المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الجمعة ١٩ نيسان ٢٠٢٤ - 10 شوال 1445
 تأبين سياسي وديني جامع لسماحة الشيخ محمد أبو شقرا في ذكراه الـ26 في الأونيسكو 
سماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن: الجدل حول رئاسة الدروز لمجلس الشيوخ بداية تخل عن طائفة تأسيسية في لبنان 20/5/2017 

2017-05-20

تأبين سياسي وديني جامع لسماحة الشيخ محمد أبو شقرا في ذكراه الـ26 في الأونيسكو
سماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن: الجدل حول رئاسة الدروز لمجلس الشيوخ بداية تخل عن طائفة تأسيسية في لبنان
السبت 20 أيار 2017
أحيت مشيخة العقل والمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، الذكرى الـ26 لرحيل سماحة شيخ العقل الشيخ محمد ابو شقرا، في احتفال اقيم عصر اليوم، في قصر الاونيسكو بعنوان "ذكرى الوفاء" بالتعاون مع بلديتي عماطور وبيروت.
حضر الاحتفال ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وزير الدولة لشؤون حقوق الانسان ايمن شقير، ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب علي بزي، ممثل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة، ممثل الرئيس ميشال سليمان اللواء المتقاعد شوقي المصري، ممثل الرئيس تمام سلام الدكتور محمد فرشوخ، ممثل رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط النائب غازي العريضي، ممثل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي المطران بول عبد الساتر، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز نعيم حسن، ممثل مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان القاضي الشيخ خلدون عريمط، ممثل رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الأمير قبلان المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان، رئيس مؤسسة العرفان التوحيدية العليا الشيخ علي زين الدين، رئيس المحكمة الاستئنافية العليا الشيخ فيصل ناصر الدين، قضاة المذهب الدرزي، ممثل تيمور جنبلاط رضوان نصر.

كما حضر ممثلو الاجهزة الامنية وفاعليات بلدية ومخاتير واعلاميين واعضاء المجلس المذهبي الدرزي وحشد كبير من رجال الدين والهيئة الدينية ووفد من بلدة عماطور وممثلو الطوائف الروحية وعائلة الشيخ الراحل.

الدكتور الشيخ سامي أبو المنى:
قدم الحفل رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي الدرزي الشيخ الدكتور سامي ابو المنى، الذي تحدث عن مسيرة الشيخ الراحل، مستذكرا "مواقفه الوطنية والعروبية فاعلا ومتفاعلا مع اخوانه القادة الروحيين الاعزاء، وعلى الاخص البطريرك خريش والامام المغيب موسى الصدر والمفتي الشهيد حسن خالد والامام محمد مهدي شمس الدين والبطريرك صفير، وسواهم من اصحاب الغبطة والسيادة والسماحة".

اضاف: "لقد كان سماحته حريصا على الوحدة الوطنية، ضنينا بوحدة الصف الدرزي، كذلك وهو القائل في وداع الامير مجيد ارسلان في العام 1983: ان اقامة حفل الصلاة في قصر المختارة العامر، يثبت اننا كلنا واحد، وان موقف الطائفة عزيز بوحدة صفها قوي باتحاد كلمتها".

رئيس بلدية عماطور الأستاذ وليد أبو شقرا:
ثم القى رئيس بلدية عماطور وليد ابو شقرا كلمة، قال فيها: "علمتنا سيرته من خلال مسيرته، الا نقول سنفعل، بل ان نقول فعلنا، تلك امثولة لو اخذ بها هذا الشرق، لتبن ابناؤه الفجر الصادق ولأقدموا على ما فيه صلاح امورهم".
اضاف "علمتنا مسيرته ان نكون حكماء، والحكمة تعلمنا اياها طلعات النحل اذا عرفنا كيف نكون قفيرا، لو اجتمع الجهل بطواقمه كلها، لما تمكن من الزام المحلات بان تنتج عسلا له طعم الملل والنحل والطوائف والمذاهب والجغرافيا الخاضعة لمصالح ضيقة تخنق التاريخ المشترك".
