المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الثلثاء ٢٣ نيسان ٢٠٢٤ - 14 شوال 1445
 رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن لمجلة الضحى العدد 17

2016-08-08

الالتزام بحقِّ الكلمة ومعناها
 
المُعجَم، في المفهوم الحديث لعِلم الدَّلالة، هو فُسحة لغويَّة "تمُوج بالحياة والحركة" في حال النَظر فيها بعين التَّدقيق المُعمَّق، ذلك أنَّ مدلولَ الكلمة يبقى قابلًا لمحمولات متجدِّدة في المعنى. سنكتفي هنا بإيراد نبذةٍ من سيرة الشيخ الفاضل حين قال له شيخُه أبو عبادة زاكي الَّذي رعاه في البداية (وكان فتًى في حداثته): "إنْ قُلنا لكَ يا محمَّد، نرى ذلك قليلًا عليك. وإنْ قُلنا لك يا شيْخ محمَّد نرى ذلك كبيرًا عليْك. فنقولُ لكَ يا أبا فُلانٍ بكُنْيته المشهورة."
لقد كان مدلولُ الكلمة كما بدا واضحاً انه مرتبط بالنُّضْج الَّذي يحقِّـقُه المرءُ في سلُوكِه وديانتِه ومعرفته بحيْث يكونُ الإدراكُ مستويًا في سجايا الخيْر، لا سيّما منها حضُور العقل في الحركاتِ والسكَنات، وغَلبَة الحِلم، أي الرزانة والأناة والتبصُّر، على نوازع النَّفس وانفعالاتها وعواطفها. وأيضًا، استقرار جَنَان السالك، أي قلبه وداخله، في هدْأة التَّواضُعِ، بنُور المعرفة. ثمَّ الثَّبات عليه، فلا تُـقلقِلُ سكينتَهُ في الفضيلة تلك أيُّ حادثةٍ من حوادث الأيَّامِ العابرة في الزَّمن، لأنَّ الاطمئنان الرُّوحيّ يعلو عليه بلطافته وقيمتِه وجوهريّته. 
كذلك في هذه المناداة محافظة على سداد المعنى، من غير إفراط في استخدامه، ويعني هذا إخلاصه في التَّوحيد، لأنَّ التَّوحيدَ لا يصِحُّ في الحقيقةِ دون ثباتِ المعنى في المقاصدِ السَّديدة لهُ مهما عصفَت بها عوارضُ الأزمان. والعقلُ يستدركُ تصعيد المعنى دون أن يخونه. ويُحيطُ بتنوِّعات دلالاته من دون ضلالٍ عن جذوره الأصيلة. وهذا مبحثٌ له حديث وأبحاث تطُول.
هذا مثالٌ على كثير من المصطلحات الجوهريَّة التي لا يمكنُ لأيِّ مُوحِّدٍ أن يكتفي منها بظواهر الشَّكل والكُلْفة، بل من الواجب اللازم أن يحقِّقَ مقاصدها في سلوكه، ولا يحدث هذا إلَّا باتِّحادِ معناها في خلجَاتِ نفسه، وتأثُّرها به وجدانيًّا وامتثالًا في العملِ، كي يحقّقَ معنى التَّوحيد وفق قدْرته واستطاعته بعد بذل الجهد مخلصًا ومتشوِّقًا إلى الارتقاء به على الدَّوام. بهذا نبتعد عن الاعتباطية التي يبني البعض عليها الآراء ويتخذها منظاراً نحو الآخرين فتجمح عواطفه وتجعله يعيش في مجتمع مضلل مخدوع.
 
علينا أن نتطلَّع، بشجاعةٍ، في مرآة الحق بحثًا عن مكاننا من المفاهيم الأصيلةِ لكثيرٍ من المصطلحات، ومنها: التَّواضع، الحياء، النّزاهة، الإيثار، الأخُوَّة، العفاف، القناعة، الطِّيبة، الاعتدال، الإنصاف، المَيْز، الحِلْم، الصَّبْر، التوكُّل، الإخلاص، الرِّضى، الخشُوع، الإصغاء، المروءة، الوفاء، وبالإجمال الكثير من الآداب والأخلاق اللائقة بمعنى التَّوحيد. وفي كلِّ حال، فإنَّ كلَّ القيَم المذكورة هي برسم كافَّة شرائح المجتمع المتطلِّع إلى نهوضٍ لائقٍ بمعنى الحضارة. فالأخلاق الحميدة سمات إنسانيَّة نبيلة، بها تكون الأسرةُ نواةً قويَّة صالحة، وأساسًا متينًا لكلِّ بناءٍ حضاريّ لائقٍ بمعنى المَدَنيَّة الرَّفيع. 
قال تعالى في كتابه الكريم﴿ اللهُ وليُّ الَّذين آمَنُوا يُخرجُهُم منَ الظُّلُمات إلى النُّور ﴾(البقرة 257)، أي أنَّ الله تعالى ينصرُ المُصَدِّقين بحقائق دعوته وتوحيده، ويوفّقهُم في سعيهِم المخلِص وصولًا إلى نور الحقّ والهداية والاستقامة. والتَّصديقُ السَّليمُ هو لبُّ صحَّة الدّيانات. ولو امتثل المرءُ معنى التَّصديق بحقيقته لَتَبدَّى ذلك واضحًا في عملِه وسلوكه مع خاصَّة نفسه، وبالطّبع مع نظرائه في الخَلق في بيئته ومجتمعه. 
إنَّ التشوُّهات التي تظهرُ هنا وهناك، في العديد من التصرُّفات والممارسات، لدى بعض من التَبَست عليهم حقائق الأمور، مردُّها إلى انفكاك النَّفس في سرائرها عن حقائق المعاني، وهذا استدراجٌ إلى غضبِ الله. ولا نعرفُ في تراثنا العريق عن الأفاضل الكبار، وأصائل الرّجال إلَّا أنَّهُم كانوا يقدِّرون حقَّ الكلمة، ويضعونها في ميزانها العدْل. لذلك كانت نواياهُم في ألفاظهم، وكلامُهُم في غاية الانسجام مع أفعالهم، وهيبتُهم من صدقهم وإخلاصهم وصفاء ضمائرهم. ولنا أن نقتدي، وأن نحفظَ هذه الرُّوح قبل كلّ شيء، بعقولنا ونفوسنا ومسالكنا وتصرّفاتنا وأعمالنا، لا بعواطفنا وانفعالاتنا، ولا يغِيبنَّ عن بالِنا﴿ إنَّ اللهَ بما تعملُون بَصِير﴾ (البقرة 110). 
أيّها الشباب والشابات
حذار ان تتحكم فيكم عواطفكم، فهي كالجواد الجامح إذا ما اندفع وانطلق يعدو لا يرى امامه، فالعواطف لا تبني ولا سيما إذا كانت مطاياها الألسن والآذان. 
"طوبى لمن جعل العقل عقال العواطف. وجعل الصدق مسلكاً وشعاراً".
3/5/2016