلقت بذلك التوجّه التوحيدي وبتلك الرعاية الحكيمة، وأنَّها وجدَت قيْدُومَها، ورجُلَ ميْدانِها، ورائدَ طلائعِها في شخص الشيخ علي إسماعيل زين الدّين، الذي انطلقَ، مُذَّاك، في حركةٍ لم تهدأ طيلة أكثر من أربعةِ عقود، من أجل قيام المؤسَّسة ونجاحها وتوسيعها وترسيخ رسالتِها ووضع مساراتها العمليَّة والمعنويَّة في خدمةِ المعروفيِّين، من أعالي الشوف إلى أقاصي وادي التَّيْم مروراً بجرد عاليه والغرب الذي يحمل تراثَ التنوخيِّين الأثيل، بلا كللٍ ولا مللٍ ولا مهادنة ولا تقاعُس، مستنزفاً نفسه وعمره وكلّ حياتِه في الهاجس الذي استهلكَ منهُ كلَّ شيء، هاجسُ أن تبقى الرّايةُ مرفوعةً خفَّاقة، رايةُ العِلم والتثقيفِ والتربية والتقدُّم والنجاح، بل وأيضاً رايةُ الكرامةِ والعنفوانِ المعروفيّ الموصُول بالأخلاقِ والشهامةِ واحترامِ المكوِّناتِ الجامعةِ لمعنى الوطن وعزَّته واستقراره.
كان الشَّيخُ عليّ في سباقٍ مع الزَّمن، لا توقفهُ موانعُ العصبيَّات الفئويَّة، والحزازات البلديَّة، والحرتقات الصغيرة، كان أكبر من ذلك كلِّه. كان مفهومُه العمليّ الواقعيّ للحركةِ النهضويَّةِ يتَّسع للوطن، وها هي العرفان، لم تكن قلعةً شوفيَّةً مستأثرةً بالخيْر الاجتماعي العام، بل هي بذلت الخيْر في كلِّ أرجاءِ الوطن، وربَّما تكونُ العرفانُ فريدةً في عطائها وبنسبة المساعدات التي تقدِّمها للأهالي. ومع ذلك، لم تتخلَّف عن النموّ، بل بنَتْ الصُّروح في المناطق المختلفة، بالقوَّة عينِها، وبالتصميم عينه، وبالمحبَّة عينِها.
ولَّد رئيس مؤسسة العرفان وبمساعدة اسرتها ديناميَّات الإدارة ولم تسعْهُ المؤسّسة إذ كانت حَميَّـتُه واحتِدامُ غَيْرتِه وحماسه للمواقِف الشجاعة التي لا تهابُ في الصعوباتِ والمحنِ شيئاً دونه وحفظ الكرامة وصوْن الحِمى. وكم له في أقصى الظروف صعوبةً ومشقَّة واشتدادُ الأزمات من صولات وجوْلاتٍ خرج منها برفقة الميامين منتصرين أقوياء لا لنفوسِهم بل لخيْر مجتمعِهم، نصرةً للحقّ ودفاعاً عن الأرض والعِرض.
ولا بدَّ من تسجيل مدى أصالة مفهومه الوطنيّ، حيث أنَّ الشيخَ عليّاً بعد انتهاء سنوات الحرب، واجه خصومَ الأمس باللقاءاتِ وبقوَّةِ الإرادة والقلبِ على تجاوز كلّ صفحات الماضي فكان له، إلى جانب وليد بك جنبلاط، أسهماً كثيرة في تعزيز المصالحة، وترسيخ مصداقيَّة التمسُّك بها كفعل إيمانٍ بوطننا لبنان. وكان جوَّالًا بزيارات التقارب والتعارُف وتبادُل الخبز والملح. وكلّ من يعرفه يعرفُ بأن إنسانيَّته عابرة لكلِّ شعورٍ طائفيّ، وأصدقاؤه من كلِّ الطوائف يعرفوا فيه سجيَّته الخالية من كلِّ تصنُّع، والبعيدة عن كلِّ حسابات غير حساب انفتاح القلب على صفحاتِ وطنٍ نريدُه جميعاً وطناً حاضناً للكلِّ بالقيَم الإنسانيَّة الرَّفيعة المخزونة في الأصالةِ اللبنانيَّة وسجاياها الطيِّبة التي يعرفُها الأناسُ الطيِّبون الشرفاء.
نقولُ الآن اختصاراً لكلام لا يمكن أن يحيطَ بحياةٍ طافحةٍ بالعطاء والتضحية، نقولُ وداعاً، وكأنِّي بك أمام ربٍّ لا يَضيع لديه أمرٌ وهو أرحم الرَّاحمِين. نسأله تعالى الشفاعة والرحمة والغفران.
تاريخ: 26/6/2019.