وختم "سيدي يا شيخ العقل، ربع قرن على رحيلك انقضى في ذكرى الوفاء لك، تعاهدك عماطور على العمل بمضمون وصيتك ووصاياك".
ثم عرض فيلم وثائقي يروي سيرة حياة الراحل، من اعداد دائرة الاعلام في مؤسسة العرفان التوحيدية.

ممثل عن غبطة البطريرك:
وألقى عبد الساتر كلمة قال فيها: "شرفني صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى، وكلفني ان امثله في هذا الاحتفال الكريم، الذي دعت اليه مشيخة العقل والمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، بالتعاون مع بلديتي بيروت ومرستي، تحت عنوان ذكرى الوفاء للمغفور له الشيخ محمد ابو شقرا".
أضاف "نعم جميل هو الوفاء وهو فضيلة كبرى يتربى عليها الانسان، وفي هذا الإطار، يسعدني ان انقل اليكم تحيات غبطته، مع ما يحمل في قلبه من محبة للجبل واهله، ولعائلة ابو شقرا الكريمة من تقدير. والوفاء يقضي منا ان نضيء على انجازاته، فالاثر الذي تركه سماحة الشيخ المرحوم محمد أبو شقرا، خلال رئاسته لمشيخة الموحدين الدروز على مدى اربعة عقود ونيف، طبع في ذاكرة الدروز والوطن صورة رجل مؤمن وعصامي، فدأب منذ توليه رئاسة المشيخة سنة 1949 في تنظيم شؤون الطائفة على المستوى الديني والاداري، معززا دورها في الحياة السياسية اللبنانية، فأنشأ دار الطائفة الدرزية في بيروت، التي اصبحت مقرا لمشيخة العقل واسس المجلس المذهبي للطائفة، ومحكمة الاستئناف العليا الدرزية. اما على الصعيد الاجتماعي فأنشأ المؤسسة الصحية للطائفة الدرزية عام 1982 في بلدة عين وزين".
وتابع "على الصعيد الوطني، فقد واكب سماحته الاحداث اللبنانية، وكانت له المواقف الواضحة، التي شدد فيها على ضرورة ترسيخ الروح الوطنية والمساواة بين المواطنين بين المواطنين، مشيرا في احدى مقابلاته الصحفية (جريدة اللواء 15|/7/1985)، الى ان المساواة بين الطوائف كفيلة بانهاء الحرب. وفي مقابلة اخرى "ان لبنان هو وطن لجميع اللبنانيين وسيبقى للجميع، وبالتالي لا للدولة المسيحية ولا للدولة الاسلامية، نعم لدولة تضم جميع اللبنانيين" (مجلة المنبر في 1/7/1986)".
ورأى ان "الذكرى التي نحييها اليوم، تحملنا على التفكير بمسؤولية كبيرة، وتتطلب منا جميعا ان نطوي صفحة الماضي، ونتطلع الى مستقبل يعزز وحدتنا الوطنية من خلال خطوات جبارة وجريئة في آن، فالمصالحة التاريخية في الجبل التي ارسى مداميكها غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، مع معالي الاستاذ وليد جنبلاط في آب 2000، واستكملها وعمل على تعزيزها غبطة ابينا السيد البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، ساهمت في شكل او باخر بتحرير الوطن من عقدة الحرب، وانسحبت على كل المناطق اللبنانية، وعلينا جميعا العمل وبشكل متواصل من اجل تعزيز هذه المصالحة وتنقية الذاكرة والدفع قدما في مسيرة الوفاق الوطني، من خلال المحافظة على الميثاق الوطني وصيغته الفريدة، التي جعلت من لبنان بلد الرسالة كما سماه البابا القديس يوحنا بولس الثاني، ابان زيارته التاريخية الى لبنان سنة 1997".
