المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الجمعة ١٩ نيسان ٢٠٢٤ - 10 شوال 1445
 كلمة سماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن في الذكرى الأربعين لغياب الصحافي عبد الغني سلام 15/9/2017

2017-09-15

 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه المصطفى الأمين محمد سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى كافة الأنبياء والمرسلين
 
السلام عليكم ورحمة المولى وبركاته،
الصحافي الإنسان الأستاذ عبد الغني سلام، عرفته من جريدة اللواء الغرّاء، ومن أسرتها الكريمة، هو من دوحةٍ عربيَّةٍ متأصِّلةٍ، ووطنيَّةٍ متجذِّرةٍ، وبيروتيَّةٍ كان لها اليدُ والهمَّةُ في تحديد ملامح المدينة، المدينة كما العمران برجالها وليس بأبنيتها وسيرة المكرّم اليوم من هذا القول القديم حقيقة واقعية.
إنَّه ليس بالأمر العارض أن ينجذبَ فقيدُنا، وكان في الواحدةِ والعشرين، إلى عالم الصحافةِ. دخلَ إليها من بابٍ عريض إذ نال بدعم والده امتيازَ إصدار "اللواء" كمجلَّة أسبوعيَّة. وهذا خِيارٌ لهُ دلالة على نزوعٍ مُبكِرٍ في النَّفس إلى مواجهة الحياة العامَّة، وعْياً لسياق الأمور، ومشاركةً بالاطّلاع والرأي والموقف على قاعدة الثبات في أصالةِ تراثٍ عريقٍ في إدراكِ مفاهيم القضايا الوطنيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة. ومن أوائل الستّينيّات في القرن الماضي، إلى حين توفَّاه الله، أي ما يُناهز نصف قرن من الزمان، بقي الرَّجُلُ راسخاً في ثوابته، مخلصاً لوطنه، مؤمناً بعروبته، وساعياً في الخيْر لخدمة الإنسان في حقل أعمال البِـرِّ والفضل كما هو معروف مشهور خصوصاً في دأبِه الرمضانيّ في إقامة "موائد الرحمن" ممتثلا قولَه تعالى ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ (الانسان 8-9).
وبالقلبِ الطيِّبِ عينِه، خاضَ عُبابَ السِّياسةِ بين السياسيّين بالمُثُل التي عاش من أجلها يريدُ بها المصلحةَ الوطنيَّةَ العُليا التي شهدَ له لبنانُ بها حين مُنِح وسامُ الأرزِ الوطنيّ باستحقاق. هذه "اللبنانيَّةُ" لديه، كانت سعياً حثيثاً مُضنياً، في قلبِ العواصفِ المحلّيَّةِ والعربيَّةِ، ليستدركَ الأسْوأ، وليدفعَ بمَلكةِ التفهُّمِ بين الأقطاب وصولاً إلى ثمرتها، وبالتالي، إلى التعقّلِ والتَّفاهُم والحوار بعيداً عن التشنُّجِ والمنافرةِ والتَّصعيد. ولا يُمكِنُ لأحدٍ أن يحيطَ بأثره في كواليسِ هذا الخضمّ المتشابِك، فلم يكن همُّ "الإطفائيّ" كما سمَّاهُ الرئيسُ عرفات، سوى إرساءِ المنطِق السليم الّذي به تكونُ الخطوةُ البنَّاءةُ التي هي هدفُ السياسةِ الجديرة باسمها. 
وكان لـ"الأخلاقِ" عندَ السيِّد سلام شأنٌ كبير. ولا غَرْو في ذلك نظراً إلى أصالةِ نشأتِه. فهْو عمل يوماً على وضع "ميثاقٍ اخلاقيّ" برسمِ المسؤولين والشخصيَّاتِ شعوراً سبَّاقاً في ضميره لتفاقم وتيرة تراجع الممارسات المختلفة من منظور أخلاقيّ. وإن تكن المبادرةُ قد توقَّفتْ نتيجة قوَّة سيْل الأحداث واندفاعها دون أن تصل إلى غايتها المنشودة، فإنَّ الوديعةَ تبقى لهُ في خزائن لا تُبلى عند من لا يُضيعُ لديهِ أجْرا، تبقى "اللواءُ" شاهدةً على تراثِه في نهجِ الرَّصانةِ والأصالةِ والاعتدال والأخلاق والوطنيَّة التي لم تفقد خميرتَها الجوهريَّة من التراثِ الَّذي مكَّن لبنان من أن يكونَ وطنَ "العيْش معاً".
وكم نحنُ بحاجةٍ اليوم في بلدِنا والظّروفِ الدقيقةِ المحيطةِ به أنْ نستلهمَ القيَمَ التي تذخرُ بها هذه السِّيرة. كم نحنُ بحاجةٍ إلى أن نرى الأداءَ السياسيَّ وفيّاً للقواعِد الدستوريَّة بما تُمليهِ على الجميع من الإيمانِ بضرورةِ المحافظة على الآليَّات الديموقراطيَّةِ التي تحميها روحُ الاحترام والالتزام بالقانون.
ولا يسعُ لكلمة في هذا المقام ان تعدد مآثر رجلٍ عاش في ملء القيمة المعنوية لما آمن به فكان شجاعاً في مواقفه المخلصة في الشأن العام. وما أحوجنا إلى إعلام وصحافة تبتعد عن الإثارة وتقترب أكثر فأكثر من الرسالة السامية في كشف الحقائق ونقل صوت الناس؛ ما أحوجنا إلى عزم وإرادة وطنية لتحقيق استقرار البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وترسيخ أمنها. في هذا الزمن الصعب، ليكون وطناً كما كان في أحلام الرجال الكبار في تاريخ لبنان من القائد الشهيد كمال جنبلاط الى الرئيس الشهيد رفيق الحريري وغيرهم، واليوم وفي الذكرى الأربعين لغياب الصحافي عبد الغني سلام، نتطلع معاً الى مسيرة حق نريدها في الدولة ومؤسساتها والى ترسيخ أسس العيش المشترك، بل العيش الواحد، والحرص البالغ على حماية المصلحة العامة بمبادئ الحوار والاعتدال والتفاهم والاحترام في ظل دولة عادلة إصلاحية ثابتة بنظامها الديمقراطي ومؤسساتها الدستورية وجيشها القوي.
نسألُ الله عزَّ وجلَّ أن يُلهمَنا إلى كلِّ خيْر، وأن يسدِّدَ خطانا في الصَّواب، وأن يثبِّتَ قلوبَنا في أصالةِ القيَم والفضائل وحميد الأخلاق، إنه هو الحليمُ الكريم، السميع المُجيب.
**************