وقال: "لكن للأسف، ان ما نشهده اليوم من تجاذب سياسي حول قانون الانتخاب، يهدد الكيان اللبناني ويشوه صورة الديمقراطية في وطن الارز، وهذا ما يجعلنا ندق ناقوس الخطر، فالكتل النيابية مدعوة الى تحمل مسؤولياتها، والتعالي على المصالح الضيقة والعمل على انجاز قاونن انتخابي في الربع الساعة الاخيرة، يضمن التمثيل الصحيح لكل اللبنانيين ويعطي قيمة لصوت كل مواطن لبناني، فلعبة عض الاصابع على شفير الهاوية، والتي نشهدها اليوم هي لعبة اشبه بلعبة الموت، قد تدخل لبنان في الفراغ القاتل، وهذا امر خطير وخطير جدا، اذ قد ينهار الهيكل على رؤوس الجميع لا سمح الله".
وختم "نسأل الله ان يحمي وطننا الحبيب، ونبارك لكم هذه الذكرى".

ممثل مفتي الجمهورية الشيخ خلدون عريمط:
وألقى ممثل دريان كلمة، قال فيها: "أربعون عاما قضاها سماحة الشيخ محمد أبو شقرا شيخ عقل للموحدين الدروز في لبنان. أربعون عاما من العطاء الإيماني والإنساني وبناء المؤسسات، والمواقف الوطنية والاسلامية خدمة للقضايا الوطنية والعربية، و التعاون مع دار الفتوى في عهدي مفتي الجمهورية الراحل الشيخ محمد علايا ومفتي الجمهورية الشهيد الشيخ حسن خالد ومع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في عهد الإمام المغيب موسى الصدر والإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين ومع المراجع الدينية المسيحية بشتى مواقعها، لتؤكد هذه المشيخة الوطنية الإيمانية والعربية، التي يقودها الآن سماحة العلامة الشيخ نعيم حسن، بأن لبنان وطن العروبة والإنسان والإيمان، لا يمكن أن يعيش إلا بجميع أبنائه مسلمين ومسحيين، شعبا واحدا متساويا في الحقوق والواجبات أمام القانون".
أضاف "لبنان التنوع والحرية والعدالة والمساواة، هكذا أراده الكبار من أبنائه من الزعيم كمال جنبلاط إلى المير مجيد أرسلان، ومن الرئيس الشهيد رياض الصلح إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومن الرئيس الشهيد رينيه معوض إلى كل الكبار والقامات الإسلامية والمسيحية في هذا الوطن، الذي هو رسالة عيش بين أتباع الرسالات، التي أرادها الله تعالى أن تكون لعبادته، وأن تكون في خدمة وكرامة الانسان في هذا الشرق وفي بلاد الله الواسعة".
وتابع "شاءت لي الأقدار وأنا في مستهل عملي في دار الفتوى في منتصف السبعينات، أن أعاصر سماحة الشيخ محمد أبو شقرا والزعيم كمال جنبلاط والإمام موسى الصدر، وأن أكون شاهدا في قمم عرمون في دارة المفتي الشهيد حسن خالد، حيث كان سماحة الشيخ محمد أبو شقرا رحمه الله، يرفع الصوت عاليا مؤكدا وحدة المسلمين ووحدة اللبنانيين، ومشددا على وحدة الجبل، لأن وحدة الجبل تعني وحدة لبنان وأن وحدة لبنان تعني سلامة القضية الفلسطينية وتعني سلامة كل العرب".
واعتبر أن "ذكرى الوفاء لسماحة الشيخ الراحل محمد أبو شقرا، تعني أن نسلط الضوء على صفحة مشرقة من التعاون بين المراجع الدينية الإسلامية والمسيحية، للحفاظ على عروبة لبنان ووحدة شعبه، وابعاده عن المحاور الاقليمية والدولية وبناء الدولة الوطنية القوية و العادلة. فمن القمم الإسلامية المتعددة لترسيخ وحدة المسلمين، إلى القمم الروحية المتنقلة بين دار الفتوى وبكركي حينا، وبين مشيخة العقل والمجلس الإسلامي الشيعي حينا آخر، إلى الإحتفالات المشتركة بين المراجع الإسلامية في ذكرى المولد النبوي الشريف، التي تمت هنا في هذه القاعة، وتشابكت الأيدي حينها في موقف تاريخي بين شيخ العقل الراحل محمد أبو شقرا والمفتي الشهيد حسن خالد والإمام الراحل شمس الدين لتقول لكل اللبنانيين، وهم آنذاك ضحايا حروب الآخرين، وضحايا العدوان الصهيوني، وضحايا لعبة الأمم: إن وحدة المسلمين هي الأساس لوحدة اللبنانيين مسلمين ومسيحيين".
وقال: "على الرغم من صراع الميليشيات وفوضى السلاح على الأراضي اللبنانية، وخاصة في الجبل وبيروت، وعلى الرغم من الدماء الكثيرة والجراحات والشهداء والدموع المنهمرة من الأمهات والأباء، التي عاشها لبنان في ذلك الزمن الحزين من تاريخه، بقي سماحة الشيخ ابو شقرا كبيرا في مواقفه الاسلامية والوطنية، ثابتا كالجبل الأشم الذي أحبه مع بني معروف، وهو جبل الوطنية والعروبة والايمان. بقي الشيخ أبو شقرا رافضا كل تقسيم أو تجزئة، لأن لبنان كما كان يراه مع الكبار، لا يمكن أن يقسم أو يبتلع، ولا يمكن أن يكون هذا الوطن إلا سيدا حرا عربيا مستقلا محبا ومتعاونا مع أشقائه العرب ومحتضنا لقضاياهم العادلة، ومعاديا ومقاوما للحركة الصهيونية المغتصبة لأرض فلسطين بمساجدها وكنائسها".
أضاف "في ذكرى الوفاء هذه، نقول لسماحة العلامة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن وأركان طائفة الموحدين الدروز الأشقاء لنا، كنا وسنبقى معا في السراء والضراء، ومعا ومع المراجع الدينية والقيادات السياسية الأخرى المخلصة والصادقة سننهض بلبنان الدولة والمؤسسات الشرعية، ومعا يدا بيد لبناء الدولة الوطنية، دولة المواطنة والحرية والعدالة والمساواة، حيث لا سلطة على الأرض اللبنانية إلا سلطة الدولة، ولا قوة إلا قوتها، ومعكم يا صاحب السماحة ومع كل الأخيار في هذا الوطن، لا نريد لبنان أن يكون ساحة صراع لتوجيه الرسائل إقليميا أو دوليا".
وتابع "ومعكم يا صاحب السماحة ومع المراجع الإسلامية والمسيحية الأخرى، سنؤكد أن لبنان هو وطن الإيمان والإنسان، وهو وطن العروبة الحضارية وأن الإسلام والمسلمين ومعهم أبناء أمتهم المسيحيين، هم رسل محبة ورحمة وسلام وتعارف بين الأمم والشعوب، وأن الإرهاب هو عدو للاسلام ولكل الأديان وان الإرهاب بضاعة مستوردة الى شرقنا العربي، بدأ مع الحركة الصهيونية وهي تغزو أرض فلسطين العربية في منتصف القرن الماضي، والارهاب الان مستمر بدعم من أعداء العرب والاسلام لضرب الوحدة الوطنية في كل قطر عربي واسلامي، فلا مكان للمذهبية والطائفية والعصبية والغلو في عقيدتنا الاسلامية، أو في شيمنا وقيمنا العربية، التي نعتز بالانتماء اليها".
وختم "رحم الله شيخ العقل الراحل الشيخ أبو شقرا، وبارك الله بهذه المشيخة وشيخها، شيخ الوطنية والسماحة والسلام، وحمى الله هذا الوطن ليبقى الصورة المشرقة للعيش الواحد بين أبناء العروبة والاسلام".
المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان:
ثم تحدث المفتي الجعفري الممتاز، فقال: "ليس بعيدا عن جبل لبنان، وعن الإرث الوطني، وعطوفة محبة الله، ومقولة: "لبنان لنا ولكم لأننا أبناء الله"، فلتكن سياستنا وطنية بوسع رحمة الله، ليشترك فيها المسلم والمسيحي ببناء هذا البلد حتى لا يضيع لبنان. بهذا العقل نبدأ ذكرى الوفاء لشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز المرحوم الشيخ محمد أبو شقرا، الذي توفي وبين شفتيه "إياكم والفتنة، فإنها تبدأ بالسياسة وتنتهي ببحر من الدم الطائفي الكفيل بإغراق لبنان". وليس هذا غريبا عن عقله وفهمه، لأن من ولد قبيل الحرب العالمية وتقلب بين أوجاع الفتن، التي عصفت بالجبل زمن المتصرفية، ثم عاين عتو الانتداب، وتلاشي مقولة "جئنا لننقذكم"، ثم تتبع فظاعة الحربين العالميتين، وصولا إلى أمله بوطن "ضامن عادل" هتف له كأساس لمنطق "اجتمعوا بالوطن ولا تتفرقوا فيه"، فإذا به يتحول صراعا على الطائفية، وذبحا على الهوية، واستنجادا بالأساطيل، وغدرا بالدم والدين والتاريخ، وصولا إلى ذروة الحرب الأهلية الملطخة بدم كذب وذئاب لا تشبع، ليس غريبا عنه أن يحذر اللبنانيين أن يعوا أن "ما يقاتلون من أجله ليس وطن، وأن ما يطلبونه من وطن ليس لبنان".
اضاف "على أن المرحوم الشيخ محمد أبو شقرا، كان كغيره من رؤساء الطوائف الروحيين يتألم لعقلية الاستيلاء على الدولة، وتقاسم السلطة بالانتماء الطائفي، وتلزيم الخدمة بالولاءات، وهو كغيره كان يريد للدولة أن تتحول ضامن مواطنة، ومشروع مؤسسة أكبر من الطائفية والرهانات، لأن لعبة الأرقام والديمغرافيا وهمس ما وراء البحار قد يربح حينا، لكن لن يبقى وطن اسمه لبنان. هذا هو التاريخ بلسانه، وهذا تاريخنا اليوم، لأن الاعتقاد بالخصومة الطائفية، يعني أن ربح طائفة يفترض خسارة الطائفة الأخرى، ومع هذه العقلية يتحول لبنان إلى جغرافيات تتمزقها النوايا الحاقدة، ليس على مستوى مصالح لبنان الإقليمية فحسب، بل بالداخل اللبناني ومشاريع الخنادق، لدرجة أن عقلية الثأر والتشفي ورد الصاع صاعين تكاد تكون أكبر محركات العقل السياسي الطائفي في لبنان".
وتابع "لذا من على منبر الشيخ محمد أبو شقرا، نعيد تكرار مشتركاته الوطنية، حتى لا يضيع البلد ويضيع إنسانه، فنقول:
أولا: ليست السياسة أن تربح لأخسر، بل السياسة أن نربح معا، ليبقى لبنان، وهذا يفترض شراكة الشرعية البرلمانية والقرار السياسي الاجتماعي ومنع الفراغ حتى لا نخسر لبنان.
ثانيا: ليس لبنان نتاج اليوم فحسب، بل نتاج الأمس المغمس بالوجع، ولكل حظه من فاتورة الدفاع عن هذا البلد، لذا نصر على تأطير الوظيفة الوطنية للسلطة ضمن قواعد تعيد إنتاج السياسة عبر تمثيل الجبل لبيروت، والشمال للجنوب، والبقاع للجبل، والمسيحي للمسلم، والسني والدرزي للشيعي، والعكس، عن طريق قانون انتخاب لا ثأر فيه ولا تشف ولا حقد، لنضمن عدالة التمثيل الوطني ونلحظ الهواجس، على قاعدة "لبنان لكل اللبنانيين وكذا حكومته وبرلمانه ورئاسة الجمهورية فيه"، بعيدا عن كأس"الطائفية البغيضة"، لأن تاريخ الطائفية مر، وشرابها سم زعاف.
ثالثا: إن إنتاج البلد يكون بقواعد ضامنة، وهوية دستورية تمنع الدشم الطائفية، وأطر سياسية تجمع المكونات الوطنية ضمن مبدأ المواطنة كعقل حقوقي، وعبر أسس تشريعية تمنع الاستبداد بالسلطة والجموح بالمركز والاستغلال للطائفة، والاستئثار بالمال، والتجيير للأدوات السياسية والإدارية والمالية، واللعب بدم الطوائف، وممارسة التشفي خاصة عبر قناع الوطنية الزائف، وذلك ضمن أطر لا تسمح بالفراغ ولا تغامر به، ولا تسقط شرعية أم المؤسسات، لأن تاريخ هذا البلد دليل أسود على محارق السياسة. والمبدأ أن نعيش الشراكة الوطنية بلا بخس، والقرار السياسي بلا ثأر، والانتماء للوطن بلا زيف، وقانون انتخابات بقياس وطني وتمثيل عادل، لأن كثيرا ممن راهنوا على "القياسات الضيقة" ربما ربحوا بالسياسة لكنهم خسروا لبنانهم".
وقال: "لأننا نعيش عقدة اليوم ورهان السياسة في منطقة تعيش حافة الهاوية ومصير حرب تكاد تكون أكبر من إقليمية، لذا فإن الخيارات بين أيدينا صعبة والوقت أصعب، والمطلوب دعم الشرعية ومنع الفراغ، وتأكيد الوطنية لا الطائفية، وإسقاط فكرة الفراغ بالفراغ، والقبول بشراكة المؤسسات، واللجوء إلى قانون انتخاب يمنع نحر "الشرعية البرلمانية"، ولبنان اليوم قبل الغد بحاجة إلى "إنعاش وطني"، طارئ، لمنع التهور والطيش وسياسة عض الأصابع، لذا نطالب الرئيس ميشال عون بوقفة وطنية بقياس وطنيته، أن يبادر لاتخاذ "موقف ولو مر" يعبر عنه بقانون انتخاب وطني يربح فيه لبنان، ليمنع الطائفية من إحراق هيكل هذا البلد".
وختم "أخيرا، نعود إليك، يوما قالها الإمام الصدر ويده بيدك: الدين مصلحة إنسان وخدمة أوطان، فإذا نحر الوطن فاتهموا الطائفيين، لأنهم يعيشون على أشلاء أوطانهم".

سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن:
وفي الختام، ألقى شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز كلمة، استهلها بالقول: "إننا إذ نكرم اليوم كبيرا من رجالات لبنان، نكرم فعلا، في الآن عينه، معنى أساسيا من معاني كينونة وطننا العزيز. لقد كان بلدنا الغالي على الدوام بيئة خصبة لكبار الرجال، وفي ذاكرة كل منا مثال، بل مثالات لهؤلاء الذين تميزوا بفسحة العقل والروح، فكرسوا حيواتهم للتأسيس والبناء من دون أن يغيب عن بالهم، في عمق مقاصدهم، الصرح الوطني من حيث هو غاية تسمو في قيمتها وجدواها على كل المصالح الفئوية الضيقة".
أضاف "عندما نذكر سماحة الشيخ محمد ابو شقرا، فإننا في الحقيقة نستحضر شيخا وقورا وحضورا وازنا في التقاليد الوطنية ترجح كفته على أي حضور آخر. من بناء دار طائفة الموحدين الدروز في بيروت، التي أرادها أن تكون مدماكا وطيدا ثابتا في بنيان وطننا لبنان، الى المؤسسة الصحية في عين وزين، مسيرة توحيدية وطنية مثمرة، رسخت علاقات وطيدة، خصوصا بين القادة الروحيين مسلمين ومسيحيين، ما تمت ترجمته لاحقا في سياقين مهمين في إطار تأكيد الثوابت الوطنية الجامعة، والثوابت الإسلامية التي يمكن أن نراها اليوم مقدمات باكرة وضاءة لما نشهده في وقتنا هذا من حيوية فكرية في إطار التعاطي مع مفاهيم المواطنة والحرية والاحترام المتبادل ودعم كل ما من شأنه تثبيت قواعد الدولة العادلة القوية والحاضرة بكل مقومات الفاعلية في العالم المعاصر".
ولفت إلى ان "سماحته كان مسكونا بإرادة الإصلاح الاجتماعي على قاعدة أن الخير أفعال وإنجازات، وليس مقصورا على هاجس خلاص الذات وحسب. وتلك إرادة استندت على إيمان بضرورة التفاهم على المبادئ، لتكون أساسا متينا لوحدة الصف، فكان المبادر الى مأسسة القضاء المذهبي الدرزي ومشيخة العقل وإنشاء المجلس المذهبي. ومن حسه التاريخي بالتقاليد المعروفية عزز الموقف السياسي العام، وطنيا، بالشعور العميق أن تاريخ الجبل يحفظ لبنيه الأشاوس أنهم مكون ذو عراقة من مكونات لبنان الوطن، وعموما بأنهم معتزون بعروبتهم، متجذرون في تراثهم الإسلامي الحضاري المتنور، وبأن حضورهم الجوهري هو في المدى الإنساني الفسيح بما يحملونه والحمد لله من فضائل وتقاليد شريفة وأخلاق حميدة يحافظون عليها كلما لاقت بهم الحياة. هذه كلها ثوابت في الوجدان والضمير والذاكرة".
وقال: "في ذكرى الشيخ الجليل، نتطلع الى واقعنا اليوم والأسى يعتمر القلب على كل حال، وبكل صراحة، نحن في طائفة الموحدين الدروز يمتلكنا الحس السياسي الوطني الجامع الذي كون لبنان، والذي أثمر لنا ذات يوم مضى ما اتفق الوطنيون على تسميته آنذاك ب"الميثاق الوطني". نحن نتمسك، ليس بالميثاق تحديدا وحسب، بل بروحه، وبفلسفته، وبمقاربته الفذة، التي مكنت اللبنانيين من بناء وطن ذي "رسالة". وقناعتنا المستندة إلى قراءة التاريخ بروية وتبصر، تدعونا إلى القول إنه ما من ظرف زمني ملتبس اهتزت به أركان الوطن بالأزمات والصراعات، إلا وكان ذلك نتيجة إهمال روح الميثاق، والمكابرة على النصوص الدستورية بما يتجاوز مقاصدها الوطنية، التي من أجلها اعتمدت، والذهاب بعيدا في لعبة المصالح السياسية الفئوية".
اضاف "إن العالم من حولنا يعبر الآن في فترة يتسارع فيها إيقاع التاريخ. ونرى عبر ذلك أن دولا كبرى تعبر عن مخاوف ومخاطر وتهرع إلى لعبة الحفاظ على مصالحها بأي ثمن. في حين أن منطقتنا العربية والإسلامية تحدق بها الأزمات المعقدة من كل اتجاه. علينا أن نحصن بلدنا حماية وصونا لأهلنا وشعبنا. إن المسارعة في وضع حركة الحكم ومؤسساته في الطريق الدستوري السليم هو طريق النجاح للعهد، الذي نريد له النجاح وللحكومة التوفيق، أولا في تحصين جيشنا الوطني الذي يتصدى لأكثر المهمات بنجاح والحمد لله، ولاستقرار الوضع الاقتصادي الذي يرهق كاهل المواطنين".
وتابع "لقد عبرنا مرحلة التعطيل والجمود بفضل شجاعة الإقدام على تفاهمات مشتركة. علينا، أعني على القادة السياسيين خصوصا، الدفع بهذه التفاهمات إلى فسحة المناعة الميثاقية، التي لا يقوم بلدنا إلا بها سالما من أي انتكاس. ولكن إذا كان قانون الانتخاب مدخلا لتصويب الحياة الديموقراطية وتجديد المؤسسات بقرار من الشعب، فإن ما شهدناه في بعض الطروحات ليس إلا مزيدا من الفرز والتقسيم، بدل الجمع والتقريب. في مسلكنا التوحيدي ما من ميزان راجح بالخير دون نية طيبة معقودة به.أقول للبعض حسنوا نواياكم، وتابعوا التواصل والحوار فلا بد بعد العسر يسر".
واستطرد "أما لجهة مجلس الشيوخ، وللتاريخ ومع ارادتنا بالترفع عن أي سجال طائفي، نذكر توضيحا للحق، أنه بتاريخ 21/4/1983، وبمبادرة آنذاك للخروج من التجربة المفجعة ومرارة القلب الى رحاب الحقل الإنساني الجامع، وقع كل من المرحومين الشيخ محمد أبو شقرا والأمير مجيد أرسلان مع قائد المسيرة الأستاذ وليد بك جنبلاط، مذكرة بالمطالب الوطنية والسياسية والأمنية للموحدين الدروز، وزعت على المراجع المختصة في حينه، وتضمنت مطالبة بإنشاء مجلس للشيوخ مع تفصيل لصلاحياته وأن تكون رئاسته للطائفة الدرزية، ونحن نعتبر مع عموم أبناء الطائفة أن مجلس الشيوخ قد أوجد في رحم الطائف وأن ولادته مرتبطة أصلا بإلغاء الطائفية السياسية. ونرى ان أي خطاب لإدخال هذا الموضوع في جدليات، يكون بداية تخلي عن المبادئ العامة والأساسية بوجه طائفة تأسيسية تاريخية في وطننا لبنان".
وقال: "إننا نرى ان اللحمة الحقيقية لهذا البلد في جوهر المصالحة الوطنية والعيش المشترك والثوابت الميثاقية، التي نادى بها القادة الروحيون على الدوام، وفي المبادئ الدستورية المتجددة في الطائف، وروحها الميثاقية، ونحن ننادي بها أيضا، كي يكون لكل ملامح الشعب اللبناني ملاذا عزيزا قويا مصانا للعيش المشترك، والمساحة الحرة التي نحافظ بها على قيمنا ومثلنا الإسلامية - المسيحية المبنية على الإيمان بالله الرحمن الرحيم، بالله المحبة، بالنعم التي أوجد بها الإنسان، قادرا على معرفة الآخر ليكون له مرآة روح، وإمكان شراكة في الوجود الحي، على النقيض تماما من كل نوازع النفس الأمارة بالسوء والعنف والبغضاء".
أضاف "لا بد لنا في هذا اليوم المشهود، من أن نذكر بأن طائفة الموحدين الدروز، هي الخميرة الطيبة، التي بها نضج كيان لبنان كما يعرف ذلك (إذا اراد) كل من له متابعة تاريخية وثقافة وطنية. ولا يمكن أن يقاس تراثها بالعدد والنسبة الكمية. بل هي طائفة في موقع الاتزان الوطني والميثاقي، إذ كان مشروعها على مر التاريخ هو الوطن بعيدا عن كل تعصب طائفي. همها الأساسي هو كيان الدولة بكل مؤسساتها. إنها طائفة العقل المنفتح على كل ما من شأنه حفظ لبنان بعيدا عن أخطار التشرذم والفئوية والإنعزال والتمترس الطائفي. إنها طائفة المصالحة والحوار والعيش المشترك. يدها على الدوام ممدودة بشجاعة لتبقى جسور الألفة والتفاهم والوحدة الوطنية ضمانة ضرورية لحرية كل اللبنانيين وكراماتهم. إنها طائفة مهيأة بقياداتها ورجالاتها وكبارها لكل ما من شأنه أن يعزز الروح الميثاقية اللبنانية كما عبر عنها الدستور، وكما عاشها رجال الاستقلال. هكذا كنا وهكذا نكون".
وختم "معكم يا أصحاب السماحة والغبطة، لنزرع جميعا في كل خطبة وعظة بذور التعاضد والتلاقي والمحبة والتكافل والتضامن والمواطنة، لأن هذا دورنا وهذه رسالة أدياننا السماوية، وبذلك فقط خلاصنا وخلاص الوطن، ونتوجه بالدعاء لله عز وجل أن يحفظ بلداننا وشعوبنا، وأن يمن على أقطارنا العربية بالاستقرار والسلام، مؤكدا تضامننا مع القضية الفلسطينية، وخاصة موضوع الأسرى الفلسطينيين، وممانعة تهويد القدس الشرقية، وأن يمن بالسلام على أرض السلام، إنه هو السميع المجيب".
بعد الكلمات، توجه الحضور الى ساحة وطى المصيطبة، حيث تمت ازاحة الستار عن النصب التذكاري للراحل ابو شقرا.
*********************